الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَنَّهَا النُّجُوم تَفْسِير المنجمين وَمن سلك سبيلهم وَأما وَصفه تَعَالَى بعض الْأَيَّام بِأَنَّهَا أَيَّام نحس كَقَوْلِه {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّام نحسات} فَلَا ريب أَن الْأَيَّام الَّتِي أوقع الله سُبْحَانَهُ فِيهَا الْعقُوبَة بأعدائه وأعداء رسله كَانَت أَيَّامًا نحسات عَلَيْهِم لِأَن النحس أَصَابَهُم فِيهَا وَإِن كَانَت أَيَّام خير لأوليائه الْمُؤمنِينَ فَهِيَ نحس على المكذبين سعد الْمُؤمنِينَ وَهَذَا كَيَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّهُ عسير على الْكَافرين يَوْم نحس لَهُم يسير على الْمُؤمنِينَ يَوْم سعد لَهُم قَالَ مُجَاهِد أَيَّام نحسات مشائيم وَقَالَ الضَّحَّاك مَعْنَاهُ شَدِيد أَي الْبرد حَتَّى كَانَ الْبرد عذَابا لَهُم قَالَ أَبُو عَليّ وَأنْشد الاصمعي فِي النحس بِمَعْنى الْبرد:
كَانَ سلافة عرضت بنحس
…
يحِيل شفيفها المَاء الزلالا
وَقَالَ ابْن عَبَّاس نحسات مُتَتَابِعَات وَكَذَلِكَ قَوْله {إِنَّا أرسلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي يَوْم نحس مُسْتَمر} وَكَانَ الْيَوْم نحسا عَلَيْهِم لإرسال الْعَذَاب عَلَيْهِم أَي لَا يقْلع عَنْهُم كَمَا تقلع مصائب الدُّنْيَا عَن أَهلهَا بل هَذَا النحس دَائِم على هَؤُلَاءِ المكذبين للرسل ومستمر صفة للنحس لَا لليوم وَمن ظن أَنه صفة لليوم وانه كَانَ يَوْم أربعاء آخر الشَّهْر وَأَن هَذَا الْيَوْم نحس أبدا فقد غلط واخطأ فهم الْقُرْآن فان الْيَوْم الْمَذْكُور بِحَسب مَا يَقع فِيهِ وَكم لله من نعْمَة على أوليائه فِي هَذَا الْيَوْم وان كَانَ لَهُ فِيهِ بلايا ونقم على أعدائه كَمَا يَقع ذَلِك فِي غَيره من الْأَيَّام فسعود الْأَيَّام ونحوسها إِنَّمَا هُوَ بسعود الْأَعْمَال وموافقتها لمرضاة الرب ونحوس الْأَعْمَال مخالفتها لما جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَالْيَوْم الْوَاحِد يكون يَوْم سعد لطائفة ونحس لطائفه كَمَا كَانَ يَوْم بدر يَوْم سعد للْمُؤْمِنين وَيَوْم نحس على الْكَافرين فَمَا للكوكب والطالع والقرانات وَهَذَا السعد والنحس وَكَيف يستنبط علم أَحْكَام النُّجُوم من ذَلِك وَلَو كَانَ الْمُؤثر فِي هَذَا النحس هُوَ نفس الْكَوْكَب والطالع لَكَانَ نحسا على الْعَالم فَأَما أَن يَقْتَضِي الْكَوْكَب كَونه نحسا لطائفة سَعْدا لطائفة فَهَذَا هوالمحال
فصل وَأما الِاسْتِدْلَال بِالْآيَاتِ الدَّالَّة على أَن الله سُبْحَانَهُ وضع حركات
هَذِه الأجرام على وَجه ينْتَفع بهَا فِي مصَالح هَذَا الْعَالم بقوله هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب مَا خلق ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ وَقَوله تَعَالَى {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمرا منيرا} الْآيَة فَمن أطرف الِاسْتِدْلَال فَأَيْنَ فِي هَذِه الْآيَات مَا يدل على مَا يَدعِيهِ المنجمون من كذبهمْ وبهتانهم وافترائهم وَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا يَدعِيهِ هَؤُلَاءِ الكذابون لكَانَتْ الدّلَالَة وَالْعبْرَة فِيهِ أعظم من مُجَرّد الضياء والنور والحساب ولكان الْأَلْيَق ذكر مَا تَقْتَضِيه من السعد والنحس وتعطيه من السَّعَادَة والشقاوة وتهبه من
الْأَعْمَار والأرزاق والآجال والصنائع والعلوم والمعارف والصور الحيوانية والنباتية والمعدنية وَسَائِر مَا فِي هَذَا الْعَالم من الْخَيْر وَالشَّر وَأما قَوْله تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا سرجا وقمرا منيرا فَهُوَ تَعْظِيم وثناء مِنْهُ تَعَالَى على نَفسه بِجعْل هَذِه البروج وَالشَّمْس وَالْقَمَر فِي السَّمَاء وَقد اخْتلف فِي البروج الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآيَة فَأكْثر السّلف على أَنَّهَا الْقُصُور أَو الْكَوَاكِب الْعِظَام
قَالَ ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا شُجَاع حَدثنَا ابْن إِدْرِيس عَن ابيه عَن عَطِيَّة جعل فِي السَّمَاء بروجا قَالَ قصورا فِيهَا حرس
حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا أَبُو بكر حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة ووكيع عَن اسماعيل عَن يحيى بن رَافع قَالَ قصورا فِي السَّمَاء حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا أَبُو بكر حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن ابْن ابي نجيح عَن مُجَاهِد قَالَ النُّجُوم يَعْنِي بروجا وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَة حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا يعلي حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن أبي صَالح تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا قَالَ النُّجُوم الْكِبَار وَهَذَا مُوَافق لِمَعْنى اللَّفْظَة فِي اللُّغَة فَإِن الْعَرَب تسمي الْبناء الْمُرْتَفع برجا قَالَ تَعَالَى اينما تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت لَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة وَقَالَ الأخطل:
كَأَنَّهَا برج رومي يشيده
…
بِأَن بحض وآجر وأحجار
قَالَ الْأَعْمَش كَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤنها تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء قصورا وَأما الْمُتَأَخّرُونَ من الْمُفَسّرين فكثير مِنْهُم يذهب إِلَى أَنَّهَا البروج الإثني عشر الَّتِي تَنْقَسِم عَلَيْهَا الْمنَازل كل برج منزلتان وَثلث وَهَذِه الْمنَازل الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ يَبْدُو مِنْهَا للنَّاظِر أَرْبَعَة عشر منزلا ابدا وَيخْفى مِنْهَا أَرْبَعَة عشر منزلا كَمَا أَن البروج يظْهر مِنْهَا أبدا سِتَّة وَيخْفى سِتَّة وَالْعرب تسمى أَرْبَعَة عشر منزلا مِنْهَا شامية وَأَرْبَعَة عشر يَمَانِية فَأول الشامية السرطان وَآخِرهَا السماك الأعزل وَأول اليمانية الغفر وَآخِرهَا الرشا إِذا طلع مِنْهَا منزل من الْمشرق غَابَ رقيبه من الْمغرب وَهُوَ الْخَامِس عشر وَبهَا تَنْقَسِم فُصُول السّنة الْأَرْبَع فللربيع مِنْهَا الْحمل والثور والجوزاء ومنازلها الشَّرْطَيْنِ والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع وللصيف مِنْهَا السرطان والأسد والسنبلة ومنازلها النثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك وللخريف مِنْهَا الْمِيزَان وَالْعَقْرَب والقوس ومنازلها الغفر والزبان والأكليل وَالْقلب والشولة والنعائم والبلدة وللشتاء مِنْهَا الجدي والدلو والحوت ومنازلها سعد الذَّابِح وَسعد بلع وَسعد السُّعُود وَسعد الأخبية وَالْفرع الْمُقدم وَيُسمى الأول وَالْفرع الْمُؤخر وَيُسمى الثَّانِي والرشا وَلما كَانَ نزُول الْقَمَر فِي هَذِه الْمنَازل مَعْلُوما بالعيان والمشاهدة ونزول الشَّمْس فِيهَا إِنَّمَا هُوَ بِالْحِسَابِ لَا بِالرُّؤْيَةِ قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل} وَقَالَ تَعَالَى {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم وَالْقَمَر قدرناه}