الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
ترك الأعمال التى ليست محرمة لكنها تبعث الشهوة عند الصائم أو عند غيره (48).
5 -
ترك الفصد والحجامة (49).
6 -
ترك ذوق طعام أو غيره (50).
7 -
ترك مضغ شئ يؤكل (51).
8 -
الدعاء عقب الفطر (52).
9 -
تلاوة الصائم القرآن ومدارسته بأن يقرأ على غيره ويعيد الغير ما قرأه الأول.
10 -
الاعتكاف فى رمضان، امتثالا لما فى سورة البقرة الآية 187 (53).
والغزالى يزيد على ذلك الجود فى رمضان (54).
وبحسب الأحكام الفقهية الخمسة يمكن أن ينقسم الصوم إلى:
1 -
واجب أو فرض وهو:
(أ) فى شهر رمضان،
(ب) إذا كان قضاء لأيام من رمضان،
(جـ) بسبب نذر،
(د) فى بعض الأحيان كفارة لذنب.
(هـ) إذا أمر الإمام بالصوم عند صلاة الاستسقاء بسبب انقطاع المطر وعند الغزالى أنه يجب صوم بقية النهار على من عصى بالفطر أو قصر فيه وذلك "تشبها بالصائمين".
(48) هذه هى ترجمة عبارة كاتب المادة وهو يقصد ما جاء فى المرجع العربى من أنه يستحب ترك الشهوة التى لا تبطل الصوم كشم الرياحين والنظر إليها؛ لأن ذلك ترفه، وهو لا يناسب الحكمة المرادة من الصوم.
(49)
الحجم ربما أضعف المحجوم فأحوجه إلى الإفطار، وهو يعرض الحاجم إلى الإفطار بدخول شئ إلى جوفه بسبب مص المحجمة. وهذا هو المراد من حديث: أفطر الحاجم والمحجوم، أى تعرضا للإفطار.
(50)
خوفًا من وصول شئ من ذلك إلى الجوف.
(51)
أى ترك عَلْك شئ أى مضغه، وترك مضغ العلك أى اللبان وما إليه؛ لأن ابتلاع الريق المتجمع من ذلك مفطر.
(52)
يقول كاتب المادة شكر اللَّه بعد الصوم، لكن المقصود هو الدعاء والإنابة عند الفطر كان يقول مثلا: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت. ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء اللَّه يا واسع الفضل اغفر لى، الحمد للَّه الذى أعاننى فصمت ورزقنى فأفطرت، اللهم وفقنا للصيام وبلغنا فيه القيام وأعنا عليه والناس نيام وأدخلنا الجنة بسلام.
(53)
الاعتكاف يكون فى العشر الأواخر من رمضان أتباعا للسنة النبوية ورجاء مصادفة ليلة القدر.
(54)
هذا موجود أيضا فى المرجع الذى رجع إليه كاتب المادة: المبادرة لإكثار الصدقة؛ لأن الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان أجود ما يكون فى رمضان.
(أ) صوم شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام ومن جحده فهو كافر إلا إن كان قريب عهد بالإسلام أو كان قد نشأ بعيدًا عن العلماء. ومن ترك الصوم بغير عذر، لكن من غير أن يجحد وجوبه، فيجب أن يحبس ويمنع من الطعام والشراب نهارًا لتحصل له صورة الصوم، وربما حمله ذلك أن ينويه فتحصل له حينئذ حقيقته (55).
ووجوب الصوم "على سبيل العموم" يبدأ بأول يوم من رمضان بعد استكمال شعبان ثلاثين يوما أو بثبوت رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان عند حاكم (أو قاض) بشهادة عدل فى الشهادة أنه رأى الهلال.
ووجوب الصوم "على سبيل الخصوص" يكون بعد التاسع والعشرين من شعبان على من رأى الهلال بنفسه، أو على من يصدق شخصًا آخر موثوقا به فى رؤيته، وإن لم يكن هذا الشخص عدلا. والأمور المؤجلة ونحوها لا تحل إلا فى الثانى من رمضان إن لم ير الهلال فى التاسع والعشرين من شعبان إلا عدل واحد (56).
ويجب إعلام الناس بأول رمضان بإحدى الطرق التى جرى بها العرف فى ناحية ما بضرب المدافع أو بإيقاد القناديل على المآذن، (وفى جاوه بضرب البيدك).
وهناك أحكام خاصة يعمل بها فيما يتعلق بالنية والقضاء عندما لا يكون الإنسان قد علم بابتداء الصوم أو يكون قد علم به على وجه خاطئ (57).
(55) فصلت العبارة هنا طبقا للأصل العربى. أما كاتب المادة فهو يقول: يجب أن يحبس حتى يمسك وينوى الصوم.
(56)
هذا ما يعبر به كاتب هو موجود فى المرجع العربى من أن محل ثبوت أول رمضان بعدل واحد إنما يكون فى الصوم وتوابعه كصلاة التراويح لا فى حلول دين مؤجل به ووقوع طلاق أو عتق معلقين به. ما لم يتعلق ذلك بالشاهد نفسه وإلا ثبت لاعترافه هو به.
(57)
يشير كاتب إلى ما ورد فى المرجع الذى رجع إليه من ظروف مثل حدوث الشك فى الرؤية والاشعار بذلك بإطفاء القناديل ثم القطع بثبوت الرؤية وإيقاد القناديل من جديد، ففى هذه الحالة يجب تجديد النية على من علم بإطفاء القناديل دون من لم يعلم؛ ومثل أن يكون أحد فى حبس فيشتبه عليه رمضان بغيره فيجب عليه أن يجتهد فى معرفة دخول أول رمضان ويصوم، فإن صادف ذلك رمضان فهو صيام أداء وإن صادف ما بعد رمضان فهو صيام قضاء. وإن صادف ما قبله فهو نفل ويصومه فى وقته إن أدركه وإلا قضاه. . . وهكذا.
أما مشاهدات الفلكى أو حسابات الرياضى أو رؤية من يرى النبى [صلى الله عليه وسلم] فى المنام ويعرف منه أول رمضان ونحو ذلك، فإنها لا تلزم بالصوم إلا صاحبها أو من يثق به (58).
(ب) أما قضاء ما فات من الصوم فيجب المبادرة به، أعنى فى اليوم التالى إذا كان يجوز فيه الصوم ولم يكن من الأيام التى حرم الصوم فيها (انظر ما يلى)، أو إذا لم يكن اليوم التالى يوم صوم واجب (59).
وإذا مات الإنسان من غير أن يقضى ما فاته سقط عنه وجوب القضاء إن كان تأخيره عنه بعذر، وإلا وجب على وليّه (وفى هذه الحالة يجوز أن يكون كل قريب وليا) أو على شخص أجنبى بموافقة الولى أن يدفع كفارة (انظر ما يلى) صغيرة أو فدية، لكن يجوز أن يقوم الولى نفسه (أو الشخص الأجنبى) بالقضاء عن الميت، وفى هذه الحالة يكتب للميت ثواب الصوم. وهذا هو رأى متقدمى الشافعية ولا يقول به متأخروهم، لكن الباجورى يقول به ويعتبره سنة (60).
(ج) والرأى السائد عند الشافعية أن من نذر على نفسه صوم الدهر (انظر ما يلى) وهو مكروه- لا يتم النذر
(58) جاء فى المرجع العربى أنه لا يجب العمل يقول المنجم، وهو من يرى أن أول الشهر طلوع النجم الفلانى، لكن له بل عليه أن يعمل بقوله، وكذلك من صدقه، ومثل المنجم الحاسب وهو من يعتمد منازل القمر فى تقدير سيره. ولا عبرة يقول من قال: أخبرنى النبى [صلى الله عليه وسلم] فى النوم بأن الليلة أول رمضان لفقد ضبط الرائى لا لشك فى الرؤية.
(59)
هذا كلام كاتب المادة؛ والمبادرة إلى قضاء ما فات مفهومه للإسراع فى براءة الذمة، وكذلك المتابعة فى القضاء إذا شرع الإنسان فيه. ولكن لا يمكن أن يكون اليوم التالى لرمضان صالحا للقضاء فيه، مع علمنا بتحريم صوم يوم عيد الفطر!
لكن يجوز أن يكون قصد كاتب المادة من بعض قوله شيئًا من قبيل ما هو معروف من أنه لا يصح قضاء صوم رمضان إلا فى أيام يجوز فيها الصوم، وهى الأيام التى لم ينه عن الصوم فيها أو الأيام التى لم تعين لصوم مفروض، فمثلا لا يصح قضاء رمضان الفائت فى أيام رمضان الحاضر أو الأيام التى لم يخصصها الصائم لنذر معين. وهذا الأخير فى بعض المذاهب دون بعض، فبعضها أجاز قضاء رمضان فى أيام عينت لنذر مع قضاه النذر فى أيام اخرى (راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - وزارة الأوقاف بالقاهرة).
(60)
فى المصدر العربى إلى جانب هذا أنه يسن للولى أن يصوم عنه.
(البخارى: كتاب أحكام الأيمان والنذور)(61).
(د) والفقهاء يميزون بين الكفارة الكبرى والكفارة الصغرى. والكبرى تجب على:
(1)
من بطل صومه بالوطء إذا كان الوطء إثمًا، بالشروط المذكورة فيما تقدم، وهو بعد هذا يجب عليه القضاء ويستحق التعزير. ولما كان صوم كل يوم عبادة مستقلة بذاتها فإن الكفارة تجب عن كل يوم يبطل الصوم فيه على هذا النحو. ويذكر الباجورى للإفلات من الكفارة هذه الحيلة، وهى أن يلجأ الإنسان إلى إبطال الصوم بأحد المفطرات الأخرى، فعند ذلك تسقط الكفارة لكن الإثم يبقى، أما الموطوءة فى هذا الذنب فيجب عليها القضاء وتستحق التعزير.
(2)
مرتكب القتل بغير حق.
(3)
من ظاهر من زوجته لكن من غير أن يطلق بعد ذلك من فوره لأنه لم يتمسك بما يقتضيه الظهار من عدم المماسة.
(4)
من حنث فى يمين صحيح.
وهذه الكفارة هى:
(1)
، (2) العتق (ويقوم مقامه) الصوم (ويقوم مقامه) الإطعام.
(3)
العتق (ويقوم مقامه) الصوم.
(4)
العتق أو الإطعام أو الكسوة أو الصوم.
أى أنه فى الحالات (1) و (2) و (3) تجوز الكفارة بالصوم أن لم يجد إنسان عتق الرقبة. فإذا وجد ذلك بعد أن كان قد شرع فى الصوم ندب له العتق، وعند ذلك يكون ما صامه نفلا (62).
وعلى هذا النحو نفسه يأتى الصوم فى الحالة (4) فى المحل الرابع، بمعنى أن الكفارات الثلاث الأولى يقوم بعضها مقام بعض، أما الصوم فهو دائما فى المحل الرابع.
(61) فى البخارى قوله صلى الله عليه وسلم: إنى واللَّه إن شاء اللَّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير، أو أتيت الذى هو خير وكفرت عن يمينى.
(62)
وكذلك لو شرع فى الإطعام ثم قدر على الصوم عاد إلى الصوم.
وفى الحالات (1) و (2) و (3) يجب صوم شهرين متتابعين، فإذا أفطر من وجب عليه ذلك، ولو يوما واحد، وكان هو اليوم الأخير ولو بعذر، انقطع التتابع ووجب الاستئناف فيعيد الصوم من أوله.
وفى الحالة (4) يقتصر الصوم على ثلاثة أيام، ولا يلزم أن تكون متتابعة.
ومن لم يقدر على شئ مما يكفَّر به تأجلت الكفارة حتى يقدر على نوع منها (63).
أما الكفارة الصغرى أو الفدية فهى تدفع إذا أخذ الإنسان بأحد أنواع التيسير المذكورة فيما يلى، وهنا لا يظهر الصوم بين أنواع الكفارة. والكفارة عن الميت (انظر ما تقدم) تكون بإعطاء مُدّ لمسكين من الحبوب التى هى قوت فى الناحية وذلك عن كل يوم فاته صومه. وإعطاء المد عن كل يوم واجب على من يلزمه قضاء أيام فاتته من رمضان، لكن لم يقضها حتى بدء رمضان التالى ويتضاعف المد بتضاعف السنين المنقضية (64).
والفدية تجب فى الحج أو العمرة على من ترك واجبا من الواجبات (فيما عدا الأركان الأربعة) أو على من أتى عملا لا يجوز فى حالة الإحرام، أو على من أخذ بعض التيسيرات الجائزة (مثل القرآن أو التمتع). وأول ما تكون الفدية فى ذلك بنحر شئ مما تحدد له عن كل عمل غير جائز، فمن لم يجد فعليه أن يصوم، وفى بعض الأحوال عشرة أيام، ثلاثة فى أثناء الحج وسبعة بعد الرجوع منه، وفى أحوال أخرى يكون الصوم من الأيام بعدد ما يجب أن يعطى للمساكين من أمداد (65) وأصل هذه الأحكام موجود فى سورة البقرة (الآية 196) وسورة المائدة (الآية، 95؛ وانظر الباجورى كتاب الحج، فصل 2 و 3؛ Hardbuch: Juynboll ص 145، وخصوصا ص 157).
(هـ) وعند إنقطاع الغيث يجوز للإمام بحسب الشرع أن يأمر بعبادات غير عادية منها الصوم، فيقضى الناس ثلاثة الأيام السابقة على صلاة
(63) يفسر الباجورى ذلك بأن الكفارة حق اللَّه وهى تستقر فى ذمة من تجب عليه إذا كانت بسبب منه إلى أن يقدر عليها -راجع الخلاف بسبب حديث الصحيحين المتعلق بالكفارة عقد من لا يجدها (ص 384 - 385، ص 386 - 387 من المرجع العربى المشار إليه).
(64)
المعنى أن هناك فدية عن أصل الصوم وفدية عن تأخير قضائه مع الإمكان، وكلما تأخر عاما لزمته الفدية من جديد، وهكذا "تتكرر فدية التأخير بتكرر السنين لأن الحقوق المالية لا تتداخل"(ص 390 من الأصل نفسه).
(65)
راجع هامش رقم 16 و 19 مما تقدم.
الاستسقاء صائمين (انظر الباجورى: كتاب أحكام الصلاة، فصل فى صلاة الاستسقاء). ومما يستلفت النظر أن النية ليلة الصوم (تبييت النية) واجبة هنا حتى على من لا يجب عليه الصوم، من صبى أو غيره ممن يُعْفَى من الصوم (وهذه هى الحالة الوحيدة التى يجب فيها تبييت النية لصوم غير واجب؛ انظر أيضًا Verspreide Geschriftan: C.Snouck Hurgron، جـ 1، بنون ليبسك 1923، ص 137، هامش 2).
والشرع يسمح بتيسيرات فى الأحوال الآتية:
(أ) فالذين يكونون قد بلغوا سنًا معينة (أربعين سنة بالنسبة للرجال، وبالنسبة للنساء لا يوجد تحديد دقيق) وكذلك المرضى الذين لا يرجى برؤهم يجوز لهم أن يفطروا إن لم يقدروا على الصوم من غير وجوب القضاء عند عودة الصحة والقوة لهم، وعليهم الفديةُ مُدًا عن كل يوم يفطرونه، وليس على الرقيق فدية، لكن يجوز لسيده أو أحد الأقرباء أن يعطى الفدية عنه، ولا يجوز لسيده أن يصوم عنه لكن يجوز لقريبه أن يصوم عنه.
(ب) الإفطار واجب على الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما، وعليهما القضاء. والإفطار واجب كذلك إذا كان الخوف على ما فى البطن أو على الرضيع (وهو لا يتحتم أن يكون ابن المرضع)(66)، وعليهما إلى جانب القضاء الفدية، لكن لا تدفع الفدية -شأنها شأن زكاة الفطر- إلا مما يفضل عن قوت الإنسان وقوت من تلزمه نفقته من أهله وعما يحتاج إليه من مسكن وخادم. وهذه الفدية لا تعطى إلا للفقراء والمساكين (67). وهذه الأحكام نفسها يعمل بها بوجه عام عندما يفطر الإنسان خوفًا على نفسه أو على غيره (68).
(66) قد تكون المرضع مستأجرة أو متبرعة ولو لغير آدمى.
(67)
دون بقية الأصناف الثمانية الذين تعطى لهم الصدقة. ويجوز إعطاء أكثر من مد للشخص الواحد، لكن لا يجوز صرف المدَّ إلى شخصين.
(68)
هذا الكلام مجمل وغير مفهوم، لكن المقصود هو ما نجده فى الأصل العربى من أنه يلحق بالحامل والمرضع فى التفصيل من أفطر لإنقاذ حيوان محترم، آدمى أو غيره، أشرف على هلاك بغرق أو غيره، فإن خاف على نفسه ولو مع المشرف فعليه القضاء فقط؛ وإن خاف على المشرف فقط وجب عليه القضاء والفدية، لأنه فطر ارتفق به شخصان. وأما من أفطر لانقاذ نحو قال غير حيوان فعليه القضاء فقط؛ لأنه لم يرتفق به إلا شخص واحد.
