الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
953-
(أخبرنا) : سُفْيانُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ أبي حُمَيْدٍ قال:
-سألَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العزيز جُلَسَاءَهُ: ماذا سمعتم في مُقامِ الْمُهاجِر بمكة؟ فقال السائبُ ابْنُ يزيدَ: حدثني العَلاءُ بنُ الحضرَمِي أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " يَمْكُثُ الْمُهاجِر بَعْدَ قَضَاءِ نُسْكِهِ ثلاثاً (يعني أن من هاجر من مكة قبل فتحها إلى رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة يحرم عليهأن يعود إلى مكة مستوطنا وأن يقيم بها وإذا وصلهابحج أو عمرة أو غيرها حرم عليه أن يقيم بها بعد فراغه مما جاء لأجله أكثر من ثلاثة أيام قال القاضي عياض: وفي هذا الحديث حجة لمن منع المهاجر قبل الفتح من المقام بمكة بعد الفتح قال وهو قول الجمهور وأجاز لهم جماعة بعد الفتح مع الإتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساتهم له بأنفسهم وأما غير المهاجر ومن آمن بعد ذلك فيجوز له سكنى أي بلد أراد سواء مكة وغيرها بالإتفاق وقوله: بعد قضاء نسكه أي بعد رجوعه من منى ففي إحدى روايات مسلم «ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر» ) .
الباب السابع في الإفراد والقران والتمتع
(الإفراد مصدرأفرد الحج عن العمرة أي فعل كل منهما على حدة والقران ككتاب مصدر قرن بين الحج والعمرة من باب نصر وفي لغة من باب ضرب إذا جمع بينهما وقيل القران إسم والمصدر: القرن والقران أن يجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة وتلبية واحدة وطواف واحد وسعي واحد فيقول: لبيك بحجة وعمرة والتمتع بالشئ الإنتفاع به والإسم متعة كفرقة والتمتع بالحج: أن يحرم في أشهر الحج بعمرة فإذاوصل إلى البيت وأراد أن يحل ويستعمل ما حرم عليه فسبيله أن يطوف ويسعى ويحل ويقيم حلالا إلى يوم الحج ثم يحرم من مكة بالحج إحراما جديداً ويقف بعرفة ثم يطوف ويسعى ويحل من الحج فيكون قد تمتع بالعمرة في أيام الحج أي انتفع.
والخلاصة: أن الإفراد الإحرام بالحج في أشهر الحج ثم الحج من عامه بعد الفراغ من إحرام العمرة والقران: أن يحرم بهما جميعا ولو أحرم بالعمرة ثم أحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارنا ولو أحرم بالحج ثم بالعمرة فقولان للشافعي أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة والثاني يصح ويصير قارناً بشرط أن يكون ذلك قبل الوقوف بعرفات وقيل: قبل طواف القدوم. واختلف العلماء في هذه الثلاثة أيها أفضل؟ فقال الشافعي ومالك: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران وقال أحمد: أفضلها التمتع وقال أبو حنيفة أفضلها القران وهذان الرأيان الأخيران قولان للشافعي والصحيح الأول) .
954-
(أخبرنا) : ابنُ عُيَيْنَةَ، عن يَحْيَ بنِ سَعيدٍ، عن عَمْرَةَ، عن عائشة قالت:
-خَرَجْناَ مع النبي صلى الله عليه وسلم لخمس بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ لَا نَرَى إلا الحجَّ، فلما كُنَّا بِسَرِف أوْ قريب منها أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أنْ يَجْعَلَها عُمْرَةً، فلما كان بمنىً أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ ماَ هذا؟ قال: ذبَحَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ قالَ يَحْيَ:
⦗ص: 369⦘
فَحَدَّثْتُ به القاسمَ بنَ مُحمدٍ قال: جاءَتْكَ واللَّه بالحديثِ على وَجْهِه (سرف بوزن كتف موضع بين مكة والمدينة أقرب إلى مكة على ستة أميال منها وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل عشرة وذبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن نسائه محمول على أنه استأذنهن في ذلك لأن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه وقوله: أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلخ وفي رواية أخرى"أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم به متعة قالوا كيف نجعلها متعة وقدسمينا الحج؟ قال: «افعلوا ما آمركم به» فهذا ظاهر في أنه أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة) .
955-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن يَحْيَ، عن عَمْرَةَ، والقاسمِ:
-بمِثْل حديثِ سُفْيانَ لا يُخالفُ معناه.
