الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إماماً في المذهب، مائلاً إلى الحجة. خطب ودرس واشتهر اسمه، وسمع جزء الأنصاري، وامتنع من الرواية، وكان يوهن بعض المسائل لضعف دليلها، ويلقي دروساً مفيدة متقنة يدهش من يسمعها ويزجر من يعارضه، وكان متصوفاً متديناًً، مليح البزة، حسن الشكل، لا يخضع لقاضٍ ولا أمير، ولا تأهل قط. درس بالمنصورية وغيرها. تفقه على البرهان المراغي، فقرأ عليه التحصيل في الأصول وحفظه، وسمع من جماعة، وعين للقضاء لكن في خلقه زعارة وعنده قوة نفس، وقلة إنصاف، وله أخبار في نفوره وزعارته.
قلت: هكذا نقلوا عنه، وأخبرني بعض الفقهاء المصريين أنه كان يقرر المسألة حتى لا يخلي لأحد معه كلاماً، فإن جاء أحد يتكلم. فال: إيش تريد تفسر، ومن زعارته ما حكى لي بعض الفقهاء الفضلاء المصريين بعد أن جرى لي معه قضية، وهي أنه جاءني يطلب مني إعارة نسخة كتاب الحاوي، وكانت عندي عارية للقاضي نجم الدين الطبري، وذكر أنه أذن له في أخذها مني، فامتنعت من دفعها إليه، فخرج من عندي مغتاظاً، فلقي بعض الفقهاء المكيين، فشكا عليه ذلك، وقال: جئته، فلم يقم لي وامتنع من دفع الكتاب إلي فهون عليه ذلك، وكنت قد قلت له: لو جاء صاحبه ما أعطيته إياه، وقال له: إنه يدل على القاضي يعني له عند القاضي منزلة ومودة، فلما كان بعد ذلك بأيام جاءني وأنا في المسجد الحرام، وعندي جماعة يشرحون على الكتاب المذكور، فقال لي: أحب منك أن تعيرني الكتاب أنت، فأنا أعتقد أنك ما تحتاج إليه، فقلت له عند ذلك بعدما أنعمت له به: ما أنت إلا صبرت على جفائي بجلافة خلقي، فتبسم عند ذلك، وقال ما معناه المدح لي، وبقي ما ذكرت من الخلق المذكور، ثم بعد ذلك شرع يحكي حكاية جرت له مع الشيخ زين الدين المذكور، وقال: جئت مع والحي إليه، فلما قربنا من الباب قال لي والدي: لا تدخل معي بل قف قليلاً، ثم ادخل قال: فلما دخل والدي، فسلم سمعته يقول له البعيد: حمار قال: ثم وقفت قليلاً، ودخلت فقال لي: إيش أنت، فقلت: يا سيدي جحش ولد ذلك الحمار، فضحك هو، ومن عنده قلت: وبلغني أنه كان يستحضر.
سنة تسع وثلاثين وسبع مائة
هلك في شهر رجب منها ستون نفساً بالزلزلة في طرابلس الشام.
وفي الشهر المذكور قدم الإمام العلامة تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي متولياً قضاء القضاة في البلاد الشامية، وفرح العالم به لدينه وعفته وعلومه الباهرة، وأوصافه الجميلة.
وفيها توفي الإمام العلامة بدمشق، قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
القزويني الشافعي عن ثلاث وسبعين سنة، ذو الفنون، جامع المعقول والمنقول ابن قاضي القضاة سعد الدين ابن قاضي القضاة إمام الدين. أخذ المعقول عن الشيخ شمس الدين الألجي وغيره، وسمع من الفاروثي وطائفة، ثم ولي خطابة البلد مدة، ثم طلبه السلطان الملك الناصر، وشافهه بقضاء دمشق، ووصله بذهب كثير، فحكم مع الخطابة، ثم طلب سنة سبع وعشرين، فولاه قضاء الممالك، وعظم شأنه، وبلغ من الرتبة والعز ما لم يصل إليه غيره، وكان فصيحاً حلو العبارة يعرف العربي والعجمي والتركي، مليح الصورة، موطأ الأكناف، سمحاً جواداً حليماً. جم الفضائل، كثير التحمل. ثم نقل في سنة ثمان وثلاثين إلى قضاء الشام، فتعلل وحصل له طرف من الفالج، ثم حضره الأجل، وله من التصانيف المفيدة الكتابان المشهوران في علم المعاني والبيان.
