الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي علم النُّجُوم من معاريض الْأَفْعَال كَمَا كَانَ قَوْله فعله كَبِيرهمْ هَذَا وَقَوله إِنِّي سقيم وَقَوله عَن امْرَأَته سارة هَذِه أُخْتِي من معاريض الْمقَال ليتوصل بهَا إِلَى غَرَضه من كسر الْأَصْنَام كَمَا توصل بتعريضه بقوله هَذِه أُخْتِي إِلَى خلاصها من يَد الْفَاجِر وَلما غلظ فهم عَن كثير من النَّاس وكشفت طباعهم عَن إِدْرَاكه ظنُّوا أَن نظره فِي النُّجُوم ليستنبط مِنْهَا علم الْأَحْكَام وَعلم أَن نجمة وطالعه يقْضى عَلَيْهِ بِالسقمِ وحاشا لله أَن يظنّ ذَلِك بخليله أَو بِأحد من أَتْبَاعه وَهَذَا من جنس معاريض يُوسُف الصّديق صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم حِين تفتيش أوعية أَخِيه عَن الصَّاع فَإِن المفتش بَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ مَعَ علمه أَنه لَيْسَ فِيهَا وَأخر وعَاء أَخِيه مَعَ علمه أَنه فِيهَا تعريضا بِأَنَّهُ لَا يعرف فِي أى وعَاء هِيَ ونفيا للتُّهمَةِ عَنهُ بِأَنَّهُ لَو كَانَ عَالما فِي أى الأوعية هِيَ لبادر إِلَيْهَا وَلم يُكَلف نَفسه تَعب التفتيش لغَيْرهَا فَلهَذَا نظر الْخَلِيل فِي النُّجُوم نظر تورية وتعريض مَحْض يَنْفِي بِهِ عَنهُ تُهْمَة قومه ويتوصل بِهِ إِلَى كيد أصنامهم 0
فصل وَأما الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى لخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق
النَّاس وَإِن المُرَاد بِهِ كبر الْقدر والشرف لَا كبر الجثة فَفِي غَايَة الْفساد فَإِن المُرَاد من الْخلق هَهُنَا الْفِعْل لانفس الْمَفْعُول وَهَذَا من أبلغ الْأَدِلَّة على الْمعَاد أى أَن الذى خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وخلقها أكبر من خَلقكُم كَيفَ يعجزه خَلقكُم بَعْدَمَا تموتون خلقا جَدِيدا وَنَظِير هَذَا فِي قَوْله فِي سُورَة يس أوليس الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِقَادِر على أَن يخلق مثلهم أى مثل هَؤُلَاءِ المنكرين فَهَذَا اسْتِدْلَال بشمول الْقدر للنوعين وَأَنَّهَا صَالِحَة لَهما فَلَا يجوز أَن يثبت تعلقهَا بِأحد المقدورين دون الآخر فَكَذَلِك قَوْله لخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس أى من لم تعجز قدرته عَن خلق الْعَالم الْعلوِي والسفلي كَيفَ يعجز عَن خلق النَّاس خلقا جَدِيدا بعد مَا أماتهم وَلَا تعرض فِي هَذَا لأحكام النُّجُوم بِوَجْه قطّ وَلَا لتأثير الْكَوَاكِب واما قَوْله تَعَالَى ويتفكرون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا فَلَا ريب أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض من أعظم الْأَدِلَّة على وجود فاطرهما وَكَمَال قدرته وَعلمه وحكمته وانفراده بالربوبية والوحدانية وَمن سوى بَين ذَلِك وَبَين البقة وَجعل الْعبْرَة وَالدّلَالَة وَالْعلم بِوُجُود الرب الْخَالِق البارىء المصور مِنْهُمَا سَوَاء فقد كَابر وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يَدْعُو عباده على النّظر والفكر فِي مخلوقاته الْعِظَام لظُهُور أثر الدّلَالَة فِيهَا وبديع عجائب الصَّنْعَة وَالْحكمَة فِيهَا واتساع مجَال الْفِكر وَالنَّظَر فِي أرجائها وَألا
فَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة
…
تدل على أَنه وَاحِد
…
وَلَكِن أَيْن الْآيَة وَالدّلَالَة فِي خلق الْعَالم الْعلوِي والسفلي إِلَى خلق القملة والبرغوث
والبقة فَكيف يسمح لعاقل عقله أَن يُسَوِّي بَينهمَا وَيجْعَل الدّلَالَة من هَذَا كالدلالة من الآخر وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يذكر من مخلوقاته للدلالة عَلَيْهِ أشرفها وأظهرها للحس وَالْعقل وأبينها دلَالَة وأعجبها صَنْعَة كالسماء وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار والنجوم وَالْجِبَال والسحاب والمطر وَغير ذَلِك من آياتة وَلَا يَدْعُو عباده إِلَى التفكر فِي الْقمل والبراغيث والبعوض والبق وَالْكلاب والحشرات وَنَحْوهَا إِنَّمَا يذكر مَا يذكر من ذَلِك فِي سِيَاق ضرب الْأَمْثَال مُبَالغَة فِي الاحتقار والضعف كَقَوْلِه تَعَالَى أَن الَّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنفذوه مِنْهُ فَهُنَا لم يذكر الذُّبَاب فِي سِيَاق الدّلَالَة على إِثْبَات الصَّانِع تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَوْله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} وَكَذَلِكَ قَوْله {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت} فَتَأمل ذكر هَذِه الْمَخْلُوقَات الحقيرة فِي أى سِيَاق وَذكر الْمَخْلُوقَات الْعَظِيمَة فِي أى سِيَاق
وَأما قَول من قَالَ من الْمُتَكَلِّمين المتكلفين أَن دلَالَة حُصُول الْحَيَاة فِي الْأَبدَان الحيوانية أقوى من دلَالَة السَّمَوَات وَالْأَرْض على وجود الصَّانِع تَعَالَى فبناء هَذَا الْقَائِل على الأَصْل الْفَاسِد وَهُوَ إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد وَإِن تَأْثِير الصَّانِع تَعَالَى فِي خلق الْعَالم الْعلوِي والسفلي هُوَ تركيب تِلْكَ الْجَوَاهِر وتأليفها هَذَا التَّأْلِيف الْخَاص والتركيب جنسه مَقْدُور للبشر وَغَيرهم وَأما الْأَحْدَاث والاختراع فَلَا يقدر عَلَيْهِ إِلَّا الله وَالْقَوْل بالجوهر الْفَرد وَبِنَاء المبدأ والمعاد عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ من اصول الْمُتَكَلِّمين الْفَاسِدَة الَّتِى نازعهم فِيهَا جُمْهُور الْعُقَلَاء قَالُوا وَخلق الله تَعَالَى وإحداثه لما يحدثه من أجسام الْعَالم هُوَ إِحْدَاث لأجزائها وذواتها لَا مُجَرّد تركيب الْجَوَاهِر مُنْفَرِدَة ثمَّ قد فرغ من خلقهَا وصنعه وإبداعه الْآن إِنَّمَا هُوَ فِي تأليفها وتركيبها وَهَذَا من اقوال اهل الْبدع الَّتِى ابتدعوها فِي الْإِسْلَام وبنوا عَلَيْهَا الْمعَاد وحدوث الْعَالم فسلطوا عَلَيْهِم أَعدَاء الْإِسْلَام وَلم يُمكنهُم كسرهم لما بنوا المبدأ والمعاد على أَمر وهمى خيالى وظنوا انه لَا يتم لَهُم القَوْل بحدوث الْعَالم وإعادة الْأَجْسَام إِلَّا بِهِ وَأقَام منازعوهم حجَجًا كَثِيرَة جدا على بطلَان القَوْل بالجوهر واعترافهم بِقُوَّة كثير مِنْهَا وَصِحَّته فأوقع ذَلِك شكا لكثير مِنْهُم فِي أَمر المبدأ والمعاد لبنائه على شفا جرف هار وَأما ائمة الْإِسْلَام وفحول النظار فَلم يعتمدوا على هَذِه الطَّرِيقَة وَهِي عِنْدهم أَضْعَف وأوهي من أَن يبنوا عَلَيْهَا شَيْئا من الدّين فضلا عَن حُدُوث الْعَالم وإعادة الْأَجْسَام وَإِنَّمَا اعتمدوا على الطّرق الَّتِى أرشد الله سُبْحَانَهُ إِلَيْهَا فِي كِتَابه وَهِي حُدُوث ذَات الْحَيَوَان والنبات وَخلق نفس الْعَالم الْعلوِي والسفلي وحدوث السَّحَاب والمطر والرياح وَغَيرهَا من الْأَجْسَام الَّتِى يُشَاهد حدوثها بذواتها لامجرد حُدُوث تأليفها وتركيبها فَعِنْدَ الْقَائِلين بالجوهر لَا يشْهد ان الله أحدث فِي هَذَا الْعَالم شَيْئا من