الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَوَاهِر وَإِنَّمَا أحدث تأليفها وتركيبها فَقَط وَإِن كَانَ أحداثه بجواهره سَابِقًا مُتَقَدما قبل ذَلِك وَأما الْآن فَإِنَّمَا تحدث الْأَعْرَاض من الِاجْتِمَاع والافتراق وَالْحَرَكَة والسكون فَقَط وَهِي الأكوان عِنْدهم وَكَذَلِكَ الْمعَاد فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يفرق أَجزَاء الْعَالم وَهُوَ اعدامه ثمَّ يؤلفها ويجمعها وَهُوَ الْمعَاد وَهَؤُلَاء احتاجوا إِلَى أَن يستدلوا على كَون عين الْإِنْسَان وجواهره مخلوقة إِذْ الْمشَاهد عِنْدهم بالحس دَائِما هُوَ حُدُوث أَعْرَاض فِي تِلْكَ الْجَوَاهِر من التَّأْلِيف الْخَالِص وَزَعَمُوا أَن كل مَا يحدثه الله من السَّحَاب والمطر والزروع وَالثِّمَار وَالْحَيَوَان فَإِنَّمَا يحدث فِيهِ أعراضا وَهِي جمع الْجَوَاهِر الَّتِي كَانَت مَوْجُودَة وتفريقها وَزَعَمُوا أَن أحدا لَا يعلم حُدُوث عين من الْأَعْيَان بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَا بضرورة الْعقل وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك بالاستدلال وَجُمْهُور الْعُقَلَاء من الطوائف يخالفون هَؤُلَاءِ وَيَقُولُونَ الرب لَا يزَال يحدث الْأَعْيَان كَمَا دلّ على ذَلِك الْحس وَالْعقل وَالْقُرْآن فَإِن الْأَجْسَام الْحَادِثَة بِالْمُشَاهَدَةِ ذواتها وأجزاؤها حَادِثَة بعد إِن لم تكن جَوَاهِر مفرقة فاجتمعت وَمن قَالَ غير ذَلِك فقد كَابر الْحس وَالْعقل فَإِن كَون الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان مخلوقا مُحدثا كَائِنا بعد إِن لم يكن أَمر مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ لجَمِيع النَّاس وكل أحد يعلم أَنه حدث فِي بطن أمه بعد إِن لم يكن وَإِن عينه حدثت كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا} وَلَيْسَ هَذَا عِنْدهم مِمَّا يسْتَدلّ عَلَيْهِ بل يسْتَدلّ بِهِ كَمَا هِيَ طَريقَة الْقُرْآن فَإِنَّهُ جعل حُدُوث الْإِنْسَان وخلقه دَلِيلا لَا مدلولا عَلَيْهِ
وَقَوْلهمْ إِن الْحَادِث أَعْرَاض فَقَط وَأَنه مركب من الْجَوَاهِر المفردة قَولَانِ باطلان بل يعلم حُدُوث عين الْإِنْسَان وذاته وَبطلَان الْجَوْهَر الْفَرد وَلَو كَانَ القَوْل بالجوهر صَحِيحا لم يكن مَعْلُوما إِلَّا بأدلة خُفْيَة دقيقة فَلَا يكون من أصُول الدّين بل وَلَا مُقَدّمَة فِيهَا فطريقتهم تَتَضَمَّن جحد الْمَعْلُوم وَهُوَ حُدُوث الْأَعْيَان الْحَادِثَة وذواتها وَإِثْبَات مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم بل هُوَ بَاطِل وَهُوَ إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع استقصاء هَذِه المسئلة وَالْمَقْصُود الْكَلَام على قَوْله إِن الِاسْتِدْلَال بِحُصُول الْحَيَاة فِي بنية الْحَيَوَان على وجود الصَّانِع أقوى من دلَالَة تركيب الاجرام الفلكية وَهُوَ مبْنى على هَذَا الأَصْل الْفَاسِد
فصل وَأما استدلاله بقوله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} فَعجب من الْعجب فَإِن هَذَا من اقوى الْأَدِلَّة وأبينها على بطلَان قَول المنجمين والدهرية الَّذين يسندون جَمِيع مَا فِي الْعَالم من الْخَيْر وَالشَّر إِلَى النُّجُوم وحركاتها واتصالاتها ويزعمون أَن مَا تَأتي
بِهِ من الْخَيْر وَالشَّر فَعَن تَعْرِيف الرُّسُل والأنبياء وَكَذَلِكَ مَا تعطيه من السُّعُود والنحوس وَهَذَا هُوَ السَّبَب الَّذِي سقنا الْكَلَام لأَجله مَعَهم لما حكينا قَوْلهم أَنه لما كَانَت الموجودات فِي الْعَالم
السفلي مترتبة على تَأْثِير الْكَوَاكِب والروحانيات الَّتِي هِيَ مدبرات الْكَوَاكِب وَإِن كَانَ فِي اتصالاتها نظر سعد ونحس وَجب أَن يكون فِي آثارها حسن وقبح فِي الْخلق والأخلاق والعقول الإنسانية مُتَسَاوِيَة فِي النَّوْع فَوَجَبَ أَن يُدْرِكهَا كل عقل سليم وَلَا يتَوَقَّف إِدْرَاكهَا على من هُوَ مثل ذَلِك الْعَاقِل فِي النَّوْع مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ يُرِيد أَن يتفضل عَلَيْكُم إِلَى آخر كلامكم المتضمن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِغَيْر أَمر وَلَا نهي وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَهَذَا هُوَ الْبَاطِل الَّذِي نَفَاهُ الله سُبْحَانَهُ عَن نَفسه وَأخْبر أَنه ظن أعدائه الْكَافرين وَلِهَذَا اتّفق الْمُفَسِّرُونَ على أَن الْحق الَّذِي خلقت بِهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض هُوَ الْأَمر وَالنَّهْي وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا من الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَمن جحد ذَلِك وَجحد رِسَالَة الرُّسُل وَكفر بالمعاد وأحال حوادث الْعَالم على حركات الْكَوَاكِب فقد زعم أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ابطل الْبَاطِل وَأَن الْعَالم خلق عَبَثا وَترك سدى وخلى هملا وَغَايَة مَا خلق لَهُ أَن يكون مُتَمَتِّعا باللذات الحسية كَالْبَهَائِمِ فِي هَذِه الْمدَّة القصيرة جدا ثمَّ يُفَارق الْوُجُود وتحدث حركات الْكَوَاكِب أشخاصا مثله هَكَذَا أبدا فَأَي بَاطِل أبطل من هَذَا وَأي عَبث فَوق هَذَا {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم} وَالْحق الَّذِي خلقت بِهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا هُوَ إلهية الرب المتضمنة لكَمَال حكمته وَملكه وامره وَنَهْيه المتضمن لشرعة وثوابه وعقابه المتضمن لعدله وفضله ولقائه فَالْحق الَّذِي وجد بِهِ الْعَالم كَون الله سُبْحَانَهُ هُوَ الْإِلَه الْحق المعبود والآمر الناهي الْمُتَصَرف فِي الممالك بِالْأَمر وَالنَّهْي وَذَلِكَ يسْتَلْزم إرْسَال الرُّسُل وإكرام من اسْتَجَابَ لَهُم وَتَمام الإنعام عَلَيْهِ وإهانة من كفر بهم وكذبهم واختصاصه بالشقاء والهلاك وَذَلِكَ مَعْقُود بِكَمَال حِكْمَة الرب تَعَالَى وَقدرته وَعلمه وعدله وَتَمام ربوبيته وتصرفه وانفراده بالإلهية وجريان الْمَخْلُوقَات على مُوجب حكمته وإلهيته وَملكه التَّام وَأَنه أهل أَن يعبد ويطاع وَأَنه أولى من أكْرم أحبابه وأولياءه بالإكرام الَّذِي يَلِيق بعظمته وغناه وجوده وأهان أعداءه المعرضين عَنهُ الجاحدين لَهُ الْمُشْركين بِهِ المسوين بَينه وَبَين الْكَوَاكِب والأوثان والأصنام فِي الْعِبَادَة بالإهانة الَّتِي تلِيق بعظمته وجلاله وَشدَّة بأسه فَهُوَ الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذُو الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير وَهُوَ ذُو الرَّحْمَة الواسعة الَّذِي لَا يرد باسه عَن الْقَوْم الْمُجْرمين أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين وَهُوَ سُبْحَانَهُ خلق الْعَالم الْعلوِي والسفلي بِسَبَب الْحق وَلأَجل الْحق وَضَمنَهُ الْحق فبالحق كَانَ وللحق كَانَ وعَلى الْحق اشْتَمَل وَالْحق هُوَ توحيده وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ وَمُوجب ذَلِك وَمُقْتَضَاهُ وَقَامَ بعدله الَّذِي هُوَ الْحق وعَلى الْحق اشْتَمَل فَمَا خلق الله شَيْئا إِلَّا بِالْحَقِّ وللحق وَنَفس خلقه لَهُ حق وَهُوَ شَاهد من شَوَاهِد الْحق فَإِن أَحَق الْحق هُوَ التَّوْحِيد كَمَا
أَن أظلم الظُّلم هُوَ الشّرك ومخلوقات الرب تَعَالَى كلهَا شاهدة لَهُ بِأَنَّهُ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإِن كل معبود بَاطِل سواهُ وكل مَخْلُوق شَاهد بِهَذَا الْحق إِمَّا شَهَادَة نطق وَإِمَّا شَهَادَة حَال وَإِن ظهر بِفِعْلِهِ وَقَوله خلَافهَا كالمشرك الَّذِي يشْهد حَال خلقه وإبداعه وصنعه لخالقه وفاطره أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإِن عبد غَيره وَزعم أَن لَهُ شَرِيكا فشاهد حَاله مكذب لَهُ مُبْطل لشهادة فعله وَقَالَهُ
وَأما قَوْله أَنه لَا يُمكن أَن يُقَال المُرَاد أَنه خلقهَا على وَجه يُمكن الِاسْتِدْلَال بهَا على الصَّانِع الْحَكِيم إِلَى آخر كَلَامه
فَيُقَال لَهُ إِذا كَانَت دلالتها على صانعها أمرا ثَابتا لَهَا لذواتها وذواتها إِنَّمَا وجدت بإيجاده وتكوينه كَانَت دلالتها بِسَبَب فعل الْفَاعِل الْمُخْتَار لَهَا وَلَكِن هَذَا بِنَاء مِنْهُ على أصل فَاسد يكرره فِي كتبه وَهُوَ ان الذوات لَيست بمجعولة وَلَا تتَعَلَّق بِفعل الْفَاعِل وَهَذَا مِمَّا أنكرهُ عَلَيْهِ أهل الْعلم وَالْإِيمَان وَقَالُوا أَن كَونهَا ذواتا وَإِن وجودهَا وأوصافها وكل مَا ينْسب إِلَيْهَا هُوَ بِفعل الْفَاعِل فكونها ذواتا وَمَا يتبع ذَلِك من دلالتها على الصَّانِع كُله بِجعْل الْجَاعِل فَإِنَّهُ لما جعلهَا على هَذِه الصّفة مستلزمة لدلالتها عَلَيْهِ كَانَت دلالتها عَلَيْهِ بجعله فَإِن قيل لَو قدر عدم الْجَاعِل لَهَا لم يرْتَفع كَونهَا ذواتا وَلَو كَانَت ذواتا بجعله لارتفع كَونهَا ذواتا بِتَقْدِير ارتفاعه
قيل مَا تعنى بِكَوْنِهَا ذواتا وَمَا هيات اتعنى بِهِ تحقق ذَلِك فِي الْخَارِج أَو فِي الذِّهْن أَو أَعم مِنْهَا فَإِن عنيت الأول فَلَا ريب فِي بطلَان كَونهَا ذَوَات وَمَا هيات على تَقْدِير ارْتِفَاع الْجَاعِل وَإِن عنيت الثانى فالصور الذهنية مجعولة لَهُ أَيْضا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي علم فإوجد الْخَلَائق الذهنية فِي الْعلم كَمَا أَنه الَّذِي خلق فأوجد الْحَقَائِق الذهنية فِي الْعين فَهُوَ الأكرم الَّذِي خلق وَعلم فَمَا فِي الذِّهْن بتعليمه وَمَا فِي الْخَارِج بخلقه وَإِن عنيت الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْخَارِج والذهن وَهُوَ مُسَمّى كَونهَا ذَوَات وَمَا هيات بِقطع النّظر عَن تَقْيِيده بالذهن أَو الْخَارِج قيل لَك هَذِه لَيست بِشَيْء الْبَتَّةَ فَإِن الشَّيْء إِنَّمَا يكون شَيْئا فِي الْخَارِج أَو فِي الذِّهْن وَالْعلم وَمَا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة خارجية وَلَا ذهنية فَلَيْسَ بِشَيْء بل هُوَ عدم صرف وَلَا ريب ان الْعَدَم لَيْسَ بِفعل فَاعل وَلَا جعل جَاعل
فَإِن قيل هِيَ لَا تنفك عَن أحد الوجودين أما الذهْنِي واما الْخَارِجِي وَلَكِن نَحن أخذناها مُجَرّدَة عَن الوجودين ونظرنا إِلَيْهَا من هَذِه الْحَيْثِيَّة وَهَذَا الِاعْتِبَار ثمَّ حكمنَا عَلَيْهَا بِقطع النّظر عَن تقيدها بذهن أَو خَارج قيل الحكم عَلَيْهَا بِشَيْء مَا يسْتَلْزم تصورها ليمكن الحكم عَلَيْهَا وتصورها مَعَ أَخذهَا مُجَرّدَة عَن الْوُجُود والذهن محَال فَإِن قيل مُسلم أَن ذَلِك محَال وَلَكِن إِذا أخذناه مَعَ وجودهَا الذهْنِي أَو الْخَارِجِي فَهُنَا أَمْرَانِ حَقِيقَتهَا وماهيتها وَالثَّانِي وجودهَا الذهْنِي أَو الْخَارِجِي فَنحْن أخذناها مَوْجُودَة وحكمنا عَلَيْهَا مُجَرّدَة فَالْحكم على جُزْء هَذَا الْمَأْخُوذ الْمَنْصُور
قيل هَذَا الْقدر الْمَأْخُوذ عدم مَحْض كَمَا تقدم والعدم لَا يكون بِجعْل جَاعل ونكتة الْمَسْأَلَة أَن