الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: فتح مكة شرفها الله والأحداث التي أعقبتها
المبحث الأول: في سبب هذه الغزوة
.
…
المبحث الأول: في سبب هذه الغزوة.
143-
قال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ2، وأبو بكر أحمد بن الحسن الحيري3، قالا: حدثنا أبو العباس4 محمد بن يعقوب. قال: حدثنا أحمد5 بن عبد الجبار، حدثنا يونس6 بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعاً قالا: كان في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بينه وبين قريش أنه من
1 دلائل النبوة (5/ 5- 7) ، والسنن الكبرى له (9/ 233- 234) ، وأسد الغابة (4/ 224) ، ترجمة عمرو بن سالم الخزاعي، نقلاً عن ابن إسحاق وقد ذكر السبب مختصراً، والبداية والنهاية 4/ 278- 279، ونقلها ابن حجر في الإصابة 2/ 536، ترجمة عمرو بن سالم، وفي الفتح (7/ 519)
2 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] .
3 ثقة، تقدم في الرواية رقم [84] .
4 أبو العباس محمد بن يعقوب تقدم في الرواية رقم [20] .
5 تقدم في الرواية رقم [84] .
6 تقدم في الرواية رقم [20] .
شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت1 خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهراً2، ثم إن بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم، وثبوا على خزاعة الذين
1 الوثوب: النهوض والقيام. اللسان، مادة (وثب) .
2 وعند الواقدي في المغازي (2/ 783) : "
…
فلما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهراً من صلح الحديبية تكلمت بنو نفاثة من بني بكر
…
"، وتبعه في ذلك ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 134) .
وتحديد الواقدي باثنين وعشرين شهراً غير مسلم به، لأن الصلح الذي تم في الحديبية كان في ذي الحجة، وقد ذكر الواقدي أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية كان في يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، المغازي (2/ 573) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 95) ، وذكر الواقدي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالحديبية بضعة عشر يوماً، المغازي (2/ 616)، وقال أيضاً:
…
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الحديبية في ذي الحجة سنة ست. المغازي (2/ 634) .
فلو حسبنا المدة من وقت الصلح إلى نقض بني بكر العهد لوجدناها تسعة عشر شهراً ابتداءً من شهر محرم أول سنة سبع إلى نهاية شهر رجب من السنة الثامنة، ولو أدخلنا شهر ذي الحجة من السنة السادسة وشهر شعبان من السنة الثامنة - تجاوزاً - لحصلنا على واحد وعشرين شهراً، فتبقى رواية الزهري التي بين أيدينا هي الراجحة، وذلك لعدم ورود روايات ثابتة تحدد وقت نقض العهد من بني بكر، والله أعلم.
دخلوا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ليلاً بماء لهم يقال له: الوتير1، قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح، فقاتلوا معهم للطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عمرو بن سالم2 ركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر، وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشده إياها:
اللهم إني ناشد محمدا
…
حلف أبينا وأبيه الأتلدا3
كنا والداً وكنت ولدا4
…
ثم أسلمنا ولم ننزع يدا
1 الوتير: - بفتح الواو وكسر المثناة تحت، وآخره راء - وهو موضع معروف جنوب غرب مكة على حدود الحرم يبعد عن مكة (16) كيلاً، وقد أطلق اليوم على حيز منه اسم (الكعكية) نسبة إلى الكعكي الذي تملك هذا الحيز منه، معجم المعالم الجغرافية (331) .
2 هو: عمرو بن سالم بن حصين بن سالم بن كلثوم الخزاعي، قال ابن الكلبي وأبو عبيد والطبري: أن عمرو بن سالم هذا كان أحد من يحمل ألوية خزاعة يوم فتح مكة، الإصابة (2/ 536- 537) .
3 الأتلد: أي القديم، شرح السيرة للخشني (367) ، والنهاية (1/ 194)، والقاموس:(تلد) .
4 هكذا في دلائل البيهقي، وفي سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 394) : قد كُنْتُمُ وُلْداً....
يريد أن بني عبد مناف أمهم من خزاعة، وكذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية، الروض الأنف (4/ 97) .
فانصر رسول الله نصرا أعتدا1
…
وادع عباد الله يأتوا مددا2
فيهم رسول الله قد تجردا3
…
إن سيم خسفاً وجهه تربدا4
في فيلق5 كالبحر يجري مزبدا6
…
إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدّا
…
وزعموا أن لستُ أرجو أحدا
فهم أذلّ وأقلّ عددا
…
قد جعلوا لي بكداءٍ7 مرصدا8
هم بيتونا بالوتير هجدا9
…
فقتلونا ركعاً وسجدا
1 أعتدا: أي حاضراً، شرح السيرة للخشني (367) .
2 الأمداد: جمع مدد، مدهم بالأعوان والأنصار. النهاية (4/ 308) .
3 تجردا: أي شمر وتهيأ لحربهم، شرح السيرة، للخشني (367) .
4 تربدا: أي تغير إلى الغبرة. النهاية (2/ 183) .
5 الفيلق: الكتيبة العظيمة. النهاية (3/ 472) .
6 يقال: بحر مزبد، أي مائج يقذف بالزبد، والزبد: الرغوة التي تعلو الماء، اللسان: زبد.
7 كداء: - بالتحريك والمد - هو ما يعرف اليوم بريع الحجون، يدخل طريقه بين مقبرتي المعلاة، ويفضي من الجهة الأخرى إلى حي العتيبية وجرول. معجم المعالم الجغرافية (261- 262) .
8 رصده: أي رَقَبَهُ، القاموس (رصد)، ويقال: رصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه. النهاية (2/ 226) .
9 هُجَّدا: الهجد: المصلون بالليل، أو النيام، وهو من الأضداد. النهاية (5/ 244) ، وشرح السيرة للخشني (367) .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نُصِرتَ يا عمرو بن سالم "1.
فما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرت عنانة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب"2، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمّي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم3.
1 ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: (
…
لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب
…
) المسند (7/ 343 رقم [4380] ) وسنده حسن كما قال المحقق حسين أسد، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه وقد وثقهما ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح، المجمع (6/ 162) ، وأخرج الطبراني في الكبير (23/ 433) ، وفي الصغير (2/ 73- 75) من حديث ميمونة بنت الحارث نحوه، إلا أن فيه: يحيى بن سليمان بن نضلة وهو ضعيف، كما قال الهيثمي في المجمع (6/ 163- 164) .
وأخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 395) بدون إسناد، وابن سعد في الطبقات (2/ 134) ، بدون إسناد والطبري في تاريخه (3/ 45) .
2 ورد نحوه من رواية أبي الأسود عن عروة (انظر: المغازي للذهبي (528) ، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (14/ 485- 486)، من طريق زكريا بن أبي زائدة قال: كنت مع أبي إسحاق فيما بين مكة والمدينة فسَايَرَنَا رجل من خزاعة، فقال له أبو إسحاق: كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رعدت هذه السحابة بنصر بني كعب
…
الحديث، وفيه جهالة الرجل الخزاعي.
3 قال ابن حجر: "وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن
_________
أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة وهو إسناد حسن موصول" الفتح (7/ 520) .
وقد نقل الهيثمي حديث أبي هريرة من رواية البزار وحكم عليه بالصحة، انظر: المجمع (6/ 165) ، وكشف الأستار (2/ 342 رقم 1817) ، وأخرجه البيهقي عن حماد بن سلمة بسنده إلى أبي هريرة. دلائل النبوة (5/ 13) ، وانظر البداية والنهاية (4/ 280) نقلاً عن البيهقي.