الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذوات من حَيْثُ هِيَ ذَوَات أما أَن تكون وجودا اَوْ عدما فَإِن كَانَت وجودا فَهِيَ بِجعْل الْجَاعِل وَإِن كَانَت عدما فالعدم كاسمه لَا يتَعَلَّق بِجعْل الْجَاعِل 0
فصل وَأما قَوْله إِن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه كَانَ اعْتِمَاده فِي
إِثْبَات الصَّانِع على الدَّلَائِل الفلكية كَمَا قَرَّرَهُ فَيُقَال من الْعجب ذكركُمْ لخليل الرَّحْمَن فِي هَذَا الْمقَام وَهُوَ أعظم عَدو لعباد الْكَوَاكِب والأصنام الَّتِى اتَّخذت على صورها وهم أعداؤه الَّذين ألقوه فِي النَّار حَتَّى جعلهَا الله عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَهُوَ عليه السلام أعظم الْخلق بَرَاءَة مِنْهُم وَأما ذَلِك التَّقْرِير الَّذِي قَرَّرَهُ الرَّازِيّ فِي المناظرة بَينه وَبَين الْملك الْمُعَطل فمما لم يخْطر بقلب إِبْرَاهِيم وَلَا بقلب الْمُشرك وَلَا يدل اللَّفْظ عَلَيْهَا الْبَتَّةَ وَتلك المناظرة الَّتِى ذكرهَا الرَّازِيّ تشبه أَن تكون مناظرة بَين فيلسوف ومتكلم فَكيف يسوغ أَن يُقَال أَنَّهَا هِيَ المرادة من كَلَام الله تَعَالَى فيكذب على الله وعَلى خَلِيله وعَلى الْمُشرك الْمُعَطل وَإِبْرَاهِيم أعلم بِاللَّه ووحدانيته وَصِفَاته من أَن يوحي إِلَيْهِ بِهَذِهِ المناظرة وَنحن نذْكر كَلَام أَئِمَّة التَّفْسِير فِي ذَلِك ليفهم معنى المناظرة ومادل عَلَيْهِ الْقُرْآن من تقريرها قَالَ ابْن جرير معنى الْآيَة ألم تَرَ يَا مُحَمَّد إِلَى الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه حِين قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحي وَيُمِيت يعْنى بذلك رَبِّي الَّذِي بِيَدِهِ الحياه وَالْمَوْت يحي من يَشَاء وَيُمِيت من أَرَادَ بعد الْإِحْيَاء قَالَ أَنا أفعل ذَلِك فإحيي وأميت أستحي من أردْت قَتله فَلَا أَقتلهُ فَيكون ذَلِك منى إحْيَاء لَهُ وَذَلِكَ عِنْد الْعَرَب يُسمى إحْيَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} واقتل آخر فَيكون ذَلِك منى إماتة لَهُ قَالَ إِبْرَاهِيم لَهُ فَإِن الله هُوَ الَّذِي يَأْتِي بالشمس من مشرقها فَإِن كنت صَادِقا إِنَّك آله فأت بهَا من مغْرِبهَا قَالَ الله عز وجل {فبهت الَّذِي كفر} يعْنى انْقَطع وَبَطلَت حجَّته ثمَّ ذكر من قَالَ ذَلِك من السّلف فروى عَن قَتَادَة ذكر لنا أَنه دَعَا برجلَيْن فَقتل أَحدهمَا واستحيا الآخر وَقَالَ أَنا أَحَي هَذَا وأميت هَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب وَعَن مُجَاهِد أَنا أحيي وأميت أقتل من شِئْت وأستحيي من شِئْت أَدَعهُ حَيا فَلَا أَقتلهُ وَقَالَ ابْن وهب حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم أَن الْجَبَّار قَالَ لإِبْرَاهِيم أَنا أحيي وأميت إِن شِئْت قتلتك وَأَن استحييتك فَقَالَ إِبْرَاهِيم إِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر وَقَالَ الرّبيع لما قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت قَالَ هُوَ يعْنى نمْرُود فَأَنا أحيي وأميت فَدَعَا برجلَيْن فاستحيا أَحدهمَا وَقتل الآخر وَقَالَ أَنا أحيي وأميت أى أستحي من شِئْت فَقَالَ إِبْرَاهِيم فَأن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق قَالَ السدى لما خرج إِبْرَاهِيم من النَّار أدخلوه على الْملك وَلم يكن قبل ذَلِك دخل عَلَيْهِ فَكَلمهُ وَقَالَ لَهُ من رَبك قَالَ رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت قَالَ نمْرُود أَنا احيي وأميت أَنا آخذ
أَرْبَعَة نَفرا فأدخلهم بَيْتا فَلَا يطْعمُون وَلَا يسقون حَتَّى إِذا هَلَكُوا من الْجُوع أطعمت اثْنَيْنِ وسقيتهما فعاشا وَتركت الْإِثْنَيْنِ فماتا فَعرف إِبْرَاهِيم ان لَهُ قدرَة بسلطانه وَملكه على أَن يفعل ذَلِك قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر وَقَالَ إِن هَذَا إِنْسَان مَجْنُون فأخرجوه أَلا ترَوْنَ أَنه من جُنُونه اجترأ على آلِهَتكُم فَكَسرهَا وَأَن النَّار لم تَأْكُله وخشى أَن يفتضح فِي قومة وَكَانَ يزْعم أَنه رب فَأمر بإبراهيم فَأخْرج وَقَالَ مُجَاهِد أحيي فَلَا أقتل وأميت من قتلت وَقَالَ ابْن جريج أُتِي برجلَيْن فَقتل أَحدهمَا وَترك الآخر فَقَالَ أَنا أحيي وأميت فأميت من قتلت وأحيي فَلَا أقتل وَقَالَ ابْن إِسْحَاق ذكر لنا وَالله أعلم أَن نمْرُود قَالَ لإِبْرَاهِيم أَرَأَيْت إلهك هَذَا الَّذِي تعبد وَتَدْعُو إِلَى عِبَادَته وتذكر من قدرته الَّتِى تعظمه بهَا على غَيرهَا مَا هِيَ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت قَالَ نمْرُود أَنا أحيي وأميت فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم كَيفَ تحيي وتميت قَالَ آخذ الرجلَيْن قد استوجيا الْقَتْل فِي حكمى فَاقْتُلْ أَحدهمَا فَأَكُون قد أمته وأعفو عَن عَن الآخر فَاتْرُكْهُ فَأَكُون قد أحييته فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك فَأن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب أعرف أَنه كَمَا تَقول فبهت عِنْد ذَلِك نمْرُود وَلم يرجع إِلَيْهِ شَيْئا وَعرف أَنه لَا يُطيق ذَلِك فَهَذَا كَلَام السّلف فِي هَذِه المناظرة وَكَذَلِكَ سَائِر الْمُفَسّرين بعدهمْ لم يقل أحد مِنْهُم قطّ أَن معنى الْآيَة أَن هَذَا الْإِحْيَاء والإماتة حَاصِل منى وَمن كل أحد فَأن الرجل قد يكون مِنْهُ الْحُدُوث بِوَاسِطَة تمزيج الطبائع وتحريك الأجرام الفلكية بل نقطع بِأَن هَذَا لم يخْطر بقلب الْمُشرك المناظر الْبَتَّةَ وَلَا كَانَ هَذَا مُرَاده فَلَا يحل تَفْسِير كَلَام الله بِمثل هَذِه الأباطيل ونسأل الله أَن يعيذنا من القَوْل عَلَيْهِ بِمَا لم نعلم فَإِنَّهُ أعظم الْمُحرمَات على الْإِطْلَاق وأشدها إِثْمًا وَقد ظن جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ وأرباب الجدل أَن إِبْرَاهِيم أنتقل مَعَ الْمُشرك من حجَّة إِلَى حجَّة وَلم يجبهُ عَن قَوْله أَنا أحيي وأميت قَالُوا وَكَانَ يُمكنهُ أَن يتم مَعَه الْحجَّة الأولى بِأَن يَقُول مرادى بالأحياء إحْيَاء الْمَيِّت وإيجاد الْحَيَاة فِيهِ لَا استبقاؤه على حَيَاته وَكَانَ يُمكنهُ تتميمها بمعارضته فِي نَفسهَا بِأَن يَقُول فأحيي من أمت وَقلت ان كنت صَادِقا وَلَكِن انْتقل إِلَى حجَّة أوضح من الأولى فَقَالَ إِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فَاتَ بهَا من الْمغرب فَانْقَطع الْمُشرك الْمُعَطل وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ذَكرُوهُ وَلَا هَذَا انْتِقَال بل هَذَا مُطَالبَة لَهُ بِمُوجب دَعْوَاهُ الإلهية وَالدَّلِيل الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ إِبْرَاهِيم قد تموثبت مُوجبه فَلَمَّا ادّعى الْكَافِر أَنه يفعل كَمَا يفعل الله فَيكون إِلَهًا مَعَ الله طَالبه إِبْرَاهِيم بِمُوجب دَعْوَاهُ مُطَالبَة تَتَضَمَّن بُطْلَانهَا فَقَالَ إِن كنت أَنْت رَبًّا كَمَا تزْعم فتحيي وتميت كَمَا يحيي رَبِّي وَيُمِيت فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فتنصاع لقدرته وتسخيره ومشيئته فَإِن كنت أَنْت رَبًّا فَاتَ بهَا من الْمغرب وَتَأمل قَول الْكَافِر أَنا أحيي وأميت وَلم يقل أَنا الَّذِي أحيي