المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل وقد ظهر بهذا بطلان قول طائفتين معا الذين وضعوا لله شريعة - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط العلمية - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصل مِفْتَاح دَار السَّعَادَة

- ‌فصل الشَّرَائِع كلهَا فِي أُصُولهَا وَإِن تباينت متفقة مركوز حسنها فِي

- ‌فصل وَقد أنكر تَعَالَى على من نسب إِلَى حكمته التَّسْوِيَة بَين الْمُخْتَلِفين

- ‌فصل وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام بالْكلَام فِي مقامين أَحدهمَا فِي الْأَعْمَال خُصُوصا

- ‌فصل وَأما المسئلة الثَّانِيَة وَهِي مَا تَسَاوَت مصْلحَته ومفسدته فقد اخْتلف

- ‌فصل وَهَهُنَا سر بديع من أسرار الْخلق وَالْأَمر بِهِ يتَبَيَّن لَك حَقِيقَة الْأَمر

- ‌فصل وَأما مَا خلقه سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ أوجده لحكمة فِي إيجاده فَإِذا اقْتَضَت

- ‌فصل فَهَذِهِ أقوى أَدِلَّة النفاة باعترافهم بِضعْف مَا سواهَا فَلَا حَاجَة بِنَا

- ‌فصل وَإِذا قد انتهينا فِي هَذِه المسئلة إِلَى هَذَا الْموضع وَهُوَ بحرها

- ‌فصل وَقد سلم كثير من النفاة أَن كَون الْفِعْل حسنا أَو قبيحا بِمَعْنى

- ‌فصل إِذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَالْكَلَام على كَلِمَات النفاة من وُجُوه:

- ‌فصل والأسماء الْحسنى وَالصِّفَات الْعلَا مقتضية لآثارها من الْعُبُودِيَّة

- ‌فصل وَعكس هَذَا أَنه لم تشْتَرط الْمُكَافَأَة فِي علم وَجَهل وَلَا فِي كَمَال

- ‌فصل وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الْإِيجَاب فِي حق الله سَوَاء الْأَقْوَال فِيهِ كالأقوال

- ‌فصل وَقد ظهر بِهَذَا بطلَان قَول طائفتين مَعًا الَّذين وضعُوا لله شَرِيعَة

- ‌فصل وَأما مَا ذكره الفلاسفة من مَقْصُود الشَّرَائِع وان ذَلِك لاستكمال

- ‌فصل وَهَذِه الكمالات الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرهَا الفلاسفة للنَّفس لَا بُد مِنْهَا

- ‌فصل وَرَأَيْت لبَعض فضلائهم وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن عَليّ بن عِيسَى رِسَالَة

- ‌فصل فلنرجع إِلَى كَلَام صَاحب الرسَالَة قَالَ زَعَمُوا أَن الْقَمَر والزهرة

- ‌فصل قَالَ صَاحب الرسَالَة ذكر جمل من احتجاجهم والاحتجاج عَلَيْهِم من إوكد

- ‌فصل وَأما الِاسْتِدْلَال بِالْآيَاتِ الدَّالَّة على أَن الله سُبْحَانَهُ وضع حركات

- ‌فصل وَأما ماذكره عَن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن أَنه تمسك بِعلم النُّجُوم حِين

- ‌فصل وَأما الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى لخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق

- ‌فصل وَأما استدلاله بقوله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} فَعجب من الْعجب فَإِن هَذَا من اقوى الْأَدِلَّة وأبينها على بطلَان قَول المنجمين والدهرية الَّذين يسندون جَمِيع مَا فِي الْعَالم من الْخَيْر وَالشَّر إِلَى النُّجُوم وحركاتها واتصالاتها ويزعمون أَن مَا تَأتي

- ‌فصل وَأما قَوْله إِن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه كَانَ اعْتِمَاده فِي

- ‌فصل وَأما استدلاله بِأَن النَّبِي نهى عِنْد قَضَاء الْحَاجة عَن اسْتِقْبَال

- ‌فصل وَأما استدلاله بِحَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي إِذا ذكر الْقدر

- ‌فصل وَالَّذِي أوجب للمنجمين كَرَاهِيَة السّفر وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب انهم قَالُوا

- ‌فصل وَأما مَا احْتج بِهِ من الْأَثر عَن عَليّ أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ

- ‌فصل وَأما احتجاجه بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء لقد توفّي رَسُول الله وَتَركنَا

- ‌فصل وَأما مَا نسبه إِلَى الشافعى من حكمه بالنجوم على عمر ذَلِك الْمَوْلُود

- ‌فصل وَأما قَوْله إِن هَذَا علم مَا خلت عَنهُ مِلَّة من الْملَل وَلَا

- ‌فصل وَأما مَا ذكره فِي أَمر الطالع عَن الْفرس وَأَنَّهُمْ كَانُوا يعتنون بطالع

- ‌فصل الْآن الْتَقت حلقتا البطان وتداعى نزال الْفَرِيقَانِ نعم وَهَهُنَا أَضْعَاف

- ‌فصل وَأما الْأَثر الَّذِي ذكره مَالك عَن يحيى بن سعيد أَن عمر بن

- ‌فصل وَأما محبَّة النَّبِي التَّيَمُّن فِي تنعله وَترَجله وَطهُوره وشأنه كُله

- ‌فصل وَأما قَوْله الشؤم فِي ثَلَاث الحَدِيث فَهُوَ حَدِيث صَحِيح من رِوَايَة

- ‌فصل وَأما الْأَثر الَّذِي ذكره مَالك عَن يحيى بن سعيد جَاءَت امْرَأَة إِلَى

- ‌فصل وَأما قَول النَّبِي للَّذي سل سَيْفه يَوْم أحد شم سَيْفك فَإِنِّي

- ‌فصل وَأما مَا احْتج بِهِ وَنسبه إِلَى قَوْله وقدت الْحَرْب لما رأى

- ‌فصل وَأما استقباله الجبلين فِي طَرِيقه وهما مسلح ومخرىء وَترك

- ‌فصل وَأما كَرَاهِيَة السّلف أَن يتبع الْمَيِّت بِشَيْء من النَّار أَو أَن يدْخل

- ‌فصل وَأما تِلْكَ الوقائع الَّتِي ذكروها مِمَّا يدل على وُقُوع مَا تطير بِهِ

- ‌فصل وَمِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِهِ ويتشاءمون مِنْهُ العطاس كَمَا

- ‌فصل وَأما قَوْله لَا يُورد ممرض على مصح فالممرض الَّذِي إبِله مراض والمصح

- ‌فصل وَيُشبه هَذَا مَا روى عَنهُ من نَهْيه عَن وَطْء الغيل وَهُوَ

- ‌فصل وَيُشبه هَذَا قَوْله للَّذي قَالَ لَهُ إِن لي أمة وَأَنا أكره

- ‌فصل وَأما قَضِيَّة المجذوم فَلَا ريب أَنه روى عَن النَّبِي أَنه قَالَ

الفصل: ‌فصل وقد ظهر بهذا بطلان قول طائفتين معا الذين وضعوا لله شريعة

من عَبده وَإِذا عرف هَذَا فالظلم وَالْكفْر والفسوق والعصيان وأنواع الشرور وَاقعَة فِي مفعولاته الْمُنْفَصِلَة الَّتِي لَا يَتَّصِف بهَا دون أَفعاله الْقَائِمَة بِهِ وَمن انْكَشَفَ لَهُ لهَذَا الْمقَام فهم معنى قَوْله وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك فَهَذَا الْفرق الْعَظِيم يزِيل أَكثر الشّبَه الَّتِي حارت لَهَا عقول كثير من النَّاس فِي هَذَا الْبَاب وَهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بأذنه وَالله يهدي من يَشَاء إِلَيّ صِرَاط مُسْتَقِيم فَمَا فِي مخلوقاته ومفعولاته تَعَالَى من الظُّلم وَالشَّر فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيّ فَاعله الْمُكَلف الَّذِي قَامَ بِهِ الْفِعْل كَمَا أَنه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ يكون زنا وسرقة وعدوانا وأكلا وشربا ونكاحا فَهُوَ الزَّانِي السَّارِق الْآكِل الناكح وَالله خَالق كل فَاعل وَفعله وَلَيْسَت نِسْبَة هَذِه الْأَفْعَال إِلَيّ خَالِقهَا كنسبتها إِلَيّ فاعلها الَّذِي قَامَت بِهِ كَمَا أَن نِسْبَة صِفَات المخلوقين إِلَيْهِ كَطُولِهِ وقصره وَحسنه وقبحه وشكله ولونه لَيست كنسبتها إِلَيّ خَالِقهَا فِيهِ فَتَأمل هَذَا الْموضع واعط الْفرق حَقه وَفرق بَين النسبتين فَكَمَا أَن صِفَات الْمَخْلُوق لَيست صِفَات لله بِوَجْه وان كَانَ هُوَ خَالِقهَا فَكَذَلِك أَفعاله لَيست أفعالا لله تَعَالَى وَلَا إِلَيْهِ وان كَانَ هُوَ خَالِقهَا فلنرجع الْآن إِلَيّ مَا نَحن بصدده فَنَقُول الْأَمر الَّذِي كتبه على نَفسه مُسْتَحقّ عَلَيْهِ الْحَمد وَالثنَاء ويتعالى ويتقدس عَن تَركه إِذْ تَركه منَاف للثناء وَالْحَمْد الَّذِي يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ متضمنا لما يسْتَحق لذاته وَهَذَا بِحَمْد الله بَين عِنْد من أُوتى الْعلم والأيمان وَهُوَ مُسْتَقر فِي فطرهم لَا ينسخه مِنْهَا شُبُهَات المبطلين وَهَذَا الْموضع مِمَّا خفى على طائفتي الْقَدَرِيَّة والجبرية فخبطوا فِي عشواء وخبطوا فِي لَيْلَة ظلماء وَالله الْمُوفق الْهَادِي للصَّوَاب

‌فصل وَقد ظهر بِهَذَا بطلَان قَول طائفتين مَعًا الَّذين وضعُوا لله شَرِيعَة

بعقولهم أوجبوا عَلَيْهِ وحرموا مِنْهَا مَا لم يُوجِبهُ على نَفسه وَلم يحرمه على نَفسه وسووا بَينه وَبَين عباده فِيمَا يحسن مِنْهُم ويقبح وَبِذَلِك استطال عَلَيْهِم خصومهم وأبدوا مناقضتهم وكشفوا عَوْرَاتهمْ وبينوا فضائحهم وَكَذَلِكَ بطلَان قَول الطَّائِفَة الَّتِي جوزت عَلَيْهِ كل شَيْء وَأنْكرت حكمته وجحدت فِي الْحَقِيقَة مَا يسْتَحقّهُ من الْحَمد وَالثنَاء على مَا يَفْعَله مِمَّا يمدح بِفِعْلِهِ وعَلى ترك مَا يتْركهُ مَعَ قدرته عَلَيْهِ مِمَّا يمدح بِتَرْكِهِ وَجعلت النَّوْعَيْنِ وَاحِدًا وَلَا فرق عِنْدهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى بَين فعل مَا يمدح بِفِعْلِهِ وَبَين تَركه وَلَا بَين ترك مَا يمدح بِتَرْكِهِ وَبَين فعله وَبِهَذَا تسلط عَلَيْهِم خصومهم وأبدوا مناقضتهم وبينوا فضائحهم قَالَ المتوسطون وَأما نَحن فَلَا يلْزمنَا شَيْء من هَذِه الفضائح والأباطيل فانا لم نوافق طَائِفَة من الطَّائِفَتَيْنِ على كل مَا قالته بل وَافَقنَا كل طَائِفَة فِيمَا أَصَابَت فِيهِ الْحق وخالفناها فِيمَا خَالَفت فِيهِ الْحق فَكُنَّا أسعد بِهِ من الطَّائِفَتَيْنِ وَللَّه الْمِنَّة وَالْفضل هَذَا قَوْلنَا قد أوضحناه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غَايَة الْإِيضَاح وأفصحنا عَنهُ بِمَا أمكننا من الافصاح فَمن وجد سَبِيلا إِلَى

ص: 112

الْمُعَارضَة أَو رام طَرِيقا إِلَيّ المناقضة فليبدها فانا من وَرَاء الرِّدَّة عَلَيْهِ وإهداء عُيُوب مقَالَته إِلَيْهِ وَنحن نعلم أَنه لَا يرد علينا مقالتنا إِلَّا بِإِحْدَى المقالتين اللَّتَيْنِ كشفنا عَن عوارهما وَبينا فسادهما فليستر عَورَة مقَالَته وَيصْلح فَسَادهَا ويرم شعثها ثمَّ ليلق خصومه بهَا فالمحاكمة إِلَيّ النَّقْل الصَّرِيح وَالْعقل الصَّحِيح وَالله الْمُسْتَعَان

الْوَجْه الثَّانِي وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم بِدُونِ الشَّرْع مُمْتَنع لِأَنَّهُ لَو ثَبت لقامت الْحجَّة بِدُونِ الرُّسُل وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَقَامَ حجَّته برسله إِلَى آخِره فَيُقَال لَا ريب أَن الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم اللَّذين هما مُتَعَلق الثَّوَاب وَالْعِقَاب بِدُونِ الشَّرْع مُمْتَنع كَمَا قررتموه وَالْحجّة إِنَّمَا قَامَت على الْعباد بالرسل وَلَكِن هَذَا الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم بِمَعْنى حُصُول الْمُقْتَضى للثَّواب وَالْعِقَاب وان تخلف عَنهُ مُقْتَضَاهُ لقِيَام مَانع أَو فَوَات شَرط كَمَا تقدم تَقْرِيره وَقد قَالَ تَعَالَى وَلَوْلَا أَن تصيبهم مُصِيبَة بِمَا قدمت أَيْديهم فيقولوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت الينا رَسُولا فنتبع آياتك ونكون من الْمُؤمنِينَ فَأخْبر تَعَالَى أَن مَا قدمت أَيْديهم سَبَب لاصابة الْمُصِيبَة إيَّاهُم وَأَنه سُبْحَانَهُ أرسل رَسُوله وَأنزل كِتَابه لِئَلَّا يَقُولُوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت الينا رَسُولا فنتبع آياتك فدلت الْآيَة على بطلَان قَول الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا الَّذين يَقُولُونَ أَن أَعْمَالهم قبل الْبعْثَة لَيست قبيحة لذاتها بل إِنَّمَا قبحت بِالنَّهْي فَقَط وَالَّذين يَقُولُونَ أَنَّهَا قبيحة ويستحقون عَلَيْهَا الْعقُوبَة عقلا بِدُونِ الْبعْثَة فنظمت الْآيَة بطلَان قَول الطَّائِفَتَيْنِ ودلت على القَوْل الْوسط الَّذِي اخترناه ونصرناه أَنَّهَا قبيحة فِي نَفسهَا وَلَا يسْتَحقُّونَ الْعقَاب إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة بالرسالة فَلَا تلازم بَين ثُبُوت الْحسن والقبح العقليين وَبَين اسْتِحْقَاق الثَّوَاب وَالْعِقَاب فالأدلة إِنَّمَا اقْتَضَت ارتباط الثَّوَاب وَالْعِقَاب بالرسالة وتوقفهما عَلَيْهَا وَلم تقتض توقف الْحسن والقبح بِكُل اعْتِبَار عَلَيْهَا وَفرق بَين الْأَمريْنِ

الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم كَيفَ يعلم أَنه سُبْحَانَهُ يجب عَلَيْهِ أَن يمدح ويذم وَيثبت ويعاقب على الْفِعْل بِمُجَرَّد الْعقل وَهل ذَلِك إِلَّا غيب عَنَّا فِيمَا يعرف أَنه رضى عَن فَاعل وَسخط على فَاعل وَأَنه يثيب هَذَا ويعاقب هَذَا وَلم يخبر عَنهُ بذلك مخبر صَادِق ولادل على مواقع رِضَاهُ وَسخطه عقل وَلَا أخبر عَن معلومه ومحكومه مُخَيّر فَلم يبْق إِلَّا قِيَاس أَفعاله على أَفعَال عباده وَهُوَ من أفسد الْقيَاس فانه لَيْسَ كمثله شَيْء فَيُقَال هَذَا لَازم للمعتزلة وَمن وافقهم حَيْثُ يوجبون على الله ويحرمون بِالْقِيَاسِ على عباده وَلَا ريب أَن هَذَا من أفسد الْقيَاس وأبطله وَلَكِن من أَيْن ينفى ذَلِك إِثْبَات صِفَات أَفعَال اقْتَضَت حسنها وقبحها عقلا وَلم يعلم ترَتّب الثَّوَاب وَالْعِقَاب عَلَيْهَا إِلَّا بالرسالة كَمَا نصرناه فَأنْتم معاشر النفاة سلبتم الْأَفْعَال خواصها وصفاتها الَّتِي لَا تنفك عَنْهَا وَلَا تغفل مُجَرّدَة عَنْهَا أبدا وظننتم أَن قَول الْمُعْتَزلَة الْبَاطِل فِي ايجابها وتحريمها على الله لَا يتم إِلَّا بِهَذَا النَّفْي فأخطاتم فِي الْأَمريْنِ

ص: 113

مَعًا فان بطلَان قَوْلهم لَا يتَوَقَّف على نفي الْحسن والقبح ونفيهما بَاطِل وخصومكم من الْمُعْتَزلَة أثبتوا لله شَرِيعَة عقلية أوجبوا عَلَيْهِ فِيهَا وحرموا بِمُقْتَضى عُقُولهمْ وظنوا أَنهم لَا يُمكنهُم إِثْبَات الْحسن والقبح إِلَّا بذلك فأخطئوا فِي الْأَمريْنِ مَعًا فان الله تَعَالَى كَمَا لَا يُقَاس بعباده فِي أَفعاله لَا يُقَاس بهم فِي ذَاته وَصِفَاته فَلَيْسَ كمثله شَيْء فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله واثبات الْحسن والقبح لَا يسْتَلْزم هَذَا الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم العقليين فَلْيتَأَمَّل اللبيب هَذِه الدقائق الَّتِي هِيَ مجامع مآخذ الْفرق فِيهَا يتَبَيَّن أَن النَّاس إِنَّمَا تكلمُوا فِي حَوَاشِي الْمَسْأَلَة وَلم يخوضوا لجتها ويقتحموا غمرتها وَالله الْمُسْتَعَان وَأما إلزامكم لخصومكم من الْمُعْتَزلَة تِلْكَ اللوازم فَلَا ريب أَنَّهَا مستلزمة لبُطْلَان قَوْلهم مَعَ أضعافها من اللوازم الَّتِي تبين فَسَاد مَذْهَبهم وَنحن مساعدوكم عَلَيْهَا كَمَا لَا محيد لَهُم عَن الزاماتكم فَمِنْهَا أَنكُمْ سددتم على أَنفسكُم طَرِيق الِاسْتِدْلَال بالمعجزة على النُّبُوَّة حَيْثُ جوزتم على الله أَن يُؤَيّد الْكذَّاب كَمَا يُؤَيّد الصَّادِق وعندكم أَن كلا الآمرين بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى سَوَاء وَلم تعتذروا عَن هَذَا الْإِلْزَام الْمُقَابل لسَائِر الزاماتكم بِعُذْر صَحِيح وَهَذِه أعذاركم مسطورة فِي الصحائف وَمِنْهَا الزِّمَام الأفحام وَنفى الْمُكَلف النّظر فِي المعجزة لعدم الْوُجُوب عقلا واعتذاركم عَن هَذَا الزام بِأَن الْوُجُوب ثَابت نظر أَو لم ينظر اعتذار يبطل أصلكم فان ثُبُوت الْوُجُود بِدُونِ نظر الْمُكَلف لَو كَانَ شَرْعِيًّا لتوقف على الشَّرْع المتوقف فِي حق الْمُكَلف على النّظر فِي المعجزة فَلَمَّا ثَبت الْوُجُوب وان لم ينظر فِي المعجزة علم أَن الْوُجُوب عَقْلِي لَا يتَوَقَّف على ثُبُوت الشَّرْع فان قيل هُوَ ثَابت فِي نفس الْأَمر على تَقْدِير ثُبُوت الرسَالَة قيل فَحِينَئِذٍ يعود الْإِلْزَام وَهُوَ أَنه لَا ينظر حَتَّى يجب وَلَا يجب حَتَّى تثبت الرسَالَة وَلَا تثبت حَتَّى ينظر وَلِهَذَا عدل من عدل لي مُقَابلَة هَذَا الْإِلْزَام بِمثلِهِ وَقَالُوا هَذَا لَازم للمعتزلة لِأَن الْوُجُوب عِنْدهم نَظَرِي وَهَذَا لَا يُغني شَيْئا وَلَا يدْفع الْإِلْزَام الْمَذْكُور بل غَايَته مُقَابلَة الْفَاسِد بِمثلِهِ وَهُوَ لَا يجدي فِي دفع الْإِلْزَام شَيْئا وَهَذَا يدل على بطلَان المقالتين وَأما نَحن فلنا فِي دفع هَذَا الْإِلْزَام عشرَة مسالك وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع هَذِه الْمَسْأَلَة وانما الْمَقْصُود أَن الْمُعْتَزلَة ألزمت نَظِير مَا ألزموهم بِهِ وَمِنْهَا إِلْزَام التعطيل للشرائع جملَة وَقد تقدم بَيَانه قَرِيبا حَيْثُ بَينا أَن مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ فعل العَبْد الِاخْتِيَارِيّ فَإِذا بَطل أَن يكون لَهُ فعل اخْتِيَاري بَطل مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي فَلَزِمَهُ بطلَان الْأَمر وَالنَّهْي لِأَن وجوده بِدُونِ مُتَعَلّقه محَال إِلَى سَائِر تِلْكَ اللوازم الَّتِي أسلفناها قبل فَلَا نطيل بإعادتها قَالُوا أما نَحن فَلَا يلْزمنَا شَيْء من هَذِه اللوازم من الطَّرفَيْنِ فانا لم نسلك وَاحِدًا من الطَّرِيقَيْنِ فَلَا سَبِيل لأحدى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَيّ إلزامنا بِلَازِم وَاحِد بَاطِل وَللَّه الْحَمد فَمن رام ذَلِك فليبده

فان قيل فَمن أصلكم إِثْبَات التَّعْلِيل وَالْحكمَة فِي الْخلق وَالْأَمر فَمَا تَصْنَعُونَ

ص: 114

بِهَذِهِ اللوازم الَّتِي ألزمناها الْمُعْتَزلَة وماذا جوابكم عَنْهَا إِذا وجهناها إِلَيْكُم قيل لَا ريب أَنا نثبت لله مَا أثْبته لنَفسِهِ وَشهِدت بِهِ الْفطر والعقول من الْحِكْمَة فِي خلقه وَأمره ونقول أَن كل مَا خلقه وَأمر بِهِ خلقه فِيهِ حِكْمَة بَالِغَة وآيات باهرة لأَجلهَا خلقه وَأمر بِهِ وَلَكِن لَا نقُول أَن لله تَعَالَى فِي خلقو وَأمره كُله حِكْمَة مماثلة لما للمخلوق من ذَلِك وَلَا مشابهة لَهُ بل الْفرق بَين الحكمتين كالفرق ين الْفِعْلَيْنِ وكالفرق بَين الوصفين والذاتين فَلَيْسَ كمثله شَيْء فِي وَصفه وَلَا فِي فعله وَلَا فِي حِكْمَة مَطْلُوبَة لَهُ من فعله بل الْفرق بَين الْخَالِق والمخلوق فِي ذَلِك كُله أعظم فرق وأبينه وأوضحه عِنْد الْعُقُول وَالْفطر وعَلى هَذَا فَجَمِيع مَا ألزمتموه لأَصْحَاب الصّلاح والأصلح بل وأضعافه وأضعاف أضعافه لله فِيهِ حِكْمَة يخْتَص بهَا لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره ولأجلها حسن مِنْهُ ذَلِك وقبح من الْمَخْلُوق لانْتِفَاء تِلْكَ الْحِكْمَة فِي حَقه وَهَذَا كَمَا يحسن مِنْهُ تَعَالَى مدح نَفسه وَالثنَاء على نَفسه وان قبح من أَكثر خلقه ذَلِك ويليق بجلاله الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة ويقبح من خلقه تعاطيهما كَمَا روى عَنهُ رَسُول الله الْكِبْرِيَاء ازاري وَالْعَظَمَة رِدَائي فَمن نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذبته وكما يحسن مِنْهُ إماتة خلقه وابتلاؤهم وامتحانهم بأنواع المحن ويقبح ذَلِك من خلقه وَهَذَا أعظم من أَن نذْكر أمثلته فَلَيْسَ بَين الله وَبَين خلقه جَامع يُوجب أَن يحسن مِنْهُ مَا حسن مِنْهُم ويقبح مِنْهُ مَا قبح مِنْهُم وانما تتَوَجَّه تِلْكَ الالزامات إِلَى من قَاس أَفعَال الله بِأَفْعَال عباده وَأما من أثبت لَهُ حِكْمَة تخْتَص بِهِ لَا تشبه مَا للمخلوقين من الْحِكْمَة فَهُوَ عَن تِلْكَ الالزامات بمعزل ومنزله مِنْهَا أبعد منزل ونكتة الْفرق أَن بطلَان الصّلاح والأصلح لَا يسْتَلْزم بطلَان الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل وَالله الْمُوفق الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم أَنْتُم فتحتم بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة طَرِيقا للاستغناء عَن النبوات وسلطتم عَلَيْكُم بهَا الفلاسفة والبراهمة والصابئة وكل مُنكر للنبوات فان هَذِه الْمَسْأَلَة بَاب بَيْننَا وَبينهمْ فأنكم إِذا زعمتم أَن فِي الْعقل حَاكما يحسن ويقبح وَيُوجب وَيحرم ويتقاضى الثَّوَاب وَالْعِقَاب لم تكن الْحَاجة إِلَيّ الْبعْثَة ضَرُورِيَّة لامكان الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا فَهَذَا الْحَاكِم إِلَى آخِره قَالَ المثبتون هَذَا كَلَام هائل وَهُوَ عِنْد التَّحْقِيق بَاطِل لَو أنصف مورده لعلم انا وَهُوَ كَمَا قَالَ الأول رمتني بدائها وانسلت وَقد بَينا أَن النفاة سدوا على أنفسهم طَرِيق إِثْبَات النُّبُوَّة بإنكارهم هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالُوا انه يحسن من الله كل شَيْء حَتَّى إِظْهَار المعجزة على يَد الْكَاذِب وَلَا فرق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَين إظهارها على يَد الصَّادِق وَيَد الْكَاذِب وَلَيْسَ فِي الْعقل مَا يدل على اسْتِحَالَة هَذَا وَجَوَاز هَذَا وَتوقف مَعْرفَته على السّمع لَا سِيمَا إِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك إِنْكَار كَون العَبْد فَاعِلا مُخْتَارًا الْبَتَّةَ فان ذَلِك يسد الْبَاب جملَة لِأَن مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ أَفعَال الْعباد الاختيارية فَمن لَا فعل لَهُ وَلَا اخْتِيَار أصلا فَكيف يعقل أَن يكون مَأْمُورا مَنْهِيّا وَقد تقدم حَدِيث الافحام وعجزكم

ص: 115

عَن الْجَواب عَنهُ قَالُوا وَأما نَحن فانا سهلنا بذلك الطَّرِيق إِلَيّ إِثْبَات النبوات بل لَا يُمكن إِثْبَاتهَا إِلَّا بالاعتراف بِهَذِهِ المسالة فانه إِذا ثَبت أَن من الْأَفْعَال حسنا وَمِنْهَا قبيحا وَأَن إِظْهَار المعجزة على يَد الْكَاذِب قَبِيح وَأَن الله يتعالى ويتقدس عَن فعل القبائح علمنَا بذلك صِحَة نبوة من اظهر الله على يَدَيْهِ الْآيَات والمعجزات وَأما أَنْتُم فأنكم لَا يمكنكم الْعلم بذلك قَالُوا وَكَذَلِكَ نَحن قُلْنَا أَن العَبْد فَاعل مُخْتَار لفعله وأوامر الشَّرْع ونواهيه متوجهة إِلَيّ مُجَرّد فعله الِاخْتِيَارِيّ الْقَائِم بِهِ وَهُوَ مُتَعَلق الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأما أَنْتُم فَلَا يمكنكم ذَلِك لِأَن تِلْكَ الْأَفْعَال عنْدكُمْ هِيَ فعل الله فِي العَبْد لاصنع للْعَبد فِيهَا أصلا فَكيف يتَوَجَّه أَمر الشَّرْع وَنَهْيه إِلَيّ غير فَاعل بل يُؤمر وَينْهى بِمَا لَا قدرَة لَهُ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ بل بِفعل غَيره قَالُوا فليتدبر الْمنصف هَذَا الْمقَام فانه يتَبَيَّن لَهُ أَنه سد على نَفسه طَرِيق النبوات وَفتح بَاب الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا قَالُوا وَأَيْضًا فان الله سُبْحَانَهُ فطر عباده على الْفرق بَين الْحسن والقبيح وَركب فِي عُقُولهمْ إِدْرَاك ذَلِك والتمييز بَين النَّوْعَيْنِ كَمَا فطرهم على الْفرق بَين النافع والضار والملائم لَهُم والمنافر وَركب فِي حواسهم إِدْرَاك ذَلِك والتمييز بَين أَنْوَاعه والفطرة الأولى هِيَ خَاصَّة الْإِنْسَان الَّتِي تميز بهَا عَن غَيره من الْحَيَوَانَات وَأما الْفطْرَة الثَّانِيَة فمشتركة بَين أَصْنَاف الْحَيَوَان وَحجَّة الله عَلَيْهِ إِنَّمَا تقوم بِوَاسِطَة الْفطْرَة الأولى وَلِهَذَا اخْتصَّ من بَين سَائِر الْحَيَوَانَات بإرسال الرُّسُل إِلَيْهِ وبالأمر وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فَجعل سُبْحَانَهُ فِي عقله مَا يفرق بَين الْحسن والقبح وَمَا يَنْبَغِي إيثاره وَمَا يَنْبَغِي اجتنابه ثمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ حجَّته برسالته بِوَاسِطَة هَذَا الْحَاكِم الَّذِي يتَمَكَّن بِهِ من الْعلم بالرسالة وَحسن الْإِرْسَال وَحسن مَا تضمنه من الْأُمُور وقبح مَا نهى عَنهُ فانه لَوْلَا مَا ركب فِي عقله من إِدْرَاك ذَلِك لما أمكنه معرفَة حسن الرسَالَة وَحسن الْمَأْمُور وقبح الْمَحْظُور وَلِهَذَا قُلْنَا أَن من أنكر الْحسن والقبح العقليين لزمَه إِنْكَار الْحسن والقبح للشريعة وان زعم أَنه مقربه فان أَخْبَار الشَّرْع عَن الْعقل بِأَنَّهُ حسن أَو قَبِيح مُطَابق لكَونه فِي نَفسه كَذَلِك فَإِذا كَانَ فِي نَفسه لَيْسَ بِحسن وَلَا قَبِيح فان هَذَا الْخَبَر لَا مخبر لَهُ إِلَّا مُجَرّد تعلق افْعَل أَو لَا تفعل بِهِ وَهَذَا التَّعْلِيق عنْدكُمْ جَائِز أَن يكون بِخِلَاف مَا هُوَ بِهِ وان يتَعَلَّق الطّلب بالمنهي عَنهُ وَالنَّهْي بالمأمور بِهِ والتعلق لم يَجعله حسنا وَلَا قبيحا بل غَايَته أَن جعل الْفِعْل مَأْمُورا مَنْهِيّا فَعَاد الْحسن والقبح إِلَيّ مُجَرّد كَونه مَأْمُورا مَنْهِيّا وَلَا فرق عنْدكُمْ بِالنّظرِ إِلَيّ ذَات الْفِعْل بَين النَّوْعَيْنِ بل مَا كَانَ مَأْمُورا يجوز أَن يَقع مَنْهِيّا وَبِالْعَكْسِ فَلم يكْشف الْأَمر وَالنَّهْي صفة حسن وَلَا قبح أصلا فَلَا حسن وَلَا قبح إِذا عقلا وَلَا شرعا وانما هُوَ تعلق الطّلب بِالْفِعْلِ وَالتّرْك وَهَذَا مِمَّا لاخلاص مِنْهُ إِلَّا بالْقَوْل بِأَن للأفعال خَواص وصفات عَلَيْهَا فِي أَنْفسهَا اقْتَضَت أَن يُؤمر بحسنها وَينْهى عَن سيئها ويخبر عَن حسنها بِمَا هُوَ عَلَيْهِ ويخبر غَيره بقبحها مِمَّا نَكُون عَلَيْهِ

ص: 116

فَيكون للْخَبَر مخبر ثَابت فِي نَفسه وَالْأَمر وَالنَّهْي مُتَعَلق ثَابت فِي نَفسه قَالُوا فَعلمه من الْعقل محسن الْحسن وقبح الْقَبِيح ثمَّ علمه بِأَن مَا أمرت بِهِ الرُّسُل هُوَ الْحسن وَمَا نهت عَنهُ هُوَ الْقَبِيح طَرِيق إِلَيّ تَصْدِيق الرُّسُل وَأَنَّهُمْ جاؤا بِالْحَقِّ من عِنْد الله وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَعْرَاب وَقد سُئِلَ بِمَاذَا عرفت أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ مَا أَمر بِشَيْء فَقَالَ الْعقل ليته نهى عَنهُ وَلَا نهى عَن شَيْء فَقَالَ الْعقل ليته أَمر بِهِ أَفلا ترى هَذَا الْأَعرَابِي كَيفَ جعل مُطَابقَة الْحسن والقبح الَّذِي ركب الله فِي الْعقل ادراكه لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول شَاهدا على صِحَة رسَالَته وعلما عَلَيْهَا وَلم يقل أَن ذَلِك يقبح طَرِيق الِاسْتِغْنَاء عَن النُّبُوَّة بحاكم الْعقل قَالُوا أَيْضا فَهَذَا إِنَّمَا يلْزم أَن لَو قيل بِأَن مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل ثَابت فِي الْعقل إِدْرَاكه مفصلا قبل الْبعْثَة فَحِينَئِذٍ يُقَال هَذَا يفتح بَاب الِاسْتِغْنَاء عَن الرسَالَة وَمَعْلُوم أَن إِثْبَات الْحسن والقبح العقليين لَا يسْتَلْزم هَذَا وَلَا يدل عَلَيْهِ بل غَايَة الْعقل أَن يدْرك بالإجمال حسن مَا أَتَى الشَّرْع بتفضيله أَو قبحه فيدركه الْعقل جملَة وَيَأْتِي الشَّرْع بتفصيله وَهَذَا كَمَا أَن الْعقل يدْرك حسن الْعدْل وَأما كَون هَذَا الْفِعْل الْمعِين عدلا أَو ظلما فَهَذَا مِمَّا يعجز الْعقل عَن إِدْرَاكه فِي كل فعل وَعقد وَكَذَلِكَ يعجز عَن إِدْرَاك حسن كل فعل وقبح وان تَأتي الشَّرَائِع بتفصيل ذَلِك وتبينه وَمَا أدْركهُ الْعقل الصَّرِيح من ذَلِك أَتَت الشَّرَائِع بتقريره وَمَا كَانَ حسنا فِي وَقت قبيحا فِي وَقت وَلم يهتد الْعقل لوقت حسنه من وَقت قبحه أَتَت الشَّرَائِع بِالْأَمر بِهِ فِي وَقت حسنه وبالنهي عَنهُ فِي وَقت قبحه وَكَذَلِكَ الْفِعْل يكون مُشْتَمِلًا على مصلحَة ومفسدة وَلَا تعلم الْعُقُول مفسدته أرجح أم مصْلحَته فَيتَوَقَّف الْعقل فِي ذَلِك فتأتي الشَّرَائِع بِبَيَان ذَلِك وتأمر براجح الْمصلحَة وتنهى عَن رَاجِح الْمفْسدَة وَكَذَلِكَ الْفِعْل يكون مصلحَة لشخص مفْسدَة لغيره وَالْعقل لَا يدْرك ذَلِك فتأتي الشَّرَائِع ببيانه فتأمر بِهِ من هُوَ مصلحَة لَهُ وتنهى عَنهُ من حَيْثُ هُوَ مفْسدَة فِي حَقه وَكَذَلِكَ الْفِعْل يكون مفْسدَة فِي الظَّاهِر وَفِي ضمنه مصلحَة عَظِيمَة لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعقل فَلَا يعلم إِلَّا بِالشَّرْعِ كالجهاد وَالْقَتْل فِي الله وَيكون فِي الظَّاهِر مصلحَة وَفِي ضمنه مفْسدَة عَظِيمَة لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعقل فتجيء الشَّرَائِع بِبَيَان مَا فِي ضمنه من الْمصلحَة والمفسدة الراجحة هَذَا مَعَ أَن مَا يعجز الْعقل عَن إِدْرَاكه من حسن الْأَفْعَال وقبحها لَيْسَ بِدُونِ مَا تُدْرِكهُ من ذَلِك فالحاجة إِلَيّ الرُّسُل ضَرُورِيَّة بل هِيَ فَوق كل حَاجَة فَلَيْسَ الْعَالم إِلَيّ شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَيّ الْمُرْسلين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلِهَذَا يذكر سُبْحَانَهُ عباده نعمه عَلَيْهِم بِرَسُولِهِ ويعد ذَلِك عَلَيْهِم من أعظم المنن مِنْهُ لشدَّة حَاجتهم إِلَيْهِ ولتوقف مصالحهم الْجُزْئِيَّة والكلية عَلَيْهِ وَأَنه لاسعادة لَهُم وَلَا فلاح وَلَا قيام إِلَّا بالرسل فَإِذا كَانَ الْعقل قد أدْرك حسن بعض الْأَفْعَال وقبحها فَمن

ص: 117