الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان صلحاً أم عنوة
.
…
المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان عنوةً أم صلحاً؟
120-
قال ابن إسحاق 1: فأخبرني ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوةً2 بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عزوجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسها وقسمها بين المسلمين3، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم، وأُقركم ما أَقركم الله، فقبلوا، فكانوا على ذلك يعملونها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة4، فيقسم ثمرها، ويعدل
1 ابن هشام 2/ 356- 357.
2 عنوة: أي قهراً، وفتحت هذه البلدة عنوة: أي فتحت بالقتال، اللسان مادة (عنا) .
وقد وردت روايات عن الزهري تذكر أن بعضها فتح عنوة، وبعضها صلحاً، وستأتي إن شاء الله تعالى.
3 سيأتي أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية.
4 خرص عليهم عبد الله بن رواحة عاماً واحداً، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة. ابن هشام 2/ 354.
عليهم في الخرص، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أقرها أبو بكر رصي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.
ثم أقرهم عمر رصي الله عنه صدراً من إمارته، ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه:"لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان"1، ففحص عمر ذلك حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود فقال: إن الله عزوجل قد أذن في جلائكم، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان".
فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به أُنفده له2، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليتجهز للجلاء.
1 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة، حديث رقم (18) عن ابن شهاب مرسلاً، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 126 رقم (7208) و6/ 54 رقم (9987) و10/ 357 رقم (9359) عنه عن الزهري عن ابن المسيب مرسلاً، والبلاذري في فتوح البلدان 41.
وأخرج البخاري في باب إخراج اليهود من الجزيرة رقم (3167) من حديث أبي هريرة نحوه، وأخرج أيضاً من حديث ابن عباس رقم (3168) بلفظ: "
…
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم
…
) ، وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضاً رقم (1637) .
2 أنفذه له: أي أمضيه له. النهاية 5/91.
فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
121-
وقال أبو داود: حدثنا ابن السرح1، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال2
122-
قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس3، ثنا
1 ابن السرح: أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح - بمهملات-، أبو الطاهر المصري، ثقة، من العاشرة، توفي سنة خمسين، م د س ق، النقريب 83.
2 السنن 3/ 161 رقم (3018) ومن طريق يونس عن الزهري أخرجه أبو عبيد في الأموال، رقم (141) ، ومن طريق أبي عبيد أخرجه ابن زنجويه في الأموال أيضاً 1/ 188 رقم (218) ، والبلاذري في الفتوح ص 41 كلهم عن الزهري مرسلاً.
ويشهد لقول الزهري أن خيبر افتتحت عنوة ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس في مواضع عدة، منها رقم (371) وفيه: "
…
فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين"، قالها ثلاثاً، قال: وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد - قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا - والخميس - يعني الجيش - قال: فأصبناها عنوة
…
" أ. هـ.
ومسلم رقم (1635) ، وأبو داود رقم (3009) ، والنسائي في النكاح باب البناء في السفر 6/ 132- 133.
3 ثقة حافظ جليل، تقدم في الرواية رقم [42] .
عبد الله بن محمد1، عن جويرية2، عن مالك3، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة ً4.
123-
قال أبو داود: وقرئ على الحارث بن مسكين5 وأنا شاهد: أخبركم ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب: أن خيبر كان بعضها عنوةً، وبعضها صلحاً، والكتيبة أكثرها عنوةً، وفيها صلحٌ،
1 هو: عبد الله بن محمد بن أسماء، أبو عبيد الضُبَعي؛ بضم المعجمة وفتح الموحدة، أبو عبد الرحمن البصري، ثقة جليل، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين، خ م د س، التقريب 320.
2 جويرية: تصغير جارية، ابن أسماء بن عبيد الضُبَعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - البصري، صدوق، من السابعة، مات سنة ثلاث وسبعين، خ م د س ق، التقريب 143 رقم (988) .
3 هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله، المدني الفقيه، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين، حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر، من السابعة، توفي سنة تسع وسبعين، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين.
وقال الواقدي: بلغ تسعين سنة، ع، التقريب 516.
4 السنن 3/ 161، كتاب الخراج والفيء رقم (3017) وهو مرسل قوي.
5 هو: الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف، مولى بني أمية، أبو عمرو البصري، قاضيها، ثقة فقيه، من العاشرة، توفي سنة خمسين، وله ست وتسعون سنة، د س، التقريب 148.
قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: أرض خيبر؛ وهي أربعون ألف عَذْق1.
124-
وقال أبو داود: حدثنا حسين بن علي العجلي2، ثنا يحيى ابن آدم3، ثنا ابن أبي زائدة4، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري وعبد
1 المصدر السابق: 3/ 161. ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن 6/ 316 و9/ 138.
والعذق: - بالفتح - النخلة، وبالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية 3/ 199.
2 هو: حسين بن علي بن الأسود العجلي، أبو عبد الله الكوفي نزيل بغداد، صدوق يخطئ كثيراً، لم يثبت أن أبا داود روى عنه، من الحادية عشرة، ت، التقريب 167 رقم (1331) . ولعل مستند الحافظ ابن حجر على قوله: لم يثبت أن أبا داود روى عن حسين العجلي، هو قول الآجري: "سمعت أبا داود يقول: حسين بن الأسود الكوفي [العجلي] لا ألتفت إلى حكايته أراها أوهاماً
…
" قال الحافظ معقباً على كلام الآجري: "وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده
…
" التهذيب 2/ 344، وانظر: تهذيب الكمال 6/ 393، حاشية رقم (5) .
3 هو: يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين، ع، التقريب 587.
4 هو: زكريا بن أبي زائدة: خالد، ويقال: هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، أبو يحيى الكوفي، ثقة وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بأخرة، من السادسة، توفي سنة - سبع أو ثمان أو تسع - وأربعين، ع، التقريب 216 رقم (222) .
الله بن أبي بكر 1 وبعض ولد2 محمد بن مسلمة قالوا: بقيت بقيةٌ من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيّرهم، ففعل. فسمع بذلك أهل فدك3 فنزلوا على مثل ذلك، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، لأنه لم يوجف4 عليها بخيل ولا ركاب5.
1 هو: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، توفي سنة خمس وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، ع، التقريب 297.
2 لعله محمود بن محمد بن مسلمة، لأن المزي ذكر ترجمة محمد بن مسلمة أن ممن روى عنه ابنه محمود بن محمد بن مسلمة، انظر: تهذيب الكمال 26/ 457 رقم الترجمة (5610) ، ولم أجد له ترجمة.
3 فدك: قرية شرقي خيبر، تعرف اليوم باسم (الحائط) ، معجم المعالم الجغرافية 235
4 الإيجاف: سرعة السير. النهاية 5/ 157.
5 السنن 3/ 161، كتاب الخراج والإمارة والفيء رقم (3016)
وأخرجه البلاذري في فتوح البلدان 43، والبيهقي في السنن 6/ 317.
والرواية المتقدمة التي أخرجها أبو داود عن ابن المسيب وهذه الرواية تدلان على أن خيبر فتح بعضها عنوة وبعضها صلحاً، وبالرغم من ضعفهما إلا أنه قد ثبت ما يشهد لهما من غير طريق الزهري، فقد أخرج أبو داود من حديث ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض، وألجأهم إلى قصرهم، فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلْقة ولهم ما حملت ركابهم
…
" الحديث أخرجه أبو داود رقم (3006) .
وما أخرجه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفاً لنوائبه وحاجته، ونصفاً بين المسلمين
…
) الحديث أخرجه أبو داود
_________
(3010)
، وما أخرجه من حديث بشير بن يسار أنه سمع نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فذكر هذا الحديث.
قال: فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب، انظر: السنن رقم (3011) .
وقد حكم الألباني على هذه الروايات بالصحة، انظر: صحيح سنن أبي داود رقم (2597) ورقم (2601) ورقم (2602) على التوالي.
فمن خلال ما تقدم نلحظ أن الروايات التي تذكر أن خيبر فتحت عنوة أقوى من من الروايات الأخرى التي ذكرت أن بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحاً.
ولكن يظهر أن الخلاف في ذلك قديم، فقد قال البيهقي بعد أن ذكر حديث بُشير بن يسار المتقدم: قلت: وهذا لأن بعض خيبر فتح عنوةً وبعضها فتح صلحاً، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين، وعزل ما فتح صلحاً لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين، والله أعلم. أ. هـ. دلائل البيهقي4/236.
وقال النووي عند شرحه لحديث أنس الذي يفيد أن خيبر فتحت عنوة، قال: قال المازري: ظاهر هذاأن خيبر فتحت عنوة، وقد روى مالك عن ابن شهاب أن بعضها فتح عنوة وبعضها صلحاً، قال: وقد يشكل ما رُوي في سنن أبي داود أنه قسمها نصفين؛ نصفاً لنوائبه وحاجاته ونصفاً للمسلمين.
قال: وجوابه ما قال بعضهم: إنه كان حولها ضياع وقرى، أجلى عنها أهلها، فكانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم وما سواها للغانمين، فكان قدر الذي خلوا عنه النصف، فلهذا قسم القسمين. أ.هـ. النووي على شرح مسلم 12/ 164- 165.
وأما ابن عبد البر فقد اضطرب كلامه في كتابيه (الدرر) و (التمهيد) إلا أن يكون قد رجع عن أحد القولين فيحتاج حينئذ لمعرفة الكتاب المتأخر، هل هو الدرر أم التمهيد؟
_________
فقد قال في الدرر (235-236) : هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوباً عليها. وقال: وأما من قال: إن خيبر كان بعضها صلحاً وبعضها عنوة، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلما أهلهما في حقن دمائهم، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك لصلح، ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية، كضرب من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكم أرضها حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها. المصدر السابق.
وقال: وربما شبِّه على من قال: إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى ابن سعيد، عن بشير بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين، نصفاً له ونصفاً للمسلمين. المصدر السابق.
ثم قال: والحق: فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب ا. هـ.
وأما ما ذكره في التمهيد فيختلف تماماً عما ذكره هنا قال رحمه الله: أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحاً وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها فما كان منها صلحاً أو أخذ بغير قتال كالذي جلا عنه أهله عمل في ذلك كله بسنة الفيء، وما كان منها عنوة عمل فيه بسنة الغنائم إلا أن ما فتح الله عليه منها عنوة، قسمه بين أهل الحديبية، وبين من شهد الوقعة، وقد رويت في فتح خيبر آثار كثيرة ظاهرها مختلف، وليس باختلاف عند العلماء على ما ذكرت لك. التمهيد 6/ 446.
ثم ذكر الأحاديث الدالة على أن خيبر فتحت عنوة والتي دلت على أن بعضها فتح صلحاً ثم قال: فهذا كله يدل على أن ما كان منها مأخوذاً بالغلبة قسم على أهل الحديبية ومن شهدها وخمس، وما كان منها مما انجلى عنه أهله وأسلموه بلا قتال، حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الفيء، واستخلص منه لنفسه كما فعل بفدك، فقف على هذا وتدبر الآثار تجدها على ذلك إن شاء الله. التمهيد 6/ 449.