الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس فيما يباح للمحرم وما يحرم وما يترتب على ارتكابه من المحرمات من الجنايات
800-
(أخبرنا) : مالك، عن زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عن إبراهيمَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بن حُنَيْنٍ عن أبيه:
-أنَّ ابن عَبَّاسٍ والمِسْوَر بن مَخْرَمَةَ إخْتَلَفَا بالأبْوَاء (الأبواء بوزن أفعال مفتوح الهمزة: منزل بين مكة والمدينة قريب من الجحفة من جهة الشمال دون مرحلة) فقال ابن عباس يَغْسِلُ المحرم رأسه وقال المِسْوَرْ: لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني ابنُ عباس إلى أبي أيوبَ الأنصاري فَوَجَدْتُه يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْن (القرنان بالفتح منارتان تبنيان على رأس البئر توضع عليهما الخشبة التي يدورعليها المحور فإن كانا من خشب فهما دعامتان اهـ لسان وقال النووي القرنان بالفتح مثنى قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء تمد بينهما خشبة يجر عليهما الحبل المستقى به وتعلق عليها البكرة وطأطأ الثوب خفضه والمراد جذبه إلى أسفل فظهر رأسه بعد أن كان مستترا به وأخذ من الحديث جواز اغتسال المحرم وغسل رأسه وإمرار اليد على شعره بحيث لا ينتف منه شيئا وأخذ منه أيضا الرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الإجتهاد عند النص وقبول خبر الواحد وجواز السلام على المتطهر وإذعان الصحابة للحق وخضوعهم له ولذا قال المسور في بعض الروايات لابن عباس لا أماريك بعدها والغسل من الجنابة متفق على وجوبه وأما الغسل للتبرد فمذهب الجمهور والشافعية جوازه بلا كراهة وحرمه مالك وأبو حنيفة وأوجبا فيه الفدية والذي في مسلم والمصابيح فوضع أبو أيوب يده بالإفراد. حامد مصطفى المدرس بكلية اللغة العربية) وهو يَسْتَتِرُ بِثَوْب قال: فَسَلّمْتُ فقال مَنْ هذا؟ فقلتُ: أَنا عبدُ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِليْكَ ابنُ عباسٍ أسأَلُك كَيْفَ كَان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رأسَهُ وهو مُحْرِمٌ؟ قال: فَوَضَع أبو أيوب يَدَيْه على الثوب فَطَاْطَأَه حتى بَدَا لي رأسُه
⦗ص: 309⦘
ثم قال لإِنسانٍ يَصُبُّ عليه اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثم حَرّكَ رَأْسَهُ بيَدَيْه فأقبلَ بهما وأَدْبَرَ ثم قال: هَكَذَا رأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ.
801-
(أخبرنا) : ابنُ عُيَيْنَةَ، عن عَبْدِ الكَريم الجَزَرِيّ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس قال:
-ربما قالَ لي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ تَعَالَ أُماقسْكَ فِي الماءِ أيُّنَا أَطْوَلُ نَفَساً ونَحْنُ مُحْرِمُونَ (أماقسك وكانت في الأصل أباقيك وهو تصحيف إذ ليس في اللغة باقاه وفيها ماقسه يماقسه غاطه في الماء وهما يتماقسان في البحر أي يتغاوصان فيه والمعنى تعال أساميك وأسابقك في المكث تحت سطح الماء لنرى أينا أصبر وأطول نفسا من صاحبه وهو دليل جواز الغسل للمحرم والمكث في الماء طويلا وجواز المسابقة في الغطس ونحن محرمون من كلام ابن عباس وهي جملة حالية) .
802-
(أخبرنا) : سَعيدُ بن سَالِمٍ، عن ابنِ جُرَيْج:
- أنَّ صَفْوَانَ بنَ يَعْلَى أخْبَرَهُ عَنْ أبيه يَعْلى بنِ أُمَيَّةَ أنَّهُ قال: بينما عُمَرُ بنُ الخطاب يَغْتَسِلُ إلي بَعِيرٍ وأنا أسْتَتِرُ عليه بثَوْبٍ إذْ قالَ له عُمَرُ بنُ الخطابِ ياَ يَعْلَى: اصْبُبْ عَلَى رأْسِي فقلتُ أمِيرُ المؤمنينَ أعْلَمُ فقال عُمَرُ: واللَّهِ ما يزيدُ الماءُ الشَّعْرَ إلَاّ شَعْثَاً فَسَمّى اللَّه تعالى وصَبَّ عَلَى رَأسِهِ (يغتسل إلى بعير أي مستنداً إلى بعير ليستتر به وقوله وأنا أستر عليه بثوب أي من الجهة الأخرى والشعث بفتحتين مصدر شعث كتعب الشعر تغبر وتلبد لقلة تعهده بالدهن والشعث أيضا: الوسخ ورجل شعث ككتف وسخ الجسد وشعث الرأس: أغبر وأورد ابن الأثير الحديث وفسر قوله لا يزيده الماء إلا شعثاً بقوله أي ألا تفرقا فلا يكون متلبداً وقوله فقلت أمير المؤمنين أعلم يشعر بأنه كان يظنأن هذا الفعل غير سائغ) .
803-
(أخبرنا) : ابنُ عُيَيْنَةَ عن عُمْرٍو عن أبو جَعْفَرٍ قالَ:
-أبْصَرَ عُمَرَ ابنُ الخطَّابِ عَلَى عَبْدِ اللَّه بنِ جَعفرٍ ثَوْبينِ مُضَرَّجَيْنِ وهو مُحْرِمٌ فقالَ: ما هذهِ الثِيابُ؟ فقال عَلِيُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: ما إخَالُ أحداً
⦗ص: 310⦘
يُعلمنا السُّنَّةُ فَسَكَتَ عُمَرُ رضي الله عنه (مضرجين المضرج المصبوغ بالحمرة أو الصفرة مطلقا أو بالحمرة على أن يكون دون المشبع وفوق المورد وكانت في الأصل مفرحين وهي تصحيف أنكر عمر على عبد الله بن جعفر لبس الثوب المصبوغ في الإحرام فرد على هذا الإنكار بإنكار أشد منه ولكنه عف مؤدب إذ لم يوجه الخطاب إلى عمر فيقول ما إخالك تعلمنا السنة بل قال ما إخال بكسر الهمزة بمعنى أظن أحدا يعلمنا السنة أي لأننا أهلها وأبناء مصدرها وأهل بيته فنحن أدرى من سوانا بما يحل ومايحرم وتقبل عمر كلام علي بالسكوت والإذعان لأنه كان رجاعا إلى الحق وفهم من الحديث جواز لبس الثوب المصبوغ في الإحرام وإخال بكسر الهمزة ويجوز فتحها والكسر أفصح والفتح أقيس) .
804-
(أخبرنا) : سَعيدُ بن سَالِمٍ، عن ابنِ جُرَيْج، عن أبي الزُّبير، عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهُ:
-أنَّهُ سَمِعَهُ يقُولُ: "لَا تَلْبَسُ المرأةُ ثيابَ الطِّيبِ وتَلْبَسُ الثيابَ المَعَصْفَرَةَ لا أرَى العُصْفُرَ طِيباً (المعصفرة المصبوغة بالعصفر بضم العين والفاء وهو نبت معروف والصبغة التي يكسبها الثياب هي الصفرة وفهم من الحديث أنه لاحرج فى أن تلبس المرأة ثوبا مصبوغا بالصفرة ولا فرق بين لون ولون فيحللها أن تلبس الثياب الملونة والمحظور عليها هو الطيب وليس المعصفر طيبا كما قال جابرقوله لا تلبس المرأة يجوز أن تكون لا نافية فيكون إخبارا فيه معنى النهي ويجوزأن تكون ناهية وحركت السين بالكسر لإلتقاء الساكنين والحكمة في تحريم الطيب على المحرم منافاته للتضرع والتذلل والتشعث المطلوبة من الحاج وقد تقدم أن الحاج هو الشعث التفل ثم أنه مثير للشهوة ومن دواعي الترف والترفه التي يهجرها الحجاج في هذا الوقت وبهذا الحديث أخذ مالك والشافعي فقالا لا يحرم لبس المعصفر على المحرم وحرمه أبو حنيفة وجعله طيباً وأوجب فيه الفدية قال النووي ويكره للمحرم لبس الثوب المصبوغ بغير طيب ولا يحرم واللَّه أعلم وأن لبس ما نهي عنه وتطيب لزمته الفدية إن كان عامدا فإن كان ناسيا فلا فدية عند الشافعي وأحمد وتجب عند مالك وأبي حنيفة) .
805-
(أخبرنا) : سعيدٌ، عن ابنِ جُرَيْج أخبرنا: الحَسَنُ بنُ مُسْلم، عنْ صَفيةَ بنْتِ شَيْبَةَ أنها قالت:
-كُنتُ عندَ عائشةَ رضي الَّلهُ تعالى عنها إذ
⦗ص: 311⦘
جاءتها امرَأةٌ من نساء بني عَبْدِ الدَّارِ يُقَالُ لها تَمْلِكُ قالت لها: يا أُمَّ المؤمنينَ إنَّ ابنتي فُلَانَةَ حَلَفَتْ لَا تَلْبَسُ حُلِيِّها في الموْسِم فقالت عائشةُ قُولي لها: إنَّ أُمَّ المؤمنينَ تُقْسِمُ عَلَيكِ إلَاّ لَبِسْتِ حُلِيِّكِ كُلَّهُ (تملك كتضرب صحابية والموسم أيام الحج وقد أفهمنا الحديث إباحة لبس الحلي للنساء كما أن لها لبس الثياب المصبوغة مخيطة أو غير مخيطة حريرا كانت أو قطنا ولها لبس الخف والمحظور عليها الطيب والنقاب والقفاز وما مس الزعفران والورس من الثياب وقد ورد هذا الحديث صريحا عن ابن عمر في المصابيح وغيره) .
