المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث والعشرون في صلاة الجنائز وأحكامها - مسند الشافعي - ترتيب السندي - جـ ١

[الشافعي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الإيمان والإسلام

- ‌كتاب العلم

- ‌كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌كتاب الطهارة وفيه عشرة أبواب

- ‌الباب الأول في المياه

- ‌الباب الثاني في الأنجاسْ وتطهيرها

- ‌الباب الثالث في الآنية والدباغة

- ‌الباب الرابع في آداب الخلاء

- ‌الباب الخامس في صفة الوضوء

- ‌الباب السادس في نواقض الوضوء

- ‌الباب السابع في أحكام الغسل

- ‌الباب الثامن في المسح على الخفين

- ‌الباب التاسع في التيمم

- ‌كتاب الصلاة وفيه ثلاثة وعشرون بابا

- ‌الباب الأول في مواقيت الصلاة

- ‌الباب الثاني في الأذان

- ‌الباب الثالث في شروط الصلاة

- ‌الباب الرابع في المساجد

- ‌الباب الخامس في سترة المصلي

- ‌الباب السادس في صفة الصلاة

- ‌الباب السابع في الجماعة وأحكام الإمامة

- ‌الباب الثامن فيما يمنع فعله في الصلاة وما يباح فيها

- ‌الباب التاسع في سُجود السّهْو

- ‌الباب العاشر في سجود التلاوة

- ‌الباب الحادي عشر في صلاة الجمعة

- ‌الباب الثاني عشر في صلاة العيدين

- ‌الباب الثالث عشر في الأضاحي

- ‌الباب الرابع عشر في صلاة الكسوف

- ‌الباب الخامس عشر في صلاة الاستسقاء

- ‌الباب السادس عشر في الدعاء

- ‌الباب السابع عشر في صلاة الخوف

- ‌الباب الثامن عشر في صَلاة المسافِرْ

- ‌الباب التاسع عشر في التهجد (التهجد السهر والنوم فهو من الأضداد في اللغة وتهجد القوم استيقظوا للصلاة أو غيرها وفي القرآن «ومن الليل فتهجد به نافلة لك» والمتهجد: القائم من النوم إلى الصلاة وكأنه قيل له متهجد لإ لقائه الحنث عن نفسه)

- ‌الباب العشرون في الوتر (الوتر بالكسر والفتح الفرد وروى أصحاب السنن بسند حسن عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهل القرآن أوتروا فإن اللَّه وتر يحب الوتر» انتهى وأهل القرآن أمته وأوتروا: صلوا الوتر وقوله فإن اللَّه وتر أي واحد في ذاته وصفاته وأفعاله يحب الوتر أي الفرد وقال صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق على كل مسلم فمن شاء أوتر بسبع ومن شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بواحدة وهما يدلان على وجوب الوتر بظاهرهما وهو مذهب الحنفية فإن قيل: ألا تعارض هذه الأحاديث الداعية إلى الوتر حديث «صلاة الليل مثنى مثنى» قلت: لا تعارض لأن التوفيق ممكن بينهما فإن في إمكان المسلم أن يصلي في ليله ما شاء من النوافل ثنتين ثنتين ثم إذا أراد أن ينصرف لنومه صلى واحدة وبذا يكون موترا وعاملا بالأحاديث كلها ولذا روى الأربعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» أي أختموا صلاة الليل بالوتر وعن ابن عمر أيضا: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت رواه الخمسة)

- ‌الباب الحادي والعشرون في قضاء الفوائت

- ‌الباب الثاني والعشرون في صلاة المريض

- ‌الباب الثالث والعشرون في صلاة الجنائز وأحكامها

- ‌كتاب الزكاة وفيه خمسة أبواب

- ‌الباب الأول في الأمر بها والتهديد على تركها وعلى من تجب وفيم تجب

- ‌الباب الثاني فيما يجب أخذه من رب المال من الزكاة وما لا ينبغي أن يؤخذ

- ‌الباب الثالث فيمن تحل له الزكاة وما جاء في العامل

- ‌الباب الرابع في الركاز والمعادن (الركاز ككتاب عند الحجازيين كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن واللغة تحتملهما لأن كلاً منهما مركوز وثابت في الأرض وإنما وجب فيه الخمس لبيت المال لكثرة نفعه وسهولة أخذه وعلى ذلك فمن وجد معدنا في أرضه كالتبر والفضة والفحم والحديد ففيه عند الحنفية الخمس لبيت المال والباقي لصاحب الأرض وعند الحجازيين ليست بركاز وزكاتها كزكاة المال أي فيها ربع العشر إذا بلغت مائتي درهم أو عشرين مثقالا وروى الأزهري عن الشافعي أنه قال: الذي لا أشك فيه أن الركاز دفين الجاهلية)

- ‌الباب الخامس في صدقة الفطر

- ‌كتاب الصوم وفيه خمسة أبواب

- ‌الباب الأول فيما يفسد الصوم وما لا يفسده

- ‌الباب الثاني فيما جاء في صوم التطوع

- ‌الباب الثالث فيما جاء في صوم المسافر

- ‌الباب الرابع في أحكام متفرقة في الصوم

- ‌الباب الخامس في الإعتكاف

- ‌كتاب الحج وفيه اثنا عشر باباً

- ‌الباب الأول فيما جاء في فرض الحج وشروطه

- ‌الباب الثاني في مواقيت الحج والعمرة الزمانية والمكانية

- ‌الباب الثالث في فضل مكة

- ‌الباب الرابع فيما يلزم المحرم عند تلبسه بالإحرام

- ‌الباب الخامس فيما يباح للمحرم وما يحرم وما يترتب على ارتكابه من المحرمات من الجنايات

- ‌الباب السادس فيما يلزم الحاج بعد دخول مكة إلى فراغه من مناسكه (المناسك: جمع منسك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد ويطلق على المصدر والزمان والمكان ثم سميت أمور الحج كلها مناسك والمنسك: المذبح والنسيكة الذبيحة والنسك الطاعة والقيادة وكل ما تقرب به إلى اللَّه)

- ‌الباب السابع في الإفراد والقران والتمتع

- ‌الباب الثامن فيما جاء في العمرة

- ‌الباب التاسع في أحكام المحصر ومن فاته الحج

- ‌الباب العاشر في الحج عن الغير (هذا العنوان من وضع مرتب المسند وهو المرحوم الشيخ عابد السندي وغير متوغلة في الإبهام فلا تدخل عليها أداة التعريف لأن دخولها لا يفيد شيئا ولا ينقل غير عن إبهامها اهـ حامد مصطفى)

- ‌الباب الحادي عشر في مسائل متفرقة من كتاب الحج

- ‌الباب الثاني عشر في فضل المدينة وما جاء فيها

الفصل: ‌الباب الثالث والعشرون في صلاة الجنائز وأحكامها

‌الباب الثاني والعشرون في صلاة المريض

ص: 199

555-

(أخبرنا) : الثقةُ، عن يونِسَ، عن الحسن عن أُمِّه قالت:

-رأيتُ أُمّ سَلَمَةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم تَسْجُدُ على وِسَادَةِ أدَمٍ من رَمَدٍ بِهَا (الوسادة بالكسر المخدة والأدم: الجلد ومنه يؤخذ جواز السجود على الفراش الوثير لعذر قهري) .