956-
(أخبرنا) : مُسْلمُ بْنُ خالدٍ، عن ابن جُرَيْج، عَنْ مَنْصورِ بن عبد الرَّحمنِ عن صَفِيَّةَ بِنْتِ شيْبَةَ، عن أسماءَ بِنْتِ أبي بَكر رضي الله عنهم قالت:
-خَرَجْناَ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، ومَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحَلِلْ". ولم يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلْلتُ، وكان مع الزُّبَيْر هَدْيٌ فَلَمْ يُحَلِلْ.
957-
(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ محمد، عن سَعيدِ بنِ عَبْدِ الرحمنِ بنِ رُقَيِّش، أَنَّ جابرَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ قال:
-ما سَمَّى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تلبيته حَجًّا قَطُّ ولا عُمْرَةً.
958-
(أخبرنا) : مُسْلِمٌ، عن ابن جُرَيْج، عن جَعْفَرِ بن محمد، عن أبيه عن جابِرٍ، وهُو يُحَدِّثُ عن حِجَّةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
-خَرَجْناَ مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذَا كُنَّا بالبيداءِ، فَنَظَرْتُ مَدَّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ رَاكِبٍ وراجلٍ بَيْنَ يَدَيْه، عن يمينه وعن شماله، ومِنْ وَرائِه، كُلُّهُمْ يُريدُ أَنْ يَأْتَمَّ به، يلتمس أن يقولَ كما يقولُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يَنْوِي إلَاّ الْحَجَّ، لَا يَعْرِف غَيْره، ولا يَعْرِفُ العُمْرَةَ، فَلَمَّا طُفْناَ فَكُنَّا عِنْدَ الْمَرْوَةِ، قال: «أَيُّهَا الناسُ، ومَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُحَلِلْ ويَجْعَلْهاَ عُمْرَةً، ولو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما أَهْدَيْتُ فَحَلَّ مَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
⦗ص: 371⦘
(روى هذا مسلم بعدة روايات منها» أهللنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فما ندري أشئ بلغه من السماء أم شئ من قبل الناس فقال: «أيها الناس أحلوا فلولا الهدي الذي معي فعلت كمافعلتم» فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا مايفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج وفي رواية أخرى له: " أحلوا من إحرامك حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به فإني لولا أني سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكم" وفي هذا الحديث فسخ الحج وتحويله إلى عمرة ثم استئنافه يوم التروية وقد اختلف العلماء في هذا النسخ هل هو خاص بالصحابة تلك السنة بخصوصها أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة فقال أحمد وجماعة من أهل الظاهر: ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة فيجوزلكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم في تلك السنة ولا يجوز بعدها وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج ومما يستدل به لمذهب الجمهور حديث أبي ذر الذي رواه مسلم كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة يعني فسخ الحج إلى العمرة وروى النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت يا رسول اللَّه فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لنا خاصة وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري إلخ» يشعرنا بأنه كان يود أن يشاركهم في التحلل والاعتمار ثم الحج ولكن منعه من ذلك سوق الهدي وكان إلهامه أمرهم بالتحلل من الحج وتحويله إلى عمرة جاء ووقع بعد سوقه الهدي وهذه العبارة دليل على أنه صلى الله عليه وسلم مع كونه أحب خلق اللَّه إلى اللَّه وأعظمهم منزلة لديه لا يعلم الغيب) .
959-
(أخبرنا) : عَبْدُ العزيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، جَعْفَرِ بن مُحمدٍ، عن أبيه، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ قال:
-أقَامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النّاسِ بِالحج في المدينة فَخَرَجُوا، فانْطلقَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وانْطَلَقْناَ مَعَهُ لا نَعْرِفُ إلَاّ الحَجَّ
⦗ص: 372⦘
وله خَرَجْنا ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ وهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وإنَّا نَفْعَلُ ما أمَرَ بِهِ، فَقَدِمْناَ مَكَّةَ، فَلَمَّا طَافَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالْبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ، قالَ: " مَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَجْعَلْهاَ عُمْرَةً، فلو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَماَ سُقْتُ الْهَدْيَ، ولَجَعَلْتُهاَ عُمْرَةٌ.
960-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن ابْنِ طاووسٍ، وإبراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ (وروى هذا الحديث نفسه عن سفيان عن ابن طاووس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حمير) أنَّهُمَا سَمِعاَ طاوساً يَقُولُ:
-خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يُسَمِّي حَجًّا ولا عُمْرَة يَنْتَظِرُ القَضَاءَ قال: فَنَزَلَ عَلَيْهِ القَضَاءُ وهُوَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، وأَمَرَ أصْحابَه أنَّ مَنْ كان مِنْهُمْ أَهَلَّ بالحجّ، ولم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، أنْ يَجْعَلْهاَ عُمْرَةً، فَقَالَ: " لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَماَ سُقْتُ الْهَدْيَ، ولكِنْ لَبَّدْتُ رَأْسِي وسُقْتُ هَدْيي، ولَيْسَ لِي مَحِل دون محل إلا على هَدْي، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مالكٍ: فَقَالَ يا رسولَ اللَّه: اقْضِ لنا قَضَاءَ قَومٍ كأَنَّماَ وُلِدُوا الْيَوْمَ أَعُمْرَتُناَ هذِهِ لِعامِناهذاَ، أمْ لِلأَبَدِ؟ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ لِلأَبَدِ دَخَلَتِ العُمْرَةُ فِي الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ قال: فَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالبٍ من اليَمَنِ، فَسَألَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يعْنِي بِما أهْلَلْتَ؟ فَقَالَ أحدهما عن طاووس قلت: لَبَّيْكَ إهْلَالاً كاهْلَالِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال الآخَرُ:
⦗ص: 373⦘
لَبَّيْكَ حِجَّةً كَحِجَّةِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (معنى قوله دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة جواز الاعتمار في أشهر الحج والحاصل من مجموع طرق الأحاديث أن العمرة في أشهر الحج جائزة إلى يوم القيامة والمقصود بذلك إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج وقيل معناه جواز القران وتقدير الكلام دخلت أعمال العمرة في أعمال الحج إلى يوم القيامة وقال بعض أهل الظاهر معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة وهذا أضعفها) .
961-
(أخبرنا) : مُسْلِمٌ بنُ خالدٍ وغَيْرُهُ، عن ابن جُرَيْجٍ، قال:
-أخبرني عَطاءٌ أنَّهُ سَمِعَ جابرَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ، قال: قَدِمَ عَلِيُّ رضي الله عنه من سِعايَتِهِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " بِما أهْلَلْتَ يا عَلِيُّ؟ قال: بما أهَلَّ بهُّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: فَأَهْدِ وامْكُثْ حَرَاماً كما أنْتَ"، قال: وأهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْياً (السعاية بكسر السين: في الصدقات وقيل إنما بعث علي أميراً لاعاملا على الصدقات إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقات فقد سأله الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة أن يستعملهما على الصدقة فقال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ولم يستعملهما قال القاضي عياض: يحتمل أن عليا ولى الصدقات وغيرها احتسابا أو أعطى عمالته عليها من غير الصدقة والسعاية وإن كان أكثر استعمالها في الولاية على الصدقة تستعمل في مطلق الولاية وقوله وأهدى له علي هديا: يعني هديا اشتراه لا أنه من السعاية على الصدقة وفي الحديث دلالة لمذهب الشافعي على أنه يصح الإحرام معلقا بأن ينوي إحراما كإحرام زيد فيصير كزيد فإن كان زيد محرما بحج كان هذا مثله محرما بالحج وإن كان محرما بعمرة فبعمرة وإن كان بهما فبهما وإن كان زيد أحرم إحراما مطلقا صار هذا محرما إحراما مطلقا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ولا يلزمه موافقة زيد في الصرف) .
962-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن محمد بنِ عَبْدِ اللَّهِ بن الحارث،
⦗ص: 374⦘
ابنِ نَوْفَلٍ:
-أنَّه سَمِعَ سَعْدَ بنَ أبي وقَّاصً، والضَّحَّاك بن قَيْس، أنَّهُ عَام حَجَّ مُعَاويةُ بنُ أبي سُفيانَ وهُمَا يَتَذاكرانِ التَّمَتُّعَ بالعُمْرَةِ إلى الْحَج، فقال: الضَّحَّاكُ: لا يَصْنَعُ ذلكَ إلَاّ مَنْ جَهِلَ أمْرَ اللَّهِ تعالى، فَقال سَعْدٌ: بِئسَ مَا قُلْتَ يا ابْنَ أخي فقال: الضَّحَّاكُ: فإنَّ عُمَرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه قَدْ نَهَى عن ذلك، فَقال سَعْدٌ: قد صَنَعَهَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصَنَعَناهَا مَعَهُ (قال المازري: اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة وقيل: هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي هوأفضل لا إنه يعتقد بطلانها أو تحريمها واستظهر القاضي عياض: أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج إلى العمرة ولهذا كان عمر يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرد التمتع في أشهر الحج وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان مخصوصا بتلك السنة.
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء في أن التمتع في قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده ومن التمتع أيضا: فسخ الحج إلى العمرة قال النووي والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو نهي أو أولوية للترغيب في الإفراد لكونه أفضل ولقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران من غير كراهة وإنما اختلفوا في الأفضل منها) .
963-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن عُرْوةَ بن الزُّبَيْرِ، عن عائشةَ، قالت:
-خَرَجْنا مَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عامَ حِجَّةِ الوَدَاعِ فَمِنَّا
⦗ص: 375⦘
مَنْ أهَلَّ بِحِجَّةٍ، ومِنَّا مَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أهَلَّ بالحجّ والْعُمْرَةِ، وكُنْتُ فِيمَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ (هذا ظاهر في جواز الثلاثة الإفراد والقران والتمتع) .
964-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، عن ابن عُمَرَ أنَّهُ قال:
-لأَنْ أعْتَمِرُ قَبْلَ الحَجّ وأُهْدِي أحَبُّ إلِيَّ مِنْ أنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الحَجّ في ذِي الْحِجَّة.
965-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن هِشَام بْنِ حُجَيْرٍ، عن طاووسٍ، عن ابنِ عباسٍ:
-أنَّهُ قِيلَ لهُ: كَيْفَ تَأْمُر بالْعُمْرَةِ قَبْلَ الحَجّ، واللَّهُ تعالى يَقُولُ:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِللَّهِ)، فقالَ: كَيْفَ تَقْرَءونَ: إنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الوَصِيَّةِ، أوِ الوصيةَ قَبْلَ الدَّيْنَ، قال: فَبِأَيِّهِمَا تَبْدَءونَ؟ قالوا: بالدَّيْنَ، قال: فَهُوَ ذلك.
قال الشافعيّ رضي الله عنه: يَعنِي أنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ.
966-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن حَفْصَةَ، أنَّهَا قالت:
-يا رسول اللَّهِ: ما شأنُ الناسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ ولَمْ تُحْلِلْ أنْتَ عَنْ عُمْرَتِك؟ فقال: «إنِّي لَبَّدْتُ رأسِي، وقَلَّدْتُ هَدْيي، فلا أحِلَّ حَتَّى أَنْحَرَ
⦗ص: 376⦘
(وحلوا بعمرة أي خرجوا من حجهم بها» ولم تحلل أنت من عمرتك"كان الظاهرأن تقول: ولم تحلل أنت بعمرتك وإنما قالت عمرتك لأن المعنى ولم تحلل أنت حلا ناشئا عن عمرتك وهو بمعنى أحل بعمرته فقال «إني لبدت رأسي» تلبيد الرأس أن يجعل في الشعر شيئا من صمغ عند الإحرام لئلا يتشعث ويقمل ابقاء على الشعر وإنما يلبد شعره من يطول مكثه في الإحرام فهو دليل على إرادة طول المكث والعلة فيعدم الحل هو تقليد الهدي لا تلبيد الشعر فمن ساق الهدي فلا يحل له حتى ينحر هديه) .
967-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن عَبْدِ الرَّحْمن بنِ القَاسِمِ، عن أبيه، عن عائشةَ:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أفْرَدَ الْحَجَّ (أفرد الحج عن العمرة: فعل كل واحد منهما على حدة وفي معناه الحديثان اللذان يليانه وهي تشهد لتفضيل الإفراد) .
968-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن الزُّهْري، عن عُرْوَةَ، عن عائشةَ قالتْ:
-أَهَلَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِالْحَجَّ.
969-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن عُرْوَةَ، عن عائشةَ قالتْ:
-وأَفْرَدَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ.
