الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10)
Le traite des rapports musicaux . . . Par Safied-Din: Carra de Vaux، 1891.
(11)
The Legacy of Islam: Arnold & Guilbaume، ص 361، 366، 368.
(12)
Die Musik der Araber: Kiesewetter، ص 13 - 15، 21 وما بعدها.
(13)
Recherches Sur l'histoire de la Gamme Arabe: Land، أعمال مؤتمر المستشرقين السادس، 1883، ص 72 - 75، 78 - 84.
(14)
Musick des Orients: Lachmann، الفهرس.
(15)
E'tude Sur La musique arabe: Collangettes، فى J.A. 1904 م و 1906
خورشيد [فارمر H.G.Fatmer]
صفين
يقول ثيوفانيس (Chronographia: Theophanes، 347) إن سَفّين Shephin وتكتب "صفأ" فى نص سريانى يرجع إلى مستهل القرن التاسع Chapot فى J.A.، 1900 م، ص 285)، مكان لا يبعد كثيرًا عن الشاطئ الأيمن لنهر الفرات غربى الرقة، بينها وبين بالس، ويفصله شريط من المستنقعات عن النهر عرضه مرمى سهم (فى المكتبة الجغرافية العربية، جـ 7، ص 22، س 15: 500 ذراع) وطوله فرسخان، تنمو فيه بغزارة أشجار الصفصاف ونخيل الفرات، وهو ملئ بالحفر المائية يخترقها طريق واحد مرصوف يؤدى إلى النهر.
وسبب شهرة هذا المكان، تلك الموقعة الكبرى التى دارت فيه سنة 37 هـ (657 م). بين على ومعاوية. وحين بلغ على هذا الموضع فى طريق زحفه من الكوفة كان أهل الشام قد عسكروا بين أنقاض هذه المدينة التى يرجع تاريخها إلى عهد الرومان، وكانت فصيلة من الجيش بقيادة أبى الأعور قد احتلت الطريق المؤدى إلى الفرات. وبالرغم من عروض علىّ وتأكيده أنه لم يأت للقتال بل للوصول إلى اتفاق مع معاوية، فإن معاوية لم يذعن له مع أن مستشاره الأريب عمرو بن العاص نصحه أن يفعل ذلك، وحينئذ أمر علىّ جيوشه
بالهجوم ونجحوا فى رد الشآميين بالرغم من الإمدادات التى أرسلت إليهم، واستطاعوا أن يفتحوا الطريق إلى النهر، ودل على مرة أخرى على سماحته حين سمح لحملة الماء من الشاميين بنقل المياه من جوار رجاله مما أدى إلى انتشار روح التآخى بينهم وبين الشآميين على وجه لا ضير منه.
ومضى بعض الوقت فى مفاوضات لم تنته إلى نتيجة، إذ أصر معاوية فى عناد على أن يسلم الخليفة قتلة عثمان، الأمر الذى لم يكن يريده الخليفة فضلا عن أنه لم يكن فى استطاعته، ومع ذلك فإن المفاوضات استمرت، وعندما بدا أن النزاع يوشك على الانفجار، حاول محبو السلام من الجانبين أن يحولوا دون وقوع ذلك. ويقول الدينورى (ص 180 وما بعدها)، إن الحال ظلت كذلك مدى شهرى ربيع الثانى وجمادى الأولى من سنة 36 هـ. على أن هذا التقدير يفسح وقتًا طويلا للغاية لما يتطلبه التمهيد للمعركة التى بدأت فى قول اليعقوبى (التنبيه، ص 295؛ التاريخ، جـ 2، ص 219) فى أوائل شهر صفر، والتى صححتها رواية اليعقوبى التى تذهب إلى أن موقعة الاقتراب من الماء كانت فى ذى الحجة. ويرجح أيضًا أن الطبرى (جـ 1، ص 72، 3) قد أخطأ فى قوله إن كلا من على ومعاوية كانا يرسلان فى هذا الشهر مرارًا، وفى بعض الأحيان مرتين كل يوم، الأعيان المبرزين من الرجال مع جنود من المشاة والفرسان ليقاتل بعضهم بعضًا الأمر الذى لم يؤد مع ذلك إلى نشوب معركة شاملة، إذ أن كلا من الفريقين كان يخشى النتائج المشؤومة الخليقة بأن تنتهى إليها هذه المعركة. ولابد أنه قد وقعت هنالك كما يذهب فلهاوزن صورة مماثلة للمعركة التى نشبت فيما بعد. وأراد الطرفان أن يفسحا المجال لأى احتمال يؤدى إلى عودة الوئام فاتفقا على المهادنة إبان الشهر الحرام على مألوف المسلمين، وهو شهر المحرم من سنة 37 هـ (19 يونية - 18 يولية 657 م) ولم تنجح هذه الهدنة، وأعلنت الحرب فى النهاية فى أوائل صفر، وهكذا بدأت موقعة صفين. وليس من اليسير الحصول على فكرة واضحة عن سير المعركة، إذ إن
الرواة يروون حشدا كبيرا من الوقعات الفردية التى لا تزودنا بصورة عامة لها، ولا تفيد إلا فى تمجيد قبائل بأعيانها فحسب. وهم أيضًا يسوقون أرقامًا شديدة التفاوت عن عدد الجيوش ومراكز فرقها وقوادها. وسار القتال وفق التقاليد القديمة، فكانت كل قبيلة تدير المعركة مستقلة عن الأخرى، ومن ثم كانت حركة علىّ حركة بارعة حين رتب أقسام القبائل المختلفة فى جيشه بحيث أصبحوا يقفون وجها لوجه أمام أبناء قبائلهم.
وتجمع الروايات كلها على أن ذلك القتال، الذى كان يتجدد دومًا ويتسع مداه، كان قتالا داميًا، ولقى كثير من مشاهير الرجال حتفهم فيه، مثل عمار ابن ياسر، وهاشم بن عتبة من جانب علىّ؛ وابن عمر: عبيد اللَّه من فريق معاوية (انظر رثاءه فى ياقوت جـ 3، ص 403) ولقد لقى علىّ معونة كبيرة من الأشتر الذى عرف بشجاعته وحنكته، إذ استطاع هذا الرجل أن يهيئ للقوات العراقية طريقا مفتوحًا آمنًا إلى النهر، كما أبلى بلاء حسنا إبان هذه المعركة فى مبارزات عدة.
وفيما يلى ما روى عن نتيجة هذه المعركة: بعد أن سارت الحرب وقتا ما دون أن تصل إلى نتيجة حاسمة، تمكن الأشتر فى الليلة المعروفة بليلة الهرير (من هرَّ أى عوى: انظر ياقوت، جـ 4، ص 970) وهى الليلة السابقة لليلة الجمعة 10 من صفر (28 يولية، انظر Aronyme Chronik: Ahlwardt ص 349، س 3 ويقول الطبرى جـ 2 ص 747 إنها الليلة السابقة ليوم الخميس) وفى صباح اليوم التالى من إحكام الخناق على الشآميين والتضييق عليهم، حتى استبد اليأس بمعاوية وفكر فى الفرار من المعركة، ولم يمنعه من ذلك إلا تذكر بضعة أبيات معينة لابن الإطنابة (الكامل، طبعة Wright، ص 53، 573؛ الطبرى، جـ 1، ص 3300، س 12). وفى هذا الموقف الخطير نصحه الداهية عمرو بن العاص أن يضع بضع نسخ من القرآن الكريم على رؤوس الحراب ليرمز بذلك إلى أن الحرب يجب أن تتوقف وأن يترك الحكم فيها لكتاب اللَّه؛ وعلى العكس كان علىّ يرى أن قضاء اللَّه فى نتيجة المعركة (الطبرى، جـ 1، ص 3322 وما بعدها) وقد صح تقدير
عمرو من أن هذا الاقتراح سوف يوقع الشقاق فى صفوف علىّ، إذ أعلن عدد كبير منهم أن التماسا كهذا لحكم اللَّه لا ينبغى أن يطرح جانبا، ومن ثم اضطر على الذى ظن أنه كسب المعركة فعلا، أن يستدعى الأشتر فعاد محتجا أشد الاحتجاج، ومن ثم توقف القتال.
وكذلك وافقت الغالبية من جيشه على اقتراح معاوية الذى يقضى بأن يختار كل من الطرفين المتنازعين أحد اثنين من الحكمين اللذين اتفق على أن يجتمعا بعد للوصول إلى قرار وفقا لأحكام القرآن. واختار الشآميون عمرا كما كان المتوقع، على حين أن الخليفة فرض عليه أبو موسى الأشعرى الذى لم يكن يميل إلى على، ووقع الاتفاق بحسب ما جاء فى الطبرى (جـ 1، ص 3340) فى الثالث عشر من صفر سنة 37 (31 يولية سنة 657) غير أن الدينورى (ص 210، س 5) يرى أنه لم يوقع إلا فى 17 من صفر، كما أن عليا تذكر ذلك المثل الذى ضربه محمد عليه الصلاة والسلام فى ضبط النفس إبان صلح الحديبية فامتنع عن التوقيع بوصفه خليفة، ومن ثم تفرقت الجيوش وعادت إلى أوطانها، وبدت جيوش علىّ فى غاية الاكتئاب والقنوط حتى إنه قد ظهر عليها أنها أصيبت بنكسة بالرغم من أنها لم تهزم.
ورغم ما تبدو عليه هذه القصة من طرافة بما تحويه من نقاط وجيهة وما تتضمنه من تصوير بارز للشخصيات التى ظهرت فيها، فلا يمكن أن نقطع بصحتها من الناحية التاريخية دون أن نزيدها بحثا واستقصاء، ذلك أن جميع الروايات التى بين أيدينا تكشف عن ميل إلى علىّ وبغض لمعاوية وبخاصة عمرو بن العاص الذى ينسب إليه فى غير تردد كل عمل ماكر، ولذا فإننا نشعر إلى حد كبير جدًا بالحاجة إلى وصف لهذه المعركة على لسان الفريق الآخر يمكن أن نتخذه وسيلة للتحقيق، وحتى دون أن نحصل على هذا الوصف يمكننا أن نشير إلى نقاط عدة من شأنها أن تدلنا فى أرجح الظن على وجود قدر من التحيز لفريق دون فريق، كما هى الحال دون شك فيما يتصل بقصة التحكيم فى "أذرح"
وبخاصة ذلك الدور البالغ الأهمية الذى ينسب إلى عمرو ذى العبقرية الماكرة، وصاحب معاوية. وحتى لو افترضنا أنه هو الذى اقترح رفع المصاحف، وأن العدد اللازم من نسخها كان متوافرًا لدى الجيش الشآمى (يقول الدينورى أن النسخة الأصلية من القرآن نفسها التى كانت محفوظة فى دمشق كانت من بين هذه المصاحف الخمسة التى حملها خمسة من الجنود على رؤوس الحراب) فإن من الواضح أن هذه الوسيلة لم تكن لتجدى ما لم يكن هناك ميل عام لتقبلها، ومن ثم فإنها لم تكن غير وسيلة للتعبير عما كان يشعر به الكثيرون فى دخيلة أنفسهم.
ويستدل على أن هذه كانت هى الحال حتما من عدة إشارات، فلم يكن علىّ وحده يحاول جاهدًا تحاشى حرب مهلكة يتطاحن فيها المؤمنون وأعضاء القبيلة الواحدة بل الأقارب، كالآباء والأبناء (الدينورى، ص 184)، بل إن الجمهرة الكبرى من فرق الجيش كانت تشعر بأنها حرب لا مبرر لها قد تجلب معها الكوارث والأهوال، وكان هذا هو السبب فى مضى وقت طويل قبل أن يبدأ القتال الحقيقى، وفى أنهم لجأوا بعد أن أعيتهم الحيل إلى عقد هدنة خلال شهر المحرم. ويسجل الدينورى فى هذا الصدد عدة ملامح تكمل رواية مخنف كما وردت فى الطبرى فى بعض النقاط الهامة، فعلى حين يؤلف قراء القرآن فى الرواية الأخيرة فرقة قائمة بذاتها لها قوادها وتقاتل بحماسة فائقة (الطبرى، جـ 1، ص 3273، س 2؛ ص 3283، س 11؛ ص 3289، س 5؛ ص 3304، س 10؛ ص 3323، س 3) فضلا عن أنه ليست هناك غير إشارات قليلة للغاية عن رواة القرآن فى الجيش الشآمى (ص 3312، س 12) ويظهر هؤلاء الرجال الورعون فى الدينورى (انظر Vorlesungen، uber den Islam: Goldziher) فى صورة أنصار غيورين للسلام استطاعوا فى إحدى المرات أن يوقفوا معركة كانت على وشك أن تنشب (الدينورى، ص 181، س 1 وما بعده). وكان هؤلاء على أهبة الاستعداد لتحكيم القرآن، كما أن معظم السبب فى وقف القتال بهذه السرعة يرجع إلى نفوذهم (المصدر نفسه، ص 204)
وعندما اتفقوا على تحكيم القرآن تفاوضوا مع القراء الشآميين أمام الجيشين وأوصوا باختيار الحكمين (المصدر نفسه، ص 205)، فإذا كان عمرو قد اقترح حقا رفع المصاحف (وهناك سابقة مماثلة لتحكيم القرآن حدثت فى وقعة الجمل): الطبرى جـ 1، ص 3186، 3188 وما بعدها). فإنه لم يفعل غير التعبير عن فكرة كان يشاركه إياها الكثيرون ومن ثم وجد تأييدًا سريعًا لفكرته. كما أنه من المحتمل إلى حد بعيد أن تكون تلك النقطة البارزة فى هذه الرواية، وهى أن النصر كان بين يدى علىّ فعلا عندما حرمه منه عمرو بفكرته تلك، من المحسنات التاريخية التى لجأ إليها شيعة علىّ لتفسير النهاية الفاشلة التى انتهت بها المعركة. على أنه من الجلى بمكان أن الغنم كل الغنم كان لمعاوية بالالتجاء إلى تحكيم القرآن، فى حين أنه كان بمثابة ضربة قاصمة لعلى، ولذلك فليس بعجيب أن يتحمس له رجلان كمعاوية وعمرو، وبخاصة إذا كانا يخشيان أن تنتهى المعركة فى غير صالحهما. ويجب أن نذكر بصفة خاصة أن الموقعة لم يكن لها شأن بتقرير من سيكون خليفة من الخصمين المتنازعين. أما أن معاوية كانت له أطماع عريضة فأمر كثير الاحتمال، ولكنه كان أيضًا أحصف من أن يكشف عن أطماعه هذه فى هذه المرحلة المبكرة. فقد التزم دوره بكل دقة فى مطالبته بثأر عثمان وأعلن أنه على استعداد لمبايعة على إذا سلم إليه قتلة هذا الخليفة، مما أظهره أمام الناس فى جانب الحق والفضيلة؛ ولما لم يكن فى استطاعة علىّ فى الوقت نفسه أن يجيبه إلى مطالبه هذه، فقد كانت هذه وسيلة طيبة للحيلولة دون عقد صلح بينهما؛ لقد كان تحكيم القرآن بالنسبة لعلى ضربة قاضية ماحقة، ذلك أن معنى هذا وجوب الرجوع إلى الكتاب الكريم لتبين ما إذا كان تصرف علىّ فيما يختص بقتلة عثمان يجعله غير جدير بأن يكون خليفة، ومن ثم يحق خلعه إلى حين على أقل تقدير، أما مركز معاوية فلم يكن ليلحق به أدنى ضرر نتيجة للتحكيم.
وأخيرًا يجب أن نذكر أنه يتضح لنا من دلائل عدة أن مركز على قد أصابه
شئ من الضعف على الرغم من جميع مظاهر العطف الشخصى التى أبديت نحوه، لأن الاتهامات الخطيرة التى وجهت إليه تركت أثرًا فى نفوس الناس، حتى من كانوا يعطفون عليه إلى حد أنهم تطلعوا بلاشك إلى سلطة عليا تستطيع أن تكشف لهم وجه الحق فى الأمر. ولو أن جانبى الصواب والخطأ كانا محددين واضحين بين الخصمين، بالصورة التى تزعمها الروايات، لما استطاع أبناء أبى بكر وعمر الإبقاء على العلاقات الطيبة بينهم وبين معاوية.
والرأى الذى نعرضه إنما تؤيده تأييدًا طيبًا رواية معتدلة كل الاعتدال ترجع إلى الزهرى وأوردها ابن سعد (جـ 4/ 2، ص 3) وهى تحدثنا بأن الجيشين أنهكهما القتال وتاقا إلى حقن الدماء مما دعا عمرا إلى أن يقترح على معاوية رفع المصاحف، ودعوة العراقيين إلى تحكيم كتاب اللَّه، ومن ثم إحداث الشقاق بينهم، وعندما رأى على جمود أتباعه وفتور حماستهم سلم بطلب معاوية. وقد جاء اقتراح معاوية باختيار حكمين، ردا على سؤال لعلى عمن له أن يقرر -حكم القرآن. أما عن الجانب القصصى المثير الذى تتضمنه القصة المألوفة فهو غير موجود فى هذه الرواية على الإطلاق، وبغض النظر عن الدور الذى ينسب إلى عمرو، فقد كان من المتوقع تماما أن يكون التفسير لتحول المعركة فى غير مصلحة على هو تأكيد حدوث خيانة أدت إلى هذا التحول، وقد وجهت هذه التهمة إلى الأشعث ولعل ماضيه كان يبرر دون شك مثل هذا الافتراض بعض التبرير، إذ تتفق جميع المصادر على أنه توسط بحماسة فى الدعوة إلى تحكيم القرآن، ذلك أنه كان يخشى كما جاء فى الدينورى (ص 201) أن ينجم عن الاستمرار فى القتال أن يحيق أعداء الإمبراطورية العربية بها من كل جانب. وقد أيد معاوية هذا الرأى حين سمع به. ويقول الطبرى (جـ 1، ص 3332 وما بعدها) إن الأشعث عرض أن يذهب إلى معاوية ليؤكد له ما يراه من اقتراحات أخرى، وقد وافق على على ذلك. على أن اليعقوبى يقول (جـ 2، ص 220) إن معاوية أرسل إليه ليغريه بالانحياز إلى جانبه وأنه هدد بأن يترك