وفيها توفي الإمام العلامة، الصالح الخاشع، جامع المحاسن العديدة، والسيرة الحميمة الورع المتواضع الخاضع أبو البشر محمد بن محمد الأنصاري الدمشقي، المعروف بابن الصائغ، ولد سنة ست وسبعين وست مائة، وسمع كثيراً من أبيه، وابن شيبان، والفخر علي وعدة وحدث بصحيح البخاري، وحفظ التنبيه، ولازم حلقة الشيخ برهان الدين، وولوه قضاء القضاة فاستعفى، وصمم على الامتناع، فاحترمه الناس وأحبوه لتواضعه ودينه وتعبده. حج غير مرة، وأعطي خطابة بيت المقدس مدة مديدة، ثم تركها.
وكان مقتصداً في لباسه وأموره، كبير القدر حصل في صغره، ودرس وهو أمرد، وزار بيت المقدس عند قرب أجله فتعلل، ثم انتقل إلى دمشق، وفيها انتقل إلى الله تعالى، وكان حسن الاعتقاد، بمن سمع به من أهل الخير، كثير الوداد، ولقد بلغني أنه لما وقف على بعض كتبي، وأظنه كتاب الإرشاد، وضعه على عينه حسن ظن منه. نفعه الله ونفع به، وكذا عادة أهل الخير في حسن الظن ومن ذلك أني لما حكيت للسيد الجليل الزاهد الواعظ المقرئ الشيخ أبي عبد الله المغربي، المعروف بالقصري حكاية الشيخ المشهور، المقرئ المشكور محمد بن زاكي التميمي مع بعض المبتدعين لما قرأ عليه، واجتمع له التحقيق، وحسن الصوت قال له أصحابه: ما أحسن هذا لو كان شيخك منا، فقال: وما على من ذلك أخذت العسيلة، وتركت الظرف، فلما بلغ ابن زاكي ذلك، قال للطلبة: نحب أن ترجع إلينا
عسيلتنا، فأنسى ذلك الشخص جميع ما كان يحفظ، وكان قد قرأ السبع، فعرف من أين أتى، واستغفر الله تعالى، وتاب ودخل في مذهب الشيخ ابن الزاكي، وكان شافعياً، وصار يتعلم كما يتعلم المبتدئ إلى أن بلغ خمس روايات، ثم توفي.
وهذه الحكاية مستفيضة في بلاد اليمن، فلما حكيتها للشيخ أبي عبد الله القصري المذكور قال لي: إن كنت قرأت على هذا الشيخ قرأت عليك نقول ذلك من باب حسن الظن كما ذكرت، ولمناسبة أهل الخير والصلاح في حسن الظن ذكرت هذه الحكاية هنا مع كونها دخيلة، وكان - رحمه الله تعالى - يسألني عن مذهب الإمام الشافعي، ويقول: أنا ما أتقيد بمذهب مالك بل آخذ بما رجح فيه الدليل، وكان يسمع بقراءتي سنن أبي داود على شيخنا الإمام رضي الدين الطبري، فلما فرغت قراءة الكتاب، قال: اكتب لي الإجازة، فكتبت وذكرت فيها بعض أوصافه على سبيل المدح، فأخذ القلم، وضرب على ذلك سوى المقرئ الواعظ، فإنه لم يضرب على لفظهما، وقال: صحيح وذلك من شدة ورعه وزهده أعني ضربه على ما نسبت إليه رحمه الله تعالى.
وفيها توفي شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة شمس الدين محمد المنتسب إلى شيخ الشيوخ، في المجد والمفاخر الذي خضعت لقدمه رقاب الأكابر، الشيخ أبي محمد محيي الدين عبد القادر الجيلي، جده الرابع، أعاد الله من بركاته علينا، وعلى المسلمين، وكان شمس الدين المذكور عالماً صالحاً وقوراً وافر الجلالة، روى عن الفخر علي بدمشق، وحج مرتين.
وفيها توفي صاحب التاريخ الكبير محمد بن إبراهيم ابن الجرزي الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة.
وفيها مات بخليص محرماً في ذي الحجة الإمام الحافظ محدث الشام علم الدين القاسم بن محمد بن البرزالي الشافعي، صاحب التاريخ، والمعجم الكبير عن أربع وسبعين سنة وأشهر.