الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصح 00 وفى موطأ مَالك أَنه بلغه عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن أبي عَطِيَّة أَن رَسُول الله قَالَ لَا عدوى وَلَا هام وَلَا صفر وَلَا يحل الممرض على المصح وليحلل المصح حَيْثُ شَاءَ قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا ذَاك فَقَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه أَذَى 00 وَقَالَ ابْن وهب أخبرنى يُونُس عَن ابْن شهَاب أَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ يحدثنا عَن رَسُول الله قَالَ أَنه لَا عدوى وَحدثنَا أَن رَسُول الله قَالَ لَا يُورد ممرض على مصح الحَدِيث ثمَّ صمت أَبُو هُرَيْرَة بعد ذَلِك عَن قَوْله لَا عدوى وَأقَام أَن لَا يُورد ممرض على مصح الحَدِيث قَالَ فَقَالَ الْحَارِث بن أَبى ذئاب وَهُوَ ابْن عَم أَبى هُرَيْرَة قد كنت أسمعك يَا أَبَا هُرَيْرَة تحدثنا مَعَ هَذَا الحَدِيث حَدِيثا آخر قد سكت عَنهُ كنت تَقول قَالَ رَسُول الله لَا عدوى فَأبى أَبُو هُرَيْرَة أَن يحدث ذَلِك وَقَالَ لَا يُورد ممرض على مصح فمارآه الْحَارِث فِي ذَلِك حَتَّى غضب أَبُو هُرَيْرَة ورطن بالحبشية فَقَالَ لِلْحَارِثِ أتدرى مَاذَا قلت قَالَ لَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة إِنِّي أَقُول أَبيت أبي قَالَ أَبُو سَلمَة فلعمري لقد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يحدثنا أَن رَسُول الله قَالَ لَا عدوى فَلَا أدرى أنسى أَبُو هُرَيْرَة أَو نسخ أحد الْقَوْلَيْنِ الآخر قَالُوا هَذَا النهى عَن إِيرَاد الْمَرِيض على المصح إِنَّمَا هُوَ من أجل الطَّيرَة الَّتِى تلْحق المصح 00 وَقَالَ مُسَدّد حَدثنَا يحي بن هِشَام عَن يحي بن أَبى كثير عَن الْحَضْرَمِيّ بن لَاحق عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ سَأَلت سعد بن مَالك عَن الطَّيرَة فَانْتَهرنِي وَقَالَ من حَدثَك فَكرِهت أَن أحدثه فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول لَا عدوى وَلَا طيرة وَلَا هَامة وَإِن كَانَت الطَّيرَة فِي شىء ففى الْفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار فَإِذا كَانَ الطَّاعُون بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تَفِرُّوا 00 وَفِي صَحِيح مُسلم عَن الشريد بن سُوَيْد قَالَ كَانَ فى وَفد ثقيفة رجل مجذوم فَأرْسل إِلَيْهِ النَّبِي أَنا قد بايعناك فأرجع وَفِي حَدِيث آخر فر من المجذوم فرارك من الْأسد 0
فصل الْآن الْتَقت حلقتا البطان وتداعى نزال الْفَرِيقَانِ نعم وَهَهُنَا أَضْعَاف
أَضْعَاف مَا ذكرْتُمْ وأضعاف أضعافه وَلِلنَّاسِ هَهُنَا مسلكان عَلَيْهِمَا يعْتَمد المتكلمون فِي هَذَا الْبَاب لَا نرتضيهما بل نسلك مَسْلَك الْعدْل والتوسط بَين طرفِي الأفراط والتفريط فدين الله بَين الغالي فِيهِ والجافي عَنهُ والوادي بَين الجبلين وَالْهدى بَين الضلالتين وَقد جعل الله هَذِه الْأمة هِيَ الْأمة الْوسط فِي جَمِيع أَبْوَاب الدّين فَإِذا انحرف غَيرهَا من الْأُمَم إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ كَانَت هِيَ فِي الْوسط كَمَا كَانَت وسطا فِي بَاب أَسمَاء الرب تَعَالَى وَصِفَاته بَين الْجَهْمِية والمعطلة والمشبهة الممثلة وَكَانَ وسطا فِي بَاب الْإِيمَان بالرسل بَين من عبدهم واشركهم بِاللَّه كالنصارى وَبَين من قَتلهمْ
وكذبهم فَأمنُوا بهم وصدقوهم وتركوهم من الْعُبُودِيَّة وَكَانَت وسطا فِي الْقدر بَين الجبرية الَّذين ينفون أَن يكون للْعَبد فعل أَو كسب أَو اخْتِيَار الْبَتَّةَ بل هُوَ مجبور متهور لَا اخْتِيَار لَهُ وَلَا فعل وَبَين الْقَدَرِيَّة النفاة الَّذين يجعلونه مُسْتقِلّا بِفِعْلِهِ وَلَا يدْخل فعله تَحت مَقْدُور الرب تَعَالَى وَلَا هُوَ وَاقع بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وَقدرته فأثبتوا لَهُ فعلا وكسبا واختيارا حَقِيقَة وَهُوَ مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَهُوَ مَعَ ذَلِك وَاقع بقدرة الله ومشيئته فَمَا شَاءَ الله من ذَلِك كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَلَا يَتَحَرَّك ذرة إِلَّا بمشيئته وإرادته والعباد أَضْعَف وأعجز أَن يَفْعَلُوا مَا لم يشأه الله لَا قُوَّة لَهُ وَلَا قدرَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ هم وسط فِي المطاعم والمشارب بَين الْيَهُود الَّذين حرمت عَلَيْهِم الطَّيِّبَات عُقُوبَة لَهُم وَبَين النَّصَارَى الَّذين يسْتَحلُّونَ الْخَبَائِث فأحل الله لهَذِهِ الْأمة الْوسط الطَّيِّبَات وَحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَكَذَلِكَ لَا تَجِد أهل الْحق دَائِما إِلَّا وسطا بَين طرفِي الْبَاطِل وَأهل السّنة وسط فِي النَّحْل كَمَا أَن الْمُسلمين وسط فِي الْملَل وَكَذَلِكَ مَا نَحن فِيهِ من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُم وسط بَين النفاة الَّذين ينفون الْأَسْبَاب جملَة وَيمْنَعُونَ ارتباطها بالمسببات وتأثيرها بهَا ويسدون هَذَا الْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ ويضطربون فِيمَا ورد من ذَلِك فيقابلون بالتكذيب مِنْهُ مَا يُمكنهُم تَكْذِيبه ويحيلون على الِاتِّفَاق والمصادقة مَالا قبل لَهُم بِدَفْعِهِ من غير أَن يكون لشَيْء من هَذِه الْأُمُور مدْخل فِي التَّأْثِير أَو تعلق بالسببية الْبَتَّةَ وَرُبمَا يَقُولُونَ أَن أَكثر ذَلِك مُجَرّد خيالات وأوهام فِي النُّفُوس تنفعل عَنْهَا النُّفُوس كانفعال أَرْبَاب الخيالات والامراض والأوهام وَلَيْسَ عِنْدهم وَرَاء ذَلِك شَيْء وَهَذَا مَسْلَك نفاة الْأَسْبَاب وارتباط المسببات بهَا وَهَذَا جَوَاب كثير من الْمُتَكَلِّمين والمسلك الثَّانِي مَسْلَك المثبتين لهَذِهِ الْأُمُور والمعتقدين لَهَا الذاهبين إِلَيْهَا وَهِي عِنْدهم أقوى من الْأَسْبَاب الحسية أَو فِي درجتها وَلَا يلتفتون إِلَى قدح قَادِح فِيهَا والقدح فِيهَا عِنْدهم من جنس الْقدح فِي الحسيات والضروريات وَنحن لَا نسلك سَبِيل هَؤُلَاءِ وَلَا سَبِيل هَؤُلَاءِ بل نسلك سَبِيل التَّوَسُّط والإنصاف ونجانب طَرِيق الْجور والإنحراف فَلَا نبطل الشَّرْع بِالْقدرِ وَلَا نكذب بِالْقدرِ لأجل الشَّرْع بل نؤمن بالمقدور ونصدق الشَّرْع فنؤمن بِقَضَاء الله وَقدره وشرعه وَأمره وَلَا نعارض بَينهمَا فنبطل الْأَسْبَاب المقدورة أَو نقدح فِي الشَّرِيعَة الْمنزلَة كَمَا فعله الطائفتان المنحرفتان فإحداهما بطلت مَا قدره الله من الْأَسْبَاب بِمَا فهمته من الشَّرْع وَهَذَا من تَقْصِيرهَا فِي الشَّرْع وَالْقدر وَالْأُخْرَى توصلت إِلَى الْقدح فِي الشَّرْع وإبطاله بِمَا تشاهده من تَأْثِير الْأَسْبَاب وإرتباطها بمسبباتها لما ظنت أَن الشَّرْع نفاها وكذبت بالشارع فالطائفتان جانيتان على الشَّرْع لَكِن الموفقون المهديون آمنُوا بِقدر الله وشرعه وَلم يعارضوا أَحدهمَا بِالْآخرِ بل صدر مِنْهُمَا الآخر عِنْدهم وَقَررهُ فَكَانَ الْأَمر تَفْصِيلًا للقدر وكاشفا عَنهُ وحاكما عَلَيْهِ والا أصل لِلْأَمْرِ ومنفذ لَهُ وَشَاهد لَهُ ومصدق لَهُ فلولا الْقدر لما وجد الْأَمر وَلَا تحقق
على سَاقه وَلَوْلَا الْأَمر لما تميز الْقدر وَلَا تبينت مراتبه وتصاريفه فالقدر مظهر لِلْأَمْرِ وَالْأَمر تَفْصِيل لَهُ وَالله سُبْحَانَهُ لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَلَا يكون إِلَّا خَالِقًا آمرا فَأمره تصريف لقدره وَقدره منفذ لأَمره وَمن أبْصر هَذَا حق الْبَصَر وانفتحت لَهُ عين قلبه تبين لَهُ سر ارتباط الْأَسْبَاب بمسبباتها وجريانها فِيهَا وَأَن الْقدح فِيهَا وإبطالها إبِْطَال لِلْأَمْرِ وَتبين لَهُ أَن كَمَال التَّوْحِيد بِإِثْبَات الْأَسْبَاب لَا أَن إِثْبَاتهَا نقض للتوحيد كَمَا زعم منكروها حَيْثُ جعلُوا إِبْطَالهَا من لَوَازِم التَّوْحِيد فجنوا على التَّوْحِيد وَالشَّرْع والتزموا تَكْذِيب الْحس وَالْعقل ووقعوا فِي أَنْوَاع من المكابرة سلطت عَلَيْهِم أَعدَاء الشَّرِيعَة وأوجبت لَهُم إِن أساؤا بهَا الظَّن وتنقصوها وَزَعَمُوا أَنَّهَا خطابية وإقناعية وجدلية لابرهانية فَعظم الْخطب وتفاقم الْأَمر واشتدت البلية بالطائفتين وَقد قيل أَن الْعَدو الْعَاقِل خير من الصّديق الْجَاهِل وَنحن بِحَمْد الله نبين الْأَمر فِي ذَلِك ونوضح أَيْضا مَا يتَبَيَّن بِهِ تَصْدِيق كل من الْأَمريْنِ الآخر وشهادته لَهُ وتزكيته لَهُ ونبين ارتباط كل من الْأَمريْنِ وَعدم انفكاكه عَنهُ فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق 000
أما مَا ذكرْتُمْ من أَن النَّبِي كَانَ يُعجبهُ الفأل الْحسن فَلَا ريب فِي ثُبُوت ذَلِك عَنهُ وَقد قرن ذَلِك بِإِبْطَال الطَّيرَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد بن عبد الله عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم لاطيرة وَخَيرهَا الفأل قَالُوا وَمَا الفأل يَا رَسُول الله قَالَ الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم فابتدأهم النَّبِي بِإِزَالَة الشُّبْهَة وأبطال الطَّيرَة لِئَلَّا يتوهموها عَلَيْهِ فِي إعجابه بالفأل الصَّالح وَلَيْسَ فِي الْإِعْجَاب بالفأل ومحبته شىء من الشّرك بل ذَلِك إبانة عَن مُقْتَضى الطبيعة وَمُوجب الْفطْرَة الإنسانية الَّتِي تميل إِلَى مايلائمها ويوافقها مِمَّا ينفعها كَمَا أخْبرهُم أَنه حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا النِّسَاء وَالطّيب 00
وَفِي بعض الْآثَار أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعجبهُ الفاغية وهى نور الْحِنَّاء وَكَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَكَانَ يحب الشَّرَاب الْبَارِد الحلو وَيُحب حسن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَان ويستمع إِلَيْهِ وَيُحب معالي الْأَخْلَاق وَمَكَارِم الشيم وَبِالْجُمْلَةِ يحب كل كَمَال وَخير وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِمَا وَالله سُبْحَانَهُ قد جعل فِي غرائز النَّاس الْإِعْجَاب بِسَمَاع الإسم الْحسن ومحبته وميل نُفُوسهم إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ جعل فِيهَا الإرتياح والاستبشار وَالسُّرُور باسم السَّلَام والفلاح والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز وَالظفر وَالْغنم وَالرِّبْح وَالطّيب ونيل الأمنية والفرح والغوث والعز والغنى وأمثالها فَإِذا قرعت هَذِه الْأَسْمَاء الأسماع استبشرت بهَا النَّفس وانشرح لَهَا الصَّدْر وقوى بهَا الْقلب وَإِذا سَمِعت أضدادها أوجب لَهَا ضد هَذِه الْحَال فأحزنها ذَلِك وأثار لَهَا خوفًا وطيرة وأنكماشا وانقباضا عَمَّا قصدت لَهُ وعزمت عَلَيْهِ فأورث لَهَا ذَلِك ضَرَرا فِي الدُّنْيَا ونقصا فِي الْإِيمَان ومقارفة للشرك كَمَا ذكره أَبُو عمر
فِي التَّمْهِيد من حَدِيث الْمقري عَن أَبى لَهِيعَة حَدثنَا ابْن هُبَيْرَة عَن أَبى عبد الرَّحْمَن الجيلى عَن عبد الله بن عمر عَن رَسُول قَالَ من أرجعته الطَّيرَة من حَاجته فقد أشرك قَالَ وَمَا كَفَّارَة ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ أَن يَقُول أحدهم اللَّهُمَّ لاطير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك ثمَّ يمضى لِحَاجَتِهِ 00
وَذكر ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد قَالَ سَمِعت نَافِع بن جُبَير ابْن مطعم يَقُول سَأَلَ كَعْب الْأَحْبَار عبد الله بن عمر هَل تتطير فَقَالَ نعم قَالَ فَكيف تَقول إِذا تطيرت قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا رب غَيْرك وَلَا قُوَّة إِلَّا بك فَقَالَ كَعْب أَنه أفقه الْعَرَب وَالله إِنَّهَا لكذلك فِي التَّوْرَاة وَهَذَا الَّذِي جعله الله سُبْحَانَهُ فِي طباع النَّاس وغرائزهم من الْإِعْجَاب بالأسماء الْحَسَنَة والألفاظ المحبوبة وَهُوَ نَظِير مَا جعل فِي غرائزهم من الْإِعْجَاب بالمناظر الأنيقة والرياض المنورة والمياه الصافية والألوان الْحَسَنَة والروائح الطّيبَة والمطاعم المستلذة وَذَلِكَ أَمر لَا يُمكن دَفعه وَلَا يحد الْقلب عَنهُ انصرافا فَهُوَ ينفع الْمُؤمن وَيسر نَفسه وينشطها وَلَا يَضرهَا فِي إيمَانهَا وتوحيدها وَأخْبر فِي حَدِيث أَبى هُرَيْرَة أَن الفأل من الطَّيرَة وَهُوَ خَيرهَا فَقَالَ لَا طيرة وَخَيرهَا الفأل فَأبْطل الطَّيرَة وَأخْبر أَن الفأل مِنْهَا وَلكنه خَيرهَا ففصل بَين الفأل والطيرة لما بَينهمَا من الامتياز والتضاد ونفع أَحدهمَا ومضرة الآخر وَنَظِير هَذَا مَنعه من الرقاء بالشرك وإذنه فِي الرّقية إِذا لم تكن شركا لما فِيهَا من الْمَنْفَعَة الخالية عَن الْمفْسدَة وَقد اعتاص هَذَا الْفرْقَان على أفهام كثير مِمَّن غلظ عَن معرفَة الْحق وَالدّين حجابه وَغلظ عَنهُ طبعه وكشف عَنهُ فهمه فَقَالَ السَّامع إِذا سمع مثلا يَا بِشَارَة أَو أبشر أَو لَا تخف أَو يانجيح وَنَحْوه وَسمع ضد ذَلِك فَأَما أَن يُوجب الْأَمر أَن مايشاكلهما وَأما وَأَن لَا يوجبا شَيْئا فَأَما أَن يُوجب أَحدهمَا دون الآخر فَلَا وَجه لَهُ وَهَذَا من عمى عَن الْهدى وصم عَن سَمَاعه وَإِنَّمَا تحصل الْهِدَايَة من أَلْفَاظ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وتشرق ألفاظها فِي صدر من تلقاها بالتصديق وَالْقَبُول فأذعن لَهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وقابلها بالرضى وَالتَّسْلِيم وَعلم أَنَّهَا منبع الْهدى ومعين الْحق وَنحن بِحَمْد الله نوضح لمن اشْتبهَ ذَلِك عَلَيْهِ فرقان مَا بَينهمَا وَفَائِدَة الفأل ومضرة الطَّيرَة فَنَقُول 00
الفأل والطيرة وَإِن كَانَ مأخذهما سَوَاء ومجتناهما وَاحِدًا فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بالمقاصد ويفترقان بالمذاهب فَمَا كَانَ محبوبا مستحسنا تفاءلوا بِهِ وسموه الفأل وأحبوه ورضوه وَمَا كَانَ مَكْرُوها قبيحا منفرا تشاءموا بِهِ وكرهوه وتطيروا مِنْهُ وسموه طيرة تعرقة بَين الْأَمريْنِ وتفصيلا بَين الْوَجْهَيْنِ وَسُئِلَ بعض الْحُكَمَاء فَقيل لَهُ مَا بالكم تَكْرَهُونَ الطَّيرَة وتحبون الفأل فَقَالَ لنا فِي الفأل عَاجل الْبُشْرَى وَإِن قصر عَن الأمل ونكره الطَّيرَة لما يلْزم قُلُوبنَا من الوجل وَهَذَا الْفرْقَان حسن جدا وَأحسن مِنْهُ مَا قَالَه ابْن الرُّومِي فِي ذَلِك الفأل لِسَان الزَّمَان والطيرة عنوان الْحدثَان وَقد كَانَت الْعَرَب تقلب الْأَسْمَاء تطيرا وتفاؤل
فيسمون اللديغ سليما باسم السَّلامَة وتطيرا من اسْم السقم ويسمون العطشان ناهلا أَي سنهل والنهل الشّرْب تفاؤلا باسم الرّيّ ويسمون الفلاة مفازة أَي منجاة تفاؤلا بالفوز والنجاة وَلم يسموها مهلكة لأجل الطَّيرَة وَكَانَت لَهُم مَذَاهِب فِي تَسْمِيَة أَوْلَادهم فَمنهمْ من سموهُ بأسماء تفاؤلا بالظفر على أعدائهم نَحْو غَالب وغلاب وَمَالك وظالم وعارم ومنازل وَمُقَاتِل ومعارك ومسهر ومؤرق ومصبح وطارق وَمِنْهُم من تفاءل بِالسَّلَامِ كتسميتهم بسالم وثابت وَنَحْوه وَمِنْهُم من تفاءل بنيل الحظوظ والسعادة كسعد وَسَعِيد وأسعد ومسعود وسعدى وغانم وَنَحْو ذَلِك وَمِنْهُم من قصد لتسميته بأسماء السبَاع ترهيبا لأعدائهم نَحْو أَسد وَلَيْث وذئب وضرغام وشبل وَنَحْوهَا وَمِنْهُم من قصد التَّسْمِيَة بِمَا غلظ وخشن من الْأَجْسَام تفاؤلا بِالْقُوَّةِ كحجر وصخر وفهر وجندل وَمِنْهُم من كَانَ يخرج من منزله وَامْرَأَته تمخض فيسمى مَا تلده باسم أول مَا يلقاه كَائِنا مَا كَانَ من سبع أَو ثَعْلَب أَو ضَب أَو كلب أَو ظَبْي أَو حشيش أَو غَيره وَكَانَ الْقَوْم على ذَلِك إِلَى أَن جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ وَمُحَمّد رَسُوله فَفرق بِهِ بَين الْهدى والضلال والغي والرشاد وَبَين الْحسن والقبيح والمحبوب وَالْمَكْرُوه والضار والنافع وَالْحق وَالْبَاطِل فكره الطَّيرَة وأبطلها وَاسْتحبَّ الفأل وحمده فَقَالَ لَا طيرة وَخَيرهَا الفأل قَالُوا وَمَا الفأل قَالَ الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس لَا طيرة وَلكنه فأل والفأل الْمُرْسل يسَار وَسَالم وَنَحْوه من الإسم يعرض لَك على غير ميعاد وَسُئِلَ بعض الْعلمَاء عَن الفأل فَقَالَ أَن تسمع وَأَنت قد أضللت بَعِيرًا أَو شَيْئا يَا وَاجِد أَو أَنْت خَائِف يَا سَالم وَقَالَ الْأَصْمَعِي سَأَلت ابْن عون عَن الفأل فَقَالَ أَن يكون مَرِيضا فَيسمع يَا سَالم وأخبرك عَن نَفسِي بقضية من ذَلِك وَهِي أَنِّي أضللت بعض الْأَوْلَاد يَوْم التَّرويَة بِمَكَّة وَكَانَ طفْلا فجهدت فِي طلبه والنداء عَلَيْهِ فِي سَائِر الركب إِلَى وَقت يَوْم الثَّامِن فَلم أقدر لَهُ على خبر فأيست مِنْهُ فَقَالَ لي إِنْسَان إِن هَذَا عجز اركب وادخل الْآن إِلَى مَكَّة فتطلبه فِيهَا فركبت فرسا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتقْبلت جمَاعَة يتحدثون فِي سَواد اللَّيْل فِي الطَّرِيق وأحدهم يَقُول ضَاعَ لَهُ شَيْء فَلَقِيَهُ فَلَا أَدْرِي انْقِضَاء كَلمته كَانَ اسرع أم وجداني الطِّفْل مَعَ بعض أهل مَكَّة فِي محملة عَرفته بِصَوْتِهِ فَقَوله وَلَا طيرة وَخَيرهَا الفأل يَنْفِي عَن الفأل مَذْهَب الطَّيرَة من تَأْثِير أَو فعل أَو شركَة ويخلص الفال مِنْهَا وَفِي الْفرْقَان بَينهمَا فَائِدَة كَبِيرَة وَهِي أَن التطير هُوَ التشاؤم من الشَّيْء المرئي أَو المسموع فَإِذا استعملها الْإِنْسَان فَرجع بهَا من سَفَره وَامْتنع بهَا مِمَّا عزم عَلَيْهِ فقد قرع بَاب الشّرك بل ولجه وبرىء من التَّوَكُّل على الله وَفتح على نَفسه بَاب الْخَوْف والتعلق بِغَيْر الله والتطير مِمَّا يرَاهُ أَو يسمعهُ وَذَلِكَ قَاطع لَهُ عَن مقَام إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وأعبده وتوكل عَلَيْهِ وَعَلِيهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب فَيصير قلبه مُتَعَلقا بِغَيْر الله عبَادَة وتوكلا فَيفْسد عَلَيْهِ قلبه وإيمانه
وحاله وَيبقى هدفا لسهام الطَّيرَة ويساق إِلَيْهِ من كل أَوب ويقيض لَهُ الشَّيْطَان من ذَلِك مَا مَا يفْسد عَلَيْهِ دينه ودنياه وَكم هلك بذلك وخسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأَيْنَ هَذَا من الفأل الصَّالح السار للقلوب الْمُؤَيد للآمال الفاتح بَاب الرَّجَاء الْمسكن للخوف الرابط للجاش الْبَاعِث على الِاسْتِعَانَة بِاللَّه والتوكل عَلَيْهِ والاستبشار المقوى لأمله السار لنَفسِهِ فَهَذَا ضد الطَّيرَة فالفأل يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الطَّاعَة والتوحيد والطيرة تُفْضِي بصاحبها إِلَى الْمعْصِيَة والشرك فَلهَذَا اسْتحبَّ الفأل وأبطل الطَّيرَة وَأما حَدِيث اللقحة وَمنع النَّبِي حَربًا وَمرَّة من حلبها وَأذنه ليعيش فِي حلبها فَلَيْسَ هَذَا بِحَمْد الله فِي شَيْء من الطَّيرَة لِأَنَّهُ محَال أَن ينْهَى عَن شَيْء ويبطله ثمَّ يتعاطاه هُوَ وَقد أَعَاذَهُ الله سُبْحَانَهُ من ذَلِك قَالَ أَبُو عمر لَيْسَ هَذَا عِنْدِي من بَاب الطَّيرَة لِأَنَّهُ محَال أَن ينْهَى عَن شَيْء ويفعله وَإِنَّمَا هُوَ من طلب الفال الْحسن وَقد كَانَ أخْبرهُم عَن أقبح الْأَسْمَاء أَنه حَرْب وَمرَّة فأكد ذَلِك حَتَّى لَا يتسمى بهَا أحد ثمَّ سَاق من طَرِيق ابْن ربيعَة عَن جَعْفَر بن ربيعَة بن يزِيد عَن عبد الله بن عَامر الْيحصبِي أَن رَسُول الله قَالَ خير الْأَسْمَاء عبد الله وَعبد الرَّحْمَن واصدقها حَارِث وَهَمَّام حَارِث يحرث لأبنائه وَهَمَّام يهم بِالْخَيرِ وَكَانَ يكره الإسم الْقَبِيح لِأَنَّهُ كَانَ يتفاءل بالْحسنِ من الْأَشْيَاء ثمَّ سَاق من طَرِيق ابْن وهب حَدثنِي ابْن لَهِيعَة عَن الْحَارِث بن يزِيد عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير عَن يعِيش الْغِفَارِيّ قَالَ دَعَا النَّبِي يَوْمًا بِنَاقَة فَقَالَ من يحلبها فَقَامَ رجل فَقَالَ أَنا فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ مرّة قَالَ اقعد ثمَّ قَامَ آخر فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ جَمْرَة قَالَ اقعد ثمَّ قَامَ رجل فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ يعِيش قَالَ احلبها وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ أَن رَسُول الله كَانَ إِذا توجه لحَاجَة يحب أَن يسمع يانجيح يَا رَاشد يَا مبارك وَقد روى من حَدِيث بُرَيْدَة أَن النَّبِي كَانَ لَا يتطير من شَيْء وَلَكِن كَانَ إِذا سَالَ عَن اسْم الرجل فَكَانَ حسنا رؤى البشاشة فِي وَجهه وَإِن كَانَ سَيِّئًا رؤى ذَلِك فِي وَجهه وَإِذا سَأَلَ عَن اسْم الأَرْض وَكَانَ حسنا رؤى ذَلِك فِيهِ قلت الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا عبد الصمد حَدثنَا هِشَام عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ رَسُول الله لَا يتطير من شَيْء وَلكنه إِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي ارضا سَالَ عَن اسْمهَا فَإِن كَانَ حسنا رؤى ذَلِك فِي وَجهه وَكَانَ إِذا بعث رجلا سَأَلَ عَن اسْمه فَإِن كَانَ حسن الإسم رؤى الْبشر فِي وَجهه وَإِن كَانَ قبيحا رؤى ذَلِك فِي وَجهه وَقَالَ ابو عمر حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا قَاسم حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر بن حُسَيْن بن حُرَيْث ابْن عبد الله بن بريده عز الْحُسَيْن بن وَاقد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ النَّبِي لَا يتطير وَلَكِن كَانَ يتفاءل فَركب بُرَيْدَة فِي سبعين رَاكِبًا من أهل بَيته من بني أسلم فَتلقى النَّبِي لَيْلًا فَقَالَ لَهُ النَّبِي من أَنْت قَالَ أَنا بُرَيْدَة فَالْتَفت إِلَى أبي بكر قَالَ يَا أَبَا بكر
برد أمرنَا وَصلح ثمَّ قَالَ مِمَّن قَالَ من أسلم قَالَ لأبى بكر سلمنَا ثمَّ قَالَ مِمَّن قَالَ من بنى سهم قَالَ خرج سهمنا قَالَ أَحْمد بن زُهَيْر قَالَ أَنا أَبُو عمار سَمِعت أَو كَمَا يحدث هَذَا الحَدِيث بعد ذَلِك عَن أَخِيه سهل بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن بُرَيْدَة فَأَعَدْت ثَلَاثًا من حَدثَك قَالَ سهل أخي وَالَّذِي يكْشف أَمر حَدِيث اللقحة مازاده ابْن وهب فِي جَامعه الحَدِيث فَقَالَ بعد أَن ذكره فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ أَتكَلّم يَا رَسُول الله أم أصمت قَالَ بل أصمت وأخبرك بِمَا أردْت ظَنَنْت يَا عمر أَنَّهَا طيرة وَلَا طير إِلَّا طيره وَلَا خير إِلَّا خَيره وَلَكِن أحب الفأل الْحسن فَزَالَ بذلك تعلق المتطيرين بن ووضح أَمر الحَدِيث وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين 00 وَيُمكن أَن يكون هَذَا مِنْهُ على سَبِيل التَّأْدِيب لأمته لِئَلَّا يتسموا بالأسماء القبيحة وليبادر من أسلم مِنْهُم وَله اسْم قَبِيح إِلَى إِبْدَاله بِغَيْرِهِ من غير إِيجَاب مِنْهُ وَلَا إِلْزَام وَلَكِن لوَجْهَيْنِ من الِاسْتِحْبَاب:
أَحدهمَا انتقالهم عَن مَذَاهِب آبَائِهِم ومقاصد سلفهم الْفَاسِدَة القبيحة الَّتِي يحزن بهَا بَعضهم بَعْضًا عِنْد سماعهَا وموافاة أَهلهَا ومخالطتهم ومفاجأتهم لما يبْقى فِي ذَلِك من آثَار الطَّيرَة الكامنة فِي الغريزة فَإِن سلم العَبْد مِنْهَا وجاهد نَفسه كليها عِنْد لقيا صَاحبهَا وسماعه لاسم أَخِيه لم يسلم من الكمد وحزن الْقلب وَقد يُؤدى ذَلِك إِلَى الْبغضَاء وَإِلَى ضرب من النفرة والتفرقة كالصديق يَدعُوهُ الصّديق الْقَبِيح الِاسْم فقد يتَمَنَّى خاطره أَنه لم يَصْحَبهُ وَلَا رَآهُ وَلَا سمع اسْمه حَتَّى إِذا طمع بِهِ وَدعَاهُ ذُو الِاسْم الْحسن ابتهج أليه وَأَقْبل عَلَيْهِ وسر بصياحه ودعائه لَهُ لراحة قلبه إِلَى حسن اسْمه فقد يَدْعُو الْبعيد من قلبه وَيبعد الصّديق من نَفسه من أجل اسْمه فَكيف بِهِ إِذا رَآهُ من يَوْمه وعبرله تَعْبِير السوء من اشتقاق اسْمه كَيفَ يعود متمنيا لفقده فِي رقاده متكرها للقائه متطيرا لرُؤْيَته وَهَذَا ضد التوادد والتراحم والتوالف الَّذِي قصد الشَّارِع ربطه بَين الْمُؤمنِينَ فكره صلى الله عليه وسلم لأمته مقَامهَا على حَالَة يُؤْذى بهَا بَعضهم بَعْضًا لغير عذر وَلَا فَائِدَة تعود عَلَيْهِم لَا فِي الدِّينَا وَلَا فِي الآخر ويؤدى هَذَا إِلَى التقاطع والتنافر مَعَ أَنه قد ندبهم وَاسْتحبَّ لَهُم إِدْخَال أحدهم السرُور على أَخِيه الْمُسلم مَا اسْتَطَاعَ وَدفع الْأَذَى وَالْمَكْرُوه عَنهُ فَقَالَ لَا تقاطعوا وَلَا تدابروا وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا الْمُسلم أَخُو الْمُسلم وَقد أَمرهم يَوْم الْجُمُعَة بِالْغسْلِ وَالطّيب عِنْد اجْتِمَاعهم لِئَلَّا يُؤْذى بَعضهم بَعْضًا برائحته الَّتِي انما يتجشمها سَاعَة للاجتماع ثمَّ يفترقا وَمنع آكل الثوم والبصل من دُخُول الْمَسْجِد لأجل تأذى النَّاس وَالْمَلَائِكَة بِهِ وَمنع الِاثْنَيْنِ أَن يتناجيا دون صَاحبهمَا خشيَة تأذيه وحزنه وَمنع أحدهم أَن يَأْكُل مَتَاع أَخِيه لاعبا لِأَن ذَلِك يُؤْذِيه وَمَعْلُوم أَن ضَرَر الِاسْم الْقَبِيح على كثير مِنْهُم عَلَيْهِ عِنْد همه وَخُرُوجه من منزله ورؤية صَاحبه فِي مَنَامه ودعائه من برائحة الثوم والبصل وَهَذَا من كَمَال رأفته وَرَحمته بِالْمُؤْمِنِينَ وَعزة مَا عنتوا
عَلَيْهِ وَلِهَذَا وَالله أعلم غير كثيرا من الْأَسْمَاء القبيحة بِأَحْسَن مِنْهَا وَغير أَسمَاء حَسَنَة إِلَى غَيرهَا خشيَة الطَّيرَة والتأذى عِنْد نَفيهَا وَالْخُرُوج من عِنْد الْمُسَمّى أَو لتضمنها تَزْكِيَة النَّفس وَنَحْوهَا فَالْأول كَغَيْرِهِ اسْم الْحباب بن الْمُنْذر بِعَبْد الرَّحْمَن وَقَالَ الْحباب اسْم الشَّيْطَان وَغير أَبَا مرّة إِلَى أَبى حلوة وَغير أَبَا الْمعاصِي إِلَى مُطِيع وَغير عاصية بجميلة وَغير أسم بنى الشَّيْطَان إِلَى بنى عبد الله وَغير اسْم أَصْرَم إِلَى اسْم زرْعَة وَغير اسْم حزن جد سعيد بن الْمسيب إِلَى سهل فَأبى قبُول ذَلِك فَلَزِمَهُ مُسَمّى اسْمه من الحزونة لَهُ ولذريته 00
وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَغير النَّبِي اسْم الْعَاصِ وعزير وعقلة والشيطان وَالْحكم وغراب وحباب وشهاب فَسَماهُ هشاما وسمى حَربًا سلما وسمى المضطجع المنبعث وأرضا اسْمهَا عفرَة سَمَّاهَا خضرَة وَشعب الضَّلَالَة سَمَّاهُ شعب الْهدى وَبَنُو الزنية سماهم بنى الرشدة وسمى بنى مغويه بنى رشدة قَالَ أَبُو دَاوُد تركت أسانيدها للاختصار 00 وَقَالَ مَسْرُوق لقِيت عمر فَقَالَ من أَنْت فَقلت مَسْرُوق بن الأجدع فَقَالَ عمر سَمِعت رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الأجدع شَيْطَان وَأما الثَّانِي فَفِي صَحِيح مُسلم عَن سَمُرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى وَعَلِيهِ وَسلم لاتسمين غلامك يسارا وَلَا رباحا وَلَا نجيحا وَلَا أَفْلح فَإنَّك تَقول اثم هُوَ فَيُقَال لَا وَغير اسْم برة بِزَيْنَب وَكره أَن يُقَال خرج من عِنْد برة وَأما الثَّالِث فكتغييره أَبَا الحكم بِأبي شُرَيْح وَتَفْسِيره أَيْضا برة بِزَيْنَب وَقَالَ لَا تزكوا أَنفسكُم فروى مُسلم فِي صَحِيحه عَن مُحَمَّد ابْن عَمْرو بن عَطاء أَن زَيْنَب بنت أَبى سَلمَة سَأَلته مَا سميت بنتك قَالَ سميتها برة فَقَالَت إِن رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن هَذَا الِاسْم وَسميت برة فَقَالَ النَّبِي لَا تزكوا أَنفسكُم الله أعلم بِأَهْل الْبر مِنْكُم فَقَالُوا مَا نسميها قَالَ سَموهَا زَيْنَب وَمن هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النَّبِي أَن أخنع اسْم عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة رجل تسمى ملك الْأَمْلَاك لَا مَالك إِلَّا الله قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة مثل شاهان شاه وَذكر وهب أَن رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِغُلَام فَقَالَ مَا سميتم هَذَا قَالُوا السَّائِب فَقَالَ لَا تسموه السَّائِب وَلَكِن سموهُ عبد الله قَالَ فغلبوا على اسْمه فَلم يمت حَتَّى ذهب عقله فَإِن قيل فقد كَانَ لرَسُول الله اسْمه رَبَاح وَكَانَ لأبى أَيُّوب غُلَام اسْمه أَفْلح ولعَبْد الله بن عمر غُلَام اسْمه رَبَاح قيل هَذَا النهى من النَّبِي لم يكن على وَجه الْعَزِيمَة والحتم وَلَكِن كَانَ على جِهَة الْكَرَاهَة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه عَن جده حزن أَنه أَتَى النَّبِي فَقَالَ لَهُ مَا اسْمك قَالَ حزن فَقَالَ أَنْت سهل لَا أغير اسْما سمانية أَبى فَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي وَلَا أخبرهُ أَن ذَلِك مَعْصِيّة بل سكت عَنهُ وَكَذَلِكَ لما غير اسْم السَّائِب فَأَبَوا تَغْيِيره لم يُنكر عَلَيْهِم وَأَيْضًا فروى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أَبى الزبير عَن جَابر قَالَ أَرَادَ النَّبِي أَن ينْهَى أَن يُسمى بيعلى وبركة وأفلح ويسار وَنَافِع وَنَحْو ذَلِك ثمَّ رَأَيْته سكت
بعد عَنْهَا فَلم يقل شَيْئا ثمَّ قبض وَلم ينْه عَن ذَلِك ثمَّ أَرَادَ عمر رضى الله عَنهُ أَن ينْهَى عَن ذَلِك ثمَّ تَركه وَرَأَيْت لبَعْضهِم فِي الْفرق بَين الفأل والطيرة كلَاما مَا أذكرهُ بِلَفْظِهِ قَالَ أما مَا روى أَن النَّبِي كَانَ يتفاءل وَلَا يتطير فهما وَإِن كَانَ مَعْنَاهَا وَاحِد فِي الِاسْتِدْلَال فبينهما افْتِرَاق لِأَن الفأل إبانة والتطير اسْتِدْلَال والإبانة أَكثر واشهر وأوضح وأفصح لِأَن من كَانَ فِي قلبه وضميره شَيْء فَسمع قَائِلا يَقُول أقبل الْخَيْر وامض بِسَلام أَو أبشر أَو نَحْو ذَلِك فقد اكْتفى بِمَا سمع من الِاسْتِدْلَال وَالَّذِي يرى طائرا يَصِيح أَو ينوح فَلَيْسَ مَعَه إِلَى الِاسْتِدْلَال على الْيمن بالسانح والشؤم بالبارح وَهَذَا أَمر قد يكون وَقد لَا يكون وَذَلِكَ الفأل فِي الْأَعَمّ يكون وَقَالَ آخَرُونَ إِن النَّبِي لم يكن يتطير أَي لم يكن يسند الْأُمُور الكائنة من الْخَيْر وَالشَّر إِلَى الطير كَمَا يفعل الكهنة وَقَالَ آخَرُونَ إِن النَّبِي كَانَ إِذا جلس مَعَ أَصْحَابه فَتكلم أحدهم بِخَير أَو سمع من تكلم حصهم عَلَيْهِ وعرفهم بِهِ وَمَعْلُوم أَنه لَا بُد لطائر أَن يمر سانحا أَو بارحا أَو قعيدا أَو ناطحا فَلَا يوقفهم عَلَيْهِ وَلَا يعرفهُمْ بِهِ إِذْ ذَلِك من فعل الْكُهَّان وَكَانَ الحَدِيث المروى عَنهُ أَنه كَانَ يتفاءل وَلَا يتطير من هَذَا الْمَعْنى وَقد أغْنى الله رَسُوله باخباره بارسال جِبْرِيل إِلَيْهِ بِمَا يحدثه سُبْحَانَهُ من الِاسْتِدْلَال على أحداثه بالأشياء الَّتِي ينظر فِيهَا غَيره تَفْرِقَة مِنْهُ سُبْحَانَهُ بَين النُّبُوَّة وَغَيرهَا فان قيل فَهَذَا الَّذِي نزل بِهَذَيْنِ الرجلَيْن وهما السَّائِب وحزن هَل كَانَ من أجل اسمهما أم من جِهَة غير الِاسْم قيل قد يظنّ من لَا ينعم النّظر أَن الَّذِي نزل بهما هُوَ من جِهَة اسميهما ويصحح بذلك امْر الطَّيرَة وتأثيرها وَلَو كَانَ كَمَا ظنوه لوَجَبَ أَن ينزل بِجَمِيعِ من تسمى باسميهما من أول الدَّهْر ولكان اقْتِضَاء الِاسْم لذَلِك كاقتضاء النَّار الإحراق وَالْمَاء والتبريد وَنَحْوه وَلَكِن يحمل ذَلِك وَالله أعلم على أَن الْأَمريْنِ الجاريين عَلَيْهِمَا قد تقدما فِي أم الْكتاب كَمَا تقدم لَهما أَيْضا أَن يتسميا باسميهما إِلَى أَن يخْتَار لَهما رَسُول الله وَغَيرهمَا فيرغبون عَن اخْتِيَاره ويتخلفون عَن استجابته فيعاقبا بِمَا قد سبق لَهما عُقُوبَة تطابق اسمهما ليَكُون ذَلِك زاجرا لمن سواهُمَا وَقد يكون خَوفه على اهل الْأَسْمَاء الْمَكْرُوهَة أَيْضا من مثل هَذِه الْحَوَادِث إِذْ قد تنزل بالإنسان بِلَا مَشِيئَة بِمَا فِي اسْمه فيظن هُوَ أَو جَمِيع من بلغه أَن ذَلِك كَانَ من أجل اسْمه عَاد عَلَيْهِ بشؤمه فيعصي الله عز وجل وَقد كره قوم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَن يسموا عبيدهم عبد الله أَو عبد الرَّحْمَن أَو عبد الْملك وَنَحْوه ذَلِك مَخَافَة أَن يعتقهم ذَلِك قَالَ سعيد بن جُبَير كنت عِنْد ابْن عَبَّاس سنة لَا ُأكَلِّمهُ وَلَا أعرفهُ وَلَا يعرفنِي حَتَّى أَتَاهُ يَوْمًا كتاب من امْرَأَة من أهل الْعرَاق فَدَعَا غلمانه فَجعل يكني عَن عبيد الله وَعبد الله واشباهم وَيَدْعُو يَا مِخْرَاق يَا وثاب وروى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم