الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاصطلاحات الْحَادِثَة وسبقت مَعَانِيهَا إِلَى قلبه فَلم يعرف سواهَا فَيسمع كَلَام الشَّارِع فيحمله على مَا أَلفه من الِاصْطِلَاح فَيَقَع بِسَبَب ذَلِك فِي الْفَهم عَن الشَّارِع مَا لم يردهُ بِكَلَامِهِ وَيَقَع من الْخلَل فِي نظره ومناظرته مَا يَقع وَهَذَا من أعظم أَسبَاب الْغَلَط عَلَيْهِ مَعَ قلَّة البضاعة من معرفَة نصوصه فأذا اجْتمعت هَذِه الْأُمُور مَعَ نوع فَسَاد فِي التَّصَوُّر أَو الْقَصْد أوهما مَا شِئْت من خبط وَغلط واشكالات واشتمالات وَضرب كَلَامه بعضه بِبَعْض وَإِثْبَات مَا نَفَاهُ وَنفي مَا أثْبته وَالله الْمُسْتَعَان
فصل وَأما قَضِيَّة المجذوم فَلَا ريب أَنه روى عَن النَّبِي أَنه قَالَ
فر من المجذوم فرارك من الْأسد وَأرْسل إِلَى ذَلِك المجذوم أَنا قد بايعناك فَارْجِع وَأخذ بيد مجذوم فوضعها فِي الْقَصعَة وَقَالَ كل ثِقَة بِاللَّه وتوكلا عَلَيْهِ وَلَا تنَافِي بَين هَذِه الْآثَار وَمن أحَاط علما بِمَا قدمْنَاهُ تبين لَهُ وَجههَا وَأَن غَايَة ذَلِك أَن مُخَالطَة المجذوم من أَسبَاب الْعَدْوى وَهَذَا السَّبَب يُعَارضهُ أَسبَاب آخر تمنع اقتضاءه فَمن أقواها التَّوَكُّل على الله والثقة بِهِ فَأَنَّهُ يمْنَع تَأْثِير ذَلِك السَّبَب الْمَكْرُوه وَلَكِن لَا يقدر كل وَاحِد من الْأمة على هَذَا فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مجانبة سَبَب الْمَكْرُوه والفرار والبعد مِنْهُ وَلذَلِك أرسل إِلَى ذَلِك المجذوم الآخر بالبيعة تشريعا مِنْهُ للفرار من أَسبَاب الْأَذَى وَالْمَكْرُوه وَأَن لَا يتَعَرَّض العَبْد لأسباب الْبلَاء ثمَّ وضع يَده مَعَه فِي الْقَصعَة فَإِنَّمَا هُوَ سَبَب التَّوَكُّل على الله والثقة بِهِ الَّذِي هُوَ من أعظم الْأَسْبَاب الَّتِي يدْفع بهَا الْمَكْرُوه والمحذور تَعْلِيما مِنْهُ للْأمة دفع الْأَسْبَاب الْمَكْرُوهَة بِمَا هُوَ أقوى مِنْهَا وإعلاما بِأَن الضَّرَر والنفع بيد الله عز وجل فَإِن شَاءَ أَن يضر عَبده ضره وَإِن شَاءَ أَن يصرف عَنهُ الضّر صرقه بل إِن شَاءَ أَن يَنْفَعهُ بِمَا هُوَ من أَسبَاب الضَّرَر ويضره بِمَا هُوَ من أَسبَاب النَّفْع فعل ليتبين الْعباد أَنه وَحده الضار النافع وَأَن أَسبَاب الضّر والنفع بيدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي جعلهَا أسبابا وَإِن شَاءَ خلع مِنْهَا سببيتها وان شَاءَ جعل مَا تَقْتَضِيه بِخِلَاف الْمَعْهُود مِنْهَا ليعلم أَنه الْفَاعِل الْمُخْتَار وَأَنه لَا يضر شَيْء وَلَا ينفع إِلَّا بِإِذْنِهِ وَأَن التَّوَكُّل عَلَيْهِ والثقة بِهِ تحيل الْأَسْبَاب الْمَكْرُوهَة إِلَى خلاف موجباتها وتبيين مرتبتها وَأَنَّهَا محَال لمجارى مَشِيئَة الله وحكمته وَأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يضْربهَا وينفع لَيْسَ إِلَيْهَا وَلَا لَهَا من الْأَمر شَيْء وَأَن الْأَمر كُله لله وَأَنَّهَا إِنَّمَا ينَال ضررها من علق قلبه بهَا ووقف عِنْدهَا وَتَطير بِمَا يتطير بِهِ مِنْهَا فَذَلِك الَّذِي يُصِيبهُ مَكْرُوه الطَّيرَة والطيرة سَبَب للمكروه على المتطير فَإِذا توكل على الله ووثق بِهِ واستعان بِهِ لم يصده التطير عَن حَاجته وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك وَلَا خير إِلَّا خيرك وَلَا إِلَه غَيْرك اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْت وَلَا يذهب بالسيئات إِلَّا أَنْت وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك فَإِنَّهُ لَا يضرّهُ
مَا يتطير مِنْهُ شَيْئا قَالَ ابْن مَسْعُود مَا منا إِلَّا من يعْنى يتطير وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل وَقد روى مَرْفُوعا وَالصَّوَاب عَن ابْن مَسْعُود قَوْله فالطيرة إِنَّمَا تصيب المتطير لشركه وَالْخَوْف دَائِما مَعَ الشّرك وَإِلَّا من دَائِما مَعَ التَّوْحِيد قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن خَلِيله إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي محاجته لِقَوْمِهِ وَكَيف أَخَاف مَا أشركتم بِهِ وَلَا تخافون أَنكُمْ أشركتم بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ عَلَيْكُم سُلْطَانا فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن إِن كُنْتُم تعلمُونَ فَحكم الله عز وجل بَين الْفَرِيقَيْنِ بِحكم فَقَالَ الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله علية وَسلم تَفْسِير الظُّلم فِيهَا بالشرك وَقَالَ ألم تسمعوا قَول العَبْد الصَّالح إِن الشّرك لظلم عَظِيم فالتوحيد من أقوى أَسبَاب الْأَمْن من المخاوف والشرك من أعظم أَسبَاب حُصُول المخاوف وَلذَلِك من خَافَ شَيْئا غير الله سلط عَلَيْهِ وَكَانَ خَوفه مِنْهُ هُوَ سَبَب تسليطه عَلَيْهِ وَلَو خَافَ الله دونه وَلم يخفه لَكَانَ عدم خَوفه مِنْهُ وتوكله على الله من أعظم أَسبَاب نجاته مِنْهُ وَكَذَلِكَ من رجا شَيْئا غير الله حرم مَا رجاه مِنْهُ وَكَانَ رجاؤه غير الله من أقوي أَسبَاب حرمانه فَإِذا رجا الله وَحده كَانَ تَوْحِيد رجائه أقوى أَسبَاب الْفَوْز بِمَا رجاه أَو بنظيره أَو بِمَا هُوَ أَنْفَع لَهُ مِنْهُ وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَليكن هَذَا آخر الْكتاب وَقد جلبت إِلَيْك فِيهِ نفائس فِي مثلهَا يتنافس الْمُتَنَافسُونَ وجليت عَلَيْك فِيهِ عرائس إِلَى مِثْلهنَّ بَادر الخاطبون فَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة الْعلم وفضله وَشدَّة الْحَاجة إِلَيْهِ وشرفه وَشرف أَهله وَعظم موقعه فِي الدَّاريْنِ وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة إِثْبَات الصَّانِع بطرق واضحات جليات تلج الْقُلُوب بِغَيْر اسْتِئْذَان وَمَعْرِفَة حكمته فِي خلقه وَأمره وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة قدر الشَّرِيعَة وَشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا وَمَعْرِفَة جلالتها وحكمتها وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة النُّبُوَّة وَشدَّة الْحَاجة إِلَيْهَا بل وضرورة الْوُجُود إِلَيْهَا وَأَنه يَسْتَحِيل من أحكم الْحَاكِمين أَن يخلى الْعَالم عَنْهَا وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة مَا فطر الله عَلَيْهِ الْعُقُول من تَحْسِين الْحسن وتقبيح الْقَبِيح وَإِن ذَلِك أَمر عَقْلِي فطرى بالأدلة والبراهين الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا هَذَا الْكتاب فَلَا تُوجد فِي غَيره وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة الرَّد على المنجمين الْقَائِلين بِالْأَحْكَامِ بأبلغ طرق الرَّد من نفس صناعتهم وعلمهم وإلزامهم بالألزامات المفخمة الَّتِي لَا جَوَاب لَهُم عَنْهَا وإبداء تناقضهم فِي صناعتهم وفضائحهم وكذبهم على الْخلق وَالْأَمر وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ معرفَة الطَّيرَة والفأل والزجر وَالْفرق بَين صَحِيح ذَلِك وباطلة وَمَعْرِفَة مَرَاتِب هَذِه فِي الشَّرِيعَة وَالْقدر وَإِن شِئْت اقتبست مِنْهُ أصولا نافعة جَامِعَة مِمَّا تكمل بِهِ النَّفس البشرية وتنال بهَا سعادتها فِي معاشها ومعادها إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد الَّتِي مَا كَانَ مِنْهَا صَوَابا فَمن الله وَحده هُوَ ألمان بِهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا من خطأ فَمن مُؤَلفه وَمن الشَّيْطَان وَالله بَرِيء مِنْهُ وَرَسُوله وَالله سُبْحَانَهُ الْمَسْئُول والمرغوب إِلَيْهِ المأمول أَن
يَجعله خَالِصا لوجهه وَأَن يعيدنا من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا وَأَن يوفقنا لما يُحِبهُ ويرضاه إِنَّه قريب مُجيب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا