الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والساب. وقد احتفظت لهجات الإيساق بالصوت الأصلى وهو الضاد الخارج من أصول الثنايا. وهم يصيغون الأفعال الجامدة بأن يلحقوا بها الكاسعة "اى" ويميزون فى الضمائر ضميرين من ضمائر المتكلم فى حالة الجمع: نحن الشاملة أى التى تشمل المتكلم والمستمع؛ ونحن المقصورة، أى التى تدل على المتكلم ومعه غيره. وتبدل لهجات الدارود الضاد الخارجة من أصول الثنايا راء مفخمة (لهجة أوغادين) أو راءً صريحة (لهجة مجيرتين) إذا وقعت بين حركتين. وهم أيضا يصيغون أفعال الاستمرار بأن يلحقوا بها الكاسعة، "هاى" كما احتفظوا أيضا بالضمير نحن فى حالتيه اللتين أسلفنا الإشارة إليهما. وتبدل لهجات الهوية الضاد إذا وقعت بين حركتين راء، ويصيغون أفعال الاستمرار بصيغة المصدر متبوعة بالفعل هاى، وليس عندهم الضمير نحن بحالتيه. وقد بدلت لهجات الساب، كما بينا آنفا، الحاء هاء وعينا. وهم قد احتفظوا بحالة الموصول المنتهية بـ "اى" والتى أبدلت فى حالة الجزم بـ "أو"، فى غير ذلك من اللهجات الصومالية. أما فعل الأمر فى حالة النفى فيصاغ بإلحاق البادئة "إن" متبوعة بالفعل مع إلحاق الكاسعة "أوى"(وفى اللهجات الأخرى تستعمل فى هذه الحالة الكاسعة "بها" متبوعة بالفعل مع إلحاق الكاسعة "إن").
أما من حيث المفردات فإن اللغة الصومالية لم تتأثر باللغة العربية إلا تأثرا قليلا جدا، بل إن الألفاظ العربية المستعارة كانت حين تدخل فى اللغة تخضع خضوعا تاما لقواعد الأصوات الصومالية. وكذلك لم تؤثر لغة الكالا فى اللغة الصومالية إلا أثرا قليلا إذا وضعنا فى إعتبارنا الأصل اللغوى المشترك، وربما استثنينا من ذلك لهجات الساب. على أننا قد نجد فى مفردات اللغة الصومالية بعض الشواهد التى تدل على أن اللغة الصومالية ولغة سداما كانتا متجاورتين قبل الغزو الكالى الكبير.
هـ- تاريخها:
لعل الروايات الوطنية صبغت تاريخ الصوماليين بالصبغة الإسلامية برد نسبهم إلى عقيل بن أبى طالب ابن النبى [صلى الله عليه وسلم]،
ومهما يكن من أمر الرأى الذى يتجه فى الاتجاه الآخر ويدور حول مسألة جواز وفود السكان الحاميين من آسية إلى إفريقية، فإنه مما لا شك فيه أن الصوماليين قد نزلوا الأرض التى ينزلونها الآن جماعات شتى أقبلت فى غزوات متتالية، وتتابعت هذه الجماعات واحدة تدفع الأخرى، ولكنها كانت جميعا تخرج من الساحل الإفريقى لخليج عدن. ثم أقبل الدير بعد أن طردهم غزاة صوماليون آخرون، ومضى فريق منهم مخترقين أو غادين والإقليم الممتد بين نهرى جوب وشبيلا حتى بلغوا الوادى الأسفل لهذا النهر، وخرجت من أصلابهم قبيلة بيمال. وأقبل الساب من خليج عدن ويمموا أولا شطر وادى جوب، ثم هبطوا من الهضبة على طول وادى ويب ثم تقدموا منعطفين فجأة إلى الشرق فيما جاور مارلا وغزوا الأرض التى يقيمون فيها الآن محاربين قبيلة ورداى إحدى قبائل الكالا. ومن الساحل الشمالى الذى أسلفنا ذكره خرج الإيساق والدارود لغزو منازلهم الحالية بطرر الدير والكالا. ووفد الهوية من الأقطار الشمالية وتوقفوا أول الأمر شمالى ماريك، على حين أخضع إخوتهم الأجوران وادى شبيلا بعد أن غلبوا على الكالا والجدّو. على أن الهوية أنفسهم تقدموا من ثم إلى هذا النهر وفرقوا شمل الأجوران. ولذلك يمكننا أن نميز فى تاريخ استعمار الأراضى الصومالية حقبتين، الأولى: وتشمل الحروب التى شنت على الكالا، والثانية: الحروب التى دارت جماعات الصوماليين أنفسهم، فقد مضت كل جماعة تقاتل الأخرى فى سبيل غزو خير أراضى الصومال. على أن ثمة رواية مكتوبة (وقد استطعت أن أحصل على مخطوط عربى منها) على جانب عظيم من الأهمية تصف خبر الحرب التى شنت قبل الحروب التى جاء ذكرها فى الروايات الصومالية، ونعنى بهذه الحرب القتال الذى نشب بين غزاة الكالا والزنج (أى شعوب البانتو) الذين كانوا ينزلون حوض نهر جوب. ويمكن أن نخرج من ذلك بترتيب مستعمرى بلاد الصومال على الوجه الآتى: الزنوج (البانتو) ثم الكالا الكوشيين ثم الصوماليين الكوشيين.
وبينما هذه القبائل تحتل على التعاقب داخل البلاد، ظلت المنطقة المحاذية للساحل عدة قرون على اتصال تجارى وثيق ببلاد العرب. وهذه التجارة التى كانت قد بدأت مع المستعمرات التجارية فى جنوب المملكة العربية زادت رواجا على رواج فى العهد الإسلامى. ونشأ من هذا الفتح العربى دويلتان هما زيلع ومقدشو اللتان أقامهما وحكمهما بصفة عامة دول من الوطنيين أمراؤها من العرب الذين اصطبغوا بالصبغة الصومالية أو من الصوماليين الذين تأثروا بالثقافة العربية تأثرا كبيرًا. وقد تيسرت لمملكة زيلع التى ظلت تزدهر منذ القرن الرابع عشر الميلادى، أسباب الحياة والرخاء معتمدة على الاتجار مع داخل البلاد حيث عاونتها الدول الإسلامية الكبيرة فى جنوبى الحبشة بقيادة كران. على أن مقدشو لم تزدهر إلا فترة قصيرة فى القرن الرابع عشر الميلادى، ثم لم تلبث أن بدأت فى الاضمحلال، ذلك أن أهلها لم يستطيعوا أن يتغلبوا على مقاومة البدو الصوماليين الذين كانوا يسكنون فى داخل البلاد. وتقلبت على مقدشو معروف الدهر على اختلافها، ومع ذلك فقد استمرت محتفظة باستقلالها أيام دولة المظفر حتى القرن السادس عشر الميلادى. وفى القرن السابع عشر احتلها إمام عمان، وبعد سنوات قليلة ترك هذا الإمام الساحل جميعًا الذى يعرف ببنادر هو ومقدشو لسكانه، وإنما أصر على أن يعترفوا بسلطانه عليهم. ولما انقسمت دولة مسقط إلى سلطنة عمان وسلطنة زنجبار (وكان ذلك فى أوائل القرن التاسع عشر) جعلت مقدشو من نصيب زنجبار، وعندئذ حاول السلاطين أن يكون لهم ملك حق هناك بإقامة وال وحاميات من الجنود فى مقدشو ومركة وبراوة. وما إن مضت مدة قليلة فى حكم هذه البلدان (حوالى ستين عامًا) حتى باعتها زنجبار لإيطاليا.
ومهما يكن من شئ فإن القبائل الصومالية فى داخل البلاد قد نعمت باستقلالها التام عدة قرون. ولم تحتفظ الروايات الصومالية بذكرى الغزو الكالى الكبير فى الحبشة، الذى فصل فى القرن السادس عشر بين