806-
(أخبرنا) : سعيدٌ، عن جُرَيْج، عن هِشَام بن حُجَيْرٍ، عن طاوُسٍ قال:
-رأيْتُ ابنُ عُمَرَ يَسْعَى بالبيتِ وقد حَزَمَ على بَطنِهِ بثَوْبٍ (حزم متعد بنفسه يقال: حزم فرسه شده بالحزام وهنا جاء متعديا بعلى لأنه ضمنه معنى لف وهي متعدية بعلى والذي أعرفه أن التضمين سماعي وفي الحديث الآتي بعد هذا بين أن عمر لم يكن قد عقد هذا الثوب وإنما شبك طرفيه بإزاره ومن هذا الحديث وما يليه وهو الذي نهى فيه ابن عمر عن عقد الثوب يفهم أن المحرم لا يعقد الثوب بل يشبكه فقط وأنه منهي عن عقده) .
807-
(أخبرنا) : سَعيدٌ بنُ سالم عن إسماعيلَ بنِ أُمَيَّةَ:
- أنَّ نافعاً أخبرَهُ أنَّ ابنَ عُمَرَ لم يكُنْ عَقَد عليه الثَّوْبَ إنما غَرَز طرفيهِ على إزارِه.
808-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن مَسْلم بنِ جُنْدُبٍ قال:
-جاء رجُلٌ يَسْأَلُ ابنَ عُمَروأنا معه فقال: أخالِفُ بين طَرَفيْ ثَوْبي من وَرائي ثمّ أعْقِدِهُ وأنا مُحْرِمٌ؟ فقال عَبْدُ اللَّه بنُ عُمَرَ: لا تَعْقِدْ شيئاً.
809-
(أخبرنا) : سَعيدُ بنُ سالم، عن ابن جُريج:
-أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رأى رجُلاً مُحْتَزِماً بحَبْلٍ أبْرَقَ فقال: " انْزِعِ الْحَبْلَ مَرَّتين
⦗ص: 312⦘
(حبل أبرق فيه لونان من سواد وبياض فقال له النبي: انزع الحبل مرتين أي كرر له هذا الأمر وأفهمنا هذا عدم جواز ربط الإزار بالحبل ولم تظهر لي الحكمة في هذا النهي ورأيت بعد كتابة هذا في؟؟ أن الشيرازي لا يرى بأسا في شد الإزار بالحبل) .
810-
(أخبرنا) : سَعيدُ بنُ سالم، عن ابن جُريج، عن أيُّوب بن موسى، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر:
-أنَّهُ كان إذَا رَمِدَ وهو مُحْرِمٌ أقْطَر في عَيْنَيْهِ الصَّبْر إقْطَاراً وأنَّه قال: يكتَحِلُ المُحْرِمُ بأيِّ كُحْلٍ إذَا رَمِد ما لم يكْتَحِلْ بطيب ومن غير رمَدٍ ابنُ عُمَرَ القائلُ (رمد كتعب أصابه الرمد وهو مرض العين وأقطر في عينه أسال فيهما والصبر بكسر الباء ويجوز إسكانها وهذا يفيد أنه غير محظور على المحرم معالجة عينيه بالأقطار والإكتحال والمحظور أن يدخل في الكحل أو القطرة الطيب وكذلك يحظر عليه الإكتحال للزينة وهو مكروه عند الشافعي ومنعه أحمد وإسحاق وفي مذهب مالك قولان: أحدهما بالمنع والآخر بالكراهة وأما العلاج عند الحاجة بالكحل أو سواه مما ليس بطيب فجائز أو سواه مما ليس بطيب فجائز باتفاق العلماء ولافدية عليه فإن احتاج ما فيه طيب جاز وعليه فدية) .
811-
(أخبرنا) : سَعيدُ بن سالم، عن ابن جُرَيحٍ، عن ابن الزُّبير، عن جابرٍ:
-أنَّهُ سُئِل: أَيَشُمُّ المُحْرِمُ الرَّيحَانَ والدُّهَنَ والطيب؟ فقال: لا (مر قريبا الحكمة في منع المحرم من الطيب فلاداعي للإعادة) .
812-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن عَمْرو بن دينار، عن عَطَاء بن أبي رَبَاح، عن صَفْوَان بنِ يَعْلَى بن أُمَيَّةَ، عن أبيه قال:
-كُنَّاعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالجِعْرَانَةِ فأتاه رجلٌ وعلي مُقّطعةٌ يعني جُبّةً وهو مُتَضَمِّحٌ بالخَلُوق فقال: يا رسولَ الَّلهِ إني أَحْرَمْتُ بالعُمْرَةِ وهذه عَلَيَّ فَقَال رسولُ الَّله صلى الله عليه وسلم: "فما كُنْتَ تَصْنَعُ في حَجِكَ؟ قال: كُنْتُ أَنْزِعُ هذه المُقّطَّعَةِ وأغْسِلُ هذا الخَلوقَ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
⦗ص: 313⦘
(ما كُنْتَ تَصْنَعُ في حَجِكَ تَصْنَعُ في عُمْرَتِكَ (الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء ويجوز كسر العين وتشديد الراء كما سبق والمقطعة كل ما فصل وخيط من قميص وغيره وغيرها ما لا يقطع كالأزر والأردية وتفسيرها هنا بالجبة لا ينافي ما ذكرنا لأنها مخيط وإنما فسرها بذلك لورودها ببعض الروايت ومتضمخ متلطخ والخلوق كصبور طيب مركب يتخذ من الزعفوان وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة وأفاد الحديث أن العمرة والحج سواء فيما يباح للمحرم ومايحظر عليه وأن المخيط والطيب محظوران على المحرم بحج أو بعمرة وقد كان السائل جاهلا أن ما يحظر على الحاج يحظر على المعتمر ولذا سأل) ".
813-
(أخبرنا) : مُسْلمُ، عن ابن جُرَيح، عن عَطَاء، عن صَفْوَان بنِ يَعْلَى بن أُمَيَّةَ، عن أبيه:
- أنَّ أَعْرابياً أَتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعَلَيْهِ إمَّا قال: قَمِيصٌ وإما قال: جُبَّةٌ وبه أَثَرُصُفْرَةٍ فقال: أَحْرَمْتُ وهَذَا عَلَيَّ فقال: (انْزِعْ إمَّا قَميصَكَ وإمَّا قال جُبَّتَكَ واغْسِلْ هذه الصُفْرَةَ عَنْكَ وافْعَلْ في عُمْرَتكَ ما تَفْعَلُهُ في حَجِّكَ (هذا الحديث هو الحديث السابق باختلاف في اللفظ وقوله عليه إما قميص وإما جبة شك من الراوي والصفرة صفرة الطيب الذي عبرعنه في الرواية السابقة بالخلوق وقال أي الراوي) ".
814-
(أخبرنا) : إبراهيم بنُ يَحْيَ، عن عَبْدِ الَّلهِ بن أبي بكر:
-أنَّ أصْحَابَ رسولَ الَّلهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمُوا في عُمْرَةِ القضاء مُتَقَلِّدينَ السُّيوفَ وهُمْ مُحْرِمُونَ
⦗ص: 314⦘
(قدموا في عمرة القضة هكذا في النسخ المخطوطة وهو تصحيف صوابه القضية كما في الموطأ لأنها تسمى عمرة القضاء وعمرة القضية وهذا الحديث معارض بقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح رواه مسلم ويوفق بينهما بأن النهي محله ما إذا لم تكن هناك حاجة للسلاح والاجاز دخولها بالسلاح وهو مذهب الجماهير وقد كانت بهم حاجة لحمل السلاح في عمرة القضاء وفي فتح مكة) .
815-
(أخبرنا) : إسْمَاعيلُ الذي يُعْرَفُ بابن علية قال: خَبَّرني عَبْدُ العزيز بن صُهَيْبِ، عن أنَس بن مالك:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ (تزعفر الرجل: تطيب بالزعفران وهو صبغ وطيب يقال زعفر الثوب: صبغه بالزعفران) ".
816-
(أخبرنا) : ابنُ أبي يحي، عن أيُّوبَ بنِ أبي تَمِيمةَ، عن عِكْرِمَةَ عن ابن عباس:
-أنَّه دَخَل حَمَّاماً وهو بالجُحْفَةِ وهُو مُحْرِمٌ وقال: "ما يَعْبَأْ اللَّه بأوْسَاخِنَا شَيْئاً (في نسخة الشرح بأوساخنا بصيغة الجمع وما يعبأ اللَّه بأوساخنا شيئا أي ما يبالي يقال ما عبأ فلان بفلان أي ما أبالي به وشيئاً نائب عن المفعول المطلق أي ما يعبأ اللَّه بأوساخنا عبئا والمعنى أن اللَّه لا يبالي بأوساخنا وإذا انتفت مبالاة اللَّه بأكثرنا وساخة فلا داعي لإلتزام هذه الوساخة ولا تضر إزالتها وقد تقدم اختلاف ابن عباس والمسور بن مخرمة في هل يغسل المحرم رأسه وأن بن عباس أرسل عبد الله بن حنين إلى أبي أيوب الأنصاري فسأله كيف كان رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم فوجده يغتسل بين القرنين وأراه كيف كان الرسول يغسل رأسه فقال المسور لابن عباس لا أماريك بعدها والغسل إن كان عن جنابة فهو واجب على المحرم وإن كان للتبرد أجيز عند الجمهور والشافعية بلا كراهة ويجوزعند الشافعية استخدام السدر وغيره من مزيلات الوساخة ومنعه أبو حنيففة ومالك وقالا: هو حرام موجب للفدية وحديثنا هذا شاهد للشافعية وكأن الحنفية والمالكية اعتمدا على حديث ما الحاج قال صلى الله عليه وسلم هو الشعث التفل) ".
817-
(أخبرنا) : سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن أيُّوبَ بنِ مُوسى، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ:
-أنّه نَظَرَ في المِرْآةِ وهو مُحْرِمٌ (أفاد الحديث أن نظر المحرم في المرآة لا مانع منه وأنه لا ينافي الإحرام وأنه ليس من الترفه المحظور على المحرم وقد ورد هذا الحديث في الموطأ بزيادة لشكو كان بعينيه والشكو المرض ومقتضى هذه الزيادة منع النظر في المرآة إلا لحاجة) ".
818-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن ابنِ المُنْكَدِرِ، عن رَبِيعَةَ بن عَبْدِ الَّلهِ بن
⦗ص: 315⦘
الهُدَيْرِ:
-أنّهُ رَأى عُمَرَ بنَ الخطَّابِ يَقَرِّدُ بَعِيراً له في طِينٍ بالسُّقْيَا وهو مُحْرِمٌ (قردت البعير بالتثقيل: نزعت قرادة والقراد كالغراب ما يتعلق بالعير ونحوه كالقمل للإنسان وقوله في طين أي يضع القراد في الطين ليقتله حتى لا يتعلق بالبعير مرة أخرى ومعناه أن هذا سائغ للمحرم ولا مانع منه ولكن في الموطأ أن عبد الله بن عمر كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادة عن بعيره قال مالك: وذلك أحب ما سمعته إلي في ذلك والسقيا بالضم موضع بين المدينة ووادي الصفراء) .
819-
(أخبرنا) : عَبْدُ الوَهَّابِ الثَقَفِيُّ، عن يَحي بن سعِيدٍ الأنصاري، عن عَبْدِ الَّلهِ بن عباسٍ، عن رَبيعَةَ قال:
-صَحِبْتُ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رضي الله عنه في الحَجِّ ما رأيتُهُ مُضْطَرِباً فُسْطاطاً حتى رجع (ربيعة هذا الظاهرأنه ربيعة السابق هو ابن عبد الله بن الهدير ومضطربا فسطاطا أي ناصبا ومقيما سرادقا أي خيمة أو سائلا أن يضرب له فسطاط يقال اضطرب خاتما إذا سأل أن يضرب له وفي الحديث يضطرب بناء في المسجد أي ينصبه ويقيمه على أوتاد مضروبة في الأرض والمعنى أنه لم يتخذ في حجه سرادقا يستظل به وينعم بل آثر احتمال الحر والبرد طمعا في زيادة الثواب إذ الاستظلال ليس ممنوعا خصوصا في الحر) .
820-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع، عن نَبِيهِ بنِ وَهْب أحَدِ بَنِي عَبْدِ الدَّار، عن أَبَانَ بنِ عُثْمان:
-أنَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنْكِحُ المحرِمُ ولا يُنْكَحُ ولا يَخْطُبُ
⦗ص: 316⦘
(لا ينكح المحرم ولا ينكح إلخ الأولى كيضرب والثانية كيكرم والأولى بمعنى يتزوج والثانية بمعنى يزوج غيره ويجوز أن تكون الأفعال الثلاثة مرفوعة على النفي ويجوز أن تكون مجزومة على النهي ومقتضى النهي التحريم وبطلان النكاح وعليه الشافعية والمالكية والحنابلة ويرى الحنفية أن العقد صحيح لحديث ابن عباس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم وأما الخطبة فمنهي عنها للتنزيه فإذا خطب كره له ذلك لكنهم وهموا ابن عباس وثبت من الأحاديث الكثيرة أنه تزوجها وهو حلال) .
821-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع مولى ابن عمر، عن نَبِيهِ بنِ وَهْب أحَدِ بَنِي عَبْدِ الدَّار:
-أنَّ عُمر بن عَبْدِ الَّلهِ أراد أنْ يُزَوِّج طَلْحَةَ بن عُمر بنت شيبة بن جُبَيْرٍ فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر في ذلك وهما مُحْرِمانِ فَأَنْكر ذلك عليه أبانُ وقال: " سَمِعْتُ عُثمان بن عفانَ يَقولُ: قال رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا يَنْكِحُ المحرِمُ ولا يُنْكَحُ ولا يَخْطُبُ» .
822-
(أخبرنا) : بنُ عُيَيْنَةَ، عن أيُّوبَ بنِ مُوسى، عن نَبِيهِ بنِ وَهْب، عن أَبَانَ بنِ عُثْمان بن عفانَ، عن عُثْمانَ:
-عن النبي صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَعْناه.
823-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع، عن ابنِ عُمَرَ قال:
-لا يَنْكِحُ المحرِمُ ولا يُنْكَحُ ولا يَخْطُبُ على نَفْسِه ولا على غَيْرِه (هذا الحديث وسابقه في تحريم نكاح المحرم نفسه وغيره كراهة أن يخطب لنفسه أو غيره والنهي عن أن يخطب لغيره هو ما زاده هذا الحديث عن سابقه ولاحقه) ".
824-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن أيُّوبَ هُو ابنُ مُوسى، عن نَبِيهِ بنِ وَهْبٍ، عن أَبَانَ بنِ عُثْمانَ، عن عُثْمانَ رضي الله عنه:
-أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «المُحْرِمُ لا يَنْكِحُ ولا يَخْطُبُ» .
825-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن داود بنِ الحُصَيْنِ، عن أبي غَطَفانَ بن طَرِيفٍ المُرِّي:
-أنَّهُ أخْبره أنّ أباه طَرِيفاً تَزَوَجَّ امْرأةً وهُو مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ نِكَاحَه
⦗ص: 317⦘
(رده عمر أي أبطله وهو حجة للجمهور القائلين بببطلان نكاح المحرم ودليل لهم على الحنفية) .
826-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن رَبيعَةَ، عَن سُلَيمانَ بنِ يَسَارٍ:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا رافع مَوْلاهُ ورَجُلاً من الأنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحارثِ وهُوَ بالمدينة قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ إلى مَكَّةَ (وهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهوحلال قبل أن يحرم) .
827-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن رَبيعَةَ بنِ أبي عَبْدِ الرَّحمنِ، عن سُلَيمانَ بنِ يَسَارٍ:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا رافع مَوْلاهُ ورَجُلَيْنِ من الأنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة (هذا الحديث كسابقه لا يزيد عليه إلا أن المبعوث مع رافع كان رجلين لا رجلا واحدا كما في سابقه) .
828-
(أخبرنا) : سَعِيدُ بنُ مَسْلَمَةَ، عن إسْماعيلَ بنِ أُمَيْةَ، عن سَعيد بنِ المُسَيَّبِ قال:
-وَهِمَ فُلَانَ ما نَكَحَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ إلا وهَو حَلَالٌ
⦗ص: 318⦘
(لم يصرح سعيد بن المسيب بإسم الواهم في هذا الحديث بل قال: فلان وكذلك لم يصرح به في الحديث الذي يلي هذا بل قال وهم الذي روى أن رسول اللَّه نكح ميمونة وهو محرم وإنما فعل ذلك إجلالا لابن عباس وتأدبا معه إذ هو من أكبر فقهاء الأمة وعلمائها وأجل الصحابة وهو ابن عم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم نعم إن الحق فوق كل إنسان ولكن ينبغي إقراره في أدب ورفق وحياء ولطف وابن عباس وإن كان على ما وصفنا من العظمة وأجل فإن هذا لا يمنع أن يتسرب إليه الوهم والزلل فإن العصمة للَّه أو لرسوله جل من لا يسهو أو ينسى وقد صرح بإسم ابن عباس في روايات أخرى ففي التاج الجامع للأصول عن ابن عباس قال تزوج النبي ميمونة وهو محرم رواه الخمسة وقال سعيد بن المسيب وهم «كعلم» ابن عباس في ذلك لإنفراده به عن رواة الحديث الذين منهم أبو رافع وميمونة نفسها فقد قالت رضي الله عنها: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف كتف) .
829-
(أخبرنا) : سَعِيدُ بنُ مَسْلَمَةَ، عن إسْماعيلَ بنِ أُمَيْةَ، عن سَعيد بنِ المُسَيَّبِ قال:
-أوَهَمَ الذي رَوَى أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وهُوَ مَحْرِمٌ مَا نَكَحَها إلا وهَو حَلَالٌ (أوهم: في الحديث السابق وهم وفي اللسان وهمت بالكسر غلطت وأوهمت أسقطت وعن ابن الأعرابي وشمر وهم وأوهم بمعنى وفي المصباح وهمت بالكسر غلطت ويتعدى بالهمزة والتضعيف أي فيقال أوهمته أي أوقعته في الوهم وهو الغلط وعلى ذلك يكون أوهم التي في الحديث إما بمعنى غلط فهي ووهم سواء في المعنى كما في اللسان وفي المصباح أيضا لأنه قال وقد يستعمل المهموز لازما أو تكون بمعنى غلط غيره وأوقعه في الوهم والخلاصة أن هذا الفعل إما لازم أومتعد ومفعوله محذوف تقديره أوهم الناس والمعنى غلط الذي روى إلخ أو أوقع الناس في الغلط) .
830-
(أخبرنا) : سُفيانُ، عن عَمْرو، عن مُحمدِ بنِ يَزِيدَ بنِ الأصَمّ وهُوَ ابنُ أُخْتِ مَيْمُونَةَ:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وهُوَ حَلَالٌ.
831-
(أخبرنا) : سُفيانُ، عن عَمْرو بنِ دينارٍ، عن ابنِ شِهابٍ أخبرني: يَزِيدَ بنِ الأصَمّ:
-أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وهُوَ حَلَالٌ قال عَمْروٌ فقلتُ لإبن شِهابٍ: أتَجْعَلُ يَزِيدَ بنِ الأصَمِّ إلى ابنِ عَبّاسٍ (أتجعل يزيد بن الأصم إلى ابن عباس أي اتقرنه به وتجعلهما في منزلة واحدة من الصدق والثقة ولو كان الأمر مقصورا على ابن الأصم في هذه المسألة لكان لهذا الإعتراض محله وفائدته ولكن الرواة متضافرون والأحاديث متكاثرة على أنه صلى الله عليه وسلم وتزوجها وهو حلال) .
832-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع:
-أنّ ابنَ عُمَرَ كان يكرهُ لُبْس المِنطَقَةِ للمُحْرِم
⦗ص: 319⦘
(المنطقة كمكنسة: ما شد به الوسط وقال الفيومي هي إسم لما يسميه الناس الحياصة ومعناه أن الإحتزام في الإحرام مكروه عند ابن عمروتقدم من الأحاديث ما يؤيد هذا) .
833-
سُفْيانُ، عن عمرو بنِ دينارٍ، عن عَطَاءٍ وطاوسٍ أحدهما أو كليهما، عن ابن عباسٍ:
-أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهُو مُحْرِمٌ (الحجم في اللغة المص يقال حجم الصبي ثدي أمه إذا مصه ويقال للحاجم حجام لإمتصاصه فم المحجمة كمكنسة وتحذف هاؤها وهما أداة الحجامة ككتابة وهي صنعة الحجام وحجمه من باب قتل شرطه فالحجم يطلق بمعنيين المص والشرط واحتجم: طلب الحجامة وأخذ الدم بالمص أو الشرط وظاهر الحديث أن الإحتجام مباح للمحرم ولا شئ عليه فيهوفي الحديث الآتي قيد إباحته بالإضطرار إليه كأن يكون به مرض يتوقف شفاؤه عليه فإن كان لغير ضرورة ورافقها قطع شعرفهي حرام وإن لم يصاحبها قطع شعر بأن كانت في موضع لا شعر فيه فجائزة عند الشافعية والجمهور ولا فدية فيها وكرهها مالك وابن عمر وعن الحسن البصري فيها فدية) .
834-
(أخبرنا) : مالك، عن نافع، عن ابن عمر:
-أنه كان يقول لا يَحتجِمُ المُحْرِمُ إلا أنْ يُضْطَرَّ إليه مِمَّا لا بَدَ لَهُ مِنْهُ قال مالكٌ: مِثْلَ ذلك.
835-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن نافع، عن ابن عُمر:
-أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: خَمْسٌ من الدَّواب لَيْسَ على المُسلم المُحْرِم في قَتْلِهنَ جُنَاحٌ الْعَقْرَبُ والغُرابُ والْحِدَأةُ والفَأرَةُ والكَلْبُ العَقورُ
⦗ص: 320⦘
(وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا (مصابيح) وقد غاير هذا سابقه في ذكر الحية مكان العقرب وزيادة كلمة فواسق وزيادة وصف الغراب بأنه أبقع وزيادة في الحل والحرم والدابة إسم لمأدب من الحيوان مميزا أو غيرمميز وغلب هذا الإسم على ما يركب وتقع على الذكر والأنثى فيقال قرب ذلك الدابة واختصاصه بالمركوب عرف طارئ وليس مرادا في الحديث بل المراد لامعنى وهو العام والجناح بالضم الأثم وهو الذنب أي ليس في قتلهن ذنب بينهما فقال: الغراب وقيده في الرواية الأخرى بالأبقع وهو ما فيه سواد وبياض أو في صدره دون باقي جسمه بياض وهو أخبث ما يكون من الغربان وذلك لأنه يختطف الطيور من أعشاشها ويشارك الحدأة في إجرامها أما غراب الزرع فليس مؤذيا ولا يتعدى ضرره الزرع الذي يقتات منه كالحمام والقطا والعصافير وهذه لا يحل صيدها في الإحرام والعقور من العقر وهو الجرح صيغة مبالغة أي كثير الإعتداء على الحيوان وجرحه والأصل أن المحرم محظورعليه الصيد وقتل الحيوان لقوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما" ولما خشي الرسول أن يظن الناس شمول ذلك كل حيوان نبههم إلى أن هناك من الحيوان ما لا حرج في قتله في الإحرام وعد هذه الخمسة وليست هي كل ما يباح قتله بل تشمل الإباحة غيرها من كل ما يشاكلها في الإيذاء ويوافقها في الأضرار بالناس فالعلة في الإباحة هي الإذياء والأصناف التي عدها الرسول ليست إلا أمثلة لأنواع الحيوان المؤذي فنبه بالغراب والحدأة على كل ما له مخلب قوي جارح ونبه بالعقرب أوالحية على كل حشرة سامة ونبه بالكلب العقور على كل ما له ناب قوي كالأسد والفهد والنمر والذئب وما أشبهها قال سفيان بن عيينة الكلب العقور كل سبع يعقر وسميت هذه الخمسة فواسق مجازا لأن الفاسق في الأصل الخارج عن الطاعة وهذه لإيذائها سميت كذلك ولهذا أبيح قتلها في الحل والحرم بل طلب) .
836-
(أخبرنا) : سُفيانُ، عن عَمْرو بنِ دينارٍ، عن ابن أبي عُمَارَةَ قال:
-رَأيتُ ابن عمر يَرْمي غُرابا بالبَيْداء وهو مُحْرِم
⦗ص: 321⦘
(الغراب هنا مطلق فيحمل على الأبقع لما ذكرنا في الحديث السابق وقد عرفنا أن علة الإباحة هي الإيذاء والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما فالذي يحل رميه في الحرم المؤذي دون غيره وهذا الذي تبادر إلى ذهني من فهم الحديث في علة هذا الحكم هو مذهب مالك وعند الشافعية علة هذا الحكم ككون الحيوان غير مأكول فكل حيوان غيرمأكول يجوز قتله في الحل والحرم لأنه فضلا عن كونه غير نافع ضار لأنه يزاحم الإنسان في رزقه أو يهدد حياته وقد يعجب القارئ من هذا ويسأل أتكتفي الشريعة بإزاء هذه الفواسق بإباحة القتل ولا توجب ذلك على أهلها اتقاء خطر محقق وشر مستطير إذا تركت هذه الفواسق تتكاثر وتنمو والجواب أن الشريعة لم تغفل هذا ولم تقف في حكمها بإذائه عند حد الإباحة بل ندبت إلى قتل بعضها وأوجبت قتل باقيها وذلك لتفاوت أضرارها قوة وضعفاً فأما الحيات فإنها بلا شك أقل خطرا من الحيوان المفترس كالنمر والذئب والسبع لذا اختلف الحكم فكان الندب بإزاء الحيات والغربان والوجوب بإزاء الحيوان المفترس وإنما يجب قتله على القادر على ذلك إذا لم يعرض حياته للخطر ومن البين أن الناس إذا تواكلوا في هذا الأمر وأحال بعضهم على بعض تعرض الجميع للخطر ولهذا كان متبادرا إلى ذهني أن قتلها ومنع أذاها واجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإلا أثم الجميع والذي يجعلني مطمئنا لهذا الحكم قبل أن أعثر على نصه أن المحارب يجب على المسلم قتله متى ظفر به لعداوته وتوقع شره ولذا قال تعالى «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» والحيوان المفترس عدو الإنسانية جمعاء فهو أولى بهذا الحكم من المحاربين ووجه التفرقة بين الحيات وغيرها أنها ليست محققة الإيذاء فمنها ما لا سم فيها ومنها ما يخاف من الإنسان ويولي الأدبار ومنها الحية الرقطاء والأفعى التي تهاجم الإنسان ولهذا النوع حكم الحيوان المفرس ووجوب القتل وقد عثرت بعد طول البحث على ندب قتل الحيات في شرح النووي على مسلم ووجوب قتل الحيوان المفترس في حياة الحيوان نقلا عن الرافعي وإن كان قد ذكر عنه قولا آخر بالاستحباب وللَّه الحمد على توفيقه اهـ حامد) .
837-
(أخبرنا) : مُسْلمُ وسَعيدُ بنُ سالم، عن ابن جُرَيج وأخبرني: مالكٌ، عن أبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللَّه التَّيْمِيّ، عن نافِعٍ مَوْلى أبي قَتَادَةَ، عن أبي قتادة الأنصاريِّ:
-أَنَّه كان مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بِبَعض طُرُقِ مَكّة تَخَلَّفَ مَعَ أصحابٍ له مُحْرِمِينَ وهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَاراً وَحْشِياً فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ وسَألَ أنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَألهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَ رُمْحَهُ فَشَدَّ عَلَى الحِمارِ فَقَتَلَهُ فَأكَلَ منهُ بعضُ أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبى بعضُهُم فلما أَدْرَكُوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم سَألُوهُ عن ذلكَ فقال: "إنما هِيَ طُعْمَةٌ أطْعَمَكُمُوها اللَّهُ (استوى على فرسه: أي علاه وركبه تقول استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته واستوى على ظهر دابته أي استقر وشد على الحمار: حمل يقال شد على العدو من باب نصر وضرب شدا وشدودا حمل وأبى بعضهم: امتنع وطعمة كغرفة وجمعها كجمعها المأكلة يقال جعل السلطان ناحية كذا طعمة لفلان أي مأكلة له أي هي رزق وطعام رزقكم اللَّه إياه فلا جناح عليكم في أكله وفهم من الحديث أولا حل أكل الحمر الوحشية أما الأهلية فلا يحل أكلها وظاهر الحديث حل أكله للمحرم متى صاده حلال سواء أصاده لنفسه أم للمحرم وحديث الصعب بن جثامة الآتي يفيد تحريم أكله مطلقاً على المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ويؤيده الآية: «وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما» والصيد هو المصيد وحديث جابر ففصل فقال: هو الحلال ما لم تصيدوه أويصد لكم فقيد السابق واللاحق وقيد حديث قتادة المبيح بألا يكون مصيدا لهم وقيد حديث صعب المانع بأن المنع مقيد بأنه مصيد لهم: والخلاصة أن العلماء اتفقوا على أنه يحرم على المحرم صيد البر لقوله تعالى "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وأما لحم الصيد فاتفقوا أيضا على منع أكله أن أعان على صيده وإن لم يعن على صيده ولكن صيد له سواء أكان ذلك بإذنه أو بغير إذنه فالجمهور على منع أكله أيضا وبذلك أخذ الشافعي ومالك وأحمد وداود وخالفهم أبو حنيفة فأباح أكله وشذت طائفة فقالت لا يحل له لحم الصيد أصلا وإن صاده غيره ولم يعن عليه حكى عن علي وابن عمر وابن عباس لقوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما «فقد فهموا من الصيد المصيد ولظاهر حديث صعب ابن جثامة فإن النبي رده وعلل الرد؟؟ محرم ولم يقل لأنك صدته لنا واحتج الجمهور بحديث أبي قتادة وبحديث جابر الآتي بعد حديث أبي قتادة وفي حديث جابر تفصيل يقيد ما بعده وما قبله فيحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده وحديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده ويحمل الصيد في الآية على المصدر لا على المصيد وعلى لحم ما صيد للمحرم) تعالى» .
838-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عن أبي قَتَادَةَ:
-في الحِمارِ الوحْشِي مثل حديث أبي النَّضْرِ.
839-
(أخبرنا) : إبراهيمُ بنُ محمد، عن عَمْرو بن أبي عمرو، عن المطَّلبِ ابن حَنْطَب، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّه:
-أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لحمُ
⦗ص: 323⦘
الصَّيْدِ لكم في الإحرام حَلَالٌ ما لم تَصيدُوه أو يُصَادَ لكم (أو يصاد لكم هكذا روى بإهمال الحازم كما في قول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمى*وفي كتاب التاج أو يصد بالجزم عطفا على ما قبله وهو الراجح إعرابا) ".
840-
(أخبرنا) : مَنْ سَمِعَ سُليمانَ بْنَ بِلالٍ يُحَدِّثُ، عن عَمْرو بن أبي عمرو:
-بهذا الإسْنادِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا.
841-
(أخبرنا) : عَبْدُ العزيزِ بْنُ مُحَمد الدَّرَاوَرْدِي، عن عَمْرو بن أبي عمرو، عن رجُلٍ من بني سَلَمَةَ مع ابن أبي يحي، عن جابر:
-عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا.
قال الشافعيُّ: وابنُ أبي يَحْي أحْفَظُ من الدَّرَاوَرْدِي وسُليمَانُ مَعَ ابن أبي يَحْي.
842-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن الزُّهْريّ، عن عُبَيْدِ اللَّه، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن الصَّعْبِ بنِ جَثَّامةَ:
-أنَّهُ أهْدَى لِرسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَاراً وَحْشِياً وهو بالأبواء أو بِوَدَّان فردَّه عليْه رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلما رَأى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلا أنا حُرُمٌ
⦗ص: 324⦘
(الصعب بن جثامة بفتح الجيم وتشديد الثاء والأبواء بفتح الهمزة وإسكان الباء: منزل بين مكة والمدينة قريب من الجحفة وودان على وزن فعلان بفتح الفاء: قرية من الفرع بوزن عمر بقرب الأبواء من جهة مكة قال النووي: وهما أي الأبواء وودان قريتان من أعمال الفرع بين مكة والمدينة وقوله لما رأى رسول الله ما في وجهي وفي رواية مصابيح السنة فلما رأى ما في وجهي من التغير لرفض هديته قال إنا لم نرده بفتح الدال المشددة المجزومة كما رواه المحدثون وهو غلط من الرواة صوابه ضم الدال كما تقضي بذلك قواعد اللغة العربية وقوله أنا حرم بفتح الهمزة لأنه على تقدير لام الجر أي لأنا حرم بضمتين جمع حرام أي محرمون والناظر في هذا الحديث يرى في كلام الرسول أدباً رفيعاً وشعورا كريماً فإن الرسول تدارك بمروءته ما أحدثه رد الهدية من تألم المهدي فخخف عنه وقع هذا الرد بهذا الإعتذار الجميل الذي مرده إلى الشرع وكأنه يقول إنما رددنا هديتك لإحرامنا المانع من قبولها ولولا ذلك لقبلناها وإن لنا في هذا الأدب لقدوة حسنة فإذا رددنا هدية وجب أن نجمل في الرد وأن نتلطف في الإعتذار) ".
843-
(أخبرنا) : مالكٌ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبدِ الله بن عامر ابنِ ربيعَةَ قال:
-رأيتُ عُثْمانَ بنَ عفانَ بالعَرْج في يوم صَائفٍ وهو مُحْرِمٌ وقد غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَة أُرْجُوانٍ ثُمَّ أُتِيَ بلحم صَيْدٍ فقال لأصحابه: كلوا قالوا: لا حتى تَأْكُلَ أنْتَ قال: إني لسْتُ كَهَيئتكم إنما صِيد من أجْلي
⦗ص: 325⦘
(العرج بوزن فلس موضع بطريق المدينة كما في المصباح وفي القاموس منزل بطريق مكة وفي النهاية قرية جامعة على أيام من المدينة وفي معجم البلدان مثل ذلك وزاد على ابن الأثير وصاحب القاموس أنه ينسب إليها العرجى الشاعر عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان والصائف من الأيام: الحار ويقال صيف صائف على التوكيد كقولهم ليل لائل والقطيفة: كساء له خمل والأرجوان بضم الهمزة والجيم: الأحمر وقيل صبغ أحمر شديد الحمرة وحكى السيرافي أحمر أرجوان على المبالغة كقولهم أحمر قاني وقال أبو عبيدة الأرجوان الشديد الحمرة ويصح أن يكون أرجوان صفة لف؟؟ وأن يكون مضافا إليه وهذا هو الأكثر في كلامهم ويوصف به المذكر والمؤنث يقال ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان كما معنا وقوله لست كهيئتكم أي لست كمثلكم ولا حالي كحالكم ولا حكمي كحكمكم والهيئة الحالة والصفة التي عليها الإنسان وفي الحديث أمران الأول أنه إنما امتنع من الأكل لأنه صيد لأجله فأيد هذا رأي الجمهور وهو أنه لا يباح الأكل من الصيد إن صاده أو صيد له والآخر جواز تغطية المحرم وجهه ولعل فعل ذلك دفعا لأذى الحر) .
844-
(أخبرنا) : ابنُ عيينة عن ابن أبي نُجَيْحٍ قال:
-سمعتُ ميمون بن مَهْرانَ قال: كنت عند ابن عباس وسأله رجلٌ فقال أخذت قملة فألقيتُها ثم طلبتُها فلم أجدْها فقال ابن عباس تلك ضالَّةٌ لا تُبْتَغَى.
845-
(أخبرنا) : سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن ابن أبي نُجَيْحٍ قال:
-سمعتُ ميمون ابن مهران قال: جَلَسْتُ إلى ابنِ عباسٍ فجلس إليه رجلٌ لم أرَ رَجُلاً أطْوَلَ شَعْراً منه فقال: أحْرَمْتُ وَعَلَيَّ هذا الشَّعْرُ فقال ابنُ عباسٍ: اشْتَمِلْ عَلَى ما دُونَ الأُذَنيْن منه قال: قَبَّلْتُ امرأة لَيْسَتْ امرأتي قال زنَى فوكَ قال: رأيت قملةً فَطَرَحْتُهَا قال: الضالَّةُ لا تُبْتَغَى (اشتمل على مادون الأذنين أي تلقف على الشعر من تحت الأذنين واربطه بمنديل ونحوه منعا لإنتشاره وفي؟؟ اشتمل إلخ أي استبق منه ما تحت الأذنين فتأمل وقوله تلك الضالة لا تبتغي أي لا تطلب ولا تسترد وأفاد هذا أنه لا شئ عليه في رميها) .
846-
(أخبرنا) : مُسْلِمٌ وسَعيدٌ، عن ابن جُرَيج، عن بُكَيْرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن القاسم، عن ابن عباس:
-أنَّ رَجُلاً سَأله عن مُحْرِمٍ أصاب جَرَادةً فقال: يتصدَّقُ بِقُبْضَةٍ من طعام وقال ابنُ عباسٍ: ولَيأخُذَنَّ بِقُبْضَةٍ جَرَادَاتٍ ولكن على ذلك رأيي
⦗ص: 326⦘
(القبضة بالضم المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف وقوله ولكن على ذلك رأيي يريد أن يقول إن الجرادة دون القبضة من الطعام بدليل قوله وليأخذن بقبضة جرادات ولكن أرى أن يكون ذلك جزاءها وإن كان أكثر منها وأوفى ومقتضى هذا الحديث وما يليه من إيجاب الجزاء على صائد الجراد وهو محرم إنه من صيد البر لأنه لو كان من صيد البحر ما وجب فيه جزاء لقوله تعالى «أحل لكم صيد البحر وطعامه» الآية واختلف أصحاب الشافعي في ذلك والصحيح أنه برى لما ذكرنا وبه قال عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وهو قول أهل العلم كافة إلا أبا سعيد الخدري فإنه قال لا جزاء فيه لأنه من صيد البحر لحديث أبي المهزم أصبنا رجلا من جراد فكان الرجل يضربه بسوطه وهو محرم فذكر ذلك للنبي فقال «إنما هو من صيد البحر» واتفقوا على ضعفه لضعف راويه أبي المهزم وحجة الجمهور الأحاديث التي هنا والتي أوجبت الجزاء وهي كثيرة) .
847-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج قال:
-أخبرني بُكَيْرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمعتُ القاسم يقولُ: كُنْتُ جالساً عِنْدَ ابن عباسٍ فَسَأله رجُلٌ عن جَرَادةً وهو مُحْرِمٌ فقال ابنُ عباسٍ: فيها قُبْضَةٌ من طعام لْيأخُذَنَّ بِقُبْضَةٍ من طعام جَرَادَاتٍ ولكنْ ولو.
قال الشافعىُّ: قوله: لْيأخُذَنَّ بِقُبْضَةٍ جَرَادَاتٍ إنَّمَا فيها القِيمَةُ: وقوله: ولو يقُولُ تَحْتَاطُ فَتُخْرِجُ أكْثَرَ مِمَّاعَلَيْكَ بعْدَ ما أعْلَمتكَ أنَّه أكثرُ مِمَّا عَلَيْكَ (هذا الحديث هو السابق بعينه لا يخالفه إلا بتغيير لفظى يسير والسند هو السند غير أن المخبر للشافعى هنا سعيد وحده وفيما سبق مسلم وسعيد عن ابن جريج عن بكيربضم الباء تصغير بكرفقال إبن عباس فيها قبضة بضم القاف: ما قبضت عليه من شئ، يقال أعطاه قبضة من سويق أوتمر أو كفا منه وربما جاء بالفتح وفى بعض الاحاديث فأخذت قبضة من التراب بمعنى المقبوض، كالغرفة بمعنى المغروف، وهى بالضم الاسم، وبالفتح المره. وقال الليث: القبض جمع الكف على الشئ، والقبضة: ما أخذت بجمع كفك كله، فإذاكان بأصابعك فهى القبضة بالصاد المهملة، وآخر الحديث كلمة لو ثم فسر الإمام الشافعى ما يريد بقوله: ولتأخذن بقبضة جردات بأن الواجب فى الجراد القيمه، وقيمة القبضة تساوى جرادات لا جرادة واحدة، ولكن هكذا أرى أن تدفع ولو كان ذلك أكثر مما يجب عليك احتياطا فى إخراج الجزاء) .
848-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج عن يُوسُفَ بنِ مَاهَك:
-أنَّ عبدَ اللَّهِ ابنَ عَمَّارٍ أخبرهُ أنَّه أَقْبلَ مع مُعاذِ بنِ جَبَلٍ وكَعْبِ الأحْبَارِ (كعب الأحبار: هو كعب ابن الحميري من مسلمة أهل الكتاب ويصطلي: يستدفئ والرجل من الجراد بالكسر: الطائفة منه وخص بعضهم به القطعة العظيمة من الجراد وجمعه أرجال وقوله قال عمر ومن ذلك أي من الذي أخذ الجرادتين ثم رماهما حين ذكر إحرامه ثم حدس أنه هو الفاعل فقال لعلك بذلك أي لعلك القائم بذلك فصدق كعب استظهاره فقال عم رإن حمير تحب الجراد أي أنك أنت الفاعل لأنك حميري وحمير معروفة بحب الجراد ثم سأله عما قدر في نفسه من الجزاء ووافقه عليه لأنه كاف ويزيد وظاهر الحديث أن الجراد من صيد البر ولذا يحرم صيده على المحرم كغيره من الطيور والحيوان وأن في صيده الفدية وإن لم يأكله وبخ تفرد وتكرر وتسكن وتنون وإذا تكررت نونتا أو سكنتا أو نونت الأولى وسكنت الثانية وهي تقال عند الإعجاب بالشئ والرضا به وعند التعظيم والمدح) في
⦗ص: 327⦘
أُناَسٍ مُحْرِمِينَ منْ بَيْتِ المقْدِسِ بَعُمْرةٍ حتى إذا كنَّا بِبعْضِ الطَّرِيقِ وكعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلي مَرَّتْ به رِجْلٌ من جَرَادٍ فأخَذَ جَرَادَتَيْن يَحْمِلْهُما ونَسي إحرامهُ ثم ذكر إحرامه فألقَاهُمَا فلما قَدِمْنَا المدِينَةَ دَخَلَ القومُ على عُمَرَ رضي الله عنه ودخلتْ مَعَهُمْ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الجَرَادَتَيْن عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه قال عُمَرَ: ما جَعَلْتَ في نَفْسِكَ قال: دِرْهَمَيْنِ قال بخ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ من مِائةِ جَرَادةٍ اجعل ما جَعَلْتَ في نَفْسِكَ.
849-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج قال:
- سمعتُ عَطاءً يقولُ سُئل ابنُ عباسٍ عن صيدِ الجرَادِ في الحَرَمِ فقال: لا ونَهَى عنهُ قال إنما قُلْتُ له: أو رجُلٌ من القوم فَإنَّ قَومَكَ يَأْخُذُونَهُ وَهُمْ في المسجد فقال: لا يَعْلَمون
⦗ص: 328⦘
(هذا الحديث يؤيد ما قبله في أن الجراد من صيد البر المنهي عن التعرض له وعن أكله في الإحرام ولما راجع عطاء بن عباس في هذا الحكم بقوله له: إن قومك يصيدونه وهم محتبون في المسجد أجاب بأنهم لا يعلمون الحكم ولو علموه لكفوا عن صيده ويؤيد هذا ما رواه ابن الأثير في النهاية عن ابن عباس أنه دخل مكة رجل من جراد فجعل غلمان مكة يأخذون منه فقال: أما إنهم لو علموا لم يأخذوه) .
850-
(أخبرنا) : مُسْلمُ، عن ابن جُرَيج، عن عَطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ:
-مِثْلَهُ إلا أنه قال محتبون.
قال الشافعىُّ رضي الله عنه: ومُسْلِمٌ: أصوَبُهُما ورواهُ الحفَّاظُ عن ابن جُرَيج (وهم) مُنْحَنُون (وهو أفصح)(الرواية الأولى محتبون من الإحتباء وهو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليهما وقد يكون الإحتباء باليدين عوض الثوب والحبوة بالكسر والضم: إسم من الإحتباء وهو ضم الساقين إلى الظهر بثوب أو حبل أو باليدين ليكون المستند إلى شئ والرواية الثانية: منحنون من الإنحناء وهو الإنعطاف تقول حنيت العود أحنيه حنياً وحنوته أحنوه حنوا: ثنيته ويقال للرجل إذا انحنى من الكبر حناه الدهر فهو محني ومحنو والفرق بين الروايتين في المعنى واضح وهو أنهم على رواية الإحتباء كانوا يصيدون الجراد جالسين في المسجد وعلى رواية: منحنون كانوا يصيدونه قياماً يسعون وراءه وإنما ينحنون لقربه من الأرض في طيرانه وجاء في النسخة التي نقلناها عنا زيادة وهو أفصح في آخر الحديث ولم أفهم لها معنى لأن الكلمتين فصيحتان وليست إحداهما أفصح من الأخرى وقد بحثت فلم أجد هذه الزيادة في نسخة؟؟ ولا في النسخة المطبوعة واللَّه أعلم) .
851-
(أخبرنا) : سَعيدُ بنُ سالم، عن سَعيد بن بَشِيرٍ، عن قَتَادَةَ، عن عُبيد اللَّه بن الحُصَيْنِ، عن أبي موسى الأشعريّ:
-أنَّه قال في بَيْضَةِ النَّعامَةِ: يُصِبها المُحرِمُ صَوْمُ يَوْمٍ أوْ إطعام مِسْكِينٍ
⦗ص: 329⦘
(ظاهر الحديث أن هذا مذهب الشافعي ولكني رأيت الدميري وهو شافعي يحكي عن الشافعية غير هذا قال: واختلفوا في بيض النعام إذا أتلفه المحرم أو في الحرم فقال الشعبي والنخعي والزهري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي تجب فيه القيمة وقال أبو عبيدة وأبو موسى الأشعري: يجب فيه صيام يوم أو إطعام مسكين وقال مالك يجب فيه عشر ثمن البدنة كما في جنين الحرة غرة من عبد أو أمة قيمة عشر دية الأم ودليلنا أنه جزء من الصيد لا مثل له من النعم فوجبت قيمته كسائر المتلفات اهـ فتأمل) .
852-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن سَعيدِ بنِ بشيرٍ، عن قَتَادَةَ، عن أبي عُبَيْدَةَ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ:
-مِثْلَه.
853-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج، عن عَطاءٍ:
-أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: في الضَّبُعِ كَبْشٌ (ظاهر أنه يحل أكل الضبع وقد حكى الدميري في حياة الحيوان أقوال الأئمة في ذلك قال وحكمها حل الأكل قال الشافعي: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع فما قويت أنيابه فعذابها على الحيوان طالبا غير مطلوب يكون عداؤه بأنيابه علة تحريم أكله، والضبع لا يغتذى بالعدوى، وقد يعيش بغير أنيابه وبحلها قال الإمام أحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الحديث، وقال: مالك يكره أهلها والمكروه عنده: ما أثم آكله ولا يقطع بتحريمه وقال أبو حنيفة الضبع حرام وهو قول سعيد بن المسيب والثوري محتجين بأنه حيوان ذو ناب وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع واحتج الشافعي بما روى عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضبع وبه قال ابن عباس وعطاء والأحاديث التي معنا هنا في الضبع كلها مؤيدة لمذهب الشافعي قال الشافعي: وما زال لحم الضبع يباع بين الصفا والمروة من غير نكير وأما ما ذكروه من حديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع فمحمول على ما إذا كان يتقوى بنابه بدليل أن الأرنب حلال مع أن له ناباً ولكنه ضعيف لا يعدو به اهـ أقول: وهذا لا يتفق مع المعروف من طبائع الضبع وقرمها الشديد للحم وذبحها للإنسان وهو نائم ونبشها للمقابر وعيثها في الغنم أشد من عيث الذئب كما ذكر الدميري نفسه والكبش هو فحل الغنم في أي سن كان وقيل إذا أثنى وقيل إذا أربع ومعنى أثنى ألقى ثنيته وإنما يكون ذلك في الثالثة من عمره وأربع ألقى رباعيته وذلك إنما يكون في سنته الرابعة) .
854-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج، عن عَطاءٍ، عن عِكرِمَةَ مَوْلَى
⦗ص: 330⦘
ابن عباس يَقُولُ:
-أُنْزَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ضَبُعاً صَيْداً وقضى فيها كَبْشاً (أنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضبعاً صيدا أي جعل رسول اللَّه إلخ أي جعل الضبع صيداً وقال ابن الأثير في؟؟ : قوله أنزل رسول اللَّه ضبعاً صيداً أي حكم وفرض فيما حكم به وافترضه أن الضبع صيد وأن فيه كبشاً والذي ذهب إليه الشافعي أن من قتل ضبعاً وهو محرم أو كان في الحرم فإن عليه أن يذبح كبشاً وروى ذلك عن عثمان وعلي وعبد الرحمن وابن عباس وزيد بن ثابت وابن الزبير وقال الشافعي
وأحمد الضبع تؤكل وقال أبو حنيفة لا يجوز أكلها اهـ وقوله وقضى فيها كبشاً أي حكم فيها بكبش وحتم ذلك ففي اللسان ثم قضى أجلا معناه ثم حتم ذاك والقضاء الحتم والأمر وقضى أي حكم (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) أي أمر وحتم) .
855-
(أخبرنا) : مُسلمُ بنُ خالدٍ عن ابن جُرَيج، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عُبيدٍ ابنِ عُمَيْرٍ، عن ابن أبي عَمَّارٍ قال:
-سَألتُ جابرَ بنَ عبدِ الله عن الضَّبُع أَصَيْدٌ هي؟ فقال: نعمْ فقلتُ أتُؤكَلُ؟ فقال: نعمْ فقلتُ: سَمِعْتُهُ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
856-
(أخبرنا) : مالكُ وسُفيانُ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جابرٍ:
-أنَّ عُمَرَ بن الخطاب قَضَى في الأرنب بَعنَاق وأنَّ عُمَرَ قَضَى في اليَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ (العناق كسحاب الأنثى من أولاد المعز قبل أن تستكمل السنة واليربوع بفتح فسكون دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يديه عكس الزرافة والجفرة بفتح فسكون الأنثى من أولاد المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها وأخذت في الرعي والذكر جفر) .
857-
(أخبرنا) : مالكٌ، أنَّ أبا الزُّبَيْرِ حدَّثه عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ:
-أنَّ عُمَرَ
⦗ص: 331⦘
بن الخطاب قَضَى في الضَّبْعِ بكبْشِ وفي الغَزَالِ بِعَنْزٍ وفي الأرنب بِعَنَاقٍ وفي اليَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ (العنز بفتح فسكون: الأنثى من المعز إذا أتى عليها حول قال الجوهري: والعنز الأنثى من الظباء والأوعل وهي الماعزة أما العناق والجفرة فتقدم الكلام عليهما في الحديث السابق) .
858-
(أخبرنا) : سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن عبدِ الكريم الجزَرِيّ، عن عُبَيْدَةَ بنِ عبدِ اللَّهِ، عن ابنِ مَسْعُودٍ، عن أبيه:
-أنَّهُ قَضَى في اليَرْبُوعِ بِجَفْرٍ أو جَفْرَةٍ.
859-
(أخبرنا) : سُفْيانُ، عن مُطْرّف بنِ طَرِيفٍ، عن أبي السَّفر:
-أنَّ عُثمان بن عفَّانَ رضي الله عنه قَضَى في أُمِّ حُبيْن بِحُلاّن من الغنم
⦗ص: 332⦘
(أم حبين بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة: دوبية مثل ابن عرس وابن آوى وربما دخلتها آل من الحبن وهو كبر البطن وهو على خلقة الحرباء ما عدا الصدر وقيل هي أنثى الحرابي وهي على قدر الكف تشبه الضب غالباً وقال ابن قتيبة أم حبين تستقبل الشمس وتدور معها كيف دارت وهذه صفة الحرباء وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رأى بلالا قد خرج بطنه فقال أم حبين تشبيها له بها وهذا من مزحه صلى الله عليه وسلم والحلالان والحلام بوزن تفاح: الجدي يشق بطن أمه ويخرج والحلالان الجدي الصغير لا يصلح للنسك ولا للذبح وقال الأصمعي صغار الغنم وقال اللحياني الحمل الصغير يعني الخروف وقال الأصمعي: ولد المعزى حلام وحلان وقال الأعرابي الحلام والحلان واحد وهو ما يولد من الغنم صغيراً وهو الذي يخطون على أذنه خطا فيقولون ذكيناه فإن مات أكلوه قال أبوسعيد ذكر أن أهل الجاهلية إذا ولدوا شاة عمدوا إلى السخلة فشرطوا أذنها وقالوا وهم يشرطون حلان حلان أي حلال بهذا الشرط أن تؤكل لإغن ماتت كان ذكاتها عندهم ذلك الشرط وقال أبو عبيدة: إن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولد له جدي حز في أذنه حزا وقال اللهم إن عاش فقني وإن مات فذكي فإن عاش فهو الذي أراد وإن مات قال قد ذكيته بالحز فاستجاز أكله بذلك والحديث دليل على حل أكل أم حبين عند الشافعية لأنها تفدى ولا يفدى عندهم إلا المأكول البري وحكى الماوردي فيها وجهين وقال إن الحل مقتضي قول الشافعي ومقتضى ماقاله ابن الأثير في المرصع أنها حرام) .
860-
ابنُ عُيَيْنةَ أخبرنا: مُخَارِقٌ عن طارِق بن شِهاب قال:
-خرجنا حُجّاجاً فأَوْطَأ رجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ ارْبَدٌ ضَبَّاً فَفَرَزَ ظَهرهُ فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَسَأله ارْبَد فقال عُمَرُ: احْكُمْ يا أرْبَدُ فيهِ فقال: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يا أمِيرَ المؤمنينَ وأعْلمُ فقال: عمر بن الخطاب: إنّمَا أمَرْتُكَ أنْ تَحْكُمَ فيه ولم آمُرْكَ تُزَكِّينِي فقال أرْبَدُ: أرَى فيه جَدْياً قد جَمَعَ الماءَ والشَّجَر فقال عُمَرُ: فذلك فيه (أوطأ رجل منا ضبا أي حمل عليه فرسه فوطئه والأصل الوطء وهو الدوس يقال: وطئه برجله أي داسه وأوطأه فرسه أي جعل فرسه يطؤه فوطئ يتعدى إلى واحد وأوطأ يتعدى إلى اثنين فكأن التقدير أوطأ رجل منا فرسه ضبا فحذف أحد المفعولين ففرز بفاء فزاي ظهره أي شقه وبابه نصر والذي في النهاية ونقله صاحب اللسان وفي حديث طارق بن شهاب: خرجنا حجاجاً فأوطأ رجل راحلته ظبيا ففرز ظهره أي شقه وفسخه هذا والضب والحرباء والوزغ كلها متناسبة في الخلق وقيل هو دوبية في شكل فرخ التمساح الصغير وذنبه كذنبه وهو يتلون تلون الحرباء والحديث يدل على إباحة أكله وفي مسلم أن النبي قال فيه لست بآكله ولا محرمه وفي روايات لا آكله ولا أحرمه وفي رواية قال كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي وفي رواية فرفع يده منه فقيل أحرام هو يا رسول اللَّه قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وأجمع المسلمون على أنه حلال غير مكروه إلا ما حكى عن أبي حنيفة من كراهته وقوله جمع الماء والشجر أي فصل عن أمه وصار يأكل من نبات الأرض ويشرب وتزكيني مرفوع لضعف العامل محذوفا) .
861-
(أخبرنا) : سَعيدُ بن سَالم، عن عُمَر بْنَ سَعيد بن أبي حُسَيْنٍ، عن
⦗ص: 333⦘
عبد اللَّه بن كثير الدَّاريّ، عن طَلَحَةَ بنِ أبي حَفْصَةَ، عن نافِعِ بنِ الحارِثِ قال:
-قَدِمَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه مكَّةَ فدخلَ دارَ النَّدْوَة في يوم الجمعَةِ وأراد أن يَسْتَقْرِبَ منها الرَّوَاحَ إلى المسْجِد، فألقَى رِداءَهُ على واقِفٍ في البيتِ فوقع عليه طيرٌ من ذلك الحمامِ فأطارهُ فانتهزَتهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ فلما صَلّى الجمعةَ دخلتُ عليهِ أنَا وعُثمانُ رضي الله عنه فقال: احْكُمَا عَلَيَّ في شئٍ صَنَعْتُهُ اليَوْمَ، إنِّي دَخَلْتُ هذه الدَّارَ وأردْتُ أن أسْتَقْرِبَ منها الرَّوَاحَ إلى المسْجِد، فألقَيتُ رِدائي على الواقِفِ فوقع عليه طيرٌ من هذا الحمامِ فخشيت أن يلطخه بسَلْحهِ فأطرتهُ عنهُ فوقعَ عَلَى ظَهْرِ هذا الواقف الآخر فانتهزَتهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَوَجدْتُ في نفسِي أني أطرتهُ من مَنْزلٍ كانَ فيه آمِناً إلى مَوْقِعَةٍ كانَ فيها حَتْفُهُ فقلْتُ لعثمانَ: كيفَ تَرَى في عَنْزٍ ثَنِيَّةٍ عَفْرَاء تحكم بهاعلى أمير المؤمنين؟ فقال: إني أرَى ذلِكَ، فَأمَرَ بها عُمَرُ رضي الله عنه
⦗ص: 334⦘
(قوله على واقف في البيت لعله يريد جداراً أوسارية أو جذعا وقوله فانتهزته حية أي اغتنمته وبادرته وتناولته من قرب والسلح للطائر كالغائط للإنسان وقيل هو خاص بما رق منه وحتفه: هلاكه وليس له فعل كما ذكر الأزهري والجوهري ونقل ابن القوطية أنه يقال حتفه اللَّه حتفا من باب ضرب: أماته ونقل العدل مقبول والعنز كسهم الأنثى من المعز بفتح الميم والعين المهملة وتسكينها نوع من الغنم خلاف الضأن وهي ذوات الشعور والأذناب القصار والثنية كقضية التي ألقت ثنيتها في السنة الثالثة وعفراء من العفرة كغرفة وهي بياض ليس بالخالص وعفر عفراً من باب تعب إذا كان كذلك وقيل: إذا أشبه لونه لون العفر كقلم وهو التراب فالذكر أعفر والأنثى عفراء اهـ مصباح وفي اللسان العفرة: غبرة في حمرة وماعزة عفراء: خالصة البياض وأرض عفراء: بيضاء والأعفر أبيض وليس بالشديد البياض فإن قيل كيف حكم عليه بالفدية وهو لم يصد ولاقتل والجواب أنه السبب في القتل بإطارته خوف رزقه فلولا إطارته إياه ما تمكنت منه الحية وقتلته وفهم من الحديث: أن للقتل بسبب حكم القتل العمد في إيجاب الفدية غير أن معروف أن فدية الحمامة شاة كما في الحديث الآتي والعنز أقل من الشاة ثمنا في المعتاد فتأمل) .
862-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج، عن عَطاءٍ:
-أنَّ عُثمانَ بنَ عُبَيْدِ اللَّه ابن حميد قَتَلَ ابْنٌ له حَمَامَةً، فجاء ابن عَبَّاسٍ، فقال: ذلك له فقال ابنُ عَبَّاسٍ: تَذْبَحُ شَاةً فَتَصَدَّقُ بها قال ابن جُرَيج: قلتُ لعطاءٍ: أمِنْ حَمَامْ مَكَّةَ؟ قال: نَعَمْ (قوله تذبح شاة فتصدق بها أي تتصدق حذفت إحدى تائيه تخفيفا وقوله: أمن حمام مكة يريد أن هذه الحمامة قتلت في الحرم فقال له نعم إذ المفهوم أنه لا فرق بين حمام مكة وغيره في هذا الحكم مادام الإعتداء عليه في الحرم) .
863-
(أخبرنا) : سُفيانُ عن عمْروبنِ دِينارٍ، عن عَطاءٍ:
-أنَّ غُلاماً مِنْ قرَيْشٍ قَتَلَ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّة، فأمَرَ ابنُ عَبَّاسٍ أنْ يُفْدَى عَنْهُ بِشَاةٍ.
864-
(أخبرنا) : الثقةُ عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ عن زيادٍ مولى بني مَخْزُومٍ، وكان ثقةً:
-أنَّ قوماً حُرُماً أَصَابُوا صيداً فقال لهم ابنُ عُمَرَ: عليكم جَزَاءٌ، فقالوا: عَلَى كُلِّ واحِدٍ منا جَزَاءٌ أو علينا كُلِّنَا جَزَاءٌ واحدٌ؟ فقال ابنُ عُمَرَ: إنه لَمُفْرَّدٌ بكُم بلْ عَلَيْكم كُلِّكم جَزَاءٌ واحِدٌ
⦗ص: 335⦘
(قوله إن قوما حرما بضمتين جمع حرام بالفتح وهو المحرم أصابوا صيداً: أي قتلوه وقوله إنه لمغرربكم: أي أنكم مغرورون جاهلون بما يجب عليكم من الجزاء وظاهر الحديث أن الجماعة إذا اشتركت في قتل صيد فعليهم جميعا جزاء واحد وبه أخذ الشافعي وبه قال عمر وابنه عبد اللَّه وعبد الرحمن بن عوف والزهري وعطا وحماد وأحمد وأبو ثور وقال مالك وأبو حنيفة يجب على كل واحد جزاءكامل وظاهر الآية (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ويؤيد الشافعي ومن معه لأن غير الشافعي أوجب جزاءين أو أكثر وهو ما لم تقل به الآية) .
865-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيج:
- قلْتُ لِعَطاءٍ قَوْل اللَّه تعالى: «ولَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً» قُلْتُ له: فَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيُغْرَّمُ؟ قال: نَعَمْ تُعَظَّمُ بذلك حُرُماتُ اللَّهِ تعالى، ومَضَتْ به السُّنَنُ (الذي ذهب إليه الشافعي أن جزاء الصيد واجب على المتعمد والمخطئ والناسي وبه قال عامة الفقهاء إلا ما حكي عن داود أنه قال: إن كان عمداً وجب الجزاء وإن كان خطأ لم يجب وهو إحدى الروايتين عن أحمد كما ذكرابن الأثير) .
866-
(أخبرنا) : مُسْلمٌ وسَعيدٌ، عن ابن جُرَيج، عن عَمْرو بن دينارٍ قال:
-رأيْتُ النَّاسَ يُغَرَّمُون في الخَطَأِ.
867-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيجٍ قال:
- كان مُجاهدٌ يَقولُ: مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً غَيْرَ نَاسٍ لِحُرْمَةٍ أو أَرَادَ غَيْرَهُ فأخْطَأَ به فذلك العَمْدُ الْمُكَفَّرُ عَلَيْه النَّعَم.
868-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيجٍ قال:
- قلْتُ لِعَطاءٍ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) قال: مِنْ أجْلِ أنَّهُ أصابه فِي حَرَم يُريدُ البيْتَ، أي كفارة ذلك عند البيت
⦗ص: 336⦘
(أول الآية يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا إلخ) حرم بضمتين جمع حرام بمعنى محرم وقوله فجزاء بالرفع أي فعليه جزاء ومثل بالرفع أيضاً صفته أي فعليه جزاء يماثل ما قتل من النعم ونصبهما بعضهم على تقدير فليجز جزاء أو فعليه أن يجزي جزاء يماثل ما قتل من النعم والتعمد أن يقتله ذاكراً لإحرامه عالما أن قتله حرام فإن قتله ناسيا لإحرامه أو رمى صيداً وهو يظن أنه ليس بصيد فإذا هو بصيد أوقصد يرميه غير صيد فعدل السهم عن رميته فأصاب صيداً فهو مخطئ فإن قلت فمحظورات الإحرام يستوي فيها العمد والخطأ فما بال التعمد مشروطا في الآية قلت لأن مورد الآية فيمن تعمد فقد روى أنه عن لهم في عمرة الحديبية حماروحش فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله فنزلت وعن الزهري نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ وعن سعيد بن جبير لا أرى في الخطأ شيئاً آخذا باشتراط العمد في الآية وعن الحسن روايتان والمماثلة في الآية باعتبار الخلقة والهيئة عند مالك والشافعي والقيمة عند أبي حنيفة وقال يقوم الصيد حيث صيد فإن بلغت القيمة ثمن هدي خيربين أن يهدى ما قيمته قيمته وبين أن يشترى بها طعاما ليعطى كل مسكين نصف صاع من برا وصاعا من غيره وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوما وإن لم تبلغ خير بين الإطعام والصوم وعند محمد والشافعي مثله نظيره من النعم فإن لم يوجد له نظير من النعم عدل إلى قول أبي حنيفة فإن قلت فما يصنع من يفسر المثل بالقيمة بقوله من النعم وهوتفسير للمثل وبقوله هديا بالغ الكعبة قلت قد خير من أوجب القيمة بين أن يشتري بها هديا أو طعاما أو يصوم كما خير اللَّه تعالى في الآية فكان قوله من النعم بيانا للهدي المشترى بالقيمة في أحد وجوه التخيير لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هديا فأهداه فقد جزى بمثل ما قتل من النعم ومعنى بلوغ الكعبة ذبحه بالحرم والتصدق به هناك وقال أبو حنيفة يذبح بالحرم ويتصدق به حيث شاء اهـ من الكشاف والبيضاوي) .
869-
(أخبرنا) : سَعيدٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عمْروبنِ دِينارٍ:
-في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «ففِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أوْ نُسُكٍ» لَهُ أَيَّتُهُنَّ شاءَ قال ابن جُرَيج إلآ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورسُولَهُ» فليس بمُخَيَّرٍ فيها.
قال الشافعي رضي الله عنه: كما قال ابن جُرَيجٍ وغَيْرُه: «إنما جَزَاءُ
⦗ص: 337⦘
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورسُولَهُ» في المحاربة في هذهِ المسألةِ أقوالٌ (قوله كل شئ في القرآن أو إلخ الكلام على التقديم والتأخير أي كل أو في القرآن أوله كيف شئت أي إنك مخير فيه أو المعنى: كل شئ في القرآن فيه فأنت مخير فيه إلا قوله تعالى «إنما جزاء الذي يحاربون اللَّه ورسوله» أي يحاربون أولياءهما وهم المسلمون جعل محاربتهم للمسلمين محاربة للَّه ورسوله تعظيماً لها «ويسعون في الأرض فساداً» أي مفسدين أو لأجل الفساد «أن يقتلوا» أي قصاصا من غير صلب إن أفردوا القتل «أو يصلبوا» أي يصلبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال وقال أبو حنيفة ومحمد: يصلب حيا ويطعن حتى يموت «أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف» أي الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى إن أخذوا المال ولم يقتلوا «أو ينفوا من الأرض» إذا لم يزيدوا على الإخافة وعن جماعة منهم الحسن والنخعي: إن الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق من غير تفصيل والنفي: الحبس عند أبي حنيفة وعند الشافعي: النفي من بلد إلى بلد لا يزال يطلب وهوهارب فزعا وقيل: ينفى من بلده وأو في الآية على هذا للتفصيل وقيل: إنه للتخيير والإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق) .
870-
(أخبرنا) : عبدُ الرحمن بنُ الحسن بن القاسم الأزْرَقي عن أبيه:
-أنَّ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه رَكِبَ رَاحِلَةً لَهُ وهُو مُحْرِمٌ فتدلَّتْ فَجَعَلَتْ تُقدِّمُ يَداً وتُؤَخِّرُ أُخْرَى قال الربيعُ أظُنُّهُ، قال عُمَرُ: كَأنَّ راكبُها غصْنٌ بِمَرْوَحَةٍ إذا تَدَلَّتْ به، أوْ شاربٌ ثَمِلٌ ثم قال: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ
⦗ص: 338⦘
(الراحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال الذكر والأنثى فيه سواء وهاؤه للمبالغة وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن النظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت وتدلت: هبطت من مرتفع إلى مطمئن والمروحة بالفتح: الموضع الذي تخترقه الريح والببيت قيل: أنه قديم وقيل لعمربن الخطاب وقيل تمثل به وليس له وفي النهاية: ركب ابن عمر ناقة فارهة فمشت به مشيا جيداً فقال البيت يقول: كأن راكب هذه الناقة لسرعتها غصن بموضع تهب فيه الريح لا يزال يتمايل يمينا وشمالا فشبه راكبها بغصن هذه حاله أو شارب يتمايل من شدة سكره) .