الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم
.
…
المبحث الثامن: في محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسمّ.
114-
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا العباس بن محمد1، قال: حدثنا سعيد بن سليمان2 قال: حدثنا عباد هو ابن العوام3، عن سفيان يعني ابن حسين4، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن5 عن أبي هريرة:"أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومةً، فقال لأصحابه: "أمسكوا؛ فإنها مسمومة"، فقال: "ما حملكِ على ما صنعتِ؟ " قالت: أردت أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله عليه، وإن كنت
1 هو: العباس بن محمد بن حاتم الدوري أبو الفضل البغدادي خوارزمي الأصل، ثقة حافظ من الحادية عشرة، توفي سنة 71، وقد بلغ ثمانين سنة، ع، التقريب 249.
2 هو سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي نزيل بغداد، البزار، لقبه سعدويه، ثقة حافظ من كبار العاشرة، توفي سنة خمس وعشرين وله نحو من سبعين، ع، التقريب 237.
3 عباد بن العوام بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة من الثامنة، توفي سنة خمس وثمانين أو بعدها وله نحو من سبعين، ع، التقريب 290.
4 هو: سفيان بن حسين، ثقة في غير الزهري، وقد تقدم في الرواية رقم [20] .
5 أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة، توفي سنة أربع وتسعين، أو أربع ومائة، وكان مولده سنة بضع وعشرين، ع، التقريب 645.
كاذباً أريح الناس منك، قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم"1.
115-
عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك2:"أن امرأةً يهوديةً3 أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاةً مصليَّةً4 بخيبر، فقال: "ما هذه؟ " قالت: هدية، وحَذِرت أن تقول: هي من الصدقة فلا يأكل، قال: فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، ثم أمسكوا، فقال للمرأة:
1 دلائل البيهقي 4/ 259- 260، وسيأتي ما يقويه من روايات أخرى.
2 عند ابن سعد في الطبقات (2/ 201) عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وستأتي إن شاء الله، وعند أبي داود في السنن في رواية أخرى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك رقم (4514) .
3 اسمها: زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مشكم، ذكر ذلك ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 337) وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 201.
أما النووي فقد قال: اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي، روينا تسميتها هذه في مغازي موسى بن عقبة ودلائل النبوة للبيهقي، شرح النووي على مسلم 14/ 179.
والذي في الدلائل (5/ 231) من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن اسمها: زينب بنت الحارث اليهودية وهي: ابنة أخي مرحب، ولم ينسبها، فالصواب أنها ابنة أخي مرحب، وليست أخته. والله أعلم.
4 مَصْلِيَّة: أي: مشوية، ويقال: صليت اللحم - بالتخفيف - أي شويته، فهو مصلي. النهاية 3/50.
"هل سممت هذه الشاة"؟ قالت: من أخبرك؟ قال: "هذا العظم - لساقها وهي في يده –". قالت: نعم. قال: (لِمَ؟) . قالت: أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس، وإن كنت نبياً لم يضرك. قال: فاحتجم1 النبي صلى الله عليه وسلم على الكاهل2، وأمر أصحابه فاحتجموا فمات بعضهم"3.
1 الاحتجام: مص الدم الفاسد من جسم الإنسان بعد الفصاد، والمحجم - بالكسر - الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص، والمحجم أيضاً مشرط الحجامة. النهاية 1/ 347.
2 الكاهل: مقدم أعلى الظهر. النهاية 4/ 214.
3 لم تذكر الروايات إلا بشر بن البراء بن معرور رضي الله عنه. انظر: ابن هشام 2/ 338، والطبقات لابن سعد 2/ 202، ودلائل البيهقي 4/ 262، والسنن 8/ 46، والنووي في شرحه على مسلم 14/ 179.
قال الزهري: "فأسلمت1، فتركها2 النبي صلى الله عليه وسلم"3.
قال معمر: وأما الناس فيقولون: قتلها النبي صلى الله عليه وسلم4.
1 ذكرها ابن حجر في الإصابة 4/ 314، ولعله بناءً على رواية الزهري: انظر: المصدر السابق، وقال رحمه الله: ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه، ولفظه بعد قولها: وإن كُنْتَ كاذباً أرحت الناس منك.
وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أُشهد من حضر أني على دينك، وأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، قال: فانصرف عنها حين أسلمت. الفتح 7/ 497 - 498.
2 اختلف العلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟
فقد روى مسلم من حديث أنس أنهم قالوا: "ألا نقتلها؟ قال: لا". صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 178، وكذلك عند أبي داود رقم (4510) من مرسل الزهري عن جابر، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 46، والدلائل 4/ 259.
وروى أبو داود من حديث أبي هريرة وفيه: "
…
فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت" السنن رقم (4512) ، وكذلك عند الحاكم في المستدرك 3/ 219- 220.
وورد أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 202.
الجمع بين ذلك: قال النووي: "قال القاضي عياض: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولاً حيت اطلع على سمها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء من ذلك، سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً، فيصح قولهم: لم يقتلها أي في الحال، ويصح قولهم: قتلها أي بعد ذلك والله أعلم". اهـ. النووي على شرح مسلم 14/ 179.
3 مصنف عبد الرزاق 11/ 28 رقم (19814) . وسنده صحيح.
4 ومن طريق معمر أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 260- 261، وهو مرسل ويحتمل أن يكون عبد الرحمن حمله عن جابر. دلائل النبوة 4/ 262.
116-
وأخرج البيهقي من طريق محمد بن فليح قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاةً مصليةً، وسمّتها، وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحبّ أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش1 منها، وتناول بشر بن البراء عظماً فانتهش منه، فلما استرط2 رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ارفعوا أيديكم؛ فإن كتف هذه يخبرني أن قد بُغِيتُ3 فيها "، فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلتُ، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك4 طعامك، فلما أسغتَ ما في فيك لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون
1 أي أخذ بأطراف الأسنان. القاموس 785 مادة (نهش) .
2 سرط: أي ابتلعه. القاموس 864 مادة (سرط) .
3 في البداية والنهاية 4/ 210: نُعِيتُ فيها، أي أخبره بالموت الذي فيها. انظر: القاموس (نعى) .
4 يقال: أنغص الله عليه العيش: كَدَّره. القاموس (نغص) .
استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان1، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول"2.
117-
وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن نافع3، أنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: ثم كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاةً مصليَّةً، ثم أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلممنها الذراع فأكل منها، وأكل الرهط من أصحابه معه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"ارفعوا أيديكم"، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها:"أسممتِ الشاة"؟ فقالت: نعم، ومن أخبرك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أخبرتني هذه في يدي؛ الذراع4، فقالت: نعم، قال: "فماذا أردت إلى ذلك؟ "، قالت: قلت إن كان نبياً فلن يضره، وإن
1 الطيلسان: ضربٌ من الأكسية الملونة. لسان العرب (طلس) .
2 دلائل النبوة 4/ 263- 264، وهذا الحديث مرسل، وسيأتي ما يشهد له إن شاء الله.
3 الحكم بن نافع البهراني: - بفتح الموحدة - أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176، رقم (1464) .
4 في رواية عبد الرزاق المتقدمة: قالت: من أخبرك؟ قال: هذا العظم - لساقها وهي في يده - المصنف 11/ 28.
لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هندٍ1 مولى بني بياضة بالقرن والشفرة2، وهو من بني ثمامة، وهم حيٌّ من الأنصار"3.
1 أبو هند: قيل: اسمه عبد الله، وقال ابن منده: يقال: اسمه: يسار، ويقال: سالم، وهو مولى فروة بن عمرو البياضي من الأنصار، تخلف عن بدر، وشهد المشاهد بعدها. الإصابة 4/ 211.
2 القرن والشفرة: أما القرن قيل: هو قرن ثور جُعِل كالمحجمة. النهاية 4/ 54.
وأما الشفرة: فهي السكين العريضة. النهاية 2/ 484. وهما آلتان تستخدمان للحجامة.
3 سنن الدارمي 1/ 46 رقم (68) . وأخرجه أبو داود في السنن رقم (4510) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 261- 262.
وهو مرسل، لأن الزهري لم يسمع من جابر شيئاً، كما قال الخطابي في معالم السنن 4/ 658.
وقال المنذري: هذا الحديث منقطع، الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله، عون المعبود 12/ 231.
وقصة الشاة المسمومة قد وردت من غير طريق الزهري، فقد أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3169) من حديث أبي هريرة، ومسلم في صحيحه مع شرح النووي 14/ 175 من حديث أنس بن مالك، وأبو داود رقم (4512) من حديث أبي هريرة، والدارمي في السنن 1/ 47 رقم (69) من حديث أبي هريرة أيضاً.
118-
وقد أخرج ابن سعد 1 عن جمع من الرواة ومنهم الزهري زاد بعضهم على بعض، قالوا: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واطمأن، جعلت زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مِشْكم، تسأل: أي الشاة أحبّ إلى محمد؟ فيقولون: الذراع، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها، وصلتها، ثم عمدت إلى سُمٍّ لا يُطْني2، وقد شاورت يهود في سموم، فأجمعوا لها على هذا السمّ بعينه، فسمّت الشاة وأكثرت في الذراعين، والكتف، فلما غابت الشمس وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب بالناس، انصرف وهي جالسة عند رجليه، فسأل عنها فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت منها، فوضعت بين يديه، وأصحابه حضور، أو من حضر منهم، وفيهم بشر بن البراء بن معرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادنوا فتعشوا"، وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظماً آخر فنهش منه، فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما في فيه، وأكل القوم منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 201- 203، وهي رواية ضعيفة لعدم معرفة رواة الزهري من بين أولئك الجمع من الشيوخ.
2 لا يطني: أي لا يسلم عليه أحد، يقال: رماه الله بأفعى لا تُطْني، أي لا يفلت لديغها. النهاية 3/ 141.
"ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع - وقال بعضهم فإن كتف الشاة - تخبرني أنها مسمومة". فقال بشر: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك من أكلتي التي أكلت حين التقمتها، فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أبغض إليك طعامك. فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدردتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول، ثم مات، وقال بعضهم: فلم يَرُمْ بشر من مكانه حتى توفي، قال: وطرح منها لكلب فأكل فلم يتبع يده حتى مات، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت الحارث فقال:"ما حملك على ما صنعت؟ ". فقالت: نلت من قومي ما نلت، قتلت أبي وعمي وزوجي، فقلت: إن كان نبياً فستخبره الذراع، وقال بعضهم: وإن كان ملكاً استرحنا منه، ورجعت اليهودية كما كانت، قال: فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها - وهو الثبت - واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم، وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين، حتى كان وجعه الذي قبض فيه جعل يقول في مرضه:"ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عداداً حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري"، وهو عرق في الظهر، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه.