الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: في وقائع المعركة
.
168-
قال الإمام مسلم1: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو ابن سَرْح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي2، فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق3 رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ
1 صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 113) .
2 وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 591) : فروة بن عمرو الجذامي، وذكر أنه أسلم.
وعند ابن عبد البر (الاستيعاب 3/325) : فروة بن عمرو النفاثي، وفي الإصابة (3/ 213) : (مروة بن عامر الجذامي أو ابن عمرو وهو أشهر، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث بإسلامه، ولم ينقل أنه اجتمع به
…
أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء
…
) .
وقال النووي: "فروة بن نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء مخففة ثم ألف ثم تاء مثلثة -، وفي الرواية التي بعدها رواية إسحاق بن إبراهيم قال فروة بن نعامة - بالعين والميم -، والصحيح المعروف الأول" شرح مسلم (12/ 113) .
3 طفق: بمعنى أخذ. النهاية (3/ 129) .
بلجام1 بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكُفُّها2 إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب3 رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أي عباس ناد أصحاب الشجرة" 4، فقال عباس وكان رجلاً صَيِّتاً5: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب الشجرة؟
قال: فوالله لكأَنَّ عَطْفَتَهم حين سمعوني عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج6، فقالوا: يا بني
1 اللجام: حبل أو عصا تدخل في فم الدابة وتلزق إلى قفاه، لسان العرب (لجم) .
2 أكفها: أي أمنعها. النهاية (4/ 192) .
3 الركاب للسرج: كالغرز للرحل، والجمع ركب، اللسان (ركب) .
4 هي: الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان، ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. النووي بشرح مسلم (12/ 115) .
5 رجلاً صيتاً: أي شديد الصوت عاليه. النهاية (3/ 64) وذكر النووي عن الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي الله عنه كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال، النووي على مسلم (12/ 115) .
6 قوله: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، هو: الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، ومن ولده: جشم وحارثة، فولد جشم عبد الأشهل وزعوراء، جمهرة أنساب العرب لابن حزم (338) .
الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا حين حمي الوطيس" 1، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال:"انهزموا ورب الكعبة"2، قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم3 كليلاً وأمرهم مدبراً4.
1 هذا حين حمي الوطيس: - هو بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة -، قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلاً لشدة الحرب التي يشبه حرها حره.
وقال آخرون: الوطيس هو: التنور نفسه، وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس
…
، قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم، النووي على مسلم (12/ 116) .
2 وفي رواية معمر عن الزهري (انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة) مسلم بشرح النووي (12/ 117) .
3 فما زلت أرى حدهم كليلاً: - هو بفتح الحاء المهملة -، أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة، النووي على مسلم (12/ 117) .
4 وأخرجه من طريق يونس الحاكم في المستدرك (3/ 327) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 31) والبيهقي في الدلائل (5/ 137) .
ومن طريق معمر عن الزهري أخرجه الواقدي في المغازي (3/ 898) ، وعبد الرزاق في المصنف (5/ 379) ، رقم (9741) ، وفي تفسيره (1/ 269) ، ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند (3/ 296- 297 رقم [1775] أرناؤوط) ، وفي فضائل الصحابة رقم (1775) ، ومسلم رقم (1775)(76) ، وأخرجه من طريق معمر ابن سعد في الطبقات (2/ 155) ، وأبو يعلى في المسند رقم (3606) ، وابن حبان في صحيحه (15/ 523 رقم 7049) .
وأخرجه الحميدي في مسنده (1/ 218 رقم 459) من طريق الزهري.
ومن طريق سفيان عن الزهري أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 732) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 273 رقم 356) ، وفي كتاب الجهاد رقم (252) مختصراً، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 272) ، والحاكم في المستدرك (3/ 255) .
وأخرجه ابن سعد كما في الطبقات (4/ 18) من طريق محمد بن عبد الله عن عمه ابن شهاب، وأخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 444- 445) ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن سعد كما في الطبقات (3/ 75) ، والطبري في تفسيره (14/ 182)، تحقيق: أحمد شاكر، وأخرجه الفزاري عن ابن جريج عن ابن شهاب مرسلاً، السير للفزاري (203) .
169-
عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس بن عبد المطلب2 عن أبيه العباس قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه وهو على بغلة
1 مصنف عبد الرزاق (5/ 379) رقم (9741) ، والتفسير (1/ 269) القسم الثاني.
2 هو: كثير بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو تمام، صحابي صغير، مات بالمدينة أيام عبد الملك، خ م د س، التقريب (459) .
شهباء، وربما قال معمر: بيضاء، أهداها له فروة بن نعامة الجذامي، قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقفها1، وهو لا يألو ما أسرعَ نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغَرْز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عباس ناد أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلاً صَيِّتاً فناديت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عَطْفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، يقولون: يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك، وأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، فنادت الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قُصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا حين حمى الوطيس" قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة، قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتى هزمهم الله تعالى، قال: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلة له2.
1 في تفسير عبد الرزاق (1/ 269) : فكففتها، وعند مسلم بشرح النووي (12/ 113) : من طريق يونس: أكفها.
2 إلى هنا أخرجه عبد الرزاق متصلاً.
170-
قال الحميدي: حدثنا سفيان1، قال: ثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: جُرِح خالد بن الوليد يوم حنين فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ فخرجت أمشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده ودعا له قال2: وأرى فيه ونفث3 عليه4.
قال عبد الرزاق: قال الزهري: وكان عبد الرحمن بن أزهر5 يحدث
1 هو: سفيان بن عيينة، تقدم.
2 القائل هو: الزهري، ففي مسند أحمد (27/ 366 رقم [16811] أرناؤوط) (
…
قال الزهري: وحسبت أنه قال: ونفث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانظر: كذلك صحيح ابن حبان رقم (7090) .
3 نفث: النفث شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق. النهاية (5/ 88) .
4 مسند الحميدي (2/ 398) رقم (897) بسند صحيح.
ومن طريق معمر أخرجه الشافعي في المسند (2/ 90) رقم (292) ، وأحمد في المسند (27/ 366، رقم [16811] أرناؤوط) وابن أبي عاصم في الآحاد (1/ 459) رقم (639) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/ 564- 565، رقم 7090)، وقال محققه شعيب الأرناؤوط: سنده صحيح، وأخرجه البيهقي في السنن (8/ 319 و9/ 103) مختصراً.
5 عبد الرحمن بن أزهرالزهري أبو جبير المدني، صحابي صغير، مات قبل الحرة، وله ذكر في الصحيحين مع عائشة، أغفل المزي رقم (س) وهو في الأشربة، د س، التقريب (570) .
أن خالد بن الوليد بن المغيرة يومئذ كان على الخيل، خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن أزهر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما هزم الله الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم، يمشي في المسلمين ويقول: من يدلُّني على رحل خالد بن الوليد؟ فمشيت حتى - أو قال: فسعيت - بين يديه وأنا غلام محتلم، أقول: من يدل على رحل خالد؟ حتى دللنا عليه، فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه.
171-
وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري1 - المصري ابن أخي رشدين بن سعد - أخبرنا ابن وهب2، أخبرني أسامة بن زيد3، أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من
1 هو: سليمان بن داود بن حماد المهري أبو الربيع المصري، ابن أخي رشدين، ثقة، من الحادية عشرة، توفي سنة ثلاث وخمسين، د س، التقريب (251) .
2 هو: عبد الله بن وهب بن مسلم، ثقة، تقدم في الرواية رقم [121] .
3 هو: أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يهم، من السابعة، مات سنة ثلاث وخمسين وهو ابن بضع وسبعين، خت م ع، التقريب (98) .
ضربه بالْمِيتَخَة1، قال ابن وهب: الجريدة الرطبة، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم تراباً من الأرض فرمى به في وجهه2.
1 الميتخة: هذه اللفظة قد اختلف في ضبطها، فقيل: هي بكسر الميم وتشديد التاء، وبفتح الميم مع التشديد، وبكسر الميم وسكون التاء، قال الأزهري: وهذه كلها أسماء لجرائد النخل وأصل العرجون. النهاية 4/ 292.
2 سنن أبي داود (3/ 165- 166 رقم 4487 ورقم: 4488، ورقم: 4489) .
ومن طريق أسامة بن زيد أخرجه أحمد في المسند (31/ 431 رقم [19079] أرناؤوط)، عن الزهري أنه سمع عبد الرحمن بن أزهر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره، وأبو عوانة (4/ 203) ، وصرح عنده الزهري بالسماع أيضاً والحاكم (4/ 374- 375)، عن الزهري قال: حدثني عبد الرحمن بن أزهر
…
فذكره.
وقال الألباني: "حسن صحيح" انظر: صحيح سنن أبي داود (3/ 849 رقم: 3766) .
وقال عبد القادر الأرناؤوط في جامع الأصول (3/ 585) : عن إسناد أبي داود رقم (4487 و4488) إسناده صحيح. وأخرجه الواقدي في المغازي (3/ 922)