(ج) أما المرضى الذين يرجى برؤهم وكذلك من يغلبهم الجوع أو العطش، فإنه يجوز لهم أن يفطروا بشرط القضاء (69)، وإذا وقع الإنسان بسبب الصوم فى خطر الهلاك أو تعرض لفقد عضو من أعضائه فالإفطار واجب عليه. ومن كان مرضه مطبقا أى دائمًا ليلًا ونهارًا فلا يبيت النية، وكذلك المحموم فى حال غلبة الحمى عليه.
(د) والمسافرون الذين يخرجون فى السفر قبل الفجر لهم أن يفطروا، إذا تضرروا من الصوم، لكن لا يفطرون إذا خرجوا فى السفر أثناء النهار. والإفطار واجب فى حالة الخطر على الحياة (70). والحد الأدنى للسفر هو ما يبلغ مرحلتين فأكثر، والقضاء واجب بحسب الأحوال، وهذا التيسير نفسه يجوز للمطلقات (71). والأشخاص الذين ذكروا فى جـ، د (72) إذا أفطروا بالجماع فلا كفارة عليهم لأن الجماع هنا ليس إنّما، بل هو جائز "بنية الترخص".
(هـ) والذين يقومون بالعمل الشاق يجب عليهم تبييت النية، لكن يجوز لهم أن يفطروا.
وإذا زالت أسباب الرخصة والتيسير فى أثناء نهار الصوم فمن السنة الإمساك بقية النهار (73).
2 -
ويستحب صوم التطوع (74)، ولا يجوز للمرأة المتزوجة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه، ويجوز للصائم صيام تطوع أن يفطر من غير التزام بشئ وتجوز النية حتى الزوال من غير تعيين، وإن كان بعض الفقهاء
(69) حكمهم حكم المريض، لكن لا بد أن يكون ما يلحقهم شيئًا غير محتمل فى العادة.
(70)
من استمر صائما رغم علمه بالخطر على حياته، كما يقع من بعض المتعمقين فى الدين، إلى أن مات، مات عاصيا للَّه لأن اللَّه يقول:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ويقول {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} .
(71)
هذا ما يقوله كاتب وليس له أساس ولا وجه. ويجوز أنه ناشئ عن قراءة غير صحيحة أو فهم غير صحيح للمرجع الذى اعتمد عليه.
(72)
هم المرضى والمسافرون.
(73)
المسافر إذا أقام فى أثناء النهار، والحامل والمرضع إذا زال خوفهما، والصبى إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، والكافر الأصلى إذا أسلم، والحائض والنفساء إذا طهرتا، كل هؤلاء ليس لهم الإمساك. وأما الذين يجب عليهم الإمساك فالمفطر والمرتد إذا أسلم، ومن نسى النية ليلا، ومن أصبح يوم الشك مفطرًا ثم تبين أنه من رمضان.
(74)
هو صوم التقرب إلى اللَّه بصوم ليس فرضا.
يرون أن النية مستحبة فى رواتب السنن.
ورواتب السنة فى الصوم هى:
(أ) صوم يوم عاشوراء.
(ب) صوم يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذى الحجة.
(جـ) صوم ستة أيام من شوال. وصوم يوم عرفة يكون خصوصًا من الذين ليسوا فى عرفة فى ذلك اليوم. وفى الحديث خلاف فى هل صام النبى [صلى الله عليه وسلم] فى هذا اليوم أم لم يصم. وقد نبه فنسنك (Mohammed en de Joden te Medina: Wensinck ص 126 - 130) إلى أن كل العشرة الأيام الأولى من ذى الحجة لها صبغة خاصة، وهى فى الشرع مستحبة لصوم التطوع خاصة، لكن اليوم التاسع يعتبر أفضل يوم فيها، كما يعتبر اليوم التاسع من شهر آب عند اليهود عيدًا كبيرًا يستعد له من أول الشهر. ونظرًا لأن شهر آب وشهر ذى الحجة فى السنة الأولى للهجرة اتفقا فى أغلب الظن فإن فنسنك يفترض أن تعظيم اليوم التاسع من ذى الحجة مأخوذ عن اليهودية (75) ويذهب نولدكه وشفالى مذهبا آخر (Gesch. d. Qorans: Noldeke Schwally، جـ 1، ص 159) وهما يرجحان أن تكون الآية 30 * من سورة الأعراف مكية ويريان فيها نقدًا للعادة القديمة، وهى "الطواف حول الكعبة من غير ستر العورة والصوم أيام الحج"(قارن ص 179، هامش 1) وبحسب هذا الرأى يمكن إرجاع صوم يوم عرفة إلى عادات عربية قديمة (انظر تفسير البيضاوى لسورة الأعراف، الآية 31: "روى أن بنى عامر فى أيام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت الآية 31")(76).
(75) لا توجد هناك علاقة بين ما كان عند اليهود ويين ما فى الإسلام، وقد كان الحج وكثير مما يتصل به موجودًا قبل اليهودية. وهذا شئ ثابت فى تراث العرب وقد صدقه القرآن.
* الأرجح أنها الآيات من 26 - 30.
(76)
راجع أيضا تفسير الفخر الرازى للآية. وإذا كان كاتب المادة يجوز أن يكون صوم يوم عرفه راجعا إلى عادات عربية قديمة فلماذا لا يدخل فى الحساب عند دراسة الشعائر الإسلامية أنه كانت بين العرب شعائر دين إبراهيم؟ إن هذا هو الاتجاه الذى ينبغى أن يتجه إليه الباحث، لا أن يحاول رد الشعائر الإسلامية إلى شعائر يهودية لم تكن لها جذور حقيقية ولا أصيلة فى جزيرة العرب. وهذا هو الذى يهدم ظنون فنسنك وأمثاله مما أشار إليه كاتب المادة.
ومن كان عليه أن يصوم على سبيل الفدية ثلاثة أيام فى أثناء الحج وسبعة بعد الرجوع فيستحب له أن يختار الأيام: السابع والثامن والتاسع من ذى الحجة؛ لأن الصوم فى اليوم العاشر وأيام التشريق غير جائز. وإذا كان اليوم التاسع من ذى الحجة يوم الشك (لا يعرف هل هو اليوم التاسع أو العاشر، بسبب عدم التيقن من هلال الشهر) فإن الصوم عند ذلك لا يجوز للقضاء بسبب نذر أو عادة. والباجورى يعتبر أن الصوم من هلال ذى الحجة إلى اليوم التاسع منه مندوب.
وفيما يتعلق بصوم ستة أيام من شوال يجوز صوم ستة أيام متفرقة، لكن الأفضل صومها متتابعة بعد يوم العيد مباشرة، أى من اليوم الثانى من شوال إلى اليوم السابع. ويسن للإنسان أن يصوم هذه الأيام لقضاء أو نذر. والنساء اللاتى وقع لهن الحيض فى رمضان يتخذن هذه الأيام لقضاء ما فاتهن بسببه (Handbuch . . .: Juynboll، ص 132).
ويستحب لصوم التطوع أيضًا: صوم اليوم السابق ليوم عاشوراء. واليوم التالى له، ويوم المعراج (هو السابع والعشرون من رجب)؛ وصوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع (وصومهما سنة مؤكدة عند البخارى)، لأنه فى هذين اليومين، كما فى الحديث، تعرض أعمال العباد على اللَّه، ويروى عن النبى [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:"أحب أن يعرض عملى وأنا صائم". وقد بين فنسنك (Mohammed . .: Wensinck ص 125 - 126) أن اليهود أيضًا كانوا يصومون هذين اليومين (77)؛ وصوم يوم الأربعاء "شكرا للَّه"، كما يقول الباجورى "على عدم هلاك هذه الأمة فيه كما أهلك فيه من قبلها"؛ وصوم أيام الليالى البيض من كل شهر، وهى اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والأحوط صوم اليوم الثانى عشر أيضًا. ويروى فى الخبر أن النبى عليه الصلاة والسلام (كما يحكى فنسنك ص 125) كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والمسلمون المتأخرون
(77) هذا شئ ليست له قيمة، ويجوز أن يكون اليهود فى ذلك متبعين لدين إبراهيم أو غيره. وصوم الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليوم الأثنين والخميس له أساس قائم بذاته.
لم يعرفوا أى الأيام كان يصوم فاختاروا هذه الأيام (78). ويجوز أن صوم هذه الأيام الثلاثة كان واجبًا فى السنة الأولى للهجرة، ولا يمكن قول شئ يقينى عن أصل الصوم فى هذه الأيام (79). وقد نبهنى الأستاذ فنسنك (مشافهة) إلى الصبغة المقدسة لليومين الرابع عشر والخامس عشر من شهر نيسان اليهودى، وإلى قداسة نصف الشهر مثل نصف شعبان فى جزيرة العرب قديمًا (80)، وفى مقابل ذلك وعلى مثال أيام الليالى البيض (81)، يستحب صوم أيام الليالى السود، أعنى الأيام الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين (اليوم الأول من الشهر بدلا من اليوم الثلاثين)، والأحوط صوم اليوم السابع والعشرين أيضًا من كل شهر؛ صوم اليوم الذى لا يجد فيه الإنسان ما يأكله؛ وصوم كل الأيام الأخرى إذا كانت مناسبة لذلك (82) -وفيما يتعلق بصوم ثلاثة أيام على سبيل التكفير والتوبة والاستعداد لحياة أقرب إلى الخير انظر (Verspr Geschr: C.Snouck Hurgronje، جـ 1 بون، ليبسك 1923، ص 137، هامش 2).
والباجورى لا يذكر أيام صوم التطوع إلا باختصار ويحيل القارئ على رسائل أكثر تفصيلا. ولإكمال كلامه لنأخذ الكلام التالى عن الفصل الثالث من كتاب أسرار الصوم فى الإحياء للغزالى.
يذكر الغزالى أن من الأيام التى يستحب فيها التطوع بالصيام أول
(78) هذا ادعاء من كاتب المادة لا دليل له عليه.
(79)
الروايات الصحيحة تدل على ما كان موجودا -وهى مسجلة فى كقب الحديث وفى كتب التفسير، تفسير آيات الصوم.
(80)
كلام كاتب المادة هنا ليس من العلم الصحيح الذى يمكن الاحتجاج به. وصوم المسلمين وأيام صومهم وعددها، كل ذلك شئ متمايز عما عند اليهود، ولا يصح عند النظر فى الأشياء أن نعنى فقط بالتشابه الظاهرى العارض كما فعل كاتب المادة.
(81)
هى تسمى البيض لأنها تبيض بنور القمر من أولها إلى آخرها، والليالى السود تسمى بهذا الاسم لسواد جميع الليل فيها بسبب عدم نور القمر.
(82)
هذا الكلام غير واضح، ولا يمكن منه إدراك المقصود. لكن فى المرجع الذى اعتمد عليه كاتب المادة أنه مثلا يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، أى إنه لا يصام إلا مع صوم يوم قبله أو بعده، وكذا إفراد يوم السبت أو الأحد لأنهما يومان يعظمهما اليهود والنصارى -وليرجع القارى إلى التفصيل فى المرجع المشار إليه.
الشهر وأوسطه وآخره، وهو يتكلم عن فضل الصوم فى الأشهر الحرم: المحرم ورجب وذى الحجة وذى القعدة. وأهم من ذلك ما يقوله عن "صوم الدهر"، وكان السالكون -كما يقول- يزاولونه على أنحاء مختلفة (83)(كما كان يفعل الزهاد فى أول الإسلام). والغزالى يرى فى الجملة أن صوم الدهر مكروه لأن الإفطار فى بعض أيام السنة ليس واجبا وحسب، بل هو أيضا اتباع للسنة بوجه عام (84) ولا يصح إلا فى أحوال استثنائية (85) اتباع ما فعله الصحابة والتابعون بحسب ما يُروى (من الأحاديث فى صوم الدهر: البخارى: كتاب الصوم، باب 59؛ مسلم: كتاب الصيام، حديث 18 وما بعده؛ لكن انظر أحمد بن حنبل، جـ 4، ص 414 وقارن أيضا أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 263 و 435. . . وجـ 2، ص 164 و 190). على أن الأفضل هو صوم نصف الدهر، صوم يوم وإفطار يوم، والغزالى يعده "أشد على النفس وأقوى فى قهرها" ويروى عن النبى [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:"أفضل الصوم صوم أخى داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما": ويستحب جدًا أيضا صوم يوم وإفطار يومين. والعلماء والغزالى أيضا (فى الجملة) لا يرون أن من الصواب صوم التطوع بالصيام أكثر من أربعة أيام متوالية (86) -يقول الغزالى إنه إذا فهم المعنى الحقيقى للصوم فلا حاجة إلى مراعاة قواعد فى صوم التطوع (87).
(83) يقول الغزالى بعد تفصيله فى بيان الأيام الفاضلة لصوم القطوع: "وأما صوم الدهر فهو شامل للكل (أى لكل الأيام الفاضلة) وزيادة. وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك. . " فالمقصود هو اختلاف الآراء فيه، وليس المقصود الصوم على أنحاء مختلفة.
(84)
يقول كاتب المادة: بل هو مستحب، لكن سياق كلام الغزالى يدل على أن طريقة النبى صلى الله عليه وسلم كانت هى الصوم والإفطار. ويقول الغزالى أن من أسباب كراهته صوم الدهر أن: صائم الدهر يرغب عن السنة فى الإفطار.
(85)
يعبر الغزالى عن رأيه بقوله: "من رأى صلاح نفسه فى صوم الدهر فليفعل ذلك، فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضى اللَّه عنهم. . "
(86)
هذه هى ترجمة عبارة كاتب المادة ولكن كلامه غير مطابق لرأى الغزالى. فالغزالى يقول: "وقد كره العلماء أن يوالى بين الإفطار اكثر من أربعة أيام تقديرًا بيوم العيد وأيام التشريق، وذكروا أن ذلك يقسى القلب ويولد ردئ العادات ويفتح أبواب الشهوات، ولعمرى هو كذلك فى حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل فى اليوم والليلة مرتين".
(87)
هذا كلام مجمل وغير واضح، وخير منه ما يقوله الغزالى من أن "الكمال فى أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب، وتفريغ الهم للَّه عز وجل، والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله، فقد يقتضى حاله دوام الصوم، وقد يقتضى وإذا فهم الفطر، وقد يقتضى مزج الإفطار بالصوم. وإذا فهم المعنى وتحقق حده فى سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه، وذلك لا يوجب ترتيبًا مستمرا، ولذلك روى أنه [صلى الله عليه وسلم] كان يصوم حتى يقال: لا يفطر ويفطر حتى يقال: لا يصوم"
ويروى عن النبى [صلى الله عليه وسلم] أيضا أنه "كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم" وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات (88).
3 -
والصيام حرام فى العيدين وأيام التشريق، وحرام على الحائض. وحرام فى بعض الأحوال عند خوف الخطر، كما تقدم القول.
4 -
ويكره الصوم فى يوم الجمعة، لأنه يفسد الانتباه فى صلاة الجمعة (89)(لكن صوم يوم الجمعة مستحب عند الغزالى)(90)، ويكره صوم يوم السبت أو الأحد، وذلك على الأقل إن لم يكن هناك سبب خاص للصوم، لأن اليهود والنصارى يعظمون هذين اليومين (91). ولا يجوز للإنسان أن يصوم إن كان يخشى من الصوم وقوع ضرر ما. ويكره جدًا صوم يوم الشدُ بدون سبب خاص (92) وكذلك الصوم فى النصف الثانى من شعبان. ويوم الشك هو اليوم التالى للتاسع والعشرين من شعبان عندما لا يكون هناك غيم، لكن لا يعلم إن كان قد رأى هلال رمضان شاهد عدل. أما إذا كان عند الإنسان سبب خاص يدعوه إلى الصوم جاز له أن يصوم يوم الشك وأن يصوم النصف الثانى من شعبان أى صوم كان: قضاء أو نذرا أو كفارة. . على أنه يستحب الصوم فى شعبان لأن النبى [صلى الله عليه وسلم]، كما جاء فى الحديث، "كان يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه فى رمضان (فى هذا أحاديث كثيرة؛ انظر أيضا Arabic New-Year: A.J.Wensinck).
ويختلف أصحاب المذاهب الثلاثة عن مذهب الشافعية فى التفصيلات، وتوجد الفوارق بينهم فى كتب اختلافات
(88) هذه العبارة الأخيرة من كلام الغزالى ومعنى القيام بحقوق الأوقات القيام بما تقتضيه أحوال العبد مما يصلح أمره ويهيئه للقيام بحقوق ربه.
(89)
هذا كلام كاتب المادة، ولا يعرف له أصل فى الشرع.
(90)
يقول الغزالى إن من الأيام الفاضلة التى يستحب فيها الصوم فى كل أسبوع؛ يوم الاثنين والخميس والجمعة. فالغزالى لم يذكر يوم الجمعة منفصلا.
(91)
انظر الهامش رقم 82.
(92)
هو مثلا إذا صادف يوما تعود صيامه، أو إذا كان يجوز أن يصام عن قضاء أو نذر أو كفارة أو بأمر إمام فى صوم الاستسقاء.
الفقهاء. وقد أخذنا ما يلى من كتاب الميزان لعبد الوهاب الشعرانى (جـ 2، ص 20 - 30، القاهرة 1279 هـ) المؤلف يتبع ذكر الاختلافات بشرح قصير لوجه كل منها، وهو أحيانا ينضم إلى أحد الآراء. وقد راعينا فيما يلى الترتيب الذى تقدم فى الكلام عن المسائل.
1 -
يرى أبو حنيفة أنه لا يصح صوم الصبى، وإنما يصح صوم البالغ، وأن المرتد إذا عاد إلى الإسلام لا يلزمه قضاء ما فاته من الصوم حال ردته. والأئمة الأربعة مجمعون على صحة صوم من أصبح جنبا وبعض الفقهاء الآخرين يرون فى التفصيلات غير ذلك.
2 -
ويرى أبو حنيفة أنه لا يشترط فى النية التعيين، بل يجوز نية الصوم أو النفل مطلقًا (93) وأنه فى صوم الفرض أيضا تجوز النية حتى الزوال (وغير أبى حنيفة لا يجيزون ذلك إلا فى صوم النذر). أما مالك فهو يرى أنه حتى فى صوم النفل لا يجوز تأخير النية عن الفجر، وقد تقدم ذكر رأيه فى جواز نية صوم رمضان كله. ويذهب أبو حنيفة وأكثر فقهاء الشافعية والمالكية إلى أن الصوم لا يبطل بنية الخروج منه، ويرى أحمد بن حنبل خلاف ذلك.
3 -
وأبو حنيفة لا يرى أن ابتلاع ما يبقى من الطعام بين الأسنان يبطل الصوم حتى مع تمييزه، ولا يمانع فى وضع الحقنة، كما هو أحد الآراء المروية عن مالك (94).
4 -
القئ لا يضر عند أبى حنيفة وأحمد بن حنبل، وذلك إذا كان فى
(93) هذا ما يقوله كاتب المادة نقلا عن الشعرانى ص 23، س 10 - 11، لكن هذا لا يتعلق بصوم رمضان، ويقول الشعرانى (ص 20، س 14)"واتفق الأئمة الأربعة على وجوب النية فى صوم رمضان وأنه لا يصح إلا بالنية".
(94)
هذا الكلام غير واضح، وفى الأصل العربى:"ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة أن الحقنة تفطر إلا فى رواية عن مالك، وكذلك التقطير فى باطن الأذن والإحليل، والإسعاط مفطر عند الشافعى. . فالأول من أقوال الحقنة مشدد، ورواية مالك مخفف. . ووجه الأول أن إدخال الدواء من الدبر أو الإحليل مثلا قد يورث فى البدن قوة تضاد حكمة الصوم، ووجه رواية مالك أن الحقنة تضعف البدن بإخراجها ما فى المعدة فلا تفطر".
حدود قدر معين، وهما يختلفان فى تعيين هذا القدر (95).
5 -
يرى مالك أن الاستمناء يضر إذا كان نتيجة للتصورات الشهوانية بدون جماع سابق عليه (96).
6 -
رغم الحديث آنف الذكر يرى مالك: من أكل أو شرب أو جامع ناسيا فقد أفطر ويلزمه القضاء (97) أما أحمد ابن حنبل فهو يقول إن الصائم يفطر فى الحالة الأخيرة أى بالجماع دون الأكل والشرب (98) وهنا أيضا لابد من الكفارة. والإفطار كرها يعتبر إفطارًا عند النووى، أما عند أحمد بن حنبل فلا يعتبر إلا فى حال إكراه المرأة على الجماع (99).
7 -
يرى مالك أن القبلة حرام فى كل الأحوال، ويرى أحمد بن حنبل أن الحاجم هو والمحجوم يفطران. وعند هذين الإمامين معًا أن الكحل مكروه وأن الصائم إن وجد طعم الكحل فى الحلق فقد أفطر. ورأى الشافعى فى كراهة السواك بعد الزوال لا يقول به بقية الأئمة، بل لا يشاركه فيه متأخرو الشافعية (لكن الغزالى يقول بالكراهة؛ والسواك لا يزال مكروها اليوم فى جزر الهند الهولندية)(100) وهناك
(95) قول مالك والشافعى هو: يفطر بالقئ عامدًا. وقول أبى حنيفة: لا يفطر به إلا إذا كان ملء الفم؛ وقول ابن حنبل هو: لا يفطر إلا بالقئ الفاحش.
(96)
لو نظر الصائم بشهوة فأنزل، لم يفطر عند الثلاثة، وقال مالك: يفطر. ويستند رأى الثلاثة إلى أنه لم تكن هناك مباشرة، ويستند رأى مالك إلى أن تلك النظرة تشبه لذة المباشرة والا لما أنزل. وبما أنه قد أنزل فقد حصلت اللذة المضادة للحكمة من الصوم.
(97)
وجهة نطر مالك فى قوله ببطلان الصوم فى هذه الحالة أن الأمر يرجع إلى قلة تحفظ الصائم الذى ينسى أنه صائم، وهذا التحفظ من شأن الخواص. وطبيعى أن يكون رأى مالك مشددًا وإن كان لا يعتبر الناسى آثما. لكن رأى بقية الأئمة فيه تخفيف ورأفة وتوسيع على عامة الناس، استنادا إلى قول الرسول [صلى الله عليه وسلم] من أكل أو شرب ناسيا فإنما أطعمه اللَّه وسقاه.
(98)
وجهة نظر أحمد أن الجماع من الصائم بعيد الوقوع لغلبة التحفظ من الجماع على الناس، ولأنه لا يقع إلا بعد مقدمات تذكره به وبأنه حرام.
(99)
قول أبى حنيفة ومالك والشافعى فى أرجح قوليه: إن الصائم لو أكره حتى أكل أو شرب وإن المرأة لو أكرهت حتى مكنت من وطئها لم يبطل صومهما، مع الأصح عند النووى من البطلان، وهو القول الآخر للشافعى. وقول أحمد هو أن الصوم يبطل بالجماع دون الأكل.
(100)
يستند القائلون بعدم كراهة السواك إلى فكرة أن ترك السواك يغير رائحة فم الصائم فتصير له رائحة تؤذى الناس "وإزالة الضرر للناس مقدم على اكتساب الفضائل القاصرة على صاحبها" -هذا إلى أن الصوم صفة صمدانية تقتضى لصاحبها الطهارة الحسية كما تقتضى له الطهارة المعنوية. أما القائلون بكراهة السواك فيقولون إن تلك الرائحة الكريهة تولدت من عبادة فلا ينبغى إزالتها.
إجماع (101) على استحباب الغسل للجنب قبل طلوع الفجر (102).
8 -
وفيما يتعلق برؤية هلال رمضان يقول مالك بضرورة شهادة عدلين، ويقول أبو حنيفة إنه يثبت بعدل واحد فى الغيم، لكن إذا كانت السماء مصحية فلابد فى ثبوته من جمع كثير (103). وآخرون من الفقهاء لا يعرفون إلا وجوب الصوم على سبيل العموم لا وجوب صوم شخص يكون رأى الهلال لكن شهادته لم تقبل (104).
9 -
وكل من الشافعى وأبى حنيفة يرى أن المجنون إذا أفاق لا يجب عليه القضاء، ويرى مالك أنه يجب عليه، ويروى عن أحمد بن حنبل أنه قال بالرأيين (105).
10 -
والأئمة الأربعة لا يوجبون الكفارة الكبرى إلا على من أفطر فى أداء رمضان، وبعض الفقهاء يوجبها على من يفطر فى قضاء رمضان (106) وأحمد بن حنبل يوجب كفارة على كل
(101) يستعمل كاتب المادة كلمة "اجتماع" وذلك غير المستقر فى الاصطلاح.
هذا وعند الغزالى أنه لا بأس بالتقبيل لمن كان شيخا أو مالكا لإربه، لكن ترك التقبيل أولى:"وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المنى أفطر لتقصيره".
على أنه فى الحديث الصحيح أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان يقبل وهو صائم لكنه كان [صلى الله عليه وسلم] مالكا لإربه إلى أقصى درجة (راجع البخارى، كتاب الصوم).
ورأى مالك من قبيل التشديد على الضعاف الذين لا يستطيعون السيطرة على دواعى الشهوة سدًا للباب الذى يأتى منه فساد الصوم.
(102)
والحكمة فى استحباب الغسل أن يكون الصائم على طهارة من أول صومه، لكن الأئمة الأربعة مجمعون على صحة صوم من أصبح جنبا. على أن بعض العلماء (عروة والحسن) يرون أنه إن أخر الغسل بطل صومه، ووجه ذلك، كما يبينه الشعرانى، هو: "أن الصوم يشبه الصفة الصمدانية. . فلا ينبغى أن يكون صاحبها إلا مطهرًا من صفات الشياطين. والجنب فى حضرة الشيطان ما لم يغتسل، فكما تبطل صلاة من خرج من حضرة اللَّه الخاصة فكذلك يبطل صوم من خرج من حضرة اللَّه تعالى إلى حضرة الشياطين.
(103)
يستند هذا الرأى إلى أنه إذا كان هناك غيم فإن الهلال يخفى على غالب الناس فيكتفى بواحد، بخلاف حالة الصحو فإنه فيها لا يخفى على الجمع الكثير.
(104)
يرى الأئمة الأربعة أن من رأى الهلال وحده صام، لكن الحسن وابن سيرين يريان أنه لا يجب عليه الصوم. برؤيته الهلال وحده، ووجه الرأى الأول: الغرض من اشتراط شهادة عدل واحد أو أكثر إنما هو حصول العلم بثبوت الهلال، وهو قد حصل لمن رأى الهلال وحده وإن لم يقبل الناس ذلك منه، ووجه الرأى الثانى أن الحس قد يخطئ لأسباب تؤدى إلى الخطأ فلا يقين يوجب الصوم.
(105)
العبارة فى الأصل العربى، بعد ذكر رأى مالك، هى:"هو أحد الروايتين عن أحمد".
(106)
مذا هو رأى عطاء وقتادة.
مخالفة للأحكام الخاصة بالموضوع، ولو كانت مخالفات كثيرة يرتكبها الصائم فى اليوم الواحد (107)، أما أبو حنيفة فهو أقل تشددًا، ذلك أنه لا يقول بتعدد الكفارة بحسب تعدد الأيام التى أفطرها الصائم إذا ترك المكفر الكفارة الأولى؛ ويرى أبو حنيفة ومالك إنه فى حالة الجماع تجب الكفارة على كل من الرجل والمرأة (108). وهما يوجبان الكفارة على كل من يفطر بالطعام أو الشراب، إن لم يكن مريضا أو على سفر، هذا مع وجوب القضاء (109). ويترك
(107) يقول كاتب المادة بعد هذا الكلام "وفى المخالفة الثانية تجب الكفارة على المرأة المشتركة فى المعصية" لكن ليس الكلام أصل فى النص العربى وقد التبس الموضوع على كاتب المادة من ورد كلمة "الأول" و"الثانى" فى الأصل وهى تشير إلى الرأيين المشدد والمخفف لا إلى الوطء الثانى -راجع النص الكامل لكلام الشعرانى.
(108)
هذا هو نص كلام الشعرانى متماسكا لا كما فككه كاتب المادة: "ومن ذلك (أى مما اختلفوا فيه) قول الشافعى وأحمد إن الكفارة على الزوج مع قول أبى حنيفة ومالك أن على كل منهما كفارة فإن وطئ فى يومين من رمضان لزمة كفارتان عند مالك والشافعى". وقال أبو حنيفة: "إذا لم يكفر عن مالك لزمة كفارة واحدة وإن وطئ فى اليوم الواحد مرتين لم يجب بالوطء الثانى كفارة". وقال أحمد: "يلزمه كفارة ثانية" وإن كفر عن الأول. فالأول (رأى الشافعى وأحمد فى أن الكفارة على الزوج) مشدد على الزوج مخفف على الزوجة على كل منهما) مشدد عليهما لاشتراكهما فى الترفة والتلذذ المنافى لحكمة الصوم. ويقاس على ذلك ما بعده من قول أبو حنيفة وأحمد فى التشديد والتخفيف".
ولابد من الإشارة إلى حكمة الكفارة وهى أنها "تمنع من قوع العقوبة على من جنى جناية تتعلق باللَّه وحدة أو تتعلق باللَّه وبالخلق فتصير الكفارة كالظلة تمنع من وصول العقوبة إليه"
(109)
هذا ما يقول كاتب المادة، لكنه غير دقيق من كل الوجوه. ففى الأصل العربى الذى يرجع إليه:"ومن ذلك قول أبى حنيفة ومالك إن من أفطر فى نهار رمضان وهو صحيح مقيم تلزمه الكفارة من القضاء مع قول الشافعى فى ارجح قوليه وأحمد إنه لا كفارة عليه". ولكن يجب أن تتذكر أنه توجد أحكام كثيرة: حكم الحامل والمرضع؛ حكم الشيخ الكبير والمريض الذى لا يرجى برؤه؛ وحكم الناسى، وكل هذا قد تقدم. لكن يبقى حكم من تعمد الإفطار بالأكل والشرب: اتفق الأئمة الأربعة على أن من صام ثم أفسد صوم يوم من رمضان بالأكل أو الشرب عامدًا يجب عليه قضاء يوم مكانه فقط. وهذا الرأى المخفف يستند، كما يقول الشعرانى، إلى سكوت الشارع عن إلزام المفطر بشئ زائد على قضاء ذلك اليوم.
لكن لبعض العلماء آراء أخرى؛ فربيعة يقول إنه لابد أن يصوم عن كل يوم اثنى عشر يوامًا؛ وابن المسيب يوجب عليه أن يصوم عن كل يوم شهرا؛ والنخعى يوجب صوم ألف يوم؛ وعند على وابن مسعود إنه لا يقضيه صوم الدهر".
ووجه هذه الآراء المشددة أنها من باب التغليظ على المفطر بغير عذر، وقد ذكر الشعرانى وجه أشدها تغليظًا (رأى على وابن مسعود) وهو أن المفطر المتعمد خالف الأمر فى اليوم الذى أمر اللَّه بالصوم فيه، والقضاء إنما هو صوم فى غير الوقت الأصلى، وهو صوم يوم يماثل ما أفطر فيه وليس عن ما أفطر فيه. والشعرانى عندما يذكر مثل هذا الرأى يعتبر أنه فى حق الخاصة والأكابر لا فى حق العامة والأصاغر.
للمكفر الخيار فى طريقة التكفير وإن كان هو يفضل الإطعام (110).
وأبو حنيفة لا يوجب الكفارة الصغرى (إعطاء المد) إن كان الصائم لم يقض ما فاته من صيام رمضان قبل بداية رمضان التالى له (111).
11 -
وأحمد بن حنبل يوجب الكفارة الصغرى أيضا على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد، وأبو حنيفة يوجب القضاء فقط، وغيره يوجبون الكفارة فقط دون قضاء (112).
12 -
المريض الذى لا يرجى برؤه أو الشيخ الكبير لا يجب عليه الصوم عند أبى حنيفة، وعند بعض الشافعية لا يجب عليه إلا الفدية. وعند مالك أنه لا صوم عليهما ولا فدية.
13 -
وعند الأئمة الثلاثة أن من أصبح صائما ثم سافر لم يجز له الفطر؛ وعند الإمام أحمد أنه يجوز له الفطر. وعند الأئمة الثلاثة أنه يجوز له الفطر بالأكل والشرب والجماع، أما عند الإمام أحمد فلا يجوز له الفطر بالجماع وإن جامع فعليه الكفارة (113).
ويذهب بعض الظاهرية إلى أنه لا يصح الصيام فى السفر -ويرى مالك والشافعى أنه يستحب الإمساك بقية النهار إذا زال العذر المبيح للفطر. ويرى أبو حنيفة وأحمد بن حنبل خلاف
(110) عند الأئمة الثلاثة أن الكفارة الكبرى (عتق الرقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) على الترتيب، وهى عند مالك على التخيير وعنده أن الإطعام أولى.
ورأى الأئمة الثلاثة مشدد "لأن العتق والصوم أشد من الإطعام، وأبلغ فى الكفارة". ورأى مالك مخفف، ووجه إيثاره للإطعام أن الإطعام أكثر نفعًا للفقراء والمساكين لاسيما أيام الغلاء".
(111)
هذا على خلاف رأى الأئمة الثلاثة فى أن من أخر قضاء رمضان مع إمكان القضاء حتى دخل رمضان آخر لزمه مع القضاء مُدٌّ عن كل يوم.
(112)
الرأى الأول (وجوب القضاء والكفارة) هو رأى أحمد ورأى الشافعى فى أرجح قوليه، وهو مشدد لأنه فطر ارتفق به الولد مع أمه. والرأى الثانى (وجوب القضاء دون الكفارة) مخفف لأنه ليس فى الفطر فى هذه الحالة ارتكاب إثم. وفى الثالث (وجوب الكفارة فقط) هو رأى ابن عمر وابن عباس، وفيه تخفيف، ومستنده أنه كان الأولى الصوم لاحتمال أن الصوم لا يضر الولد، لذلك وجبت الكفارة دون القضاء، لإسقاط الصوم عنهما بترجيح الفطر.
