المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة - مرويات الإمام الزهري في المغازي - جـ ٢

[محمد بن محمد العواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثالث:من غزوة الحديبية إلى غزوة تبوك

- ‌الفصل الأول: غزوة الحديبية

- ‌المبحث الأول: في سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في أحداث الغزوة إجمالاً

- ‌المبحث الثالث: في أول من بايع بيعة الرضوان

- ‌المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح

- ‌المبحث الخامس: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بعض أموره

- ‌المطلب الأول: في استشارته صلى الله عليه وسلم أصحابه في قريش

- ‌المطلب الثاني: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إمتثال أصحابه لما أمرهم بالتحليل

- ‌المبحث السادس: في استثناء النساء من شرط صلح الحديبية

- ‌المبحث السابع: فيما ظهر من علامات النبوة في الحديبية

- ‌المبحث الثامن: في قصة أبي بصير وأبي جندل رضي الله عنهما

- ‌الفصل الثاني: غزوة خيبر والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

- ‌لمبحث الثالث: في فتح خيبر على يد علي رضي الله عنه وقتله مرحباً اليهودي

- ‌المبحث الرابع: في استشهاد عامر بن الأكوع

- ‌المبحث الخامس: في موقف بني فزارة من أهل خيبر

- ‌المبحث السادس: في قصة الرجل الذي قتل نفسه

- ‌المبحث السابع: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي رضي الله عنها وزواجه بها

- ‌المبحث الثامن: في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم

- ‌المبحث التاسع: في أثر ذلك السمّ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان صلحاً أم عنوة

- ‌المبحث الحادي عشر: في تقسيم غنائم خيبر على أهل الحديبية

- ‌المبحث الثاني عشر: في غزوة وادي القرى

- ‌المبحث الثالث عشر: في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من خيبر ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌المبحث الرابع عشر: في سرية أبان بن سعيد بن العاص إلى نجد

- ‌المبحث الخامس عشر: في عمرة القضاء

- ‌المبحث السادس عشر: في سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سُليم

- ‌المبحث السابع عشر: في سرية كعب بن عمير الغفاري إلى قضاعة من ناحية الشام

- ‌المبحث الثامن عشر: في سرية ذات السلاسل

- ‌المبحث التاسع عشر: في سرية مؤتة

- ‌المطلب الأول: في تأريخها وتعيين الأمراء لجيش مؤتة

- ‌المطلب الثاني: في بكاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وسببه

- ‌المبحث العشرون: في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى إِضَم وقتلهم رجلاً بعد إسلامه

- ‌الفصل الثالث: فتح مكة شرفها الله والأحداث التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في سبب هذه الغزوة

- ‌لمبحث الثاني: في تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وعدد جيشه

- ‌المبحث الثالث: في كتابة حاطب رضي الله عليه وسلم لأهل مكة يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة

- ‌المبحث الخامس: في منزل الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة

- ‌المبحث السادس: في قتل خزاعة رجلاً من هذيل بعد تحريم مكة

- ‌المبحث الثامن: في تكسير النبي صلى الله عليه وسلم للأصنام التي حول الكعبة

- ‌المبحث التاسع: في قصة إسلام صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل

- ‌المبحث العاشر: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌الفصل الرابع: غزوة حنين وحصار الطائف

- ‌المبحث الأول: في سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثالث: في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ومروره بذات أنواط

- ‌المبحث الرابع: في إعجاب المسلمين بكثرتهم

- ‌المبحث الخامس: في وقائع المعركة

- ‌المبحث السادس: في إعطاء المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين

- ‌المبحث السابع: في قدوم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين ورد السبي إليهم

- ‌المبحث الثامن: في موقف الأنصار من تقسيم الغنائم

- ‌المبحث التاسع: في جفاء الأعراب وحلم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: في حصار الطائف

- ‌الفصل الخامس: غزوة تبوك والسرايا التي أعقبتها

- ‌المبحث الأول: في تاريخ الغزوة

- ‌المبحث الثاني: في تخلف بعض المسلمين عن غزوة تبوك

- ‌المطلب الأول: تخلف كعب بن مالك

- ‌لمطلب الثاني: في تخلف أبي لبابة رضي الله عنه

- ‌المطلب الثالث: في تخلف بعض المسلمين من أسلم وغِفار

- ‌المبحث الثالث: في أحداث متفرقة حصلت في الغزوة

- ‌المطلب الأول: في نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر

- ‌المطلب الثاني: في صلاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: في إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم سرَّه لحذيفة في شأن بعض المنافقين

- ‌المطلب الرابع: في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال تقع قبل قيام الساعة

- ‌المبحث الرابع: في خبر مسجد الضرار

- ‌المبحث الخامس: في خروج الغلمان إلى ثنية الوداع لتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من تبوك

- ‌المبحث السادس: في سرية أسامة بن زيد إلى أُبْنَى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة

‌المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة

147-

قال الطبراني1:حدثنا أبو شعيب الحراني2، ثنا أبو جعفر النفيلي3، ثنا محمد بن سلمة4 عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة أبا رُهم كلثوم ابن حصين الغفاري5، وخرج لعشر6 مضين من رمضان فصام رسول

1 المعجم الكبير (8/ 9) رقم (7264) .

2 لم أهتد إلى معرفته.

3 هو: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، - بنون وفاء مصغر -، أبو جعفر النفيلي الحراني، ثقة حافظ، من كبار العاشرة، توفي سنة أربع وثلاثين، خ، التقريب (321) ، رقم (3594) .

4 هو: محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي مولاهم، الحراني، ثقة، من التاسعة، توفي سنة 91هـ- على الصحيح، ر م، التقريب (481) ، رقم (5922) .

5 أبو رُهم: هو: كلثوم بن حصين بن خالد بن العسعس بن زيد بن العميس بن أحمس بن غفار، وقيل: ابن حصين بن عبيد بن خلف بن حماس بن غفار الغفاري، مشهور باسمه وكنيته، كان ممن بايع تحت الشجرة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح، الإصابة (4/ 70- 71) .

6 قوله: "

وخرج لعشر مضين من رمضان" أخرجها ابن سعد في الطبقات (2/ 137) ، من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن عباس.

ص: 711

الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمَجَ1 أفطر، ثم مضى حتى نزل مر الظهران2 في عشرة آلاف من المسلمين من مزينة3 وسُليم، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب4 مع رسول الله

1 أمَج: - بالتتحريك وآخره جيم -، ويعرف أمج اليوم: بخليص، واد زراعي على مائة كيل من مكة شمالاً على الجادة العظمى، معجم المعالم الجغرافية (32) .

2 مرور النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قد ذكره البخاري (رقم 5453) من طريق الزهري، وذكره من غير طريق الزهري رقم (4280) .

وقد ذكر الواقدي في المغازي (2/ 650- 651) هذه الرواية مطولاً بدون إسناد وفي سياقه بعض الاختلاف.

أما ابن إسحاق فقد أشار إلى مظاهرة غطفان ليهود خيبر ولكن بسياق آخر فقد قال: فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه حتى ساروا مَنقلة - أي مرحلة - سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله وبين خيبر. (ابن هشام 2/ 330) .

3 مزينة: من قبائل طابخة بن إلياس، وهم بنو عثمان وأوس ابني عمرو بن أد طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (480) .

4 أوعب: أي لم يتخلف منهم أحد عنه، والإيعاب: الاستقصاء في كل شيء، النهاية (5/ 205) .

ص: 712

صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف منهم أحد، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وقد عميت الأخبار عن قريش فلم يأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ولا يدرون ما هو فاعل، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام1 وبديل بن ورقاء2 يتحسسون3 وينتظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به، وقد كان العباس بن عبد المطلب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب4 وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة5 قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، قال: (لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك6 عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي

1 تقدمت ترجمته.

2 تقدمت ترجمته في ص (436) . وذكر بديل بن ورقاء مع أبي سفيان ذكره البخاري (رقم 4280) .

3 يتحسسون: التحسس: الاستماع لحديث القوم، وطلب خبرهم في الخبر، القاموس (حسَّ) .

4 تقدمت ترجمته.

5 هو: عبد الله بن أبي أمية واسمه حذيفة، وقيل: سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته عاتكة وأخو أم سلمة رضي الله عنها. الإصابة (2/ 277) .

6 الهتك: خرق الستر عما وراءه، وقد هتكه فانهتك، والهتيكة: الفضيحة. النهاية (5/ 243) .

ص: 713

بمكة ما قال) ، فلما أخرج إليهما بذلك1، ومع أبي سفيان بُنَي له، فقال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما2، ثم أذن لهما فدخلا وأسلما، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قال العباس: واصباح3 قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت عليها حتى جئت الأَراك4، فقلت: لعلِّي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا

1 أي: بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.

2 الرِّقة: بالكسر: الرحمة، القاموس (رَقَقَ) ، والمراد بالرقة ضد القسوة. النهاية (2/ 252) .

(يا صباحاه) هذه كلمة يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا للغارة، لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، فكأن القائل: يا صباحاه، يقول: قد غشينا العدو. النهاية (3/ 6- 7) .

4 الأراك: - بفتح أوله - على لفظ جمع أراكة، وهو من مواقف عرفة من ناحية الشام، معجم ما استعجم للبكري (1/ 134) ، هكذا ذكر البكري، ولكن الموضع المذكور هنا ليس بعرفة قطعاً فلعل العباس رضي الله عليه وسلم يقصد الموضع الذي يكثر به شجر الأراك، وهو موضع يقع شمال مكة، ولم أجد من عرفَّه.

ص: 714

عسكراً، قال: يقول بديل: هذه والله نيران خزاعة حمشتها1 الحرب، قال: يقول أبو سفيان: خزاعة والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة2؟

فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟

فقلت: نعم، قال: مالك فداك أبي وأمي، فقلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله، قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟

قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحبه، فحركتُ به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟

فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عليه وسلم، فقال: من هذا؟

وقام إليّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة، قال: أبو سفيان، عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء،

1 حمشتها الحرب: يقال: حمش الشر: اشتد، وأحمشته أنا، وأحمشت النار إذا ألهبتها، النهاية (1/ 441) .

2 هي: كنية لأبي سفيان، انظر: الإصابة (2/ 178) ، وقد بحثت في كتب النسب فلم أجد في عقب أبي سفيان من يدعى (حنظلة) .

ص: 715

فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال: قلت يا رسول الله إني أَجَرْتُه، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: لا والله لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلاً يا عمر أما والله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك عرفت أنه رجل من رجال بني عبد مناف، قال: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهب به إلى رحلك يا عباس فإذا أصبح فائتني به، فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ". قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً. قال:"ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ ".

قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، هذه والله كان في نفسي منها شيء حتى الآن، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك.

قال: فشهد بشهادة الحق وأسلم، قلت: يا رسول الله إن أبا سفيانض

ص: 716

رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً، قال:"نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن".

فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عباس احبسه بمضيق1 الوادي عند خطم2 الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها"، قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال: ومرت به القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء؟ فأقول: سُليم، فيقول: مالي ولسُليم، قال: ثم تمر القبيلة، قال: من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: مالي ولمزينة، حتى تعدت القبائل لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: مالي ولبني فلان، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يُرى منهم إلا الحدق3، قال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن

1 المضيق: ما ضاق من الأماكن والأمور، وهو ضد الاتساع، القاموس (ضفق) .

2 خطم: أصل الخطم في السباع: مقاديم أنوفها وأفواهها، فاستعارها للناس. النهاية (2/ 50) .

فيكون المعنى: مقدمة الجبل أو طرفه.

والمراد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر العباس أن يقعد أبا سفيان في طرف ذلك المضيق حتى يرى جيش الفتح وهو يمر من ذلك المضيق حيث لا طريق إلا منه فيكثر في عينه فيعلم أنه لا طاقة لأهل مكة بهذا الجيش.

3 تقدم معناها.

ص: 717

أخيك الغداة عظيماً، قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذاً، قلت: النجاة إلى قومك، قال: فخرج حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الدسم الأحمس1 فبئس من طليعة قوم.

قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: ويلك وما تغني عنا دارك؟

قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد2.

1 الدَّسم الأحمس: أي الأسود الدنيء. النهاية (2/ 118) .

2 قال الهيثمي بعد ذكره لهذا الحديث: "رجاله رجال الصحيح". المجمع (6/ 167) .

وقد أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 13) رقم (2765) من طريق يونس بن بكير عن جعفر بن برقان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق

وأخرجه أبو داود برقم (3021) مقتصراً على ذكر إسلام أبي سفيان وقول الرسول له: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن طريق يونس بن بكير أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 43- 44)، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي.

قال الألباني في تعليقه على فقه السيرة للغزالي (408) بعد تصحيح الحاكم له قال: "وإنما هو حسن فقط"، ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 27) .

وقد أخرجه إسحاق في مسنده والذهلي في الزهريات من طريق جرير بن حازم كما في المطالب العالية المسندة (4/ 418) وما بعدها، وقد حكم عليه بالصحة.

وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 321) ، وصححه، وأخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 31) مختصراً، وفي معرفة السنن والآثار له (13/ 297) .

وأخرج البخاري في صحيحه مع الفتح (8/ 5- 6 رقم 4280) نحوه من غير طريق الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه، وأخرجه من غير طريق الزهري ابن جرير في تاريخه (3/ 52) من حديث ابن عباس، والبيهقي في الدلائل (5/ 32) .

وذكره ابن إسحاق بدون إسناد (ابن هشام 2/ 400) فما بعدها.

ص: 718

148-

قال البيهقي: أخبرنا الحسين1 بن بشران ببغداد، أخبرنا أبو جعفر2 الرزاز، قال: حدثنا أحمد3 بن الوليد الغمام، قال: حدثنا أبو بلال4 الأشعري، قال: حدثنا زياد5 بن عبد الله البكائي عن محمد بن

1 ثقة، تقدم في الرواية رقم [65] .

2 أبو جعفر الرزاز هو: محمد بن عمرو بن البختري أبو جعفر، وكان ثقة ثبتاً، تاريخ بغداد (3/ 132) .

3 أحمد بن الوليد، بن أبي الوليد أبو بكر الغمام، وقال الخطيب: وكان ثقة، تاريخ بغداد (5/ 188) .

4 أبو بلال الأشعري: اسمه مرداس بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، وقيل: اسمه محمد، وقيل: عبد الله، ضعفه الدارقطني، يقال: توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين، ميزان الاعتدال (4/ 507) .

5 زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البكائي، - بفتح الموحدة وتشديد الكاف -، أبو محمد الكوفي، صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، ولم يثبت أن وكيعاً كذبه، وله في البخاري موضع واحد متابعة، من الثامنة مات سنة ثلاث وثمانين، خ م ت ق، التقريب (220) .

ص: 719

إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: جاء العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان بن حرب فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان يشهد أن لا إله إلا الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا الفضل انصرف بضيفك الليلة إلى أهلك واغد به".

فلما أصبح غدا به عليه، فقال العباس: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن أبا سفيان رجل يحب الشرف والذكر، فاعطه شيئاً يتشرف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" 1، فقال أبو سفيان: وما تسع داري؟ فقال: "من دخل الكعبة فهو آمن"، فقال: وما تسع الكعبة؟ فقال: "من دخل المسجد فهو آمن".

فقال: وما يسع المسجد؟ فقال: "من أغلق بابه فهو آمن"، فقال: هذه واسعة2.

1 قوله: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" أخرجها مسلم في صحيحه من غير طريق الزهري عن أبي هريرة في حديث طويل (3/ 1405 رقم 1780) وله شاهد آخر عند أبي داود من غير طريق الزهري عن ابن عباس، رقم (3022) وحسن إسناده الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 586 رقم 2611) .

2 دلائل النبوة (5/ 32) ، وهي رواية ضعيفة لعنعنة ابن إسحاق، لكن قد وردت شواهد تدل على ثبوتها، فقد أخرج نحوها مختصراً ابن أبي شيبة في المصنف (14/ 496) ، وأبو داود في السنن (3/ 162 رقم 3021) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 364 رقم 486) والطبراني في الكبير (8/ 10 رقم 7264) ، والبيهقي في السنن أيضاً (9/ 118) ، ومعرفة السنن والآثار (13/ 297) ، كلهم من طريق ابن إسحاق عن الزهري، وفيها جميعاً عنعنة ابن إسحاق، علماً بأن الألباني قد حكم عليها بأنها (حسنة) كما في صحيح سنن أبي داود (2/ 586 رقم 2610) .

ص: 720

149-

وقال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم2، قال: أنبأنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، (ح) . وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد واللفظ له، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب العبدي قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يقال -في اثني عشر ألفاً3 من المهاجرين والأنصار ومن طوائف العرب: من أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، ومن بني سُليم، وقادوا الخيول، فأخفى الله عزوجل مسيره على أهل مكة حتى نزلوا بمر

1 دلائل البيهقي (5/ 39- 49) بسند حسن إلى الزهري إلا أنها مرسلة، لكن يشهد لكثير من فقراتها ما جاء في الصحيحين وغيرهما كما سيأتي.

2 تقدمت تراجم سند هذه الرواية.

3 تقدم توفيق الحافظ ابن حجر بين من ذكر عددهم عشرة آلاف وبين من ذكرهم اثني عشر ألفاً في المبحث الثاني.

ص: 721

الظهران، وبعثت قريش أبا سفيان وحكيم بن حزام ومعهما بديل بن ورقاء، فلما طلعوا على مر الظهران حين بلغوا الأراك، وذلك عشاءً رأوا النيران والفساطيط1 والعسكر، وسمعوا صهيل2 الخيل، فراعهم ذلك فقالوا: هذه بنو كعب3 حشَّتها4 الحرب، ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: هؤلاء أكثر من بني كعب، قالوا: فلعلهم هوازن انتجعوا5 الغيث بأرضنا ولا والله ما نعرف هذا أيضاً، فبينما هم كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم عيوناً لهم بخطيم أبعرتهم، فقالوا: من أنتم؟

قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم؟ فلما دخل بهم العسكر لقيهم عباس بن عبد المطلب6 فأجارهم وقال: يا أبا حنظلة

1 الفساطيط: جمع فسطاط، وهو: - بالضم والكسر - المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة فسطاط، قال الزمخشري:(هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق) النهاية (3/ 445) .

2 صهيل الخيل: أي: صوته. النهاية (3/ 63) .

3 بنو كعب: يعني خزاعة، وكعب أكبر بطون خزاعة. فتح الباري (8/ 7) .

4 حشّتها الحرب، وفي رواية أبي الأسود عن عروة: حاشتها الحرب، أي: جاشت بهم الحرب. الفتح (8/ 7) .

5 انتجعوا: التنجع والانتجاع والنجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث. النهاية (5/22)

6 في البخاري (8/ 5- 6) رقم (4280 مع الفتح) من مرسل عروة: (أن حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين أخذوا هؤلاء الثلاثة وأتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان

) .

ص: 722

ثكلتك1 أمك وعشيرتك، هذا محمد صلى الله عليه وسلم في جمع المؤمنين فادخلوا [عليه فأسلموا فدخلوا] 2 على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثوا عنده عامة الليل يحادثهم ويسألهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فقال لهم: اشهدوا أنه لا إله إلا الله، فشهدوا، ثم قال: اشهدوا أني رسول الله، فشهد حكيم وبديل، وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك، وخرج أبو سفيان مع العباس فلما نودي للصلاة، ثار الناس ففزع أبو سفيان، وقال للعباس: ماذا يريدون؟

قال: الصلاة، ورأى أبو سفيان المسلمين يتلقون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما رأيت ملكاً قط كالليلة ولا ملك كسرى، ولا ملك قيصر، ولا ملك بني الأصفر، فسأل أبو سفيان العباس أن يدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخله، فقال أبو سفيان: يا محمد قد استنصرتُ آلهتي، واستنصرت إلهك، فوالله ما لقيتك من مرة إلا ظهرت عليّ، فلو كان إلهي محقاً وإلهك مبطلاً لقد غلبتك، فشهد أن محمداً رسول الله، وقال أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله أجئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف إلى أصلك وعشيرتك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعقد الحديبية،

1 ثكلتك: أي: فقدتك، والثكل: فقد الولد، وهي من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: تربت يداك، وقاتلك الله. النهاية (1/ 217) .

2 ما بين الحاصرتين ليس في [ح] كما قال محقق الدلائل، عبد المعطي قلعجي.

ص: 723

وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله وأمنه".

فقال بديل: قد صدقت يا رسول الله، قد غدروا بنا والله لو أن قريشاً خلّوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا.

فقال أبو سفيان وحكيم: قد كنت يا رسول الله حقيقاً أن تجعل عُدّتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحماً وأشد عداوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لأرجو أن يجمعهما لي ربي: فتح مكة، وإعزاز المسلمين بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم".

فقال أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله ادع لنا بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، من كفّ يده وأغلق داره فهو آمن، قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم: قال: انطلقوا فمن دخل دارك يا أبا سفيان ودارك يا حكيم1، وكف يده فهو آمن -ودار أبي سفيان بأعلى مكة، ودار حكيم بأسفل مكة -فلما توجها ذاهبين، قال العباس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه فيكفر، فاردده حتى نقفه فيرى جنود الله معك، فأدركه عباس فحبسه، فقال أبو سفيان: أغدراً يا بني هاشم؟

فقال العباس: ستعلم أنا لسنا نغدر، ولكن لي إليك حاجة، فأصبح

1 قوله ودارك يا حكيم، ورد ما يشهد له عند الطبري في تاريخه (3/ 54- 56) من رواية هشام بن عروة عن أبيه.

ص: 724

حتى ترى جنود الله وإلى ما أعد للمشركين، فحبسهم بالمضيق دون الأراك إلى مكة، حتى أصبحوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى: لتصبح كل قبيلة قد ارتحلت ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الأداة والعدة، فأصبح الناس على ظهر، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه الكتائب، فمرت كتيبة على أبي سفيان، فقال: يا عباس أفي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: فمن هؤلاء؟ قال: قضاعة، ثم مرت القبائل على راياتها، فرأى أمراً عظيماً رعبه الله به، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كَدَاء1 من أعلى مكة وأعطاه رايته وأمره أن يغرزها بالحجون2 ولا يبرح حيث أمره أن يغرزها حتى يأتيه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سُليم وناساً أسلموا قبل ذلك وأمره أن يدخل من أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت وبأسفل مكة بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناف

1 كَدَاء: - بالتحريك والمد - الثَّنيَّة العليا بمكة مما يلي المقابر، وهو: المعلاة. النهاية (4/ 156) .

2 الحجون: - بضم الحاء المهملة والجيم، وآخره نون - هي الثنية التي تفضي على مقبرة المعلاة والمقبرة عن يمينها وشمالها مما يلي الأبطح، تسمى الثنية اليوم (ريع الحجون) ، معجم المعالم الجغرافية (94) .

ص: 725

وهذيل ومن كان معهم من الأحابيش قد استنصرت بهم قريش، وأمرتهم أن يكونوا بأسفل مكة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع سعد رايته إلى قيس بن سعد ابن عبادة1 وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلون أحداً إلا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر، منهم: عبد الله بن سعد ابن أبي سرح2، والحويرث بن نقيذ3، وابن خطل4، ومقيس بن

1 هو: قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي، مختلف في كنيته فقيل: أبو الفضل، وأبو عبد الله وأبو عبد الملك

أخرج البغوي من طريق ابن شهاب قال: كان قيس حامل راية الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ذوي الرأي من الناس

شهد مع علي صفين ثم كان مع الحسن حتى صالح معاوية، فرجع قيس إلى المدينة ومات بها في آخر خلافة معاوية، الإصابة (3/ 249) .

2 هو: عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب - بالمهملة مصغراً - ابن حذافة بن مالك بن حسن بن عامر بن لؤي القرشي العامري، يكنى أبا يحيى، وكان أخا عثمان من الرضاعة، وكانت أمه أشعرية، كان عبد الله بن سعد يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فأزلّه الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم، أمّره عثمان على مصر، ولما وقعت الفتنة سكن عسقلان ولم يبايع لأحد ومات بها سنة ست وثلاثين. الإصابة (2/ 316-317) .

3 هو: الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، السيرة النبوية لابن هشام (2/ 410) وقتله علي بن أبي طالب.

4 اسمه: عبد الله بن خطل، رجل من بني تيم بن غالب، السيرة النبوية لابن هشام (2/ 409) ، وقد ذكر ابن إسحاق أنه اشترك في قتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي. المصدر السابق.

وذكر الواقدي في المغازي (2/ 859) أقوالاً أخرى في من قتله، وسيأتي الخلاف في اسمه.

ص: 726

صُبابة1 أحد بني ليث وهو من كلب بن عوف، وأمر بقتل قينتين2 لابن خطل كانت تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت الكتائب يتلو بعضها بعضاً على أبي سفيان وحكيم وبديل ولا تمر عليهم كتيبة إلا سألوا عنها حتى مرت عليهم كتيبة الأنصار فيها سعد بن عبادة فنادى سعد أبا سفيان فقال:

اليوم يوم الملحمة

اليوم تستحل الحرمة4

1 مقيس بن صبابة: - بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة - الفتح (8/ 11)

وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 410) مقيس بن حبابة، وأن الذي قتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه.

2 القينة: الأمة غنَّت أو لم تغن، والماشطة، وكثيراً ما تطلق على المغنية من الإماء. النهاية (4/ 135) .

واسم الأولى: فرتنى (ابن هشام 2/ 410) والثانية: قرينة فتح الباري (8/ 11) ، وقد استؤمن للأولى فأسلمت، وقتلت الثانية. المصدر السابق.

وقد أحصى الحافظ ابن حجر عدد من أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم فبلغ عددهم ثمانية رجال وست نسوة. الفتح (8/ 12) .

3 يوم الملحمة: - بالحاء المهملة - أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص، ومراد سعد بقوله: يوم الملحمة: يوم المقتلة الكبرى. الفتح (8/ 8) .

4 وكذلك وردت عند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 406) ، والواقدي في مغازيه (2/ 821) ، والطبراني في الكبير 8/ 6 رقم 7263) ، ومغازي الأموي، انظر: عيون الأثر (2/ 223) .

وفي البخاري مع الفتح (8/ 5- 6) رقم (4280) من مرسل عروة (اليوم تستحل الكعبة) .

ص: 727

فلما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان في المهاجرين، قال: يا رسول الله أمرت بقومك أن يقتلوا، فإن سعد بن عبادة ومن معه حين مروا بي ناداني سعد فقال:

اليوم يوم الملحمة

اليوم تستحل الحرمة

وإني أناشدك الله في قومك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة فعزله وجعل الزبير بن العوام مكانه على الأنصار مع المهاجرين، فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون، وغرز بها راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة، فلقيته بنو بكر فقاتلوه فهزموا، وقتل من بني بكر قريباً من عشرين رجلاً، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، وانهزموا وقُتلوا بالحزورة1 حتى بلغ قتلهم باب المسجد وفرّ بعضهم حتى دخلوا الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبال، واتبعهم المسلمون بالسيوف ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين الأولين وأخريات الناس، وصاح أبو سفيان حين دخل مكة: من أغلق داره وكف يده فهو

1 الحَزْوَرَة: - بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي - هي ما يعرف اليوم باسم القشاشية، مرتفع يقابل المسعى من مطلع الشمس كان ولا يزال سوقاً من أسواق مكة، معجم المعالم الجغرافية (98) .

ص: 728

آمن، فقالت له هند بنت عتبة وهي امرأته: قبحك الله من طليعة قوم وقبح عشيرتك معك، وأخذت بلحية أبي سفيان ونادت يا آل غالب: اقتلوا الشيخ الأحمق، هلاّ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم، فقال لها أبو سفيان: ويحك اسكتي وادخلي بيتك، فإنه جاءنا بالحق.

ولماّ علا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر إلى البارقة1 على الجبل مع فضض2 المشركين فقال: "ما هذا؟ وقد نهيت عن القتال؟ ".

فقال مهاجرون نظن أن خالداً قاتل، وبدئ بالقتال، فلم يكن له بد من أن يقاتل من قاتله، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك3، فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية فأجاز على الحجون، فاندفع الزبير ابن العوام حتى وقف بباب المسجد وجُرح رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُرز بن جابر4 أخو بني محارب بن فهر، وحُبيش بن خالد5،

1 البارقة: السيوف: أي رأى لمعانها. النهاية (1/ 120) .

2 فضض المشركين: الفضض كل متفرق ومنتشر، القاموس، (فضض) . والمعنى: مع بعض المشركين الذين تفرقوا عن بعض.

3 وقد ذكر عبد الرزاق في المصنف (5/ 378) عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي بعث خالداً بمن معه يقاتل المشركين بأسفل مكة.

4 هو كُرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري، كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم، وأغار على سرح المدينة مرة، ثم أسلم. الإصابة (3/ 290- 291) .

5 هو: حبيش بن خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن خبيس - بمعجمة ثم موحدة ثم مهملة مصغراً - بن حرام بن حبيشة بن كعب بن عمرو الخزاعي، يكنى أبا صخر وهو أخو أم معبد، قتل مع خالد بن الوليد يوم فتح مكة. الإصابة (1/ 310) .

ص: 729

وخالد - يدعى الأشعر وهو أحد بني كعب، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ في قتل النفير أن يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان قد ارتد بعد الهجرة كافراً، فاختبأ حتى اطمأن الناس، ثم أقبل يريد أن يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ليقوم إليه رجل من أصحابه ليقتله، فلم يقم إليه أحد ولم يشعروا بالذي كان في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم1: لو أشرت إليّ يا رسول الله لضربت عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل ذلك".

ويقال: أجاره عثمان بن عفان رضي الله عليه وسلم وكان أخاه من الرضاعة، وقتلت إحدى القينتين وكمنت الأخرى حتى استؤمن لها، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً على راحلته يستلم الأركان زعموا بمحجن، وكثُر الناس حتى امتلأ المسجد، واستكف المشركون ينظرون إلى رسول الله وأصحابه فلما قضى طوافه نزل، وأخرجت الراحلة، وسجد سجدتين، ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها، وقال: "لولا أن تغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت بيدي

1 نقل الحافظ ابن حجر عن سبط ابن الجوزي: أن الذي قال ذلك هو عباد بن بشر، وقيل: بل عمر بن الخطاب. الإصابة (2/ 317) .

ص: 730

دلواً"1 ثم انصرف في ناحية المسجد قريباً من المقام مقام إبراهيم عليه السلام، فكان المقام - زعموا - لاصقاً بالكعبة، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه هذا2، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجل3 من ماء زمزم فشرب

1 أخرجه أحمد عن علي رضي الله عليه وسلم بلفظ: (يا بني عبد المطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت بها) المسند (2/ 5 رقم [562] أرناؤوط) والترمذي رقم (885) ، وأبو يعلى رقم (312و 544) ، وابن خزيمة رقم (2837 و2889) ، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 72- 73) ، والبيهقي في السنن (5/ 122) من طريق أبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، وبعضهم يزيد فيه على بعض، وسنده حسن، وأخرج نحوه الفاكهي في أخبار مكة، وقال محققه عبد الملك بن دهيش: سنده حسن (2/ 51 رقم 1130) ، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 55) .

2 المشهور أن الذي أخر المقام عمر رضي الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخّره عمر رضي الله عليه وسلم إلى المكان الذي هو فيه الآن. فتح الباري (8/ 169) تحت حديث رقم (4483) .

ثم قال: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء وغيره، وعن مجاهد أيضاً، وأخرج البيهقي عن عائشة مثله بسند قوي، ولفظه:(إن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقاً بالبيت ثم أخّره عمر) المصدر السابق.

وانظر: مصنف عبد الرزاق (5/ 48 رقم 8955) ، وحديث مجاهد في (5/ 47-48 رقم 8953) وقد ذكر ابن كثير في تفسيره (1/ 170) نحواً من كلام الحافظ ابن حجر.

وذكر الحافظ ابن حجر أيضاً أن ابن مردويه أخرج بسند ضعيف عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوّله. قال: والأول أصح. الفتح 08/ 169) .

ونقل ابن كثير في تفسيره رواية ابن مردويه ثم قال: هذا مرسل عن مجاهد وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق عن معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد: أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عليه وسلم وهذا أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضادها بما تقدم. التفسير (1/ 171) .

3 السجل: الدلو الملأى ماء، ويجمع على سجال. النهاية، 2/344.

ص: 731

وتوضأ، والمسلمون يبتدرون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون إليهم يتعجبون، ويقولون: ما رأينا ملكاً قط بلغ هذا ولا سمعنا به، ومرّ صفوان بن أمية عامداً للبحر، وأقبل عمير بن وهب بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يؤمن صفوان بن أمية، وقال: إنه قد هرب فاراً نحو البحر، وقد خشيت أن يهلك نفسه فأرسلني إليه بأمان يا رسول الله فإنك قد أمنت الأحمر والأسود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أدرك ابن عمك فهو آمن".

فطلبه عمير فأدركه فقال: قد أمنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له صفوان: لا والله لا أقر لك حتى أرى علامة بأمان أعرفها، فقال عمير: امكث مكانك حتى آتيك بها، فرجع عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن صفوان أبى أن يوقن لي حتى يرى منك آية يعرفها، فانتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة حَبِرة كان معتجراً بها حين دخل مكة، فدفعه إلى عمير بن وهب فلما رأى صفوان البرد أيقن واطمأنت نفسه وأقبل مع عمير حتى دخل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان: أعطيتني ما يقول هذا من الأمان؟

ص: 732

قال: (نعم)، قال: اجعل لي شهراً1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل لك شهران لعل الله أن يهديك".

وقال ابن شهاب: نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهو على فرسه فقال: يا محمد أمنتني كما قال هذا، إن رضيت وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(انزل أبا وهب) قال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي، قال: فلك تسير أربعة أشهر2، وأقبلت أم حكيم بنت الحارث بن هشام3 وهي مسلمة يومئذ، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في طلب زوجها، فأذن لها وأمّنه فخرجت بعبد لها رومي فأرادها على نفسها، فلم تزل تمنيه وتقرب له حتى قدمت على ناس من عكٍّ4 فاستغاثت بهم عليه فأوثقوه لها، وأدركت زوجها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب عليه فرحاً وما عليه رداء حتى بايعه

1 قوله: (اجعل لي شهراً) ورد مثله عند البيهقي من رواية أبي الأسود عن عروة. الدلائل (5/ 46) .

2 تخييره بأربعة أشهر ورد ما يشهد له عند مالك في الموطأ عن الزهري (الموطأ 2/ 543) رقم (44) وستأتي.

3 هي: أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية زوج عكرمة بن أبي جهل قال أبو عمر: حضرت يوم أحد وهي كافرة، ثم أسلمت في الفتح، واستأمنت أم حكيم بنت الحارث لعكرمة فأمّنه النبي صلى الله عليه وسلم، الإصابة (4/ 443- 444) .

4 عك: قبيلة تنسب إلى اليمن، وعك هو: عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد. جمهرة أنساب العرب لابن حزم (375) .

ص: 733

وأدركته امرأته بتهامة، فأقبل معها وأسلم، ودخل رجل من هذيل حين هزمت بنو بكر على امرأته فاراً فلامته وعجزته وعيّرته بالفرار، فقال:

وأنتِ لو رأيتنا بالخندمة

إذ فر صفوان وفر عكرمة

وألحقتنا بالسيوف المسلمة

يقطعن كل ساعد وجمجمة

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة

قال ابن شهاب: قالها حِماس1 أخو بني سعد بن ليث، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ قال: هم بدأونا بالقتال، ووضعوا فينا السلاح، وأشعرونا بالنبل، وقد كففت يدي ما استطعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قضاء الله عزوجل خير".

قال: وكان دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة والفتح في رمضان سنة ثمان، ويقال: قال أبو بكر رضي الله عليه وسلم يومئذ: يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهرُّ2، فلما دنونا منها استقلت على

1 هو: حماس - بكسر أوله وتخفيف ثانيه وآخره مهملة - ابن قيس ويقال: ابن خالد بن قيس بن مالك الدئلي، ذكر ابن إسحاق والواقدي أنه كان بمكة يوم الفتح، فلما قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أعد سلاحه وقال لامرأته: إني لأرجو أن يخدمك الله منهم، ثم فرّ وذكر الأبيات. الإصابة (1/ 352) .

2 هَرَّ الكلب يهرُّ هَريراً، فهو هارٌّ وهرَّارٌ إذا نبح وكشّر عن أنيابه، وقيل: هو صوته دون نباحه. النهاية (5/ 259) .

ص: 734

ظهرها فإذا هي تشخب1 لبناً فقال: ذهب كلبهم، وأقبل درّهم، وهم سائلوكم بأرحامكم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه، فلقوا أبا سفيان وحكيم اً بمرّ، وقال حسان بن ثابت في مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة:

عدمت بنيتي2 إن لم تروها

تثير النقع3 من كتفي كَداءُ

ينازعن الأعنة4 مصفيات5

يلطمهن بالخُمر النساء

فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لجلاد يوم

يعين الله فيه من يشاء

وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء

هجوتَ6 محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

1 شخب: الشخب السيلان، وأصل الشخب من يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة بضرع الشاة. النهاية (2/ 450) .

2 في ديوانه (19) : عدمنا خيلنا، والبنية اسم من أسماء الخيل، انظر اللسان (بني) .

3 النقع: الغبار. النهاية (5/ 109) .

4 في الديوان (19) يبارين الأعنة، والمعنى: يجارينها في السرعة، والعُنة: سير اللجام الذي تمسك به الدابة، القاموس (عنن) .

5 في الديوان (19) مصعدات، وفي البداية والنهاية (4/ 310) مصغيات، بالغين المعجمة.

6 الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، وقد أسلم عام الفتح. الإصابة (4/ 90) .

ص: 735

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تَكَيده1 الدلاء

قال: فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم إلى أبي بكر رضي الله عليه وسلم حين رأى النساء يلطمن الخيل بالخمر2.

150-

قال الحاكم3حدثنا أبو العباس محمد4 بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الفتح حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين فسبعت5سليم، وأَلَّفَت6مزينة، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار، فلم

1 في الديوان (21) : لا تكدره الدلاء، والمعنى: أن لسانه كالسيف القاطع وأن شعره كالبحر لا تؤثر فيه الدلاء التي يستقي بها، شرح الديوان (ص: 21) .

2 ذكر ابن كثير في البداية مقتطفات متفرقة من هذه الرواية، انظر:(4/ 291، 294، 295، 296) .

3 مستدرك الحاكم (3/43-44)، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وإنما هو حسن فقط، كما قال الألباني، في تعليقه على فقه السيرة للغزالي (ص408)

4 تقدمت تراجم سند هذه الرواية.

5 أي كملت سبعمائة رجل. النهاية (2/336)

6 أي صارت ألفاً.

ص: 736

يتخلف عنه منهم أحد، وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو صانع، وكان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثنية العقاب؛ فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله ابن عمك1 وابن عمتك وصهرك2، فقال: لا حاجة لي بهما؛ أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال، فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بن الحارث ابن3 له، فقال: والله ليأذننّ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنَذْهبَنَّ في الأرض حتى نموت عطشاً أو جوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما فدخلا عليه فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه فقال:

لعمرك أني يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللات خيل محمد

لكالمدلج4 الحيران أظلم ليلهُ

فهذا أوانُ الحق أُهدي وأهتدي

1 تريد أبا سفيان بن الحارث لأنه ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم.

2 لأن عبد الله بن أبي أمية أخو أم سلمة، وابن عمته عاتكة. الإصابة (2/277) .

3 ابنه هو: جعفر بن أبي سفيان وقد اسلم مع أبيه. الاستيعاب (4/237) .

وذكر الحافظ ابن حجر نقلاً عن الزبير بن بكار وغيره أن جعفراً كان ممن ثبت يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم. الفتح (8/30) .

4 الدلجة: هي السير ليلاً، يقال: أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل، وادَّلج - بالتشديد - إذا سار من آخره. النهاية (2/ 129) .

ص: 737

هدانيَ هادٍ غير نفسي ونالني

إلى الله من طردّت كل مطرِّدِ

أفر سريعاً جاهداً عن محمد

وأدعى ولو لم أنتسب من محمد

هُم عصبة من لم يقل بهواهم

وإن كان ذا رأي يلَم ويفنَّد1

أريد لأرضيهم ولست بلائط2

مع القوم ما لم أهد في كل مقعد

فقل لثقيف لا أريد قتالكم

وقل لثقيف تلك غيري وأوعدي

فماكنت في الجيش الذي نال عامراً

ولا كل عن خير لساني ولا يدي

قبائل جاءت من بلاد بعيدة

توابع جاءت من سهام3 سردد4

قال: فذكروا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن طردت كل مطرد، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد5.

1 الفند في الأصل: الكذب، والمفند هو الذي لا فائدة من كلامه. النهاية (3/ 475)

2 اللائط: الملصق: يقال: لاط به يلوط لوطاً ولياطاً، إذا لصق به. النهاية (4/ 277) .

3 سهام: اسم موضع باليمامة كانت به وقعة أيام أبي بكر رضي الله عليه وسلم بين ثمامة بن أثال ومسيلمة الكذاب، معجم البلدان (3/ 288- 289) ، والمعالم الأثيرة (144) .

وسهام اسم وادٍ باليمن قرب صنعاء اليمن، وسهام اسم رجل سمي به الموضع، وهو سهام بن الغوث بن حمير، ووادي سهام: قرب زبيد بيوم ونصف، معجم البلدان (2/ 289) .

4 سُردد: - بضم أوله وسكون ثانيه ودال مهملة مكررة الأولى منها مضمومة -، موضع من أرض زبيد باليمن، معجم البلدان (2/ 209) ، والمعالم الأثيرة (139) .

5 ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 27- 28) ، وابن الأثير في أسد الغابة (6/ 145) ، وأخرجه ابن إسحاق بدون إسناد

ص: 738

_________

(ابن هشام 2/ 400- 401) .

ووصله ابن جرير في التاريخ عن ابن إسحاق من غير طريق الزهري (2/ 5-- 51)، ومعنى قوله: (أنت طردتني

) أي أنك ممن ساعد على إخراجي من مكة، والله أعلم. وانظر: النهاية (3/ 128) .

ص: 739