الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ا
لمطلب الثاني: في تخلف أبي لبابة رضي الله عنه
.
185-
عبد الرزاق1عن معمر عن الزهري قال: كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال الزهري: فربط نفسه بسارية، ثم قال: والله لا أحل نفسي منها، ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليَّ، قال: فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً حتى كان يخرُّ مغشياً عليه، قال: ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تيب عليك
1 تفسير عبد الرزاق (1/ 286) القسم الثاني.
يا أبا لبابة، فقال: والله لا أحِلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يحلني، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحله بيده.
ثم قال أبو لبابة: يا رسول الله إنَّ من توبتي أن أهجر داري في قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أختلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال:"يجزيك الثلث يا أبا لبابة"1.
1 ومن طريق معمر عن الزهري أخرجها الطبري في التفسير (14/ 542) رقم (17149) تحقيق شاكر؛ وهي رواية صحيحة إلى الزهري لكنها مرسلة.
وقد أخرج البيهقي في الدلائل (5/ 270) رواية مطولة في قصة أبي لبابة مع بني قريظة حين أشار إليهم أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، وذكر تخلفه عن غزوة تبوك، فربط نفسه في سارية المسجد بعد غزوة تبوك حتى تاب الله عليه، وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب فذكرها بطولها.
وقد تقدمت هذه الرواية في غزوة بني قريظة.
وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره (14/ 446) آثاراً كثيرة كلها لا تخلو من مقال تدل على أن أبا لبابة كان من المتخلفين في غزوة تبوك ومن الذين اعترفوا بذنوبهم، وذلك تحت قوله تعالى:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} التوبة، آية رقم:(102) .
ثم ذكر كلام أهل التأويل في ذلك واختلافهم فيها، ثم قال: قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: نزلت هذه الآية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم الجهاد معه والخروج لغزو الروم حين شخص إلى تبوك، وأن الذين نزل فيهم جماعة، أحدهم أبو لبابة وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك، لأن الله جل ثناؤه قال:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} فأخبر عن اعتراف جماعة بذنوبهم، ولم يكن المعترف بذنبه الموثق نفسه بالسارية في حصار قريظة غير أبي لبابة وحده، فإذا كان ذلك كذلك وكان الله تبارك وتعالى قد وصف في قوله:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} بالاعتراف بذنوبهم جماعة، علم أن الجماعة الذين وصفهم بذلك ليست الواحد، فقد تبين بذلك أن هذه الصفة إذ لم تكن إلا لجماعة، وكان لا جماعة فعلت ذلك، فيما نقله أهل السير والأخبار، وأجمع عليه أهل التأويل، إلا جماعة من المتخلفين عن غزوة تبوك، صح ما قلناه في ذلك، وقلنا:(كان أبو لبابة) لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك) .
وقد أخرج أحمد في المسند (25/ 27 رقم [15750] أرناؤوط) من طريق الزهري عن حسين بن أبي السائب بن أبي لبابة أن جده حدثه أن أبا لبابة حين تاب الله عليه في تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما كان سلف قبل ذلك من أمور، وجد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث، ومن نفس الطريق أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 385) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 448،رقم (1898) والبيهقي في السنن (4/ 181) ، وهذه الآثار تدل على أن أبا لبابة كان ممن تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه بسارية المسجد ليتوب من ذلك ومن إشارته لليهود في غزوة بني قريظة.