ص: 199

‌الباب الثالث والعشرون في صلاة الجنائز وأحكامها

ص: 199

556-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ جابرِ بنِ عَتيك:

-أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء يَعُودُ عَبْدَ اللَّه بنَ ثابت فَوَجَدَهُ قد غُلِبَ (غلب بالبناء للمجهول أي غلبه المرض فصاح به أي ناداه باسمه فلم يجبه لعجزه عن الرد) فصاح به فلم يُجِبْهُ فاسْتَرْجَعَ (فاسترجع أي قال إنا للله وإنا إليه راجعون) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: "غُلِبْنَا عَليك يا أبا الربيع

⦗ص: 200⦘

(غلبنا عليك بالبناء للمجهول أي غلبنا عليك المرض فرفع النسوة أصواتهن بالبكاء يأسا وجزعا فقال رسول اللَّه دعهن فإذا وجب أي مات فلا تبكين باكية أي فلا ترفعن صوتها بالبكاء لأن هذا هو المحرم أما البكاء بغير رفع صوت فليس بمحظور لأنه صلى الله عليه وسلم بكى على إبنه إبراهيم وعلى سعد بن عبادة وابن بنته وغيرهم كما في الصحاح فالبكاء جائز قبل الموت وبعده خلافا لمن أخذ بظاهر هذا الحديث فأجازه قبل الموت ومنعه بعده وهو ضعيف لأنه لما فاضت عيناه برؤية ابن إحدى بناته في لحظاته الأخيرة وقال له سعد ابن عبادة ما هذا يا رسول اللَّه قال هذه رحمة جعلها اللَّه في قلوب عباده وإنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء فأعلمه أن مجرد البكاء ودفع العين لا شئ فيهما من حرمة أو كراهة بل هما رحمة وفضيلة وإنما حرم الندب واللطم والبكاء المقرون بهما ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه) فصاحَ النسوةُ وَبَكَيْنَ فَجعلَ ابْنُ عَتيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: دَعْهُنّض فإذا وَجَب فَلَا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ قال: ما الوجُوبُ يارسول اللَّ؟ قال: إذَا مَاتَ.

ص: 199

557-

(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ سَعْدِ بنِ إبراهيمَ، عن ابن شِهَاب:

-أنَّ قَبِيصَةَ بن ذُؤيبِ كان يُحَدِّثُ أَنِّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أغْمض أبا سَلَمَةَ (المراد أغمض عينيه لأن عيني المتوفي يكونان بعد مفارقة روحه جسمه شاخصتين أي مفتوحتين مرتفعتي الجفنين بشكل رهيب فعلمنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نغمضهما إخفاء لهذا المنظر البغيض وفهم من الحديث أن العمل بهذا من السنة) .

ص: 200

558-

(أخبرنا) : عَبْدُ المَجيد بنُ عبد العزيز، عن ابن جُرَيْجْ أخبرني ابن أبي مُلَيْكَةَ قال:

- تُوفيتْ ابنةٌ لعثمانَ بنِ عفان بمكةَ فجِئنا نَشْهَدُها وحَضَرَها ابنُ عَباسٍ وابنُ عُمَر فقال: إني لجالس بَيْنَهما جَلَستُ إلى أحدِهِما ثم جاء الآخر فجلس إليّ فقال ابن عُمَر لعَمْرو بن عُثْمان: ألا تَنْتَهي عن البُكَاء فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إن المَيّتَ لَيُعَذَّبُ ببكاء أَهْلِه عَلَيه فقال ابنُ عباسٍ: قد كان عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذلك ثم حَدَّثَ ابن عَبَّاس قال:

صَدَرْتُ مع عُمَرَ بنِ الخطّاب من مكّةَ حتى إذا كُنّا بالبَيْداءِ إذا بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شجرة قال فاذْهَبْ فانْظُر مَنْ هؤلاءِ الركبُ؟ فذهبتُ فإذا صُهَيبٌ قال ادْعُه فَرَجَعْتُ إلى صُهَيب فقلتُ ارْتَحِلْ فالْحَقْ بأميرِ المؤنين فلما أُصيب

⦗ص: 201⦘

عُمَرُ سَمِعْتُ صُهَيْباً: يَبكي ويقول وا أخيَاه واصاحباه فقال عُمَرُ يا صُهَيبُ: أتبكي عَلَيَّ وَقَدْ قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إن المَيّتَ لَيُعَذَّبُ ببُكاء أَهْلِه عَلَيْه؟ قال فَلَمَّا مات عُمَرُ ذكرتُ ذلك لعائشةَ فقالت يَرْحَم اللَّهُ عُمَر لا واللَّه ما حَدَّثَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه (قوله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وفي رواية: ببكاء الحي وفي رواية ببعض بكاء أهله وفي رواية يعذب في قبره بما نيح عليه وهي كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ونسبتها السيدة عائشة للنسيان وأنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قالها محتجة بقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» وقال الجمهور إنها مؤولة بمن أوصى أن يبكبي ويناح عليه بعد موته فهذا يعذب ببكاء أهله لأنه بمشيئته وطلبه فإن بكى أهله عليه وناحوا بغير أن يطلب منهم ذلك فلا ذنب له وإنما الذنب ذنبهم فلا يعذب لقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» قالوا وإنما أطلق الحديث لأنه كان من عادتهم في الجاهلية: أن يوصوا بالبكاء فجاء الحديث مطلقا على المتعارف لديهم ألا ترى في قول طرفة:

إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي على الجيب يا إبنة معبد

وقول الآخر:

نى ابنتاي أن يعيش أبوهما * وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر؟؟

فقوما فقولا بالذي تعلمانه * ولا تخمشا وجهاً ولا تحلقا شعراً

إلى الحول ثم اسم ارم عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وقالت طائفة: هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوصي بتركهما فمن لم ينه عن البكاء مفرط في الواجب فيؤخذ بتفريطه وأما من نهى عن ذلك فقد خرج من التبعة ولا ذنب له فيما فعل غيره ومعنى هذا القول: أنه يجب على الإنسان أن يوصي أهله بترك النياحة عليه وقالت جماعة: معناه أن الميت يعذب بما يعدده النائحات ويذكرنه للميت من مفاخرهم التي نهى عنها الإسلام كالسب والقتل والتخريب ونحو ذلك مما كانوا يعدونه شجاعة ومن خير ما قيل في تأويله: أن المراد بالميت من أشرف على الموت فإنه في ساعاته الأخيرة يتألم أشد الألم من رؤية أهله باكين عليه فهذا معنى تعذيبه وسمي ميتا وإن كان لا يزال حيا باعتبار ما يؤول إليه حاله وقالت عائشة: إنه في الكافر والمراد أنه يعذب بذنبه في وقت بكاء أهله عليه وعلى كل: فالمراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين كما قلنا سابقا) ولكن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال إن اللَّه يَزِيدُ الكافِرَ

⦗ص: 202⦘

عَذَاباً ببُكاء أَهْله عَلَيْه فقالتْ عائشةُ حَسْبُكم القُرآنُ (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وقال ابن عَبَّاسٍ عند ذلك: (واللَّهُ أَضْحَكَ وأَبْكَى) وقال ابن أبي مُلَيْكَةَ فَواللَّه ما قال ابن عُمَرَ من شئ (يؤخذ من حلفها هذا أنه يجوز للانسان أن يحلف على ما لم يقطع به اكتفاء بغلبة الظن بالقرائن وهذا مذهب الشافعية ولا يقال: إنها حلفت على علم لسماعها ذلك من الرسولُ صلى الله عليه وسلم في آخر حياته لأنه لو سمعته لقالت: سمعته من رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته مع أنها لم تحتج إلا بالآية: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» .

ص: 200

559-

(أخبرنا) : مالكُ بْنُ أَنَس، عن عَبْد اللَّه بن أبي بكر، عن أبيه، عن عَمْرَة أنها سَمِعَتْ عائشةَ وذُكِر لها أَنَّ عَبْد اللَّه بنَ عُمَر يقول:

-إنَّ الميِّتَ ليعَذَبُ ببكَاء الحيِّ فقالت عائشةُرضي اللَّه عنها: أمَا إنَّه لم يَكْذِبْ ولكنَّهُ أخطَاء أو نَسِي إنما مَرّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على يَهوُدِيَّةٍ وهي يَبْكي عليها أهْلُها فقال: «إنَّهُم ليبْكُونَ عَلَيْها وإنَّها لتُعَذَّبُ في قَبْرِهَا

⦗ص: 203⦘

(أي أن الميت المحكى في حقه التعذيب غير المسلم وهي امرأة يهودية فهي تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها عليها وفي قولها أنه لم يكذب ولكنه أخطأ أدب رائع ينبغي لنا أن نأنس يه فلا نفاجئ إخواننا بتكذيب رواياتهم وأحاديثهم بغلظة وخشونة بل بتأدب وتلطف فلا يشق على نفوسهم ولا يغير قلوبهم ويحملهم على التعصب والتحمس لما يقولون وإن كانوا غير محقين) » .

ص: 202

560-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن أيُّوبَ السِّخْتيانيّ، عن ابن سِيرِينَ، عن أمّ عَطِيةَ:

-أن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لَهُن في غَسْل ابْنَته: "اغسِلْنها ثَلاثاً أوْ خَمساً أو أكْثَر من ذلك إنْ رَأيتُنَّ ذلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ واجْعَلْنَ في الأخيرَةَ كَافُوراً أوْ شَيئاً مِنْ كَافُور (قال لهن في غسل ابنته المراد بها زينب وغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه كلها فروض كفاية إن قم بها البعض سقطت عن الباقين وإلا أتموا جميعا وكون الغسل ثلاثا أو خمسا أو أكثر مندوب إليه لأنه زيادة عن الفرض ويندب أن يكون الغسل وترا كما يؤخذ من الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه وتر يحب الوتر) أي فرد في ذاته وصفاته وأفعاله فيحب ما كان على شاكلته في الأفراد والسدر بكسر فسكون: شجر النبق والمراد ورقه المطحون وليس مستعينا لهذا بل المراد كل ما عرف بإزالة الوسخ كالصابون في عصرنا قالوا: وندب إلى استعمال الكافور في الغسلة الأخيرة لأنه يمنع الهوام ويصلب الجسم) ".

ص: 203

561-

(أخبرنا) : الثِّقةُ من أصحابناعن هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عن حَفْصَةَ بنتِ سِيرِينَ، عن أم عَطِيَّةَ الأنصارية قالت:

-ضَفَّرْنَا شَعْرَ بنتِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَاصِيتهَا وقَرْنَيْهَا ثَلاثَ قُرون فألْقَيْنَاها خَلْفَها (النصية في الأصل منبت الشعر في مقدم الرأس والمراد بها هنا الشعر النابت في مقدم الرأس والقرن بفتح فسكون: الخصلة من الشعر وفي رواية فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وفي اللسان (قرن) ومشطناها ثلاثة قرون فبعض الروايات ذكر القرن فقال: ثلاثة وبعضها انث فقال ثلاث قرون والتذكير على اعتبار الجزء من الشعر والتأنيث على اعتبار الخصلة واللَّه أعلم وبهذا علمنا ما يصنع بشعر النساء في الغسل) .

ص: 203

562-

(أخبرنا) : بعضُ أصحابنا عن ابن جُريْج عن أبي جعفرٍ:

-أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غُسِل ثَلاثاً

⦗ص: 204⦘

(قد مر أن الغسل واجب وتكراره وترامندوب إليه) .

ص: 203

563-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن جَعْفرِبن محمد، عن أبيه:

-أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم غُسِّل في قميص (روى عن عائشة أنهم لما أرادوا غسله حاروا في الأمر فقالوا: نجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فألقى عليهم النوم فسمعوا متكلما من لا يعرفونه يقول: غسلوه وعليه ثيابه فقاموا فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وهذا إجلال خاص به صلى الله عليه وسلم .

ص: 204

564-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع، عن ابن عُمَرَ:

-أنَّ عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه غُسِّل وَكُفِّنَ وصُلِّيَ عَليهِ.

ص: 204

565-

(أخبرنا) : بعضُ أصحابنا عن اللَّيْث بن سَعْد، عن ابن شِهَاب، عن عبد الرحمن بن كَعْب بن مالك، عن جابر بن عبدِ اللَّه:

-أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَّلِ عَلَى قَتْلى أحد ولم يُغَسّلهم (وفهم منه أن الشهداء وهم الذين قتلوا في محاربة أعداء الإسلام لا يغسلون ولا يصلى عليهم وهذا مذهب جمهور الفقهاء وخالفهم أبو حنيفة فقال: يصلى عليهم وإن لم يغسلوا لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد وحمله الجمهور على الدعاء لهم فعدم غسلهم متفق عليه وعدم الصلاة عند الجمهور لعدم الغسل والطهارة وأبو حنيفة يقول: يكفي تحقق الطهارة في المصلين) .

ص: 204

566-

(أخبرنا) : بعض أصحابنا عن الزهري، عن أسامة بن زيد، عن أنَسَ:

-أَن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يُصل على قَتْلى أُحُد ولم يُغَسِّلْهم.

ص: 204

567-

(أخبرنا) : سُفْيان، عن الزُّهْري، وَثَبَّتَه مَعْمَر، عن ابن أبي صعير:

- أن

⦗ص: 205⦘

النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشرَفَ على قَتْلى أُحُدٍ (أي أشهد أنهم بذلوا أرواحهم في سبيل اللَّه) فقال: شَهِدْتُ على هؤلاءَ فَزَمِّلُوهُم (زملوهم: في النهاية لإبن الأثير في حديث قتلى أحد زملوهم بثيابهم ودمائهم أي لفوهم فيها يقال: تزمل بثوبه إذا التف فيه وروايتنا زملوهم بدمائهم وكلومهم وهي جمع كلم بالفتح وهو الجرح أي أنهم لا يغسلون بل يدفنون بدمائهم وجروحهم فإن كان هناك نجاسة أخرى أزيلت فإن قيل لماذا يدفنون بهذ هـ الحالة وغيرهم يغسل قلنا: لأن المراد من الغسل التطهير والنظافة لينقلوا إلى الدار الآخرة في طهر ونظافة وحالة حسنة والشهداء بما بذلوا في سبيل اللَّه من أرواح كريمة ودماء عزيزة قد استحقوا عند اللَّه أعلى الدرجات وتلقوا من الملائكة بأسمى التحيات فما أغناهم عما احتاج إليه غيرهم ممن ماتوا على فراشهم وبين أبنائهم وأهلهم) بِدِمَائِهِمْ وكُلوُمهم".

ص: 204

568-

(أخبرنا) : سُفيانُ بنُ عُيَيْنةَ عن عَمْرو بنِ دينار قال:

-سمِعتُ سَعيدَ بن جُبير يقولُ: سمِعتُ ابنَ عباس رضي الله عنهما يقولُ: كُنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَّ رَجُلٌ عن بعيرِهِ فَوُقِصَ فمات فقال النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «إِغْسِلُوهُ بماءٍ وسِدْرٍ وكفِّنُوهُ في ثَوبَيْه تخمروا رأسه» قال سُفيانُ: وزاد إبراهيمُ بن أبي حرة عن سعيد ابن جُبير عن ابن عباس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ولَا تُمِسوهُ طيباً فإنه يُبْعثُ يوم القيامة مُلَبِّياً

⦗ص: 206⦘

(روى هذا الحديث الخمسة بلفظ أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم فقال النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر إلخ» ففهم من هذه الرواية أنه كان محرما وقوله: وقص في روايتنا بالبناء للمجهول أي كسرت عنقه لأن الدابة رمت به من فوقها وهذا معنى قوله: فخر عن بعيره أي سقط ثم قال: وكفنوه في ثوبيه وفي رواية: في ثوبين فدل على أن الإيثار مندوب إليه لا لازم ثم قال: وخمروا وجهه أي غطوه ولا تخمروا رأسه أي لا تغطوها لأنه يبعث يوم القيامة وهذا مذهب الشافعية لبقاء الإحرام وقال المالكية والحنفية: إن الإحرام انقطع بالموت فصار كغيره) .

ص: 205

569-

(أخبرنا) : سَعيدُ بُن سالم، عن ابن جُرَيْج، عن ابن شهاب:

-أن عُثمان بن عَفَّان صَنَعَ مِثْلَ ذلك.

ص: 206

570-

(أخبرنا) : إبراهيم بن محمد، عن عبد اللَّه بن أبي بَكْر، عن الزُّهْري عن عُرْوَة بنَ الزُّبيرِ، عن عائشة قالت:

-لو اسْتَقْيَلْنَا من أمْرِنا ما اسْتَدْبَرْنا ما غَسَّلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلَاّ نِسَاؤهُ (رواه أبو داود وابن حبان والحاكم بلفظ: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه) أي لو ظهر لي أولا ما ظهر لي آخرا ماغسله إلا نساؤه لتذكرها بعد فوات الوقت قول النبيَّ صلى الله عليه وسلم لها: «لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك» رواه أحمد وابن ماجة وروى الشافعي أن عليا غسل فاطمة ولأن أسماء غسلت زوجها أبابكر وهذا مذهب الجمهور في جواز غسل أحد الزوجين الآخر وخالفت الحنفية فقالوا: لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته لانقطاع العلاقة بينهما وبطلان النكاح بالموت) .

ص: 206

571-

(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ محمد، عن عُمَارَة، عن أم محمد بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب، عن جَدَّتها أسماءَ بنت عُمَيْسٍ:

-أن فاطمةَ بنتَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أوصت أن تُغَسِّلْهَا إذا ماتت هي وعَليّ فَغَسَّلتها هي وعليّ رضي الله عنه

⦗ص: 207⦘

(وعلي كان زوج فاطمة ففهممنه أنه يجوزللرجل أن يغسل زوجته كما مضى في الحديث السابق وهو حجة على الحنفية لما تعين له) .

ص: 206

572-

(أخبرنا) : عُمَرو بن الهيثم، عن شُعْبَة، عن ابن اسحاق، عن ناجِيةَ ابنِ كَعْب، عن عليّ رضي الله عنه قال:

-قلتُ يا رسول اللَّه بأبي أنْتَ وأمي إنَّ أبي قَدْ مَاتَ قَال: إذْهَبْ فَوارِهِ قُلْتُ إنَّهُ مَاتَ مُشْرِكاً قَالَ إذْهَبْ فَوارِهِ فَوَاريتُهُ ثم أتيته قال: إذْهَبْ فاغْتسل (بأبي أنت وأمي مبتدا وخبر والتقدير أنت مفدى بأبي وأمي أي هما فداؤك وهي كلمة إعزاز وإجلال وقوله اذهب فواره أي أخفه أي أدفنه فقال علي: إنه مات مشركا فكرر رسول اللَّه ما أمره به وقال: اذهب فواره كأن سيدنا عليا كان يريد أن يتثبت من الحكم في هذه الحالة ويدل على ذلك قوله للرسول: إنه مات مشركا كأنه يخشى أن يكون عليه إثمفي دفنه لموته على الشرك الذي يفصم العلائق ويفرق بين الأقارب ويمنع التوارث بين الإبن وأبيه ولكن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق التي يحض عليها تأبى أن ينسى الولد أباه بعد موته ولا يهتم بتشييعه ودفنه فلله هذا الدين ولله هذا الخلق الكريم وظاهر الحديث يدل على أن الواجب على المسلم بإزاء أبيه إذا توفى أو ابنه أن يباشر دفنه ولا يلزمه أكثر من ذلك فلا غسل ولا تكفين ولا صلاة لأن هذه خاصة بمن مات مسلما وأمره إياه بالإغتسال الظاهر أنه للندب وكأنه رمز إلى طلب الطهارة من تشييع جثة آثر صاحبها الشرك على الإسلام فكأنه كان في نجاسة ينبغي التطهر منها) .

ص: 207

574-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن هِشَّام، عن أبيه، عن عائشةَ:

-أنّ رسول اللَّه

⦗ص: 208⦘

صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثة أَثْوَاب بِيض سُحُوليةٍ لَيْس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ (سوحلية بضم السين وفتحها فالفتح نسبة إلى السحول بالفتح وهو القصار لأنه يسحلها أي يغسلها أو إلى السحول وهي قرية باليمن وأما الضم فنسبة إلى سحول جمع سحل وهو الثوب الأبيض النقي وخصهم بعضهم بما صنع من القطن وعلى هذا تكون النسبة شاذة لأنه نسب إلى الجمع لا إلى الفرد وعلم منه أن السنة لا تزيد لفائف الكفن عن ثلاث لأنه اسراف لا منفعة فيه لحي ولا لميت ولا داعي للقميص ولا للعمامة وعلى ذلك الجمهور وقال المالكية والحنفية يستحب القميص مع اللفائف الثلاثة وفهم من الحديث أن الزيادة على ذلك اسراف وتبديد للأموال لا يقرهما عقل ولا دين فمن مجافاة الدين ما نراه من عامة الشعب أغنيائهم وفقرائهم من التوسع في الكفن ومضاعفة أثوابه والمغالاة في نوعها كأن تكون خريرا من أغلى ما يلبسه الموسرون أحياء فهذا مما يكرهه اللَّه ورسوله ولا ترضاه شريعتنا الحكيمة ولا يحمل عليه إلا التفاخر والمباهاة وإن هذا السفه ليتضاعف إن كان في ورثة المتوفي صغار فهم ولا شك أولى بهذه الأموال التي تبذر في غير وجهها والتي لا تلبث أن تأكلها الأرض أو يتخطفها لصوص المقابر عقب الدفن) .

ص: 207

575-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابن شِهَاب، عن ابن المُسَيّب، عن أبي هُريرة قال:

-نَعَى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للناس النجاشي اليومَ الذي مات فيه وخَرَج بهم إلى المُصَلَّى وصَفّ بهم وكَبَّر أرْبع تكبيرات (قوله في اليوم الذي مات فيه يشعرنا بأن اللَّه هو الذي أخبر رسوله بهذه الوفاة إذ لا يتصور أن يصل الخبر من الحبشة إلى المدينة في يوم الوفاة والنجاشي هو ملك الحبشة وكان قد أسلم ومن هذا الحديث أخذت الصلاة على الغائب وهو مذهب الجمهور وفيهم الشافعي وأحمد ومعها الحنفية والمالكية وفهم منه أيضا أن تكبيرات صلاة الجنازة أربع وهو مذهب الجمهور) .

ص: 208

576-

(أخبرنا) : مالك، عن ابن شهاب، أن أبَا أُمَامَة بن سَهْل بن حَنِيف

⦗ص: 209⦘

أخبره أن مِسْكينةً مَرِضت فأُخبِر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بِمَرضها قال: -وكان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَعود المَرْضَى ويَسألُ عَنْهم -فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتَتْ فآذِنُونى بها» فَخُرِجَ بجَنازتها ليلاً وكرهوا أن يُوقظوا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما أصْبَح رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أُخبِر بالذى كان من شأنها فقال: «ألَم آمُرْكم أن تؤذونني بها؟» . فقالوا يا رسولَ اللَّه كَرِهْنا أن نوقظكَ لَيْلاً فخرجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى صَفَّ بالناس على قَبْرها وكَبّر أربعَ تكبيرات (ان فى هذا الحديث لدليلا على سمونفس رسولنا وكرم أخلاقه وإن فيه لدرسا لنا ينبغي أن ننتفع به فنولي المساكين عطفنا ورعايتنا فنعود مرضاهم ونشيع جنائزهم ونعزي أهلهم ونواسيهم في وفياتهم كما كان الرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعل فها أنت ترى كيف أوصاهم أن يخبروه بوفاة هذه المسكينة فلما فاتهم ذلك عاتبهم عليه ثم أبى إلا أن يصلي عليها بعد دفنها لما فاته أن يصلي عليها معهم فما بالنا الآن نرى جنائز ذوي السلطة والنفوذ تضيق بها الشوارع على سعتها وأسلاك البرق وأعمدة الصحف تفيض بأنبائها ومواساة أهلها ويرى جنائز الفقراء لا يحتفل بها ولا يؤبه لأهلها فاللهم عفوا وغفرا) .

ص: 208

577-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابن شِهَابٍ، عن أبي أُمامَةَ:

-أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى عَلَى قَبْرِ مِسْكِينةٍ تُوِفِيَتْ من الليل (فهم من هذا الحديث وسابقه أنه لا مانع من الدفن ليلا إذا دعت إليه الحال) .

ص: 209

578-

(أخبرنا) : إبراهيم بن محمد، عن عبد اللَّه بنُ محمد بن عَقِيل، عن جابِرِ بن عبد اللَّه:

-أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ عَلَى الميّتِ أربعاً وقَرَأَ بِأُمِّ الكتاب بعد التكبيرة الأولى

⦗ص: 210⦘

(هذا الحديث وما والاه كلها في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ولابن ماجة أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ولذا قال الشافعي وأحمد أنها ركن في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى وتكره عند الحنفية إلا إذا قرأت بنية الدعاء فإن قيل كيف تكون ركنا عند الشافعية مع قول ابن عباس الآتي لتعلموا أنهاسنة وغير ذلك مما يصرح بسنيتها قلنا سنة أي طريقة فلا ينافي انها ركن كما يقول المسلم لغيره من سنتنا الصلاة أي من طريقتنا وشرعتنا) .

ص: 209

579-

(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ سَعْدٍ، عن أبيه، عن طَلْحَةَ بنِ عبد اللَّه ابن عَوْف قال:

-صليتُ خَلْفَ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَلَى جَنَازَةٍ فقرأ بفاتحة الكتابِ فلما سَلَّمَ سألتُهُ عن ذلك فقال: سُنَّةٌ وَحَقٌ (حق أي ليس بباطل أو واجب والثاني هو المناسب لمذهب الشافعية أي أنهم فهموه على هذا الوجه) .

ص: 210

580-

(أخبرنا) : ابن عُيَيْنَةَ، عن محمد بن عَجْلَانَ، عن سَعِيد بن أبي سعيد قال:

-سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاس يَجْهَرُ بفاتحة الكتاب على الجنازة وَيَقُولُ: إنما فعلتُ لِتَعْلمُوا أنها سُنَّةٌ (فيه الجهر في صلاة الجنازة بفاتحة الكتاب وبه أخذ بعضهم وخصه بالليل والجمهور على أن السنة هي الأسرا بها للحديث الآتي ففيه ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا وفي نفسه ويدل على صحة هذا قول ابن عباس إنمافعلت أي جهرت لتعلموا أنها سنة أي لأعرفكم أن قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة سنة لا ممنوعة أي أنني أعرف أنه لا ينبغي الجهر بها ولكني جهرت لأعلمكم أنها امر مسنون لامكروه) .

ص: 210

581-

(أخبرنا) : مُطَرّف بن مَازِنٍ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْري أخبرني:

- أبو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ أنهُ أخبره رجلٌ من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن السُّنَّةَ في الصلاة على الجَنَازة أن يُكَبِّرَ الإمامُ ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعدَ التكبيرَةِ الأولى يقرَأ سِرًّا في نفسهِ ثم يُصلي على النبيَّ

⦗ص: 211⦘

صلى الله عليه وسلم ويُخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يَقْرَأُ في شئ منهن ثم يُسَلِّمُ سِرًّا في نفسه.

ص: 210

582-

(أخبرنا) : مُطَرّف بن مَازِنٍ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْري قال حدّثني:

-محمد الفِهْرِي عن الضَّحَّاك بن قيس أنه قالَ مثلَ ما قول أبي أُمَامَةَ.

ص: 211

583-

(أخبرنا) : بعضُ أصحابنا عن لَيْثِ بن سعد عن الزُّهْري عن أبي أُمَامَةَ قَالَ:

-السُّنَّةَ أن يُقْرَأ على الجَنازة بفاتحة الكتاب.

ص: 211

584-

(أخبرنا) : إبراهيمُ بن محمد، عن اسحاقَ بنِ عبد اللَّه، عن موسى ابن وَرْدَان، عن عبد اللَّه بن عَمْرٍو بن العاص:

-أنه كان يَقْرأُ بِأُمّ القرآن (عبرعن الفاتحة في بعض هذه الأحاديث بفاتحة الكتاب وفي بعضها الآخر بأم الكتاب وهما اسمان لها وكثرة الأسماء تدل على عظم المسمى والأمر كذلك هنا فإنها لشرفها سميت أم الكتاب وفي لسان العرب وأم كل شئ أصله وعماده وأم الكتاب فاتحته لأنه يبتدأ بها في كل صلاة وقال الزجاج أم الكتاب أصل الكتاب اهـ وإنما كانت أصلا لتضمنها الأسس التي بني عليها الدين الإسلامي من الإعتراف لله بالربوبية وطلب الهداية منه وتخصيصه بالعبادة وشكره على نعمه ونحو ذلك) بعد التكبيرة الأولى على الجنازة.

ص: 211

585-

(أخبرنا) : محمدُ بنُ عُمَرُ يعني الواقِدَيَّ، عن عبد اللَّه بن عُمر ابن حَفْص عن نافع عن ابن عُمَرَ:

-أنه كان يَرْفَعُ يديه كلما كَبَّرَ على الجنازة

⦗ص: 212⦘

(جاء هذا الحديث فيما لم يجئ في اخوانه السابقة وهو رفع اليدين عند التكبير وهو صريح في ان هذا الرفع كان مع كل تكبير لا في الأولى فقط وعليه الشافعية روى الترمذي والدارقطني: كبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى فأفاد أن الرفع مع التكبيرة الأولى فقط وبه أخذ المالكية) .

ص: 211

586-

(أخبرنا) : مالكٌ عن نافعٍ عن ابن عُمَرَ:

-أنه كان يُسَلِّم في الصلاة على الجَنَازَةِ (أفاد الحديث أن الخروج من صلاة الجنازة يكون بالسلام كغيرها من الصلوات) .

ص: 212

587-

(أخبرنا) : الثِّقَةُ من أصحابنا، عن اسحاقَ بنِ يحي بنِ طَلْحَةَ، عن عمه عيسى بن طَلْحَةَ قال:

-رأيتُ عُثمانَ بنَ عفان يحملبين عمودي سرير أُمه فلم يُفَارقهُ حتى وَضَعَهُ (العمودان اللذان عناهما هما عمود أمامي وآخر خلفي وهما رجلا النعش أي أنه شارك الحاملين للنعش فحمل معهم جنازة والدته وتوسط بين أحد المتقدمين وأحد المتأخرين وساعدهم في حملها إلى قبرها وهذا أدب ينبغي الإقتداء به فإن حمل نعش المسلم وإن لم يكنقريبا مندوب إليه ومثاب عليه فكيف بوالدته التي حملته جنينا وحنت عليه وليدا وأولته عطفها وحنانها وأخلصت في حبه ورعايته وأرقت لأرقه ومرضت لمرضه لا شك أن هذا الذي فعله عثمان بعض ما يجب للوالدة على ولدها وإنه لمظهر من مظاهر الوفاء وآية من آيات الحب والإيمان) .

ص: 212

588-

(أخبرنا) : بعضُ أصحابنا عن ابن جُرَيْج عن يُوسُفَ بنِ مَاهَك:

-أنه رَأى ابن عُمَرَ في جِنَازةِ رافع قائماً بين قائمتي السرير.

ص: 212

589-

(أخبرنا) : بعضُ أصحابنا عن عبد اللَّه بن ثَابت عن أبيه قال:

-رأيت أبا هريرة يحمل بين عمودي سرير سَعْد بن أبي وَقَّاص.

ص: 212

590-

(أخبرنا) : بعضُ أصحابنا عن شُرَحْبِيلِ بن أبي عَوْن عن أبيه قال:

-رأيتُ ابن الزُّبير يحمل بين عمودي سرير المسْوَر بن مَخْرَمَةَ

⦗ص: 213⦘

(هذا الحديث وما قبله يعلمنا ما كان عليه الصحابة من التعاطف والتراحم لا سيما في أوقات المحن ونزول المصائب فأنت ترى كبارهم يتقدمون لمشاركة الحاملين للنعش يزاحمون ويتنافسون في ذلك البر الذي يجلب الثواب ورضا اللَّه والعباد ويفعل فعل السحر في بنفوس أهل المتوفي فينسيهم الأحقاد القديمة ويغرس في قلوبهم بذور المحب والوداد) .

