الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدقة بن منصور
ابن دُبيس بن على بن مزيد سيف الدولة أبو الحسن الأسدى أمير الحلة، توفى أبوه سنة 479 هـ (1086 - 1087 م) فأقرّه ملكشاه السلجوقى أميرا على بلاد بنى مزيد على الشاطئ الأيسر لنهر دجلة. وأثناء النزاع بين السلطان بركيارق وأخيه محمد وقف صدقة أول الأمر إلى جانب الأول، فلما طلب منه الأعز أبو المحاسن الدهستانى وزير بركيارق مبلغا كبيرًا من المال سنة 494 هـ (1100 - 1101 م) وهدده بالحرب إن لم يدفعه، خرج صدقة عن طاعة بركيارق وقطع الخطبة له وجعلها لمحمد، ثم حاول السلطان أن يعود إلى استمالته بالوسائل السلمية، لكن صدقة طلب تسليم الوزير إليه، فلما لم يمكنه بركيارق من ذلك لم تسفر المفاوضات عن شئ، وبدلا من أن يستسلم صدقة أخرج والى السلطان من الكوفة واحتلها بنفسه. وفى السنة التالية بنى مدينة الحلَّة، وكان بنو مزيد حتى ذلك الحين يعيشون فى الخيام. ولما ظهر كمشتكين القيصرى فى بغداد بأمر بركيارق فى منتصف ربيع الأول سنة 496 هـ (آخر ديسمبر سنة 1102 م) تحالف نائب (1) وهو إيلغازى بن أرتق، مع صدقة.
وفى هذه الأثناء كان الخليفة المستظهر قد أعاد بركيارق إلى منصب السلطنة، لكن صدقة ظل ممتنعا عن الاعتراف له بالطاعة، ولم يلبث أن ترك الدعاء لبركيارق من على المنابر وصار الأئمة يكتفون بالدعاء للخليفة فحسب دون ذكر أحد من السلطانين المتنازعين.
لكن الصراع استؤنف؛ وما وافى ربيع الثانى (يناير 1103) حتى كان كمشتكين قد اضطر إلى الجلاء عن بغداد، ولم يستطع الثبات فى واسط أيضًا، فنودى بمحمد سلطانًا فى المدينتين معا. وهنالك مد صدقة نفوذه على شطر كبير من أرض العراق، وفى السنة نفسها استولى على مدينة هيت على الفرات، وكان بركيارق قد أقطعها أحد أتباعه، وجعل ابن عمه ثابت ابن كامل واليا عليها. وفى شوال
(1) يسمى النائب باسم الشحنة. (المترجم)
497 هـ (يونية - يولية 1104) وقع الأمر نفسه فى مدينة واسط فأقيم مهذب الدولة السعيد بن أبى الخير واليا عليها، ثم جاء دور البصرة وكانت أثناء الحرب بين بركيارق وإخوته قد وقعت فى يد إسماعيل بن أرسلانجق السلجوقى، ولم يستطع السلطان محمد أن يفكر فى طرد إسماعيل عنها إلا بعد موت بركيارق. وفى سنة 499 هـ (1105 - 1106 م) طلب من صدقة أن يقاتل إسماعيل فخرج فى جمادى الأولى من السنة نفسها (يناير - فبراير 1106) لقتال إسماعيل، ولم يلبث إسماعيل أن اضطر للتسليم، فعين صدقة مملوكا كان لأبيه اسمه ألتونناش واليا على البصرة، على أن نهابة من العرب لم يلبثوا أن وثبوا به وأسروه فأقام السلطان نفسه واليا آخر مكانه. وفى صفر سنة 500 هـ (أكتوبر 1106 م) اضطر أمير تكريت كيقباذ بن عزارسب الديلمى إلى التسليم أيضًا، وذلك أنه بعد موت بركيارق كان محمد قد أنفذ الأمير آقسنقر البرسقى إلى تكريت لاحتلالها. على أن كيقباذ لم يكن خليقا بأن يستسلم فحاصره آقسنقر ودام الحصار عدة شهور أدرك كيقباذ بعدها أنه يستحيل عليه أن يثبت له فطلب حضور صدقة وسلم له المدينة، وعند ذلك أقيم ورام بن أبى فراس بن ورام واليا على تكريت.
غير أن محمدًا لم يطق أن يظل دائمًا يشهد هادئ البال نفوذ صدقة يعلو، وخاصة أن صدقة لم يكن يتحرج أبدًا من أن يأوى كل من كان يغضب عليه السلطان. فلما التجأ إليه أمير ساوة أبودلف سرخاب بن كيخسرو وأجاره وامتنع من تسليمه جاءت القطيعة الصريحة آخر الأمر بين السلطان وتابعه، فخرج السلطان بنفسه من بغداد على رأس جيش كبير؛ وفى المعركة الدامية التى وقعت بحسب الرواية المتواترة فى النصف الثانى من رجب سنة 501 هـ (أول مارس سنة 1108) قتل صدقة فى التاسعة والخمسين من عمره. وكان يلقب كما لقب آباؤه من قبل بلقب "ملك العرب" وقد امتدحه شعراء العرب ومؤرخوهم