الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المملوكون المربوبون وانما تصرفت فِي ملكك من غير أَن يكون قَامَ بهم سَبَب الْعَذَاب فان الْقَوْم نفاة الْأَسْبَاب وَعِنْدهم أَن كفر الْكَافرين وشركهم لَيْسَ سَببا للعذاب بل الْعَذَاب بِمُجَرَّد الْمَشِيئَة ومحض الْإِرَادَة وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي مناظرة اياس للقدرية إِنَّمَا أَرَادَ بِأَن التَّصَرُّفَات الْوَاقِعَة مِنْهُ تَعَالَى فِي ملكه لَا تكون ظلما قطّ وَهَذَا حق فان كل مَا فعله الرب ويفعله لَا يخرج عَن الْعدْل وَالْحكمَة والمصلحة وَالرَّحْمَة فَلَيْسَ فِي أَفعاله ظلم وَلَا جور وَلَا سفه وَهَذَا حق لَا ريب فِيهِ فاياس بَين أَنه سُبْحَانَهُ فِي تصرفه فِي ملكه غير ظَالِم فَهَذِهِ مجامع طرق الْعَالم فِي هَذَا الْمقَام ألقيت إِلَيْك محتضرة بِذكر قواعدها وأداتها وترجيح الصَّوَاب مِنْهَا وابطال الْبَاطِل ولعلك لَا تَجِد هَذَا التَّفْصِيل وَالْكَلَام على هَذِه الْمذَاهب وأصولها فِي كتاب من كتب الْقَوْم وَالله تَعَالَى الْمَسْئُول لتَمام نعْمَته ومزيد الْعلم وَالْهدى انه المان بفضله
فصل وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الْإِيجَاب فِي حق الله سَوَاء الْأَقْوَال فِيهِ كالأقوال
فِي التَّحْرِيم وَقد أخبر سُبْحَانَهُ عَن نَفسه أَنه كتب على نَفسه وأحق على نَفسه قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} وَقَالَ تَعَالَى {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن} وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن النَّبِي قَالَ لِمعَاذ أَتَدْرِي مَا حق الله على عباده قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ حَقه عَلَيْهِم أَن يعبدوه لَا يشركوا بِهِ شَيْئا أَتَدْرِي مَا حق الْعباد على الله إِذا فعلوا ذَلِك قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ حَقهم عَلَيْهِ أَن لَا يعذبهم وَمِنْه قَوْله فِي غير حَدِيث من فعل كَذَا كَانَ على الله أَن يفعل بِهِ كَذَا وَكَذَا فِي الْوَعْد والوعيد وَنَظِير هَذَا مَا أخبر سُبْحَانَهُ من قسمه ليفعلن مَا أقسم عَلَيْهِ كَقَوْلِه فوربك لنسئلنهم أَجْمَعِينَ فوربك لنحشرنهم وَالشَّيَاطِين ثمَّ لنحضرنهم حول جَهَنَّم جثيا وَقَوله {لَنهْلكَنَّ الظَّالِمين} وَقَوله {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} وَقَوله {فَالَّذِينَ هَاجرُوا وأخرجوا من دِيَارهمْ وأوذوا فِي سبيلي وقاتلوا وَقتلُوا لأكفرن عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلنهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} وَقَوله فلنسألن الَّذِي أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين وَقَوله فِيمَا يرويهِ عَنهُ رَسُول الله وَجَلَالِي لأقتصن للمظلوم من الظَّالِم وَلَو لطمة وَلَو ضَرْبَة بيد إِلَيّ أَمْثَال ذَلِك من صِيغ الْقسم المتضمن معنى إِيجَاب الْمقسم على نَفسه أَو مَنعه نَفسه وَهُوَ الْقسم الطلبي المتضمن للحظر وَالْمَنْع بِخِلَاف الْقسم الخبري المتضمن للتصديق
والتكذيب وَلِهَذَا قسم الْفُقَهَاء وَغَيرهم الْيَمين إِلَيّ مُوجب للحظر وَالْمَنْع أَو التَّصْدِيق والتكذيب قَالُوا وَإِذا كَانَ معقولا من العَبْد أَن يكون طَالبا من نَفسه فَتكون نَفسه طالبة مِنْهَا لقَوْله تَعَالَى {إِن النَّفس لأمارة بالسوء} وَقَوله {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى} مَعَ كَون العَبْد لَهُ آمُر وناه فَوْقه فالرب تَعَالَى الَّذِي لَيْسَ فَوْقه آمُر وَلَا ناه كَيفَ يمْتَنع مِنْهُ أَن يكون طَالبا من نَفسه فَيكْتب على نَفسه ويحق على نَفسه وَيحرم على نَفسه بل ذَلِك أولى وَأَحْرَى فِي حَقه من تصَوره فِي حق العَبْد وَقد أخبر بِهِ عَن نَفسه وَأخْبر بِهِ رَسُوله
قَالُوا وَكتابه مَا كتبه على نَفسه وإحقاقه مَا حَقه عَلَيْهَا مُتَضَمّن لإرادته ذَلِك ومحبته لَهُ وَرضَاهُ بِهِ وَأَنه لَا بُد أَن يَفْعَله وتحريمه مَا حرمه على نَفسه مُتَضَمّن لبغضه لذَلِك وكراهته لَهُ وَأَنه لَا يَفْعَله وَلَا ريب أَن محبته لما يُرِيد أَن يَفْعَله وَرضَاهُ بِهِ يُوجب وُقُوعه بمشيئته واختياره وكراهته للْفِعْل وبغضه لَهُ يمْنَع وُقُوعه مِنْهُ مَعَ قدرته عَلَيْهِ لَو شَاءَ وَهَذَا غير مَا يُحِبهُ من فعل عَبده ويكرهه مِنْهُ فَذَاك نوع وَهَذَا نوع وَلما لم يُمَيّز كثير من النَّاس بَين النَّوْعَيْنِ وأدخلوهما تَحت حكم وَاحِد اضْطَرَبَتْ عَلَيْهِم مسَائِل الْقَضَاء وَالْقدر وَالْحكم وَالتَّعْلِيل وَبِهَذَا التَّفْصِيل سفر لَك وَجه المسئلة وتبلج صبحها فَفرق بَين فعله سُبْحَانَهُ الَّذِي هُوَ فعله وَبَين فعل عباده الَّذِي هُوَ مَفْعُوله فمحبته تَعَالَى وكراهته للْأولِ توجب وُقُوعه وامتناعه وَأما محبته وكراهته للثَّانِي فَلَا توجب وُقُوعه وَلَا امْتِنَاعه فانه يحب الطَّاعَة والأيمان من عباده كلهم وان لم تكن محبته مُوجبَة لطاعتهم وَأَيْمَانهمْ جَمِيعًا إِذا لم يحب فعله الَّذِي هُوَ إعانتهم وتوفيقهم وَخلق ذَلِك لَهُم وَلَو أحب ذَلِك لاستلزم طاعتهم وَأَيْمَانهمْ وَيبغض معاصيهم وكفرهم وفسوقهم وَلم تكن هَذِه الْكَرَاهَة والبغض مَانِعَة من وُقُوع ذَلِك مِنْهُم إِذْ لم يكره سُبْحَانَهُ خذلانهم واضلالهم لما لَهُ فِي ذَلِك من الغايات المحبوبة الَّتِي فَوَاتهَا يسْتَلْزم فَوَات مَا هُوَ أحب إِلَيْهِ من إِيمَانهم وطاعتهم وتعقل ذَلِك مِمَّا يقصر عَنهُ عقول أَكثر النَّاس وَقد أَشَرنَا إِلَيْهِ فِيمَا تقدم من الْكتاب فالرب تَعَالَى يحب من عباده الطَّاعَة والأيمان وَيُحب مَعَ ذَلِك من تضرعهم وتذللهم وتوبتهم واستغفارهم وَمن تَوْبَته ومغفرته وعفوه وصفحه وتجاوزه مَا هُوَ ملزوم لمعاصيهم وذنوبهم وَوُجُود الْمَلْزُوم بِدُونِ لَازمه مُمْتَنع وَإِذا عقل هَذَا فِي حق المذنبين فيعقل مثله فِي حق الْكفَّار وان خلقهمْ واضلالهم لَازم لأمور محبوبة للرب تَعَالَى لم تكن تحصل إِلَّا بِوُجُود لازمها إِذْ وجود الْمَلْزُوم بِدُونِ لَازمه مُمْتَنع فَكَانَت تِلْكَ الْأُمُور المحبوبة والغايات المحمودة متوقفة على خلقهمْ واضلالهم توقف الْمَلْزُوم على لَازِمَة وَهَذَا فصل معترض لم يكن من غرضنا وان كَانَ أهم مِمَّا سقنا الْكَلَام لأَجله ونكتة الْمَسْأَلَة الْفرق بَين مَا هُوَ فعل لَهُ تَسْتَلْزِم محبته وُقُوعه مِنْهُ وَبَين مَا هُوَ مفعول لَهُ لَا تَسْتَلْزِم محبته لَهُ وُقُوعه