الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان إماماً في فن الخلاف، وهو أول من آفرده بالتضيف، ومن تقدمه، كان يمزجه بخلاف المتقدمين، ومن تصانيفه أيضًا كتاب النفائس اختصره شمس الدين أحمد بن الجليل الفقيه الشافعي الجوني قاضي دمشق وسماه عرائس النفائس، وكان كريم الأخلاق، كثير التواضع، طيب المعاشرة.
وفيها توفي الفقيه العلامة عماد الدين أبو القاسم الدامغاني قاضي القضاة عبد الله بن حسين، ولي القضاء بالعراق نحو ثمان سنين، ثم عزل، وأبو الفتوح محمد بن محمد بن محمد القرشي التيمي البكري الصوفي.
وفيها توفيت أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني الأصل، النيسابوري الدار، الصوفي المذهب المعروف بالشعري بفتح الشين المعجمة، وسكون العين المهملة، وكسر الراء، كانت عالمة أدركت جماعة من العلماء، وأخذت عنهم رواية واجازة منهم الإمام أبو المظفر بن عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري والحافظ أبو الحسين عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي وأبو البركات ابن الإمام محمد بن الفضل الفزاري والعلامة أبو القاسم الزمخشري صاحب الكشاف وغيرهم.
سنة ست عشرة وست مائة
في أولها خرب الملك المعظم سور بيت المقدس خوفًا وعجزأ من الفرنج أن يملكه، فشتت أهله وتضرروا، وكان هو مع أخيه الكامل في كشف الفرنج عن دمياط، وتمت لهم للمسلمين حروب وقتال كثير، وجدت الفرنج في محاصرة دمياط، وعملوا عليهم خندقًا كبيرًا، وثبت أهل البلد ثباتًا لم يسمع بمثله، وكثر فيهم القتل والجراح، وعدمت الأقوات، ثم سلموها بالأمان وتسارعت الفرنج من كل فج عميق، وشرعوا في تحصينها، وأصبحت دار هجرتهم وترجوا أخذ ديار مصر، وأشرف الإسلام على الإنكسار والدمار، وأقبل أعداء الله من المشرق والمغرب، وأقبل المصريون على الجلاء فيهم الكامل إلى أن سار أخوه الأشرف كما سيأتي في سنة ثمان عشر وست مائة.
وفيها توفي أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري الضريري النحوي صاحب التصانيف، أخذ النحو عن أبي محمد بن الخشاب وغيره من مشائخ عصره ببغداد، وسمع الحديث من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي، ومن أبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي وغيرهما، ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله في فنونه على ما قيل:
وكان الغالب عليه علم النحو وتصانيفه مفيده منها شرح كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي وديوان المتنبي واعراب القرآن الكريم في جزأين وكتاب اعراب الحديث وكتاب شرح اللمع لابن جني وكتاب اللباب في علل النحو وكتاب اعراب شعر الحماسة وشرح المفصل للزمخشري شرحًا مفصلاً وشرح الخطيب النباتية والمقامات الحريرية، وصنف في النحو والحساب، واشتغل عليه خلق كثير، وانتفعوا به واشتهر اسمه في البلاد في حياته وبعد صيته، وحكى في شرح المقامات عند ذكر العنقاء أن أهل الرس كان بأرضهم جبل يقال له: دمح صاعد في السماء قد رميل، وكانت به طيور كثيرة، وكانت العنقاء طائرة عظيمة الخلق طويلة العنق لها وجه إنسان وفيها من كل حيوان شبه من أحسن الطير، وكانت تأتي في السنة مرة هذا الجبل، فتلتقط طيره، فجاعت في بعض السنين وأعوزها الطير، فانقضت على صبي، فذهبت به، فسميت عنقاء مغرب والمغرب الني يجيء بالغرائب لإبعادها بما تذهب به، ثم ذهبت بجارية أخرى، فشكى أهل الرسل إلى نبيهم حنظلة بن صفوان، فدعا عليها فأصابتها صاعقة، فاحترقت، والله أعلم انتهى.
قال بعض أهل العلم: هذا حنظلة بن صفوان نبي أهل الرس كان في زمن الفترة بين عيسى ونبينا صلوات الله وسلامه عليهما.
وذكر بعض المؤرخين، وهو الفرغاني نزيل مصر أن العزيز نزار بن المعز صاحب مصر اجتمع عنده من غرائب الحيوان ما لم يوجد عند غيره، فمن ذلك العنقاء، وهي طائر جاءه من صعيد مصر في طول البلسون، وأعظم جسما منه له غبب ولحية، وعلى رأسه وقاية، وفيه عدة ألوان، ومشابهة من طيور كثيرة.
وذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار في باب الطير، عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الله تعالى خلق في زمن موسى طائرة اسمها العنقاء، لها أربعة أجنحة من كل جانب، ووجه كوجه الإنسان وأعطاها من كل شيء قسطًا، وخلق لها ذكر أمثلها، وأوحي إليه إني خلقت طائرين عجيبين وجعلت رزقهما في الوحوش التي حول بيت المقدس وأنستك بهما وجعلتهما زيادة فيما فضلت به بني إسرائيل، فتناسلا، وكثر نسلهما، فلما توفي موسى عليه السلام انتقلت، فوقعت بنجدوا الحجاز، فلم تزل تأكل الوحوش، وتخطف الصبيان إلى أن شكوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدعا الله تعالى، فقطع نسلهما وانقرضت، والله أعلم.
قلت: وأما ما يقال في المثل في عدم وجود بعض الأشياء كالعنقاء يسمع بها ولا يرى
على هذا يكون المراد بعدم رؤيتها بعد الانقراض المذكور.
وقال بعضهم: شيئان يسمع بهما ولا يريان العنقاء والغول، هكذا قيل قلت: ولكن قد حكي في رواية الغول حكايات كثيرة وإنها تتلون وإلى ذلك أشار كعب بن زهير في قوله:
ولا تدوم على حال تكون بها
…
كما تلون في أثوابها الغول
وهي من سعالى الشياطين تعوذ بالله منهم، وقد قيل: إنها تجيء بعض الناس في صورة امرأة حسناء، ثم تسحره حتى يصير في صورة حمار، فتركب عليه وتركضه إلى حيث شاء، ثم تتركه أو ترده، ثم تروح وتخليه، وعلى لسان حال من وقع له هذا قلت أبياتًا في وصف الدنيا مشبهًا لها بالغول على طريق الخناس منها قولي.
كغول ذي غول ذي خداع
…
وجابي الأرض ركضًا، ثم جابي
سعى لي مع سعالى ثم دلى
…
يد الماجري بي في جرابي
ولي أهوى بما أهوى، فلما
…
ترقي في حرابي في حرابي
رمى نحري لنحري ثم جهدي
…
أنادي بالحرابي وأحرابي
ومعنى قولي في البيت الأول وجابي الأرض من الوحي الذي هو الدق أي ركض بي، وقولي في آخره: ثم جابي من المجيء أي ردني، وفي البيت الثاني سعالى من سعى يسعى مع سعالى جمع سعلان لما جرى بي من الجري، وفي جرابي الجراب المعروف، ولي أهوى أي أخرج من الجراب شيئًا أهوى به إلي بما أهوى أي بما أحب، والمعني أنه طمنني حتى أسكت خداعًا منه، فلما ترقي في حرابي حرًا هو الجبل المبارك المعروف الذي ترقي فيه، وفي حراب الثاني جمع حربة رمي نحري أي بتلك الحراب لنحري أي لقتلي كما ينحر الناقة، معنى أنادي بالحرابي أي بالجهد والطاقة مني التي لا أقدر على غيرها، وأحرابي من الحرب أي جهدي أقول واحرباه.
وفيها توفي الإمام العلامة أبو محمد عبد الله المعروف بابن شاس الجذامي المصري شيخ المالكية. صاحب كتاب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة وضعه على ترتيب وجيز الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى.
قال ابن خلكان: والطائفة المالكية بمصر عاكفة عليه لحسنه، وكثرة فوائده، وكان مدرساً بمصر بالمدرسة المجاورة للجامع، وتوجه لمجاهدة العدو لما أخذ دمياط، فتوفي هناك رحمه الله، كان من أكبار أئمة العالمين، حج في أواخر عمره، ورجع وامتنع من الفتيا
إلى أن مات مجاهدًا في سبيل الله.
وفيها توفي الحافظ علي بن القاسم ابن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر وصاحب سنجار الملك المنصور قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي، وست الشام الخاتون بنت أيوب أخت الملك العادل، توفيت في دمشق، ودفنت في مدرستها الشامية.
وفيها توفي أبو الفرج عبد الله بن أسعد بن علي المعروف بابن الدهان الموصلي الفقيه الشافعي المنعوت بالمهذب، كان فيها أديبًا فاضلاً شاعرًا، لطيف الشعر، مليح السبك، حسن المقاصد، غلب عليه الشعر واشتهر به، وله ديوان صغير وكله جيد، وهو من أهل الموصل. لما ضاقت به الحال عزم على قصد الوزير بمصر الملقب الملك الصالح، وعن استصحاب زوجته، فكتب إلى نقيب العلويين بالموصل أبي طاهر زيد بن محط الحسيني هذه الأبيات.
وذات شجو أسأل البين غيرتها
…
باتت تؤمل بالتقييد امساكي
لجت فلما رأتني لا أصيخ لها
…
بكت فأقرح قلبي خفتها الباكي
قالت وقد رأت الأجمال محدجة
…
والبين قد جمع المشكو والشاكي
مالي إذا غبت في ذا المحل قلت لها:
…
الله وابن عبيد الله مولاك
لا تجزعي بانحباس الغيث عنك فقد
…
سألت نواء الثريا جوف معناك
فكفل بالشريف بن عبيد الله المذكور لزوجته بجميع ما تحتاج إليه مدة غيبته عنها فتوجه إلى مصر، ومدح الصالح بقصيدته الكافية أولها.
أما كفاك تلافي في تلافيكا
…
ولست تنقم إلا فرط حبيكا
ومنها:
أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم
…
والشعر مازل عند لترك متروكا
لانلت وصلك إن كان الذي زعموا
…
ولا شفا ظمأى جود ابن رزيكا