ص: 212

591-

(أخبرنا) : مسلمُ بن خالد وغَيْرُهُ، عن ابن جُرَيْج، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه:

-أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكروعُمَرَ وعُثمانَ كانوا يَمْشون أمام الجَنَازَة (هذا الحديث والحديثان بعده يفيدان أن السنة أن يتقدم المشيعون الجنازة في الذهاب بها إلى المقبرة وقد أخذ بذلك جمهور السلف والخلف وأحمد والشافعي وقالوا: إن المشيعين شفعاء الميت فينبغي أن يتقدموه ورأى الحنفية أن يسيروا خلفها ليتعظوا بالنظر إليها في سيرهم ولحديث"أمرنا النبي بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض "إلخ فاتباع الجنائز معناه السير خلفها) .

ص: 213

592-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عن ربيعةَ بنِ عبد اللَّه ابن الهَدير:

-أنه أخبره أنه رأى عُمَرَ بن الخطاب يقدمُ الناسَ أمام جَنازَةِ زَيْنَبَ بنتِ جَحْش.

ص: 213

593-

(أخبرنا) : ابن عُيَيْنَةَ، عن عَمْروبن دينارٍ، عن عُبَيْدٍ مولى السَّائب قال:

-رأيتُ ابن عُمَرَ وعُبَيد بن عُمَيْر يمشيان أمام الجَنَازَةِ فَتَقَدَّما فَجَلَسَا يَتحَدّثان فلما جازت (أصله حازت بهما وهو تصحيف صوابه جازت بهما أي مرت بهما وإنما قاما لما بلغهما من أمر النبي بالقيام لها حتى تمر أو توضع كما في الحديث التالي لهذا) بهما قاما.

ص: 213

594-

(أخبرنا) : سُفيانُ، عن الزُّهْري، عن سالم، عن أبيه، عن عامر ابن ربيعة قال:

-قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ

⦗ص: 214⦘

فَقُوموا لَهَا حتى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ

⦗ص: 215⦘

(الجنازة بالفتح والكسر السرير فيه الميت وقيل بالكسر السرير وبالفتح الميت وقيل بالعكس والمراد هنا الأول أي السرير فيه الميت لأن المعتاد في دفنالموتى أن يحملوا إلى القبر في النعش وقد يحمل الميت على الأيدي في حالات اضطرارية نادرة كمافي الحروب ويطلب في هذه الحالة ماطلب في سابقتها من القيام بل هي أولى لأنه إذا قمنا للميت مستورا في نعشه فأولى أن نقوم له بارزاً غير مستور واللَّه أعلم وقوله حتى تخلفكم أو توضع لأنه لا يخلوا إما أن يذهب معها فلا يجلس حتى توضع عند القبر أولا يذهب معها فيجلس عقب مرورها وقد ورد هذا المعنى بروايات كثيرة في مسلم منها: «إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه» ومنها «إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع» وروى أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا لجنازة فقالوا: يا رسول اللَّه إنها يهودية فقال: «إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا» وفي رواية قيل أنه يهودي فقال: «أليست نفسا» وفي رواية علي رضي الله عنه: قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قعد وفي رواية: رأينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا فاختلفت أنظار الأئمة إلى هذه الروايات فمنهم من فهم من قيام النبي للجنازة أولا ثم قعوده بعد ذلك أن هذا نسخ وعدول عما فعله أولا وفهم آخرون أنه ليس نسخا وإنماهو لإباحة الأمرين ففهموا منه التخيير وأن الإنسان إذا مرت به جنازة كان له أن يقوم وأن يقعد وبالفهم الأول أخذ مالك وأبو حنيفة والشافعي فقالوا: نسخ القيام بحديث علي فلا يقوم الجالس إذا مرت به الجنازة وبالفهم الثاني أخذ أحمد وابن حبيب وابن الماجشون والمالكيان فقالا: هو بالخيار إن شاء قام للجنازة وإن شاء قعد وقال المتولي من أئمة الشافعية: أن القيام للجنازة مستحب وقال النووي وهو المختار فيكون الأمر بالقيام للندب والقعود بياناً للجوازقال: ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا لأن النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وهو هنا غير متعذر وقوله في الحديث: «حتى توضع» يفيد أن الماشي في الجنازة له أن يجلس متى وضعت الجثة على الأرض أما قبل وضعها فلا جلوس وليس في الحديث ما يقتضي من المشيعين أكثر من ذلك لكن فهم بعض الصحابة أن المراد من وضع الجثة المفهوم من قوله «حتى توضع» وضعها في القبر فقبل الدفن لا ينبغي الجلوس وإن كانت قد وضعت عن الأعناق وروى ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر وغيرهم واللَّه أعلم) .

ص: 213

595-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن يَحي بنِ سعيد، عن واقِد بن عمرو بن سعد ابن مُعاذ، عن نافع بن جُبير، عن مَسْعود بن الحَكَم عن علي رضي الله عنه:

-أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقُومُ في الجنازة ثم جَلَسَ وزاد في آخر ثم جلس بعد (أغنانا الكلام على الحديث السابق عن شرح هذا الحديث وما يليه لأن موضوعها كلها واحد) .

ص: 215

596-

(أخبرنا) : إبراهيمُ بن محمد، عن محمد بن عَمْرو بن علقمة بهذا الإسناد أو شبيهه بهذا وقال:

-قام رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأمر بالقيام ثم جَلَسَ وأمر بالجلوس.

ص: 215

597-

(أخبرنا) : مُسلمُ بن خالد، وغَيْرُهُ عن إبن جُرَيْج، عن عِمْرَان إبن موسى:

-أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سُلَّ من قِبَلِ رَأْسِهِ (السل انتزاع الشئ وإخراجه في رفق وإخراج الشعر من العجين ونحوه والمراد أنهم حين دفنوا الرسول عليه السلام تناولوه من نعشه في رفق من قبل رأسه وقد صار ذلك سنة فيدخل الميت القبر برأسه لا برجليه) .

ص: 215

598-

(أخبرنا) : الثِقَةُ عن عَمْرٍ بن عَطَاءٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

-سُلَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه.

ص: 215

599-

(أخبرنا) : إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه:

-أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابنه إبراهيمَ وَوَضَع عليه حَصْبَاءَ

⦗ص: 216⦘

(الرش تفريق الماء والحصباء: الحصى ومعلوم أن إبراهيم مات طفلاً لا وزر عليه وإنما يفعل ذلك الرسول تعليما لنا: أما الحكمة في رش الماء ووضع الحصى فلا نعرفها فما علينا إلا القبول والإمتثال لأن في الشرع أموراً تعبدية لا ندرك أسرارها وقدعثرت على هذا الحديث في «جمع لأن الفوائد من جامع ومجمع الزوائد» وليس فيه وضع الحصى وفيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على قبر عثمان بن مظعون وأمر فرش الماء عليه) .

ص: 215

600-

(أخبرنا) : القاسمُ بنُ عبد اللَّه بن عُمَرَ، عن جَعْفَر بن محمد، عن أبيه عن جَدّه قال:

-لما تُوُفِّيَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزيةُ سمعوا قائلا (ظنى أن الذي قال هذه التعزية البليغة المؤثرة هو بعض الصحابة ولكنه كان مغمورا فلم يشتهر اسمه وهذا في نظري أولى من أن يقال أنه هاتف يسمعون صوته ولا يرون شخصه) يقول: إنَّ في اللَّه عَزَاءً من كل مُصِيبَة وخلفاً من كل هالك ودَرَكاً من كل ما فات فباللَّه فثقوا وإيّاهُ فارجُوا فإن المُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثواب.

ص: 216

601-

(أخبرنا) : إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه:

-أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حثا على الميت ثلاثَ حَثَيَاتٍ بيديه جميعاً (حثا التراب يحثيه حثيا وحثاه يحثوه حثوا: رماه وعلى ذلك يصح أن نقول ثلاث حثيات وثلاث حثوات وأن نكتب حثا بالألف وبالياء ونحن لا ندرك السر في هذا العمل ولا تدركه عقولنا ولكنا نصدقه ونتقبله ما دام الحديث صحيحا ولا مطعن في رجاله وروايته صحيحة وكم في العبادات من أمور لا تدركها العقول وقد عثرت على هذا الحديث في «جمع الفوائد الجامع للأصول ومنبع الزوائد» ولفظه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثاعليه من قبل رأسه ثلاثا للقزويني) .

ص: 216

602-

(أخبرنا) : سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن جَعْفَر بن محمد، عن أبيه، عنعبد اللَّه بن جعفر قال:

-لما جاء نَعِيُّ جعفر قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا لآِلِ جَعْفَرَ طَعَاماً فَإِنَّهُ قَدْجَاءَهُمْ أمر يَشْغَلُهمْ أوما يشغلهم

⦗ص: 217⦘

» شك سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ (النعي بفتح فكسر فتشديد خبر الموت ويطلق على الناعي أيضا وجعفر استشهد في غزوة مؤتة فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اجعلوا لآل جعفر طعاما» أي لأنهم أصيبوا بما يشغلهم عن صنعه لأنفسهم وهو نزول هذه الكارثة بهم وهي تشغل الأهل عن الطعام وغيره والأمر هنا للندب وهو موجه للأقارب والجيران وقد صار سنة في المسلمين إلى اليوم يحرص على العمل به كثير من الأسر الريفية فيلقون عن كاهل أهل المتوفي واجب القرى للمعزين ويكفونهم مؤونة ذلك ويأخذون بأيدي الأقربين إلى المتوفي ويشركونهم في موائدهم ويحتالون على إطعامهم الذي عزفت عنه نفوسهم لعظم المصاب ونعمت السنة وحبذا الخصلة فما أحمدها من خصلة تستميل القلوب النافرة وتستهوي الأفئدة الشاردة وتنسي الحزازات وتزرع المودة ويشتد بها التآلف ويقوى التآزر ويصبح المسلمون كما أراد اللَّه لهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وهي فضلا عن ذلك من إمارات الكرم وعلائم السماحة فهي خير من جميع جهاتها) .

ص: 216

603-

(أخبرنا) : مالكٌ، عن رَبيعةَ بن أبي عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخُدْرِي:

-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «وَنَهَيْتُكُمْ عن زيارة القُبُورِ فَزُورُوهَا ولا تَقولوا اهُجْراً

⦗ص: 218⦘

(وفي رواية» فزوروا القبور فإنها تذكر الموت «وقد جمع الحديث الناسخ والمنسوخ وهو صريح في أن نهي الرجال عن زيارة القبور قد نسخ وأنهم صاروا بعد هذا القول مأمورين بزيارتها وهذا الأمر للندب عند الجمهور وللوجوب عند ابن حزم الآخذ بطبع أهل الظاهر المؤيد لرأيهم وهو يؤدي بزيارتها ولو مرة واحدة في العمر والمقصود الأول من زيارة البقور الإتعاظ بما أصاب غيره ممن يعرف وممن لا يعرف وأنهم كانوا أكثر منه قوة ومالا ورجالا فلم يصنهم ذلك من سطوة الموت ولم يمنعهم من غائلته فتقلع النفس عن غيها وتنزجر عن ضلالها ويهون على ذي المال أن يتصدق ببعضه ويقبل على عبادة ربه ومن فوائدها التصدق على أبويه وأهله وقراءة القرآن والدعاء لموتاه وأما النساء فإن كن شابات أو جميلات فلا يخرجن لزيارتها لأن خروجهن يدعوا إلى الفتنة ويخشى من ورائه مفاسد كبيرة فإن كن شيخات فانيات أو كبيرات لا أرب للرجال فيهن فلا مانع من خروجهن وزيارتهن وإذا خرجن محتشمات غير متبرجات ولا متزينات ولا متطيبات لا يبغين إلا زيارة آبائهن وإخوتهن وكن قادرات على كظم حزنهن وعلى عدم النياحة ورفع الصوت بالبكاء جاز خروجهن مع أزواجهن أو محارمهن فبهذه الشروط تؤمن الفتنة والفساد وإلا فلا أمان ولا إطمئنان ومن ير ما يفعل بالمقابر في القاهرة والإسكندرية في الأعياد والمواسم من تبرج وتزين وتناول المآكل والمشارب والسهر الطويل والإختلاط الشنيع أو مايرتكب هناك من مآثم وما ينتهك من محارم لا يسعه إلا أن يتمثل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم» لعن اللَّه زائرات القبور «وإذا كان النساء آثمات بهذه الزيارة فإن أزواجهن وأولياءهن من آباء وإخوة وأعمام شركاؤهن في هذا الإثم إذ أرسلوا لهن الحبل على الغارب ومدوا لهن في أسباب الغواية والمآثم ولا حول ولا قوة إلا باللَّه وأما قوله صلى الله عليه وسلم» ولا تقولوا هجراً" فمراده به النهي عما جرت به عادة الجاهلين وهو الدعاء بدعوى الجاهلية كأن تقول الواحدة: يا جملي يا سبعي يا مرهب الرجال يا ميتم الأطفال وما شاكل ذلك مما نهى اللَّه عنه ورسوله والهجر بالضم: الفحش وأهجر في منطقة أفحش أو أكثر الكلام فيما لا ينبغي أو خلط في كلامه وهذى فيكون الهذيان والافحاش منهيا عنه في المقابر التي لم تشرع زيارتها إلا للإتعاظ المنافي لهذا الخلط وذاك الهذيان) ".

ص: 217