المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح - مرويات الإمام الزهري في المغازي - جـ ٢

[محمد بن محمد العواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثالث:من غزوة الحديبية إلى غزوة تبوك

- ‌الفصل الأول: غزوة الحديبية

- ‌المبحث الأول: في سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في أحداث الغزوة إجمالاً

- ‌المبحث الثالث: في أول من بايع بيعة الرضوان

- ‌المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح

- ‌المبحث الخامس: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بعض أموره

- ‌المطلب الأول: في استشارته صلى الله عليه وسلم أصحابه في قريش

- ‌المطلب الثاني: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إمتثال أصحابه لما أمرهم بالتحليل

- ‌المبحث السادس: في استثناء النساء من شرط صلح الحديبية

- ‌المبحث السابع: فيما ظهر من علامات النبوة في الحديبية

- ‌المبحث الثامن: في قصة أبي بصير وأبي جندل رضي الله عنهما

- ‌الفصل الثاني: غزوة خيبر والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

- ‌لمبحث الثالث: في فتح خيبر على يد علي رضي الله عنه وقتله مرحباً اليهودي

- ‌المبحث الرابع: في استشهاد عامر بن الأكوع

- ‌المبحث الخامس: في موقف بني فزارة من أهل خيبر

- ‌المبحث السادس: في قصة الرجل الذي قتل نفسه

- ‌المبحث السابع: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي رضي الله عنها وزواجه بها

- ‌المبحث الثامن: في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم

- ‌المبحث التاسع: في أثر ذلك السمّ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان صلحاً أم عنوة

- ‌المبحث الحادي عشر: في تقسيم غنائم خيبر على أهل الحديبية

- ‌المبحث الثاني عشر: في غزوة وادي القرى

- ‌المبحث الثالث عشر: في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من خيبر ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌المبحث الرابع عشر: في سرية أبان بن سعيد بن العاص إلى نجد

- ‌المبحث الخامس عشر: في عمرة القضاء

- ‌المبحث السادس عشر: في سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سُليم

- ‌المبحث السابع عشر: في سرية كعب بن عمير الغفاري إلى قضاعة من ناحية الشام

- ‌المبحث الثامن عشر: في سرية ذات السلاسل

- ‌المبحث التاسع عشر: في سرية مؤتة

- ‌المطلب الأول: في تأريخها وتعيين الأمراء لجيش مؤتة

- ‌المطلب الثاني: في بكاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وسببه

- ‌المبحث العشرون: في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى إِضَم وقتلهم رجلاً بعد إسلامه

- ‌الفصل الثالث: فتح مكة شرفها الله والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب هذه الغزوة

- ‌لمبحث الثاني: في تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وعدد جيشه

- ‌المبحث الثالث: في كتابة حاطب رضي الله عليه وسلم لأهل مكة يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة

- ‌المبحث الخامس: في منزل الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة

- ‌المبحث السادس: في قتل خزاعة رجلاً من هذيل بعد تحريم مكة

- ‌المبحث الثامن: في تكسير النبي صلى الله عليه وسلم للأصنام التي حول الكعبة

- ‌المبحث التاسع: في قصة إسلام صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل

- ‌المبحث العاشر: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌الفصل الرابع: غزوة حنين وحصار الطائف

- ‌المبحث الأول: في سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثالث: في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ومروره بذات أنواط

- ‌المبحث الرابع: في إعجاب المسلمين بكثرتهم

- ‌المبحث الخامس: في وقائع المعركة

- ‌المبحث السادس: في إعطاء المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين

- ‌المبحث السابع: في قدوم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين ورد السبي إليهم

- ‌المبحث الثامن: في موقف الأنصار من تقسيم الغنائم

- ‌المبحث التاسع: في جفاء الأعراب وحلم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: في حصار الطائف

- ‌الفصل الخامس: غزوة تبوك والسرايا التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تخلف بعض المسلمين عن غزوة تبوك

- ‌المطلب الأول: تخلف كعب بن مالك

- ‌لمطلب الثاني: في تخلف أبي لبابة رضي الله عنه

- ‌المطلب الثالث: في تخلف بعض المسلمين من أسلم وغِفار

- ‌المبحث الثالث: في أحداث متفرقة حصلت في الغزوة

- ‌المطلب الأول: في نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر

- ‌المطلب الثاني: في صلاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: في إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم سرَّه لحذيفة في شأن بعض المنافقين

- ‌المطلب الرابع: في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال تقع قبل قيام الساعة

- ‌المبحث الرابع: في خبر مسجد الضرار

- ‌المبحث الخامس: في خروج الغلمان إلى ثنية الوداع لتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من تبوك

- ‌المبحث السادس: في سرية أسامة بن زيد إلى أُبْنَى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح

‌المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح

96-

قال ابن إسحاق1: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر.

وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة.

قال الزهري: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، - قال ابن هشام: ويقال: بُسْر - فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العُوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور2، وقد نزلوا بذي طُوى3 يعاهدون الله

1 سيرة ابن هشام 2/308-320.

2 لبسوا جلود النمور: كناية عن شدة الحقد والغضب، تشبيهاً بأخلاق النمر وشراسته. النهاية 5/118.

3 ذو طوى: وادٍ من أودية مكة، وهو اليوم في وسط عمرانها، من أحيائه: العتيبية، وجرول، و (بئر ذي طوى) لا زالت معروفة بجرول. معجم المعالم الجغرافية 188 والمعالم الأثيرة 176.

ص: 577

لا تدخلها عليهم أبداً، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدّموها إلى كُراع الغَمِيم1.

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ويح2 قريش! لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خَلَّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)3. ثم قال: منْ رجلٌ يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟

[قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رجلاً من أسلم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم طريقاً وعراً أجرل4 بين شعاب، فلما خرجوا منه، وقد شق ذلك على المسلمين، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: قولوا نستغفر الله ونتوب

1 كُراع الغميم: يقع جنوب عسفان بستة عشر كيلاً على الجادة إلى مكة أي على بعد (64) كيلاً من مكة،

على طريق المدينة، وتعرف اليوم ببرقاء الغميم. معجم المعالم الجغرافية (263-264) .

2 ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. النهاية 5/235.

3 أو تنفرد هذه السالفة: السالفة: صفحة العنق، وانفرادها، كناية عن الموت. جامع الأصول 8/303.

4 الأجرل: كثير الحجارة، ومن رواه: أجرد: فمعناه: ليس فيه نبات. الإملاء المختصر في شرح غريب السير، لأبي ذر الخشني. 3/45، تحقيق: عبد الكريم خليفة.

ص: 578

إليه"، فقالوا ذلك، فقال: والله إنها للحِطَّةُ1 التي عُرِضت على بني إسرائيل، فلم يقولوها] 2.

قال ابن شهاب: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحَمْش3 في طريقٍ تُخرِجُه على ثنية المُرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم؛ رجعوا راكضين إلى قريش، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته، فقالت الناس: خلأت الناقة، قال: ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تَدْعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم قال للناس: انزلوا.

قيل: له يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه، فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً4 من أصحابه فنزل به في قليب من تلك

1 يريد قوله تعالى لبني إسرائيل: {قُولُوا حِطَّةٌ} قال المفسرون: معناه: اللهم حط عنا ذنوبنا. المصدر السابق.

2 ما بين المعقوفتين: رواية مستقلة أدخلها ابن إسحاق في رواية الزهري الطويلة.

3 بين ظهري الحمش: - بإهمال الحاء وسكون الميم - تقع شمال ثنية المرار. معجم المعالم الجغرافية للبلادي 106، ثم قال: وأرى صوابه (الحمض) لأن تلك الأرض تسمى الحمض لكثرة نبات العصلاء فيها. المصدر السابق.

4 عند ابن إسحاق أنه: ناجية بن جندب بن عمير، سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن هشام 2/ 310.

وذكر الواقدي: أن الرجل ناجية بن الأعجم، المغازي 2/ 587، وقال في مكان آخر: أن الرجل اسمه خالد بن عبادة، المغازي 2/ 589، وروى البيهقي عن موسى بن عقبة أنه: خالد بن عبادة، دلائل البيهقي.

وذكر الواقدي: أنه البراء بن عازب، المغازي 2/ 589، وقيل: بريدة بن الخصيب، ذكره ابن حجر في الإصابة 3/62، وقال في الفتح 5/ 337: ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وعند البخاري رقم (4150) من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية: (فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض، ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا) .

وأخرج مسلم نحوه من حديث سلمة بن الأكوع، انظر: مسلم بشرح النووي 12/175، قال الحافظ في الفتح: ويمكن الجمع بأن يكون الأمران معاً وقعا، وقد روى الواقدي (المغازي 2/ 588- 589) من طريق أويس بن حولي:(أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها، وهكذا ذكره أبو الأسود في روايته عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر، ونزع سهماً من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت) . الفتح 5/ 337.

ص: 579

القُلُب فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن1.

قال الزهري في حديثه: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بُديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به؟

فأخبرهم أنه لم يأت يريد حرباً وإنما جاء زائراً للبيت، ومعظماً

1 حتى ضرب الناس بعطن: مبرك الإبل حول الماء، يقال: عطنت الإبل فهي عاطنة، وعواطن إذا سقيت. النهاية 3/ 258.

ص: 580

لحرمته، ثم قال لهم نحواً مما قال لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش! إنكم تَعْجلون على محمد، إن محمداً لم يأت لقتال، وإنما جاء زائراً هذا البيت، فاتهموهم وجَبهوهم1، وقالوا وإن كان جاء ولا يريد قتالاً فوالله لا يدخلها علينا عنوةً أبداً، ولا تحدث بذلك عنا العرب.

قال الزهري: وكانت خزاعة عَيْبَة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة2.

قال: ثم بعثوا إليه مِكْرَ ز بن حفص بن الأخيف، أخا بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً، قال: هذا رجلٌ غادِرٌ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زَبَّان وكان يومئذ سيد الأحابيش، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قومٍ يَتَألَّهون، فابعثوا الهديَ في وجهه حتى يراه،

1 وجبهوهم: أي استقبلوهم بما يكرهون. النهاية 1/ 237.

قال الحافظ ابن حجر: وإنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يعرفون ميل بديل وأصحابه للنبي صلى الله عليه وسلم، فتح الباري 5/ 339.

2 من قوله: قال الزهري: وكانت خزاعة

إلى هنا، من كلام الزهري لا من جملة الحديث كما يدل على ذلك رواية أحمد فقد أخرج الحديث من طريق ابن إسحاق فلما وصل إلى هذا السياق قال: قال محمد: يعني ابن إسحاق قال الزهري: (وكانت خزاعة

) مسند أحمد 31/ 212 رقم [18910] أرناؤوط.

ص: 581

فلما رأى الهدي يسيل عليه من عُرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوبارَه1 من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى، فقال لهم ذلك. قال: فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك.

قال الزهري في حديثه: ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وإني ولد - وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي.

قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم.

فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بين يديه، ثم قال: يا محمد أجمعت أوشاب الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً، وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً، قال: وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد؛ فقال: امصُص بظر اللات أنحن ننكشف عنه؟

قال: من هذا يا محمد؟

قال: هذا ابن أبي قحافة، قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي

1 أكل أوباره: أي أكل صوفه. انظر: القاموس (وبر) .

ص: 582

لكافأتك بها، ولكن هذه بها.

قال: ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه، قال: والمغيرة ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد، قال: فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن لا تصل إليك.

قال: فيقول عروة: ويحك ما أفظك وأغلظك!

قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة: من هذا يا محمد؟

قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، قال: أيْ غُدر، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس؟

قال الزهري: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه، وأخبره أنه لم يأت يريد حرباً، فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه؛ لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يبصق1 بصاقاً إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً، فَرُوا رأيَكم.

قال الزهري: ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: ائت محمداً فصالحه، ولا يكن في

1 البصاق: كغراب: ماء الفم إذا خرج منه. القاموس (بصق) .

ص: 583

صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تحدّث العرب عنّا أنه دخلها علينا عنوة أبداً.

فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال:"قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل".

فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام وتراجعا ثم جري بينهما الصلح، فلما التأم1 الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر: أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.

ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟

قال: (بلى)، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: (بلى)، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: (بلى)، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟

قال: " أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني".

قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً.

قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه

1 فلما التأم: اللئم بالكسر الصلح والاتفاق. القاموس (لأم) .

ص: 584

فقال: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم)، قال: فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن أكتب (باسمك اللهم)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اكتب باسمك اللهم) فكتبها، ثم قال:(اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو)، قال: فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين1 يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وإن بيننا عَيْبَة2 مكفوفة3 وأنه لا إسلال4، ولا إغلال5، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد

1 وقد قيل: إن مدة الهدنة كانت أربع سنين كما ذكر ذلك الطبراني في الأوسط 8/ 51 رقم (7935) ، قال الهيثمي في المجمع 6/ 146 "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات"، وأخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1871، قال الحافظ ابن حجر:"سنده ضعيف، وهو منكر مخالف للصحيح". فتح الباري 5/ 343.

2 عيبة: مستودع الثياب. النهاية 3/ 327.

3 مكفوفة: المشرجة المشدودة: أي بينهم صدر نفي من الغل والخداع، مطوي على الوفاء بالصلح، وقيل: أراد أن بينهم موادعة، ومكافَّة عن الحرب تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يثق بعضهم إلى بعض. النهاية 3/ 327.

4 الإسلال: السرقة الخفية، وقيل: سل السيوف. النهاية 2/ 392.

5 الإغلال: الخيانة، أو السرقة الخفية، وقيل: لبس الدروع. النهاية 3/ 380.

ص: 585

وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه"، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثاً، معك سلاح الراكب، السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها".

فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه1، ثم قال: يا محمد قد لجت2 القضية بيني وبينك، قبل أن يأتيك هذا.

1 أخذ بتلبيبه: يقال: لببت الرجل ولبّبته إذا جعلت في عنقه ثوباً أو غيره وجررته به.

وأخذت بتلبيبة فلان: إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه تجره. النهاية 4/ 223.

2 قد لجت: أي وجبت. النهاية 4/ 233.

ص: 586

قال: (صدقت) ، فجعل ينتره1 بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته، يا معشرالمسلمين: أَأُرَدُّ إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم".

قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال: ويقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضنّ2 الرجل بأبيه، ونفذت القضية، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو3، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن

1 فجعل ينتره: النتر: جذب فيه قوة وجفوة. النهاية 5/ 12.

2 فضن الرجل بأبيه: الضنائن: الخصائص، واحدهم ضنينة فعيلة بمعنى مفعولة، من الضِّن وهو ما تختصه وتضن به، أي تبخل لمكانه منك وموقعه عندك. النهاية 3/ 104.

3 هو: عبد الله بن سهيل بن عمرو، أبو سهيل، أمه فاطمة بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف، هاجر إلى الحبشة، ثم أخذه أبوه بعد أن رجع من الحبشة عن دينه، فأظهر الرجوع، وخرج معهم إلى بدر ففر إلى المسلمين وكان أحد الشهود بعد ذلك في صلح الحديبية، وكان أسن من أخيه أبي جندل، استشهد باليمامة وله ثمان وثمانون سنة. الإصابة 2/ 322- 323.

ص: 587

مسلمة1، ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك، وعلي بن أبي طالب وكتب، وكان هو كاتب الصحيفة.

قال الزهري في حديثه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً2، حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} 3.

1 هو: محمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، قال ابن سعد: شهد محمود أحداً والخندق والحديبية وخيبر وقتل يومئذ شهيداً. الإصابة 3/ 387.

2 المقفل: مصدر قفل يقفل إذا عاد من سفره. النهاية 4/ 92- 93.

3 وأخرجه أحمد في المسند 31/ 212 رقم [18910] أرناؤوط، وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 434، وأبو عبيد في الأموال رقم (442) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (551) ، وأبو داود 3/ 210 رقم (2766) ، والطبري في التاريخ 2/ 620- 629، والتفسير 26/ 95، والطبراني في الكبير 20/ 15 رقم (14) ، والحاكم في المستدرك 2/ 459، والبيهقي في السنن 5/ 215، و9/ 221، وفي الدلائل له 4/ 111، 112و 145، 150 و159- 160، كلهم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بن الحكم.

قال ابن إسحاق: يقول الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأَمِنَ الناس بعضهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. ابن هشام 2/ 322.

قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية، في ألف وأربعمائة، في قول جابر بن عبد الله، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين بعشرة آلاف، المصدر السابق 2/ 322.

ص: 588