الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دمشق ويعطي الاسكندرية، ثم ركب الملك الصالح في المدرسة، وحمل الجواد الغاشية بين يديه، ثم أكل يديه ندما وسافر وتوجه الصالح نحو الغور، وطلب عمه إسماعيل من بعلبك ليتفقا، فدبر إسماعيل أمره، واستعان بالمجاهد صاحب حمص، وهجم دمشق فأخذها، فسمعت الأمراء، فتوجهت إليه، وبقي الصالح في طائفة، فأخذه عسكر الناصر صاحب الكرك، واعتقله عنده.
وفيها توفي الشيخ العارف الصالح أبو العباس أحمد بن علي القسطلاني الفقيه المالكي الملقب بزاهد مصر، تلميذ الشيخ الكبير العارف بالله الشيهر أبي عبد الله القرشي، سمع الحديث، وتفقه ودرس بمصر، وأفتى وصحب الشيخ المذكور، وكان القاري في مواعيده، وتزوج بعد موته زوجته السيدة الجليلة الصالحة أم ولده الشيخ قطب الدين الإمام المحدث، ثم جاور أبو العباس المذكور بمكة وتوفي بها وقبره معروف يزار في الشعب الأيسر.
قلت: وبلغني أنهم احتاجوا في المدينة الشريفة إلى الاستسقاء، وهو بها مجاور، فاتفق رأيهم أن يستسقي أهل المدينة يومًا المجاورون يوماً، وبدأ أهل المدينة بالاستسقاء، فلم يسقوا، فعمل هو طعاماً كثيرًا للضعفاء والمساكين، واستسقى مع المجاورين، فسقوا، وله مؤلف جمع فيه كلام شيخه أبي عبد الله القرشي، وكلام بعض شيوخه، وبعض كراماته. وفيها توفي الحافظ الجوال محدث الشام ومفيده أبو عبد الله محمد بن يوسف الإشبيلي، الملقب بالزكي، سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق وأصبهان وخراسان والجزيرة، فأكثر وتوفي في رمضان بحماة رحمه الله.
سنة سبع وثلائين وست مائة
قد تقدم أن إسماعيل هجم دمشق فملكها، وتسلم القلعة من الغد، واعتقل الصالح أيوب بالكرك أشهرًا وطلبه أخوه العادل من الناصر داؤد، وبذل فيه مائة ألف دينار، وكذا طلبه الصالح إسماعيل، فامتنع الناصر، ثم اتفق معه وحلفه، وسار به إلى الديار المصرية، فمالت إليه الكاملية، وقبضوا على العادل، وتملك الصالح أيوب ورجع الناصر.
وفيها توفي الحافظ المقرىء الحاذق أبو عبد الله محمد بن سعيد المعروف بابن الدبيثي الواسطي الشافعي، سمع الحديث، وقرأ القراءات، وكان إمامًا متفننًا واسع العلم، غريز الحفظ وفيها توفي الحافظ المقرىء الحاذق أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي سعيد الفقيه
الشافعي المؤرخ الواسطي، المعروف بابن الدبيثي بضم الدال المهملة، وفتح الموحدة وسكون المثناة من تحت، وبعدها مثلثة نسبة إلىدبيثا قرية من نواحي واسط، سمع الحديث كثيراً، وعلق تعاليق مفيدة، وكانت له محفوظات حسنة، يوردها ويستعملها في محاوراته وكان في الحديث وأسماء رجاله والتاريخ من الحفاظ المشهورين والنبلاء المذكورين وصنف كتابًاجعله ذيلاً على كتاب تاريخ الحافظ أبي سعيد ابن السمعاني المذيل علىتاريخ بغدادللخطيب، وذكر فيه ما أغفله السمعاني في ثلاث مجلدات وما أقصر فيه، وصنف تاريخاًللواسط، وغير ذلك وأنشد لنفسه:
خبرت بني الأيام طراً، فلم أجد
…
صديقًا صدوقًا مسعداً في النوائب
وأصفيتهم مني الوداد، فقابلوا
…
صفاء وداثي بالفداوالشوائب
وما اخترت منهم صاحبًاوارتضيته
…
فأحمدته في فعله والعواقب
قلت: وهن الأبيات أخذت من أبيات الإمام الشافعي المذكورة في ترجمته وفيها توفي أبو البركات المبارك بن أبي الفتح أحمد بن المبارك، الملقب بابن المستوفي اللخمي الإربلي، كان رئيسًا جليل القمر كثير التواضع واسع الكرم، لم يصل إلى إربل أحدمن الفضلاءإلا وبادر إلى زيارته وحمل إليه ما يليق بحاله، وتقرب إلى قلبه بكل طريق وخصوصًاأرباب الأدب، فقد كانت سوقهم لديه نافقة وكان جم الفضائل عارفا بعدة فنون منها الحديث وعلومه وأسماء رجاله، وجميع ما يتعلق به، وكان إمامًا فيه، وكان ماهراًفي فنون الأدب من النحو واللغة والعروض والقوافي وعلم المعاني وأشعار العرب وأخبارها وأيامها ووقائعها وأمثالها، وكان بارعاًفي علم الديوان وضبطه وحسابه، وضبط قوانينه علىالأوضاع المعتبرة عندهم، وجمع لإربل تاريخاًفي أربع مجلدات، وله كتاب النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام في عشر مجلدات، وكتاب إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل في مجلدين تكلم فيه على الأبيات التي استشهد بها الزمخشري في المفصل وكتاب سر الصنعة وكتاب سماه أبا حماش جمع فيه أدباً كثيرًا ونوادر وغيرها. وديوان شعر أجاد فيه، ومن شعره بيتان فضل فيهما البياض على السمرة، وهما:
لا تخدعنك سمرة غزاره
…
ما الحسن إلا للبياض وجنسه
فالرمح يقتل بعضه من غيره
…
والسيف يقتل كله من نفسه
قلت: ولي أبيات في تفصيل لون البياض على غيره منها قولي:
إذا الغانيات البيض يومًاتفاخرت
…
بألوانها، فاحكم فأنت خبير
فأبيضهاسلطانها، ثم أصفر
…
لسلطانها يتلو علاه وزير
وإن رام تقليد الإمارة أهلها
…
فأسمرها الميمون ذاك أمير
وأحمرها جندلها قل وسايس
…
لها أسود دون الجميع حقير
فإن قيل: لم فضلت للبيض رافعًا
…
ولم قلت ماللبيض قط نظير؟
فقل ذا لأن الحور بيض لها كسا
…
بأحسن ألوان الجمال قدير
وأيضًافلون البيض باهج حسنة
…
يحاكيه بدر في السماء منير
رجعنا إلى ذكر ابن المستوفي، وأرسل إلى شاعر وصل إلى إربل دنياراً مثلوماً مع إنسان يقال له: الكمال، فتوهم الشاعر أن الملك قد فرض قطعة من الدينار، فقصد استعلام الحال من أبي البركات المذكور، فكتب إليه:
ياأيها المولى الوزير ومن به
…
في الجود حقًا يضرب الأمثال
أرسلت بدر التم عند كماله
…
حسنًا فوافى العبد، وهو هلال
ما غاله النقصان إلا أنه
…
بلغ الكمال، كذلك الآجال
فأعجبه هذا المعنى وحسن الاتفاق، فأجاز الشاعر، وأحسن إليه. وكان مستوفي الديوان، وهي منزلة عليه في تلك البلاد تتلو الوزارة، ثم تولى الوزارة بعد ذلك، وشكرت سيرته فيها، ولم يزل عليها إلى أن مات السلطان مظفر الدين، فقعد في بيته في تلك البلاد والناس يلازمون خدمته، وكان عنده من الكتب النفيسة شيء كثير، ثم توفي بالموصل.
قال ابن خلكان: وهو من بيت كبير، وأبوه تولى الاستيفاء بإربل، وعمه أبو الحسن، كان فاضلاً، وهو الذي نقل نصيحة الملوك تصنيف الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، فإن الغزالي لم يضعها إلا بالفارسية، وذلك مشهور بين الناس، ولما توفي رثاه يوسف بن القيس الإربلي بقوله:
أبو البركات لو درت المنايا
…
بأنك فرد عصرك لم تصبكا
كفى الإسلام رزأ فقد شخص
…
عليه بأعين الثقلين يبكى
وفيها توفي أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم، الملقب ضياء الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، العلامة الكاتب البليغ صاحب المثل السائر، انتهت إليه رياسة الإنشاء أتترسل، وكان مولده بجزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل
مع والده إلى الموصل، وبها اشتغل، وحصل العلوم، وحفظ كتاب الله الكريم، وكثيراً من الأحاديث النبوية، وطرفًا صالحًا من النحو واللغة وعلم البيان، وشيئًا كثيرًا من الأشعار وكان من جملة محفوظاته شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي، قال: حفظت هذه الدواوين الثلاثة، وكنت أكرر عليها بالدرس مدة سنين، حتى تمكنت من صوغ المعاني، وصار الإدمان لي خلقًا وطبعاً وقد كنت حفظت من الأشعار القديمة والمحدثة ما لا أحصي، ثم اقتصرت عليه على أشعار الثلاثة المذكورين.
قال ابن خلكان: ولما كملت له الأدوات قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين وكان يومئذ شاباً، فاستوزره ولده الملك الأفضل، وحسنت حاله عنده.
ولما توفي السلطان صلاح الدين، واستقل ولده المذكور بمملكة دمشق، اشتغل ابن الأثير بالوزارة وردت إليه أمور الناس، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه، ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل، وكان ابن الأثير قد أساء العشيرة مع أهلها، فهموا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن مستخفيًا في صندوق مقفل عليه، ثم صار إليه، وصحبه إلى مصر لما استدعي لنيابة أخيه الملك المنصور.
ولما أخذ الملك العادل الديار المصرية، خرج ابن الأثير منها مستترًا وله في كيفية خروجه رسالة طويلة، شرح فيها حاله، ولما استقر الملك الأفضل غاب عن مخدومه الملك الأفضل، ثم بعد ذلك اتصل بخدمة أخيه الملك الظاهر صاحب حلب، فلم يطل مقامه عنده، وخرج مغاضبًا، وعاد إلى الموصل، فلم يستقم حاله، فورد إربل، فلم يستقم حاله فسافر إلى سنجار، ثم عاد إلى الموصل، واتخذها دار إقامته إلى أن توفي، وله من التصانيف الدالة على غزارة فضله، كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، وهو في مجلدين، جمع فيه فأوعب، ولم يترك شيئًا يتعلق بفن الكتابة إلا ذكره، وكتاب الوشي المرقوم في حل المنظوم، وهو مع وجازته في غاية الحسن والإفادة وكتاب المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء، وهو أيضاً نهاية في بابه، وله مجموع أخبار فيه شعر أبي تمام والبحتري وديك الجن والمتنبي في مجلد واحد كبير، وحفظه مفيد.
قال ابن المستوفي: نقلت من خطه، في آخر هذا الكتاب ما مثاله:.
تمتع به علقًا نفيسًا فإنه
…
اختيار بصير بالأمور حكيم
أطاعته أنواع البلاغة فاعتدى
…
إلى الشعر من نهج إليه قويم
وله ديوان شعر ترسل في عدة مجلدات، والمختار منه في مجلد واحد.