المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل ومما كان أهل الجاهلية يتطيرون به ويتشاءمون منه العطاس كما - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط العلمية - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصل مِفْتَاح دَار السَّعَادَة

- ‌فصل الشَّرَائِع كلهَا فِي أُصُولهَا وَإِن تباينت متفقة مركوز حسنها فِي

- ‌فصل وَقد أنكر تَعَالَى على من نسب إِلَى حكمته التَّسْوِيَة بَين الْمُخْتَلِفين

- ‌فصل وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام بالْكلَام فِي مقامين أَحدهمَا فِي الْأَعْمَال خُصُوصا

- ‌فصل وَأما المسئلة الثَّانِيَة وَهِي مَا تَسَاوَت مصْلحَته ومفسدته فقد اخْتلف

- ‌فصل وَهَهُنَا سر بديع من أسرار الْخلق وَالْأَمر بِهِ يتَبَيَّن لَك حَقِيقَة الْأَمر

- ‌فصل وَأما مَا خلقه سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ أوجده لحكمة فِي إيجاده فَإِذا اقْتَضَت

- ‌فصل فَهَذِهِ أقوى أَدِلَّة النفاة باعترافهم بِضعْف مَا سواهَا فَلَا حَاجَة بِنَا

- ‌فصل وَإِذا قد انتهينا فِي هَذِه المسئلة إِلَى هَذَا الْموضع وَهُوَ بحرها

- ‌فصل وَقد سلم كثير من النفاة أَن كَون الْفِعْل حسنا أَو قبيحا بِمَعْنى

- ‌فصل إِذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَالْكَلَام على كَلِمَات النفاة من وُجُوه:

- ‌فصل والأسماء الْحسنى وَالصِّفَات الْعلَا مقتضية لآثارها من الْعُبُودِيَّة

- ‌فصل وَعكس هَذَا أَنه لم تشْتَرط الْمُكَافَأَة فِي علم وَجَهل وَلَا فِي كَمَال

- ‌فصل وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي الْإِيجَاب فِي حق الله سَوَاء الْأَقْوَال فِيهِ كالأقوال

- ‌فصل وَقد ظهر بِهَذَا بطلَان قَول طائفتين مَعًا الَّذين وضعُوا لله شَرِيعَة

- ‌فصل وَأما مَا ذكره الفلاسفة من مَقْصُود الشَّرَائِع وان ذَلِك لاستكمال

- ‌فصل وَهَذِه الكمالات الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرهَا الفلاسفة للنَّفس لَا بُد مِنْهَا

- ‌فصل وَرَأَيْت لبَعض فضلائهم وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن عَليّ بن عِيسَى رِسَالَة

- ‌فصل فلنرجع إِلَى كَلَام صَاحب الرسَالَة قَالَ زَعَمُوا أَن الْقَمَر والزهرة

- ‌فصل قَالَ صَاحب الرسَالَة ذكر جمل من احتجاجهم والاحتجاج عَلَيْهِم من إوكد

- ‌فصل وَأما الِاسْتِدْلَال بِالْآيَاتِ الدَّالَّة على أَن الله سُبْحَانَهُ وضع حركات

- ‌فصل وَأما ماذكره عَن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن أَنه تمسك بِعلم النُّجُوم حِين

- ‌فصل وَأما الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى لخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق

- ‌فصل وَأما استدلاله بقوله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} فَعجب من الْعجب فَإِن هَذَا من اقوى الْأَدِلَّة وأبينها على بطلَان قَول المنجمين والدهرية الَّذين يسندون جَمِيع مَا فِي الْعَالم من الْخَيْر وَالشَّر إِلَى النُّجُوم وحركاتها واتصالاتها ويزعمون أَن مَا تَأتي

- ‌فصل وَأما قَوْله إِن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه كَانَ اعْتِمَاده فِي

- ‌فصل وَأما استدلاله بِأَن النَّبِي نهى عِنْد قَضَاء الْحَاجة عَن اسْتِقْبَال

- ‌فصل وَأما استدلاله بِحَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي إِذا ذكر الْقدر

- ‌فصل وَالَّذِي أوجب للمنجمين كَرَاهِيَة السّفر وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب انهم قَالُوا

- ‌فصل وَأما مَا احْتج بِهِ من الْأَثر عَن عَليّ أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ

- ‌فصل وَأما احتجاجه بِحَدِيث أبي الدَّرْدَاء لقد توفّي رَسُول الله وَتَركنَا

- ‌فصل وَأما مَا نسبه إِلَى الشافعى من حكمه بالنجوم على عمر ذَلِك الْمَوْلُود

- ‌فصل وَأما قَوْله إِن هَذَا علم مَا خلت عَنهُ مِلَّة من الْملَل وَلَا

- ‌فصل وَأما مَا ذكره فِي أَمر الطالع عَن الْفرس وَأَنَّهُمْ كَانُوا يعتنون بطالع

- ‌فصل الْآن الْتَقت حلقتا البطان وتداعى نزال الْفَرِيقَانِ نعم وَهَهُنَا أَضْعَاف

- ‌فصل وَأما الْأَثر الَّذِي ذكره مَالك عَن يحيى بن سعيد أَن عمر بن

- ‌فصل وَأما محبَّة النَّبِي التَّيَمُّن فِي تنعله وَترَجله وَطهُوره وشأنه كُله

- ‌فصل وَأما قَوْله الشؤم فِي ثَلَاث الحَدِيث فَهُوَ حَدِيث صَحِيح من رِوَايَة

- ‌فصل وَأما الْأَثر الَّذِي ذكره مَالك عَن يحيى بن سعيد جَاءَت امْرَأَة إِلَى

- ‌فصل وَأما قَول النَّبِي للَّذي سل سَيْفه يَوْم أحد شم سَيْفك فَإِنِّي

- ‌فصل وَأما مَا احْتج بِهِ وَنسبه إِلَى قَوْله وقدت الْحَرْب لما رأى

- ‌فصل وَأما استقباله الجبلين فِي طَرِيقه وهما مسلح ومخرىء وَترك

- ‌فصل وَأما كَرَاهِيَة السّلف أَن يتبع الْمَيِّت بِشَيْء من النَّار أَو أَن يدْخل

- ‌فصل وَأما تِلْكَ الوقائع الَّتِي ذكروها مِمَّا يدل على وُقُوع مَا تطير بِهِ

- ‌فصل وَمِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِهِ ويتشاءمون مِنْهُ العطاس كَمَا

- ‌فصل وَأما قَوْله لَا يُورد ممرض على مصح فالممرض الَّذِي إبِله مراض والمصح

- ‌فصل وَيُشبه هَذَا مَا روى عَنهُ من نَهْيه عَن وَطْء الغيل وَهُوَ

- ‌فصل وَيُشبه هَذَا قَوْله للَّذي قَالَ لَهُ إِن لي أمة وَأَنا أكره

- ‌فصل وَأما قَضِيَّة المجذوم فَلَا ريب أَنه روى عَن النَّبِي أَنه قَالَ

الفصل: ‌فصل ومما كان أهل الجاهلية يتطيرون به ويتشاءمون منه العطاس كما

تَتبعُوهُ بالنَّار فتهيجوا بهَا خواطر النَّاس وتبعثوا ظنونهم بالتطير وَالنَّار وَالْعَذَاب وَالله أعلم

‌فصل وَأما تِلْكَ الوقائع الَّتِي ذكروها مِمَّا يدل على وُقُوع مَا تطير بِهِ

من تطير فَنعم وَهَاهُنَا أضعافها وأضاف أضعافها ولسنا ننكر مُوَافقَة الْقَضَاء وَالْقدر لهَذِهِ الْأَسْبَاب وَغَيرهَا كثيرا مُوَافقَة حزر الحازرين وظنون الظانين وزجر الزاجرين للقدر أَحْيَانًا مِمَّا لَا يُنكره أحد وَمن الْأَسْبَاب الَّتِي توجب وُقُوع الْمَكْرُوه الطَّيرَة كَمَا تقدم وَإِن الطَّيرَة على من تطير وَلَكِن نصب الله سُبْحَانَهُ لَهَا أسبابا يدْفع بهَا مُوجبهَا وضررها من التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَحسن الظَّن بِهِ وإعراض قلبه عَن الطَّيرَة وَعدم التفاته إِلَيْهَا وخوفه مِنْهَا وثقته بِاللَّه عز وجل ولسنا ننكر أَن هَذِه الْأُمُور ظنون وتخمين وحدس وخرص وَمَا كَانَ هَذَا سَبيله فَيُصِيب تَارَة ويخطىء تارات وَلَيْسَ كل مَا تطير بِهِ المتطيرون وتشاءموا بِهِ وَقع جَمِيعه وَصدق بل أَكْثَره كَاذِب وصادقه نَادِر وَالنَّاس فِي هَذَا الْمقَام إِنَّمَا يعولون وينقلون مَا صَحَّ وَوَقع ويعتنون بِهِ فَيرى كثيرا والكاذب مِنْهُ أَكثر من أَن ينْقل قَالَ ابْن قُتَيْبَة من شَأْن النُّفُوس حفظ الصَّوَاب للعجب بِهِ والاستغراب وتناسي الْخَطَأ قَالَ وَمن ذَا الَّذِي يتحدث أَنه سَأَلَ منجما فَأَخْطَأَ وَإِنَّمَا الَّذِي يتحدث بِهِ وينقل أَنه ساله فاصاب قَالَ وَالصَّوَاب فِي مسئلة إِذا كَانَ بَين أَمريْن قد يَقع للمعتوه والطفل فضلا عَن أولى الْعقل وَقد تقدم من بطلَان الطَّيرَة وكذبها مَا فِيهِ كِفَايَة وَقد كَانَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضي الله عنها تسْتَحب أَن تتَزَوَّج الْمَرْأَة أَو يبْنى بهَا فِي شَوَّال وَتقول مَا تزَوجنِي رَسُول الله إِلَّا فِي شَوَّال فاي نِسَائِهِ كَانَ أحظى عِنْده مني مَعَ تطير النَّاس بِالنِّكَاحِ فِي شَوَّال وَهَذَا فعل أولى الْعَزْم وَالْقُوَّة من الْمُؤمنِينَ الَّذين صَحَّ توكلهم على الله واطمأنت قُلُوبهم إِلَى رَبهم ووثقوا بِهِ وَعَلمُوا إِن مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَنَّهُمْ لن يصيبهم إِلَّا مَا كتب الله لَهُم وَأَنَّهُمْ مَا أَصَابَهُم من مُصِيبَة إِلَّا وَهِي فِي كتاب من قبل أَن يخلقهم ويوجدهم وَعَلمُوا أَنه لَا بُد أَن يصيروا إِلَى مَا كتبه وَقدره وَلَا بُد أَن يجرى عَلَيْهِم وَإِن تطيرهم لَا يرد قَضَاءَهُ وَقدره عَنْهُم بل قد يكون تطيرهم من أعظم الاسباب الَّتِي يجرى عَلَيْهِم بهَا الْقَضَاء وَالْقدر فيعينون على أنفسهم وَقد جرى لَهُم الْقَضَاء وَالْقدر بِأَن نُفُوسهم هِيَ سَبَب إِصَابَة الْمَكْرُوه لَهُم فطائرهم مَعَهم وَأما المتوكلون على الله المفوضون إِلَيْهِ الْعَالمُونَ بِهِ وبأمره فنفوسهم أشرف من ذَلِك وهممهم أَعلَى وثقتهم بِاللَّه وَحسن ظنهم بِهِ عدَّة لَهُم وَقُوَّة وجنة مِمَّا يتطير بِهِ المتطيرون ويتشاءم بِهِ المتشائمون عالمون أَنه لَا طير إِلَّا طيره وَلَا خير إِلَّا خيرة وَلَا إِلَه غَيره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين

‌فصل وَمِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِهِ ويتشاءمون مِنْهُ العطاس كَمَا

يتشاءمون بالبوارح

ص: 261

والسوانح قَالَ رُؤْيَة بن العجاج يصف فلاة

قطعتها وَلَا أهاب العطاسا

وَقَالَ أمرؤ الْقَيْس:

وَقد اغتدى قبل العطاس بهيكل

شَدِيد مشيد الْجنب فَعم الْمنطق

أَرَادَ أَنه كَانَ ينتبه للصَّيْد قبل أَن ينتبه النَّاس من نومهم لَيْلًا يسمع عطاسا فيتشاءم بعطاسه وَكَانُوا إِذا عطس من يحبونه قَالُوا لَهُ عمرا وشبابا وَإِذا عطس من يبغضونه قَالُوا لَهُ وريا وقحابا والورى كالرمي دَاء يُصِيب الكبد فيفسدها والقحاب كالسعال وزنا وَمعنى فَكَانَ الرجل إِذا سمع عطاسا يتشاءم بِهِ يَقُول بكلابي إِنِّي أسَال الله أَن يَجْعَل شُؤْم عطاسك بك لأبي وَكَانَ تشاؤمهم بالعطسة الشَّدِيدَة أَشد كَمَا حكى عَن بعض الْمُلُوك أَن سامرا لَهُ عطس عطسة شَدِيدَة راعته فَغَضب الْملك فَقَالَ سميره وَالله مَا تَعَمّدت ذَلِك وَلَكِن هَذَا عطاسي فَقَالَ وَالله لَئِن لم تأتني بِمن يشْهد لَك بذلك لأَقْتُلَنك فَقَالَ أخرجني إِلَى النَّاس لعلى أجد من يشْهد لي فَأخْرجهُ وَقد وكل بِهِ الأعوان فَوجدَ رجلا فَقَالَ يَا سَيِّدي نشدتك بِاللَّه إِن كنت سَمِعت عطاسي يَوْمًا فلعلك تشهد لي بِهِ عِنْد الْملك فَقَالَ نعم

أَنا أشهد لَك فَنَهَضَ مَعَه وَقَالَ يَا أَيهَا الْملك أَنا أشهد أَن هَذَا الرجل عطس يَوْمًا فطار ضرس من أَضْرَاسه فَقَالَ لَهُ الْملك عد إِلَى حَدِيثك ومجلسك فَلَمَّا جَاءَ الله سُبْحَانَهُ بِالْإِسْلَامِ وأبطل بِرَسُولِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من الضَّلَالَة نهى أمته عَن التشاؤم والتطير وَشرع لَهُم أَن يجْعَلُوا مَكَان الدُّعَاء على الْعَاطِس بالمكروه الدُّعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا أَمر العائن أَن يَدْعُو بالتبريك للمعين وَلما كَانَ الدُّعَاء على الْعَاطِس نوعا من الظُّلم وَالْبَغي جعل الدُّعَاء لَهُ بِلَفْظ الرَّحْمَة الْمنَافِي للظلم وَأمر الْعَاطِس عمرَان يَدْعُو لسامعه ويشمته بالمغفرة وَالْهِدَايَة وَإِصْلَاح البال فَيَقُول يغْفر الله لنا وَلكم أَو يهديكم الله وَيصْلح بالكم فاما الدُّعَاء بالهداية فَلَمَّا أَن اهْتَدَى إِلَى طَاعَة الرَّسُول وَرغب عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا لَهُ أَن يُثبتهُ الله عَلَيْهَا ويهديه إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ الدُّعَاء باصلاح البال وَهِي حِكْمَة جَامِعَة لصلاح شَأْنه كُله وَهِي من بَاب الْجَزَاء على دُعَائِهِ لِأَخِيهِ بِالرَّحْمَةِ فَنَاسَبَ أَن يجازيه بِالدُّعَاءِ لَهُ بإصلاح البال وَأما الدُّعَاء بالمغفرة فجَاء بِلَفْظ يَشْمَل الْعَاطِس والمشمت كَقَوْلِه يغْفر الله لنا وَلكم ليستحصل من مَجْمُوع دَعْوَى الْعَاطِس والمشمت لَهُ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لَهما مَعًا فصلوات الله وَسَلَامه على الْمَبْعُوث بصلاح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلأَجل هَذَا وَالله أعلم لم يُؤمر بتشميت من لم يحمد الله فَإِن الدُّعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ نعْمَة فَلَا يَسْتَحِقهَا من لم يحمد الله ويشكره على هَذِه النِّعْمَة ويتأسى بابيه آدم فَإِنَّهُ لما نفخت فِيهِ الرّوح إِلَى الخياشيم عطس فألهمه ربه تبارك وتعالى أَن نطق بِحَمْدِهِ فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ الله سُبْحَانَهُ يَرْحَمك الله يَا آدم فَصَارَت تِلْكَ سنة العطاس فَمن لم يحمد الله لم يسْتَحق هَذِه الدعْوَة وَلما سبقت هَذِه الْكَلِمَة لآدَم قبل أَن يُصِيبهُ مَا اصابه كَانَ مآله إِلَى الرَّحْمَة وَكَانَ مَا جرى عارضا وَزَالَ فَإِن الرَّحْمَة سبقت الْعقُوبَة وغلبت الْغَضَب

