الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة وفيه خمسة أبواب
الباب الأول في الأمر بها والتهديد على تركها وعلى من تجب وفيم تجب
604-
(أخبرنا) : الثقةُ، أو ثقةُ غيرُهُ أو هُماعن زَكَرِيا بن إسحاقَ، عن يَحي بن عبد اللَّه بن صَيفي عن أبي مَعبَدٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما:
⦗ص: 219⦘
-أنَّ رَسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ لِمُعَاذٍ حينَ بعثه (معاذ بضم أوله وفته عينه: هو معاذ بن جبل وقد كان بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أميراً كما في البخاري وفي الاستيعاب بعثه إلى اليمن واليا على الجند يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن وقال له حين وجهه إلى اليمن: "بم تقضي؟ قال: بما في كتاب اللَّه قال: فإن لم تجد؟ قال: بما في سنة رسول اللَّه قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الحمد للَّه الذي وفق رسول اللَّه لما يحب رسول اللَّه"وفي مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ثم ساق الحديث أطول مما هنا) : "فَإِنْ أَجَابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ (الصدقة الزكاة وظاهر الحديث أن الزكاة لا تنقل من بلد إلى بلد إلا إذا زادت عن حاجة الفقراء بها ولكن للإمام أن ينقلها إلى حيث يشاء وهذا مذهب الشافعي وقال مالك: لا يجوز نقلها إلى مسافة القصر إلا إذا كانوا أشد حاجة من أهل البلد وقال الحنابلة: لا يجوز نقلها إلى مسافة القصر ولكنها تجزئ وعند الحنفية يجوز نقلها مطلقاً لكنه مكروه إلا لقوم هم أحوج إليها وإلا لذوي قرابته فلا كراهة حينئذ وهذا هو الدواء الناجع والبلسم الشافي من تلك الأمراض التي باتت تهدد كيان المجتمع بقلب نظامه وهدم كيانه ولا نجاة من هذه المبادئ الهدامة التي ملأت العالم قلقا واضطراباو باتت تهدده بأكبر الأخطار إلا بالزكاة وأخذها من الأغنياء وإعطائها للفقراء وهكذا تأبى الأيام إلا أن تظهر بعد نظر هذه الشريعة الإسلامية السمحة وتبرهن على أنها أوفى الأديان بحاجات البشر وأشدها ملاءمة للنفوس والطباع) ".
605-
(أخبرنا) : الثِّقَةُ وهو يَحي بنُ حَسَّانٍ، عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ، عن سَعِيد بن أبي سعيد عن شَريك بن عبد اللَّه بن أبي نَمِرٍ عن أنَسِ بنِ مالك:
-أنَّ رَجُلاً قال يا رسولَ اللَّه: نَشَدْتُكَ باللَّه اللَّهُ أَمَرَكَ أنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ
⦗ص: 220⦘
أغْنِيَائِنَا وتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائنا؟ قال: "اللَّهُمَّ نَعَمْ (نشدتك بالله ونشدتك الله: استخلفتك به أو سألتك به وقوله: «ألله أمرك» بحذف همزة الاستفهام والأصل أألله أمرك أن تأخذ إلخ) ".
606-
(أخبرنا) : سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ، عن ابن عَجْلَانَ، عن سَعيد بن يَسَارٍ، عن أبي هريرة قال:
-سَمِعْتُ أبا القاسِمْ صلى الله عليه وسلم يقول: "والَّذِي نفسِي بيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدّقُ بصَدَقةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ (الطيب: الحلال) ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَاّ طَيِّبا ولَا يَصْعُدُ إلى السماء إلَاّ طَيِّبٌ إلَاّ كأنَما يَضَعُهَا في يَدِ الرَّحمنِ فيرَبِّيها لَهُ كما يُرَبِّي أحَدُكُمْ فِلْوَهُ (فلو: كصنو وعدو وسمو: المهر أو الجحش فطما أو بلغا السنة وقوله «كأنما يضعها في يد الرحمن» المراد قبولها لأن الرحمن لا يد له وإنما خوطبوا بالمعتاد المفهوم لهم وعظمها حتى تصيرمثل الجبل إما أن يكون على ظاهره وإن اللَّه يعظم ذاتها ويبارك فيها ويزيدها من فضله حتى تثقل في الميزان أو ليس على ظاهره والمراد به عظم ثوابها ومضاعفة أجرها وهو كقوله تعالى «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل» الآية وقوله (من ذا الذي يقرض اللَّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) وهوحث على الزكاة وترغيب في إخراجها) حَتى إنَّ اللُّقْمَةَ لَتَأْتي يَوْمَ القيامةِ وإنَّها لَمِثْلُ الجَبلِ العظيم ثم قرأ: (إنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأخُذُ الصَّدَقاتِ) .
607-
(أخبرنا) : محمدُ بنُ عُثمانَ بنِ صَفْوَانَ الجُمَحِيِّ، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عن أبيه، عن عائشة:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَا يُخَالِطُ الصَّدَقَةُ مالاً إلَاّ أهْلَكتْهُ
⦗ص: 221⦘
(المراد والله أعلم أن من خلط حق الله في المال بماله وأضافه إلى نفسه ولم يخرجه لأهله المستحقين له من الفقراء والمساكين أهلك ماله وبدده أي أن اللَّه لا يبارك في الأموال إذا طمع أهلهافي زكاتها وخلوطها بها وضنوا بها على المستحقين بل يكون ذلك سببا في نموها ومضاعفتها كما فهم من الحديث السابق) » .
608-
(أخبرنا) : سُفْيانَ، عن أبي الزِّنادِ، عن الأعْرَجِ، عن أبي هُرَيرَةَ قالَ:
-قالَ رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ المنْفِقِ وَالبَخيلِ كمثَلِ رَجُلينِ عَليهما جُبَّتان أو جُنَّتان (الجنة بضم فتشديد الدرع والتراقي: جمع ترقوة بفتح فسكون فضم وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين وسبغت الدرع طالت من فوق إلى أسفل من باب قعد وكرم ودرع سابغة: تامة طويلة ووفرت: كملت وتجن بضم أوله: تستر والبنان: الأصابع أو أطرافها وتقفو أثره: تمحوه وقلصت: انزوت وانكمشت والمراد من الحديث تمثيل حال المزكي والبخيل فالمزكي يبارك اللَّه له في ماله ويضاعفه له والبخيل تنزع البركة من ماله فلا يزيد ولا ينمو بل يتقلص ويتناقص فمثل حال الأول بلابس جبة سابغة موفورة والآخر بلابس جبة ضيقة متقلصة يحاول أن يوسعها فلا تتسع أو المراد منه أن الجواد قد تعودت يده الإنفاق فلا عائق يعوقها عنه بخلاف البخيل فإن يده مغلولة لا يستطيع أن يحركها بالعطاء وذلك مثل الأول بلابس ثوب متسع سابغ فإذا أراد أن يحرك يده أمكنه ذلك بسهولة ومثل الثاني بلابس ثوب ضيق فلا يستطيع معه أن يحرك يده والأول أصح وأظهر) من لَدُنْ قدميها إلى تراقِيْهما فإذا أراد المنْفق أن يُنْفِق سَبَغَتْ عَليهِ الدِّرْعُ أوْ وَفَرَتْ حتى تُجِنَّ بَنانَه وتَعْفُوَ أثره وإذا أراد البَخيلُ أن يُنْفِق قَلَصَتْ وَلَزِمَتْ كلُّ حَلقةٍ مَوْضِعَها حتى تَأْخُذ بعُنقهِ أوْ تَرْقُوَتهِ فهو يُوسِّعها فلا تَتَّسع".
609-
(أخبرنا) : سُفْيانُ عن ابن جُرَيج عن الحَسن بنِ مُسْلم عن طاوُسٍ عن أبي هُرَيرة:
-عن النبي صلى الله عليه وسلم مِثْلُه إلَاّ أنهُ قالَ:: فهو يُوسِعُها ولا تَتَّسع".
610-
(أخبرنا) : سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ جَامِعَ بنَ أبي رَاشِدٍ وَعَبْدَ الملِكِ بنِ أَعْيَن:
-سَمِعَا أبا وائلٍ يُخْبرُ عَنْ عَبْدِ اللَّه بنِ مَسْعود يَقُولُ: سَمِعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مَامِنْ رَجُل لا يُؤَدَّي زكَاة مالِهِ يومَ القيامةِ شُجَاعاً أقرع يَفِرُّ منهُ وَهُوَ يَتْبَعُهُ حَتى يُطوِّقهُ فِي عُنقه ثُمَّ قرأ علينا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (سَيُطوَّقُون مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القيامَةِ (الشجاع بالضم والكسر: الحية العظيمة التي تثب على الفارس والراجل وتقوم على ذنبها وربما بلغت رأس الفارس وتكون في الصحاري والأقرع: الذي تمعط رأسه وابيض من السم وإنما يسقط شعر رأسه من الكبر ويطوقه: يصير له كالطوق أي يلتف حول عنقه) .
611-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن عبدِ اللَّه بن دِينارٍ، عن أبي صالح السَّمانِ، عن أبي هُريرة أنه كان يقُولُ:
-مَنْ كان له مالٌ لم يُؤَدِّ زكاته مُثِّلَ لهُ يَوْمَ القيامة شُجَاعاً أقرَعَ له زبيبتان يَطلبْهُ حتى يُمْكِنَهُ يقولُ: أنا كَنْزُك
⦗ص: 223⦘
(القرع بفتحتين: قرع الرأس وهو أن يصلع فلا يبقى على رأسه شعر وقيل: هو ذهاب الشعر من داء وقرعت النعامة: سقط ريش رأسها من الكبر والحية الأقرع إنما يسقط شعر رأسه لجمعه السم فيه كما زعموا والشجاع الأقرع الذي لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره وقيل: سمي أقرع لأنه يقرى السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط (تتطاير) منه فروة رأسه والزبيتان: النكتتان السوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه ويقال: إن الزبيبتين هما الزبدتان يكونان في شدقي الإنسان إذا غضب وأكثر الكلام حتى يزيد قال ابن الأثير: الزبيبة نكتة سوداء فوق عبن الحية وقيل: هما نقطتان تكتنفان فاها وقيل: هما زبدتان في شدقيها يقال: أنشد فلان حتى تزبب شدقاه وقوله «يطلبه حتى يمكنه أي يسعى وراءه حتى يدركه فيقول له أنا كنزك» أي أناعملك وجمعك أو أنا مالك الذي جمعته لأن الكنز يصلح أن يكون مصدر كنز المال أي جمعه وأن يكون المال المكنوز وقد تهدد اللَّه كانزي الأموال ومكدسيها بغير إخراج حق الفقراء منها بأقسى ضروب التهديد قال تعالى: (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللَّه من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير) وقال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم*يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنت تكنزون) وذلك لأن مرض الشح لا يقتصر أذاه على صاحبه بل يتعداه إلى المجتمع فيصيبه في الصميم ويرميه بأخبث الأمراض وأفتك العلل فهذا القلق الذي استحوذ على العالم الآن وسرى سمه إلى مختلف نواحي العالم حتى باتت كل أمة منه في خطر شديد وأمست مؤرقة بصد تياره ومقاومة سريانه هذا الداء الذي يسمونه «الشيوعية» لم ينشأ إلا من الشح وضن الأغنياء بمساعدة الفقراء وإعطائهم حقوقهم التي فرضها الله في أموالهم وأنت ترى حكومتنا الآن تسن التشريعات المختلفة بقصد ترقية مستوى المعيشة ففرضت ضرائب مختلفة لتحسين حال الفقير وترفيه عيشه وآخرها الضريبة التصاعدية وسيحمل عبئها الأغنياء وهناك تفكير جدي في تحديد الملكية ولو أن الأغنياء أدوا حقوق الفقراء وشملوهم بعطفهم لضوعفت أموالهم وأرضوا ربهم وإخوانهم وأعفوا من تلك الضرائب والتشريعات المنوية المقيدة للحرية ولله في خلقه شؤون وهو العليم بما كان وبما سيكون) .
612-
(أخبرنا) : ابن عُيَيْنَةَ، عن ابن عَجْلَانَ، عن نافعٍ أن ابن عُمَرَ كان يقولُ:
-كلُّ مال يُؤدَّى زكاتُه فليْسَ بكنْزٍ وإن كان مدفوناً وكلُّ مالٍ لا يُؤدَّى زكاتُه فهو كنْزٌ وإن لم يكن مدفوناً
⦗ص: 224⦘
(قوله فهم كنز: أي فهو الكنز الذي تهدد اللَّه فاعليه بقوله (والذين يكنزون الذهب والفضة) الآية وما أخرج زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا أي ليس مما يكرهه اللَّه ويتهدد عليه والمعنى أن جمع المال ليس في ذاته مكروها ولا مهددا فاعله بل المكروه والمهدد فاعله هو الجمع الذي لا يصحبه إخراج للزكاة فليس المدار في الكنز على الإخفاء حتى يسمى من جمع أمولا وأخفاها كانزا وإنما الذي يطلق عليه هذا اللقب البغيض الذي لا يخرج الزكاة أخفى ماله أو أظهره ولذا روى أبي داود عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: «ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز» ومثله الحديث التالي بعده) .
613-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن عبدِ اللَّه بن دِينارٍ:
-سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّه بن عُمَرَ وهو يُسْأَلُ عن الكنْز فقال: هو المالُ الذي لا يُؤدَّى منهُ الزكاة.
614-
(أخبرنا) : عَبدُ المجيدِ، عن ابن جُرَيج، عن يُوسف بن ماهَكَ:
-أن رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ابتغُوا في مَال اليتيم أو في مَال اليتامى لا تُذْهِبها أو لا تَسْتأْصِلها الزكاة (بغي الشئ وتبغاه وابتغاه: طلبه والمفعول لمحذوف أي ابتغوا النفع أو الكسب إن تبتغوا النفع له لا تذهب الزكاة ماله وهذه إحدى حسنات الشريعة الإسلامية وكيف لا وفيها النظر لمصلحة اليتيم والعمل على تنمية ماله حتى لا يضار بإخراج الزكاة والفعل تذهبها مجزوم أو منصوب بكي مقدرة) ".
615-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن عَمْرٍوبن دينارٍ، أن عُمَرَ بن الخطاب قال:
-ابْتغُوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة.
616-
(أخبرنا) : مالك، عن عبدِ الرحمنِ بنِ القاسم، عن أبيه قال:
-كانت عائشة زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم تليني أنَا وأخوَين لي يَتيمين في حجرها فكانت تُخْرجُ مِن أموالنا الزكاة
⦗ص: 225⦘
(القاسم هو محمد بن أبي بكر وكان هو وأخواه يتامى في ولية عمتهم عائشة فكانت تخرج الزكاة من أموالهم وكانت تتاجر بها ويفهم من الحديث وما بعده إخراج الزكاة من أموال اليتامى وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي وخالفهم الحنفية فلم يوجبوها في أموالهم) .
617-
(أخبرنا) : سُفْيان، عن أيُّوبَ بنِ موسى ويَحي بنِ سَعيدٍ وعبدِ الكريم بن أبي المخارق كلهم يخبره عن القاسم بن محمد قال:
-كانتْ عائشةُ رضي الله عنها تُزكِّي أمْوَالنا وإنه لَيُتَّجَرُ بها في البَحْرَيْنِ.
618-
(أخبرنا) : سُفْيان، عن أيوبَ، عن نافع، عن ابنِ عُمَر:
-أنه كان يزكي مَال اليتيم (ذكرنا الخلاف قريبا في وجوب الزكاة في مال اليتيم ونفيد هنا أن جمهور الصحابة والفقهاء على أخذالزكاة من ماله لهذه الأحاديث الكثيرة الصريحة وهذا هو المعقول لأن الزكاة حق الفقراء في مال الأغنياء ولا فرق في ذلكبين أن يكون المال مملوكا لليتيم أو لغيره ولكن لما كان اليتيم ضعيفا وعاجزا عن استثمار أمواله أوصى الرسول وليه أن يستغله ويستثمره حتى لا تأتي الزكاة عليه بتوالي السنين فراعت الشريعة حق الفقراء وحق اليتيم معا وحافظت على منفعة الطرفين وهو عين الحكمة والصواب وبهذا الرأي أخذ مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وخالفهم الحنفية وسفيان الثوري وابن المبارك بحجة أنه صغير لم يبلغ سن التكليف وقد رجحنا مذهب الجمهور لتعلق التكليف بالغنى لا بالبلوغ وعلى هذا فحكم المجنون حكم الصبي تجب الزكاة في ماله عند الجمهور لاعند الحنفية هذا والمراد باليتيم هنا الصغير وذلك لأن اليتم في الناس فقد الصبي أو الصبية أباهما قبل البلوغ فإذا بلغا زال عنهما اسم اليتم وإن كان يصح إطلاقه عليهما مجازا باعتبار ما كان ولذا كانوا يسمون النبي وهو كبير يتيم أبي طالب لأنه هو الذي رباه بعد موت أبيه وعلى هذا فاليتيم هنا بمعنى الصغير لأنه إذا أدرك خرج من حد اليتم ووجبت الزكاة في ماله باتفاق وإن كان فاقد الأب وحكم المجنون حكم الصغير والخلاف فيه كالخلاف في الصغير سواء بسواء فالحنفية لا يوجبون الزكاة في ماله لجنونه وغيرهم يوجبها لأن إيجابها مسبب بامتلاك النصاب لا بالعقل ولا بالبلوغ هذا والذي فقد والديه من الناس يقال له لطيم والذي فقد والدته فقط يسمى عجيبا بوزن غنى وأما من غير الناس فاليتيم الذي فقد أمه) .
619-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع، عن ابنِ عُمَرقال:
-لا يجبُ في مالٍ زكاةٌ
⦗ص: 226⦘
حَتى يَحُولُ عَليهِ الْحَوْلُ (المراد بالحول هنا العام الهجري وقد أفهم من الحديث أن حولان الحول شرط لإيجاب الزكاة في المال نقداً كان أوماشية وظاهر الحديث أن يحول الحول على النصاب كاملا فإن نقص أثناء السنة لا تجب الزكاة وهو مذهب الجمهور وقال الحنفية تجب الزكاة وأن نقص النصاب في أثناء العام) .
620-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابن شِهابٍ، عن السائب بن يَزيدَ أنَّ عُثْمانَ ابنَ عفَّانٍ رضي الله عنه كانَ يقُولُ:
-هذا شَهْرُ زَكاتِكُمْ فمن كان عليه دَيْنٌ فَليُؤدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أموالُكُمْ فَتُؤَدُّون منها الزكاةَ (يعني أنه بعد مرور العام على المال يجب إخراج زكاته فإن كان على صاحبه دين أخرجه والباقي هو الذي تجب فيه الزكاة فإن بلغ نصابا بعد إخراج الدين أو زاد وجبت زكاته وإلا فلا لأن شرط وجوب الزكاة بلوغ المال حد النصاب ثم مرور العام عليه بعد أن يكون صاحبه غير مدين، فأما المدين فلا تجب عليه زكاة إلا فيما زاد عن دينه إن بلغ النصاب والرفع في «تؤدون» على الاستئناف) .
621-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن عُمَرَ بنِ حَسَّانَ، عن عائشةَ ابْنَةِ قُدَامَةَ، عن أبيها قال:
-كُنْتُ إذا جِئْتُ عُثْمانَ بنِ عَفَّانٍ أقْبِضُ منهُ عَطَائي سألني هل عندكَ من مالٍ وجَبَتْ فيهِ الزكاةُ؟ فإنْ قُلْتُ نَعَمْ أخذ من عَطَائي زكاةَ ذلك المالِ وإن قلت لا دَفَعَ إليَّ عَطَائي (هذا هو الحزم والجد في الأمر فانهم رضي الله عنهم لم يكونوا يتوانون في أخذ الزكاة وفيه أنه كان يأخذ بقول المزكي فيسأله ألديك مال فإن إعترف إقتطع الزكاة الواجبة عليه من عطائه وإلا سلمه عطاءه ومثل هذا لا سبيل إلى معرفته في وقتهم إلا بسؤال المزكي وإجابته لأن أموالهم لم تكن تودع إلا في بيوتهم وكان الوازع الديني إذ ذاك قويا كافيا في هذا الأمر في الغالب) .
622-
(أخبرنا) : مالكُ بنُ أنَسٍ، وسُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ كلاهما عن عبدِ اللَّه ابن دِينار، عن سليمانَ بن يَسَارٍ، وعن عِراكِ بنِ مالكٍ عن أبي هريرةَ:
⦗ص: 227⦘
-أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " لَيْسَ عَلَى المسْلِمِ فِي عَبْدِهِ ولا فِي فرسِه صَدَقَةٌ (المفهوم من الحديث أنه لا زكاة في الخيل ولا في العبيد وهذا إذا كانت متخذة للإقتناء فإن كانت متخذة للتجارة وجبت فيها الزكاة ولم يشذ عن إعفائها من الزكاة إلا أبو حنيفة وشيخه حماد ونفر فهؤلاء أوجبوا الزكاة في الخيل إذا كانت إناثا أو ذكورا وإناثا في كل فرس ديناروإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وهم محجوجون بهذا الحديث) .
623-
(أخبرنا) : ابنُ عُيَيْنَةَ، عن أيُّوبَ بنِ مُوسى، عن مَكْحُولٍ، عن سليمانَ بن يَسَارٍ، عن عِراكِ بنِ مالكٍ، عن أبي هريرةَ:
- عن النبي صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
624-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن يَزِيدَ بن يَزِيد بن جَابِرٍ وعن عِراكِ بنِ مالكٍ عن أبي هريرةَ:
-مِثْلَهُ مَوْقُوفاً على أبي هُرَيرَةَ.
625-
(أخبرنا) : مالك، عن عبد اللَّه بن دينار قال:
-سَأَلْتُ سَعِيد بنَ المُسَيَّبِ عن صَدَقَةِ البرَاذِينِ قال: وهل في الخيل صَدَقَةٌ (البراذين: جمع برذون بكسر فسكون ففتح وهو الفرس غير العربي وتقدم أن الخيل كلها لا زكاة فيها عند الجمهور ولذا قال سعيد بن المسيب لسائله وهل في الخيل صدقة وهو استفهام استنكاري بمعنى النفي ولعل مما يصلح أن يكون حجة للحنفية في وجوب الزكاة فيها أنه لا فرق بين حيوان وآخر إذ كلها أموال فلماذا تجب في الغنم والبقر دون الخيل؟) .
626-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ القاسم عن أبيه، عن عائشة:
-أنها كانتْ تَلِي بنات أخيها لأنهن كنَّ يتامى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ اَلْحليُ فَلَا
⦗ص: 228⦘
تُخْرِجُ منهُ الزكاةَ (الحلى بفتح فسكون ما تتزين به المرأة من مصوغ المعادن وجمعه حلى كدلى وفيه وفيما بعده أن الحلى لا زكاة فيه وهذا مذهب جمهور الفقاء ومنهم الشافعية وقد خالفهم الحنفية فقالوا بوجوب الزكاة في الحلى اعتمادا على أحاديث عن الرسول منها أن المرأة أتت النبي وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك اللَّه بهما يوم القيامة سوارين من نار إلخ قال الحنفية أن الموجب لزكاة الحلى الأحاديث والذي خالف الآثار وهي لا تعارض الأحاديث وقال جمهور الفقهاء أن الأحاديث الموجبة كانت قبل حل الذهب للنساء والخلاف في الحلى المباح أما حلى الرجال والأواني ففيها الزكاة باتفاق) .
627-
(أخبرنا) : عَبْدُ اللَّه بنُ مُؤَمِّل، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ:
-أنَّ عَائشةَ رضي الله عنها كانتْ تُحَلِّي بَنَاتِ أخِيها الذَّهَبَ وَكَانتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاتَهُ.
628-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع، عن ابنِ عُمَرَ:
- أنه كان يُحَلي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ لَا يُخرِجُ مِنْهُ الزَّكاةَ.
629-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن عَمْرٍوبن دينارٍ:
- سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْألُ جَابِرَ ابنَ عَبْدِ اللَّهِ عن الحُلِيّ أفيهِ الزَّكاةُ؟ فقال جابرٌ: لا فقال: فإنْ كانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ؟ فقال جابرٌ: كثيرٌ
⦗ص: 229⦘
(قول جابر كثير يشعر بأن ما زاد عن المعتاد من الحلي تكون فيه الزكاة ولكن جمهور الفقهاء الذين رأوا أن لا زكاة في الحلي لم يفرقوا بين قليله وكثيره ولذا بحثت فوجدت هذا الحديث في كتاب ال؟ اج عن عمرو بن دينار قال سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد اللَّه عن الحلي أفيه زكاة؟ قال لا قال وإن كان يبلغ ألف دينار قال وإن كثر رواه الشافعي والبهيقي وهذه الرواية هي الملائمة لمذهب الجمهور ومنه الشافعية والرواية الأولى هي الصحيحة وإن لم يقل بظاهر دلالتها أحد) .
630-
(أخبرنا) : ابنُ عُيَيْنَةَ، عن عَمْرٍوبن دينارٍ، عن أُذَيْنَةَ أَنَّ ابنَ عَبَّاسِ قال:
-لَيْسَ فِي العَنْبَرِ زَكاةٌ إنَّمَا هُوَ شَئٌ دَسَرَهُ البَحْرُ (دسره البحر أي دفعه وألقاه إلى الشط فليس هو بمعدن حتى تجب فيه الزكاة وقال أبو يوسف فيه وفي المسك الخمس وسبقه إلى ذلك الحسن وعمر بن عبد العزيز وإسحاق واحتج الشافعي عليهم بهذا الحديث وإن قلت فما أصل العنبر وكيف يقذف به البحر قلت هذا أمر غير بين ولذا قال بعضهم أنه روث دابة بحرية وقال غيره أنه نبات بحري أو ثمر نبات بحري يأكله السمك فيموت فإذا شق بطنه عثر عليه فيه هذه ظنون القدماء وعند أطباء العصر الخبر اليقين) .
631-
(أخبرنا) : سُفْيانُ عن ابنِ طاَوس عن ابنِ عباسٍ:
-أنهُ سُئِلَ عن العَنْبَرِ فقال: إنْ كان فيهِ شَئٌ فَفِيهِ الْخُمُسُ.
632-
(أخبرنا) : الثِّقَةُ، عن عُبَيْدٍ اللَّه بن عُمَرَ، عن نَافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ أنَّهُ قَالَ:
-لَيْسَ في العَرْضِ زَكاةٌ إلَاّ أنْ يُرَادَ بِهِ التِّجَارَةُ (العرض بفتح فسكون خلاف النقد من المال قال الجوهري العرض المتاع وكل شئ فهو عرض سوى الدراهم والدنانير فإنهما عين والمراد أن كل مال يشتري ويدخر من العروض سواء أكان مأكولا أم ملبوسا لا زكاة فيه إلا إذا اتخذوه للتجارة) .
633-
(أخبرنا) : سُفيانُ أنبأنا: يَحي بنُ سَعِيدٍ عن عَبْدِ اللَّهِ بن أبي سَلَمَةَ عن أبي عَمْرو بن حِمَاسٍ:
-أنَّ أباهُ قال: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه وعَلَى عُنِقي أَدَمَةٌ (أدمة بحركات قطعة من الجلد) أَحْمِلُها فقال عُمَرُ: ألا تُؤدّي زَكاتَكَ يا حِمَاسُ فقلتُ يا أمير المؤنينَ: مالي غَيْرَهُ هذه التي على ظَهْرِي وآهِبَة في القَرَظِ (آهبة بفتح الهمزة الممدودة فكسر جمع أهاب ككتاب الجلد لم يدبغ والقرظ بفتحتين ثمر السنط يدبغ به الجلد والحديث في عروض التجارة) فقال: ذاكَ مالٌ فَضَعْ قال: فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسِبَها
⦗ص: 230⦘
فَوُجِدَتْ قدْ وجَبَ فيها الزَّكاةُ فَأَخَذَ منها الزَّكاةَ.
634-
(أخبرنا) : سُفْيانُ بن عُيَيْنَةَ أخبرنا: ابْنُ عَجْلَانَ، عن أبي الزِّناد عن أبي عَمْرو بنِ حِماسٍ، عن أبيه:
-مِثْلُهُ.
635-
(أخبرنا) : أنسُ بنُ عِيَاضٍ، عن الحارثِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمن بن أبي ذِبابٍ عن أبيه، عن سَعْدِ بنِ أبي ذِبابٍ (وقع في هذا السند تصحيفان أتعباني في تصحيحهما إذ كان الأصل عبد الرحمن بن أبي ذباب فبحثت بعد أن شككت في كتب أسماء الرواة فلم أجد هذا ولا ذاك وإنما وجدت في الإصابة يعد بن أبي ذئاب الدوسي قال ابن حجر روى أحمد وابن أبي شيبة من طريق ميسرة بن عبد اللَّه عن أبيه عن سعد بن أبي ذئاب وساق الحديث ملخصا وأما عبد الرحمن فهو ابن أبي الزناد القرشي مولاهم أبو محمد المدني عن أبيه كما في الخلاصة وبعد كتابة هذا وجدت في الاستيعاب سعد بن أبي ذباب دوسي حجازي) قال: قَدِمْتُ عَلَى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأسْلَمْتُ ثمَّ قُلْتُ يا رسولَ اللَّه: اجْعَلْ لقومي ما أسلموا عليه من أمْوَالهم فَفَعَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم واسْتَعْمَلَنِي عَليهم (استعمله عليهم: جعله والياً عليهم) ثمَّ استعملني أبوبكر رضي الله عنه قال: وكان سَعْدٌ مِنْ أهْل السّرَاةِ (السراة جبل بناحية الطائف قال ابن السكيت الطود الجبل المشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال له السراة فأوله سراة ثقيف ثم سارة فهم وعدوان ثم الأزد ثم الحرة آخر ذلك: ولم أفهم كيف يطلب من الرسول أن يجعل لقومه ما أسلموا عليه من أموالهم فإن الرسول لم يكن يفعل سوى هذا مع من أسلم من قومه وغيرهم والحديث ظاهر في أخذ الزكاة من العسل بقدر العشر وقد أخذ بهذا الحديث الحنفية وأحمد وإسحاق وخالفهم الجمهور وقالوا: لا زكاة في العسل لأنه ليس من الأصناف التي يجب فيها الزكاة والأحاديث الواردة بزكاته فيها مقال) قالَ: فَكَلَّمْتُ قَوْمي في العَسَلِ فَقُلْتُ لَهُمْ: زَكُّوهُ فَإنهُ
⦗ص: 231⦘
لَا خَيْرَ في ثَمَرَةٍ لَا تُزَكَّى فقالوا: كم؟ قال: فَقُلْتُ العُشْرُ فَأخَذْتُ منهم العُشْرُ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّاب فَأخبرتُهُ بما كان فَقَبَضَهُ عُمَرٌ فباعَهُ ثمَّ جَعَلَ ثَمَنَهُ في صَدَقَاتِ المسلمينَ.