970-
(أخبرنا) : ابْنُ عُلَيَّةَ، عن أبي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ، عن إبراهيمَ، عن الأَسْوَدِ، عن عَبْدِ اللَّه:
-يَعْنِي: أنَّهُ أمَرَ بِإِفْرَادِ الحَجّ قال قُلْتُ: كاَنَ أحب أنْ يَكُونَ لكل واحدٍ منهُما شَعْثٌ وشَعرٌ، وهُمْ يَزْعُمُونَ أنَّ القِرَانَ أفْضَلُ، وبِهِ يُفْتنونَ مَنِ اسْتَفْتَاهُمْ، وعَبْدُ اللَّهِ كانَ يَكْرَهُ القِرانَ
⦗ص: 377⦘
(شعث الرجل شعثا فهو شعث من باب تعب: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن والشعث أيضا: الوسخ ورجل شعث ككتف وسخ الجلد وشعث الرأس أيضا وهو أشعث أغبر: أي من غير استحداد ولا تنظيف والحديث في تفضيل ابن عمر الإفراد وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة وهي الإفراد والتمتع والقران والأفراد: أن يحرم بالحج في أشهر الحج ويفرغ منه ثم يعتمر والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منه ثم يحج من عامه والقران أن يحرم بهما جميعا واختلف العلماء أيها أفضل فقال الشافعي ومالك وكثيرون أفضلها الأفراد ثم التمتع ثم القران وقال أحمد وآخرون أفضلها التمتع وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القران واختلفوا في حجة النبي هل كان مفرداً أم متمتعاً أم قارنا؟ والصحيح أنه كان صلى الله عليه وسلم أولا مفردا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك فصار قارنا واحتج الشافعي في ترجيح الإفراد بأنه صح من رواية جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة ومرتبتهم في حجة الوداع على غيرهم معروفة ثم إن الخلفاء الراشدين ما عدا عليا أفردوا الحج وواظبوا على إفراده ولو لم يكن الإفراد أفضل ما واظبوا عليه وهم الأئمة الأعلام وقادة الإسلام واختلف فعل علي لبيان الجواز وقد أجمعت الأمة على جواز الإفراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم التمتع والقران فكان الإفراد أفضل فالنبي صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل الأنواع الثلاثة وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أخذ في إحرامه بالأفضل فأحرم مفردا للحج وبه تظاهرت الروايات وأما الروايات بأنه كان متمتعاً فمعناها أمر به وأما الراويات بأنه كان قارنا فإخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وتحويله إلى عمرة مخالفة للجاهلية إلا من كان معه منهم هدي وكان هو ومن معه الهدي من أصحابه في آخر إحرامهم قارنين لأنهم أدخلوا العمرة على الحج ويحتمل أن بعضهم سمعه يقول لبيك بحجة فحكى عنه أنه أفرد وخفى عليه قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع وسمع غيره الزيادة وهي لبيك بحج وعمرة فهذه الروايات المختلفة يمكن الجمع بينها اهـ ملخصا عن النووي) .
971-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافعٍ:
-أنَّ ابن عُمَرَ حَجَّ فِي الفِتْنَةِ، فَأَهَلَّ، ثم نَظَرَ، فقال: ما أمْرُهما إلا واحدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الحجّ مَعَ الْعُمْرَةِ
⦗ص: 378⦘
(روى مسلم هذا الحديث بزيادة وإيضاح قال عن نافع أن عبد اللَّه بن عمر خرج في الفتنة معتمرا وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخرج فأهل بعمرة وسار حتى ظهر على البيداء والتفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة إلخ ففيه جواز القران وإدخال الحج على العمرة قبل الطواف وهو مذهب الشافعية وجماهير العلماء وفيه أيضا جواز التحلل بالإحصار وقوله «ما أمرهما» يعني العمرة والحج «إلاواحد» يعني في جواز التحلل بالإحصار ويؤخذ منه صحة القياس والعمل به لأن الصحابة كانوا يقيسون فلذا قاس ابن عمر الحج على العمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تحلل من الإحصار عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها) .
972-
(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ سَعْدٍ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ:
-فِي المُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْياً، ولَمْ يَصُمْ قَبْلَ عَرَفَةَ، فَلْيَصُمْ أيَّامَ منًى.
973-
(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ سَعْدٍ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن سالم، عن أبيه:
-مِثْلَ ذلك.
974-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن عيسى بنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرو بنِ العَاصِ قال:
- وقَفَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حِجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنىً للناسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقال يارسول اللَّه: لم أشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، فقال:«اذبح ولا حرج» فجاءهُ آخر، فَقال يارسول اللَّه: لم أشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أَرْمِيَ، فقال:«ارمِ ولَا حَرَج» إلا قال: "افْعَلْ ولَا حَرَج
⦗ص: 379⦘
(أفعال يوم النحر رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق ثم طواف الإفاضة وترتيبها هكذا سنة قتقديم بعضها على بعض جائز وان كان مخالفا للسنة ولا فدية فيه لهذا الحديث وهو مذهب الشافعية والحنفية والمالكية وعن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وقتادة أن من قدم بعضها على بعض لزمه دم والحديث حجة عليهم لأنه ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لا حرج أنه لا شئ في التقديم والتأخير مطلقا واتفقوا على أنه لا فرق في هذا الحكم بين الساهي والعامد في عدم لزوم الفدية وإن كانا يختلفان في الإثم عند من يمنع التقديم ومعنى قوله ولا حرج أي أجزأك ما فعلت ولا حرج عليك في التقديم والتأخير) .