وايضا فَإِنَّمَا أَمر الْعَاطِس بالتحميد عَن العطاس لِأَن

ص: 262

الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ أَنه دَاء وَيكرهُ أحدهم أَن يعطس وَيَوَد أَنه لم يصدر مِنْهُ لما فِي ذَلِك من الشؤم وَكَانَ الْعَاطِس يحبس نَفسه عَن العطاس وَيمْتَنع من ذَلِك جهده من سوء اعْتِقَاد جهالهم فِيهِ وَلذَلِك وَالله أعلم بنوا لَفظه على بِنَاء الأدواء كالزكام والسعال والدوار والسهام وَغَيرهَا فاعلموا أَنه لَيْسَ بداء وَلكنه أَمر يُحِبهُ الله وَهُوَ نعْمَة مِنْهُ يسْتَوْجب عَلَيْهَا من عَبده أَن يحمده عَلَيْهَا وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع أَن الله يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب والعطاس ريح مختنقة تخرج وتفتح السد من الكبد وَهُوَ دَلِيل جيد للْمَرِيض مُؤذن بانفراج بعض علته وَفِي بعض الْأَمْرَاض يسْتَعْمل مَا يعطس العليل وَيجْعَل نوعا من العلاج ومعينا عَلَيْهِ هَذَا قدر زَائِد على مَا أحبه الشَّارِع من ذَلِك وَأمر بِحَمْد الله عَلَيْهِ وبالدعاء لمن صدر مِنْهُ وَحمد الله عَلَيْهِ وَلِهَذَا فَالله أعلم يُقَال شمته إِذا قَالَ لَهُ يَرْحَمك الله وسمته بِالْمُعْجَمَةِ والمهملة وَبِهِمَا روى الحَدِيث فَأَما التسميت بِالْمُهْمَلَةِ فَهُوَ تفعيل من السمت الَّذِي يُرَاد بِهِ حسن الْهَيْئَة وَالْوَقار فَيُقَال لفُلَان سمت حسن فَمَعْنَى سمت الْعَاطِس وقرته وأكرمته وتأدبت مَعَه بأدب الله وَرَسُوله فِي الدُّعَاء لَهُ لَا بأخلاق أهل الْجَاهِلِيَّة من الدُّعَاء عَلَيْهِ والتطير بِهِ والتشاؤم مِنْهُ وَقيل سمته دَعَا لَهُ أَن يُعِيدهُ الله إِلَى سمته قبل العطاس من السّكُون وَالْوَقار وطمأنينه الْأَعْضَاء فَإِن فِي العطاس من انزعاج الْأَعْضَاء واضطر ابها مَا يخرج الْعَاطِس عَن سمته فَإِذا قَالَ لَهُ السَّامع يَرْحَمك الله فقد دَعَا لَهُ أَن يُعِيدهُ إِلَى سمته وهيئته وَأما التشميت بِالْمُعْجَمَةِ فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ابْن السّكيت وَغَيره أَنه بِمَعْنى التسميت وأنهما لُغَتَانِ ذكر ذَلِك فِي كتاب الْقلب والإبدال وَلم يذكر أَيهمَا الأَصْل وَلَا أَيهمَا الْبَدَل وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي الْمُهْملَة هِيَ الأَصْل فِي الْكَلِمَة والمعجمة بدل وَاحْتج بِأَن الْعَاطِس إِذا عطس انتفش وَتغَير شكل وَجهه فَإِذا دَعَا لَهُ فَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى سمته وهيأته وَقَالَ تِلْمِيذه ابْن جنى لَو جعل جَاعل الشين الْمُعْجَمَة أصلا وَأَخذه من الشوامت وَهِي القوائم لَكَانَ وَجها صَحِيحا وَذَلِكَ أَن القوائم هِيَ الَّتِي تحمل الْفرس وَنَحْوه وَبِهِمَا عصمته وَهِي قوامه فَكَأَنَّهُ إِذا دَعَا لَهُ فقد أنهضه وَثَبت امْرَهْ وَأحكم دعائمه وَأنْشد للنابغة

طوع الشامت من خوف وَمن صرد

وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ابْن الْأَعرَابِي يُقَال مَرضت العليل أَي قُمْت عَلَيْهِ ليزول مَرضه وَمثله قذيت عينه أزلت قذاها فَكَأَنَّهُ لما دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ قد قصد إِزَالَة الشماته عَنهُ وينشد فِي ذَلِك:

مَا كَانَ ضرّ الممرضي بجفونه

لَو كَانَ مرض منعما من أمرضا

وَإِلَى هَذَا ذهب ثَعْلَب

وَالْمَقْصُود أَن التطير من العطاس من فعل الْجَاهِلِيَّة الَّذِي أبْطلهُ الْإِسْلَام وَأخْبر النَّبِي أَن الله يحب العطاس كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ حَدِيث أبي هريره عَن النَّبِي قَالَ إِن الله يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب فَإِذا تثاءب أحدكُم فليستره مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ إِذا فتح فَاه فَقَالَ آه آه ضحك مِنْهُ الشَّيْطَان

ص: 263