(113)
وجهة نظر الأئمة الثلاثة -كما بينها الشعرانى- أن الشارع أطلق الفطر للمسافر فشمل الإفطار بكل مفطر. ووجهة نظر الامام أحمد أن "ما جوز للحاجة يتقدر بقدرها، وقد احتاج المسافر إلى ما يقويه من الأكل والشرب فجوزه الشارع له، بخلاف الجماع فإنه محض شهوة تضعف القوة ويمكن الاستغناء عنها فى النهار بالجماع فى الليل فلا حاجة إليه فى النهار".
ذلك (114)، وعندهما أن الفدية نصف صاع من بر أو تمر عن كل يوم فات الصائم.
14 -
ويروى مالك أنه لا يستحب صوم اليوم السادس من شوال (115) وهو وأبو حنيفة يذهبان إلى أنه يجب على الإنسان إتمام صوم اليوم فى صوع التطوع أيضًا (116).
15 -
وعند الإمام أحمد أنه يجب الصوم فى يوم الشك إذا كانت السماء مغيمة، فإن كانت مصحية كان الصوم مكروها (117) ويرى أبو حنيفة ومالك أنه لا يكره إفراد يوم الجمعة بصوم، ويقول الشافعى وأحمد وأبو يوسف بكراهة ذلك.
16 -
ولابد من أن ننبه أخيرًا إلى أن الصوم فى أيام الاعتكاف واجب عند الحنفية والمالكية (انظر مثلا: أبو داود: كتاب الصوم، باب 80 نقلا عن Arabic New-Year: Wensinck).
* * *
وأحكام الصوم عند الشيعة (118) تختلف فى التفصيلات الآتية عن أحكامه عند أهل السنة (نقلا عن دراسة A،Querry، لكتاب "شرائع الإسلام فى
(114) نجد فى الأصل العربى هذا الكلام: "ومن ذلك قول أبى حنيفة وأحمد إن المسافر إذا قدم مفطرًا أو برئ المريض أو بلغ الصبى أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض فى أثناء النهار لزمهم إمساك بقية النهار، مع قول مالك والشافعى فى الأصح أنه يستحب، فالأول مشدد، والثانى مخفف".
(115)
يرى الأئمة الثلاثة استحباب صوم ستة أيام من شوال، ولكن مالكا يقول: إنه لا يستحب صيامها "وقال فى الموطأة لم أر أحدًا من أشياخى يصومها، وأخاف أن يظن أنها فرض". ويذكر الشعرانى أن مالكا كان مطلعًا على الحديث عارفًا بما جاء فى صوم هذه الأيام، فإن كان قد رأى فى صومها هذا الرأى فيحتمل أنه لم يصح عنده ما ورد فى صومها فترك العمل به من باب الاجتهاد فى أن ترك السنة أولى من فعلها، إذا كان الحديث الذى تستند إليه ضعيفا، هذا إلى خوف أن يعتقد الناس على مر السنين أن صومها فرض -هذا هو اعتذار الشعرانى عن مخالفة مالك للأئمة الثلاثة.
(116)
يقول الشافعى وأحمد بأن من شرع فى صوم تطوع أو صلاة تطوع فله أن يقطعهما ولا قضاء عليه، ولكن يستحب له إتمامهما. ويقول أبو حنيفة ومالك بوجوب الإتمام. ومستند الرأى الأول أن المتطوع أمير نفسه فهو إن شاء صام وإن شاء أفطر. ومستند الرأى الثانى وهو وجوب الإتمام، تعظيم حرمة الحق جل وعلا عن نقض ما ربطه العبد معه تعالى. . . وهذا خاص بالأكابر".
(117)
عند الأئمة الثلاثة: أنه لا يصح صوم يوم الشك.
(118)
إن ما سيأتى من آراء للشيعة يجب أن يوضع بإزاء ما تقدم من آراء الأئمة الكبار، فما وافق منها فهو متمش مع رأى أهل العلم بالسنة، وما كان جديدا أو تعسفيا لا سند له من الكتاب أو السنة فلا يقبل.
مسائل الحلال والحرام" لنجم الدين المحقق، وذلك بعنوان Recueil de Lois concern les Musulmnas Schyites، باريس 1871 - 1872 جـ 1، ص 182 - 209؛ جـ 2 ص 75 - 77، 197 - 199، 205 - 205).
1 -
تعتبر النية ركنا، بل لا يلزم تعيينها لصوم رمضان، وفيما عداه يلزم ذلك ولابد من النية قبل الزوال.
2 -
التدخين ليس من جملة المفطرات (119)[وهو محل خلاف] لكن منها الإغماء وتعمد البقاء على الحدث الأكبر إلى ما بعد الفجر.
3 -
ويحرم، بل يعد من المفطرات الاستهانة بكلام اللَّه أو كلام النبى عليه الصلاة والسلام أو كلام أئمة الشيعة (120) ولا يجوز، وإن لم يكن من المفطرات، أن يغطس الصائم بكل بدنه فى الماء. ولا يجوز تعمد الصمت فى أثناء الصوم.
4 -
ومن أفطر عمدًا فى رمضان وجب عقابه (وعقاب الجماع فى الصوم خمسة وعشرون سوطًا لكل من الرجل والمرأة) وبعد المرة الثالثة يستحق القتل (121) -ولا تثبت رؤية الهلال لأول رمضان إلا بشهادة عدلين.
5 -
ومن الأحوال التى يجب فيها القضاء أن يستيقظ الإنسان بعد الفجر على الحدث الأكبر حتى ولو كان قد نوى الطهارة قبل ذلك. ونسيان التطهر من الحدث الأكبر لا يبطل صوم القضاء. وإذا بقى الإنسان مريضًا حتى مجئ رمضان التالى سقط عنه القضاء لكن تبقى الفدية (مد).
6 -
ومن الأحوال التى يجب فيها الكفارة: أن يأكل الإنسان فى أثناء يوم الصوم أو يشرب. . . أو يجامع أو يحدث
(119) فى التدخين عند متعوديه لذة وهى تتنافى مع الحكمة من الصوم هذا هذا فضلا عن أن الجسم -من طريق الرئتين- يتمثل الدخان ويمتصه وهذا مبطل للصوم.
(120)
هذا ليس فقط منافيا للصوم بل إن الاستهانة بكلام اللَّه أو كلام النبى [صلى الله عليه وسلم] كفر. أما كلام الأئمة أو نحوهم فليس له هذا الشأن.
(121)
هذا رأى لا سند له من الدين، وكفارة الوطء قد تقدم الكلام فيها.
الاستمناء بيده، أو يبقى بعد الفجر على الحدث الأكبر اختيار، أو ينام على الحدث الأكبر من غير أن ينوى التطهر قبل ذلك ثم لا يستيقظ إلا بعد الفجر، وذلك فى يوم من رمضان، أن يفطر الإنسان بعد الزوال إذا كان صائما لقضاء صوم من رمضان، أن يصوم بسبب نذر خاص أو بسبب الاعتكاف وإذا أكره الرجل زوجته أو جاريته على الجماع فى رمضان لزمه قضاء الضعف وكفارة الضعف، ولا شئ على المرأة من ذلك -ومن الأسباب الأخرى الموجبة للكفارة: القتل، وما يحرم من إظهار الحزن بسبب الموت، وحلق الرأس فى حالة الإحرام ومجامعة الصائم جارية تكون فى حالة الإحرام بعد أن يكون قد أذن لها بالحج.
والصوم فى الكفارة يأتى فى المحل الثانى من حيث الترتيب، كما عند أهل السنة، لكن القتل العمد -وعند بعض الفقهاء إفساد الصوم فى رمضان بتناول طعام محرم يستوجب كفارة مثلثة: العتق + الصوم + الإطعام. وإذا أفسد الصائم فى رمضان صومه بغير الجماع فله الخيار فى الكفارة، وكذلك إذا أفسد الاعتكاف أو حلق وهو محرم، أو جامع جارية وهى فى حالة الإحرام.
ويجب أن يكون الصوم فى الجملة من غير انقطاع، وفى حالة صوم الشهرين المتتابعين إذا قطع الصائم صومه بغير عذر فى الشهر الأول وجب عليه أن يعيد الصوم، أما إذا قطعه فى الشهر الثانى لم يلزمه إلا القضاء. ومن العذر المقبول إفطار الحامل والمرضع، لكن لا عذر إذا كان السفر غير ضرروى. فإذا كانت مدة الصوم شهرا واحدا فقط، كما فى صوم المملوك للكفارة، فعند ذلك لا تكون مدة الانقطاع إلا خمسة عشر يوما فحسب، والإفطار فى اليوم العاشر من ذى الحجة لا يضر فى صوم الكفارة لثلاثة أيام (انظر ما تقدم) إذا كان الإنسان قد صام يومين -لكن اختيار الأيام غير مقيد فى حالة الكفارة بسبب الحنث فى يمين وبسبب قتل الصيد فى أيام الإحرام وعند صيام سبعة أيام الكفارة (انظر ما تقدم)، وكذلك بالنسبة لقضاء ما فات من أيام الصوم. وإذا لم يستطع الإنسان أن يصوم شهرين متتابعين فيجب أن يصوم 28 يومًا ويطلب
المغفرة من اللَّه بقلب نادم- ونوع آخر من الكفارة (غير الصوم) يمكن أن يقوم به شخص آخر باختياره.
7 -
الرخص: يصح الصوم إذا أذن الطبيب للمريض بأن يصوم؛ ولا تعفى الحامل من الصوم إلا فى المرحلة الأخيرة، ولا تعفى المرضع إلا إذا قل لبنها. وصوم من يكون على سفر غير جائز فى الجملة. لكن إذا اضطرت المرء مهنته أن يكون على سفر معظم العام، فإنه لا يتمتع بالرخصة، ويجب على كل حال قضاء ما يفطره الإنسان فى السفر. وإذا مات وجب القضاء على وليّه.
8 -
يجوز الابتداء فى صيام التطوع قبل الزوال. وكتب الفقه عند الشيعة تحض على الصوم فى الأيام التالية: الخميس الأول والخميس الأخير من الشهر؛ والأربعاء الأول من العشرة الأيام الثانية من الشهر (بل إن من ترك صوم هذا اليوم وجبت عليه الكفارة مد أو درهم)، ويوم عيد الغدير (18 من ذى الحجة)، وهو اليوم الذى كان فيه النبى عليه السلام عند الغدير، ويروى أنه أوصى هناك لعلى رضى اللَّه عنه بالخلافة بعده) (Querry، المرجع المشار إليه، ص 37، هامش 2)؛ ويوم ميلاد النبى عليه السلام (17 ربيع الأول)؛ ويوم ظهوره بالرسالة (27 ربيع الأول)؛ اليوم الذى ظهرت فيه من السماء الكعبة باعتبارها أول مكان خلق من الأرض (25 من ذى القعدة)؛ ويوم المباهلة، لأنه فى هذا اليوم تباهل النبى عليه الصلاة والسلام هو وأبو جهل أن يلعن اللَّه الكاذب (24 من ذى الحجة، انظر Querry: الكتاب المذكور، ص 37، بهامش 3)، واليوم العاشر من المحرم، وهو اليوم الذى قتل فيه الحسين رضى اللَّه عنه، ويوم الجمعة فى شهرى رجب وشعبان. ويستحب أيضا؛ صوم يوم الشك -ويجب عند الشيعة الإمساك فى الأيام التى يزول فيها العذر: وإذا زال العذر وجب أكل شئ ثم الصوم.
9 -
ويكره الصوم فى اليوم التاسع من ذى الحجة فى عرفة إذا خشى الإنسان من شئ فى الصوم؛ وفى السفر فى سبيل اللَّه على ثلاثة أيام فى
المدينة أثناء الحج؛ ويكره صيام الضيف من غير إذن مضيفه؛ وصيام الصبى من غير إذن أبيه. . وهكذا.
10 -
ويحرم الصوم فى أيام التشريق على من يكون فى منى وعلى من يكون على سفر. والغزالى فى أول "كتاب أسرار الصوم"، من مؤلفه الإحياء، يتكلم عن قيمة الصوم وهو يذكر بعض الأحاديث المشهورة لبيان شأن الصوم العظيم عند اللَّه، ثم إن الصوم وسيلة قمع عدو اللَّه، لأن الشهوات التى هى وسيلة الشيطان لبلوغ غرضه تقوى بالأكل والشرب (122) الشهوات "مرتع الشياطين ومرعاهم، فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم، وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال اللَّه سبحانه وكان محجوبا عن لقائه، وقال [صلى الله عليه وسلم]: "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السموات"، فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة.
وفى الفصل الأول من كتاب أسرار الصوم يذكر الغزالى الواجبات الظاهرة والسنن فى الصوم، على مذهب
(122) يحسن أن نذكر كلام الغزالى نفسه هنا، لأنه أبلغ فى بيان المراد وأشفى:
جاء فى الإحياء "الصوم إنما كان له "أى للَّه" ومشرفا بالنسبة إليه، وإن كانت العبادات كلها له. كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له، لمعنيين: أحدهما أن الصوم كشف وترك، وهو فى نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد. وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يراه إلا اللَّه عز وجل فإنه عمل فى الباطن بالصبر المجرد؛ والثانى إنه قهر لعدو اللَّه عز وجل، فإن وسيلة الشيطان، لعنة اللَّه. الشهوات، وانما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال [صلى الله عليه وسلم]: "إن الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع". ولذلك قال [صلى الله عليه وسلم] لعائشة رضى للَّه عنها: "داومى قرع باب الجنة؛ قالت: بماذا؟ [صلى الله عليه وسلم]: بالجوع". . . فلما كان الصوم على الخصوص قمعًا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقًا لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى اللَّه عز وجل ففى قمع عدو اللَّه نصرة للَّه سبحانه، وناصر اللَّه تعالى موقوف على النصرة له، قال اللَّه تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من اللَّه عز وجل" انتهى كلام الغزالى؛ والإشارة فى قول الغزالى أن الصوم للَّه إلى الحديث القدسى: "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به". المترجم
الشافعية، ويذكر فى الفصل الثالث الأيام التى يستحب فيها صيام التطوع، وذلك كما يفعل الفقيه. لكنه يقول فى الفصل الثانى إن أدق المراعاة لأحكام الصوم فى الظاهر ليست صوما بالمعنى الحقيقى. ويميز الغزالى فى الصوم بين ثلاث درجات: الدرجة الأولى (هى الصوم فى نظر الفقه) هى درجة الأنبياء والصديقين والمقربين الذين صومهم كفٌّ عن كل الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، والدرجة الثانية هى درجة الصالحين، وهى تتلخص فى حفظ الحواس والجوارح من الآثام (123)، ويجب على الإنسان أن يترك ما ينافى الغاية من الصوم، فلا يصح أن يأكل عند الأفطار أكثر وأحسن مما يأكل فى العادة (هذا على
(123) يقول كاتب المادة هنا: "وعن كل الأشياء الصارفة عن اللَّه"، وهذا فى الحقيقة خاص بالدرجة الثالثة، درجة الأنبياء، والأفضل أن نسوق كلام الغزالى نفسه لدقته فى التقسيم ولوضوحه:"اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، أما صوم العموم فهو كشف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص فهو كشف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عفا سوى اللَّه عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر فى هذا الصوم بالفكر فيما سوى اللَّه عز وجل واليوم الآخر وبالفكر فى الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف فى نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطينة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل اللَّه عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود؛ وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين". ويفصل الغزالى صوم الصالحين على صورته الكاملة وتمامها بستة أمور:
1 -
غض البصر وكفه عن الاتساع فى النظر إلى ما هو حرام وما يلهى القلب عن ذكر اللَّه. 2 - حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة. . . وشغله بذكر اللَّه. 3 - كف السمع عن الإصغاء إلى المحرمات. 4 - كشف بقية الجوارح عن الآثام واجتناب أكل الحرام "فلا معنى للصوم، وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام مثال من يبنى قصرا ويهدم مصرًا فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله. وقد قال [صلى الله عليه وسلم]: "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، فقيل هو الذى يفطر على الحرام، وقيل هو الذى يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل هو الذى لا يحفظ جوارحه عن الآثام". 5 - عدم الاستكثار من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوف. فما من وعاء أبغض إلى اللَّه من بطن ملئ من حلال، وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو اللَّه وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه فى ألوان الطعام؟ ! " ويذكر الغزالى فيما يتعلق بحفظ الجوارح كلها أحاديث كثيرة. المترجم
خلاف حكم الفقه) (124) ولا أن ينام بالنهار لكيلا يحس بالجوع والعطش فهما سر الصوم وروحه، لأنهما يكسران سلطان الشهوات؛ وكسر الشهوات، لا الإمساك، هو الغرض من الصوم، وهو السبيل إلى القرب من اللَّه؛ والغزالى يخلص إلى عدم جدوى صوم من يعمل فى أثناء الإفطار على إتلاف ثمرة الصوم، وهؤلاء هم الذين يقول الرسول فيهم "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش".
إن التصور الخلقى للصوم، وهو ما يبينه الغزالى فى هذا الفصل، يكمل بحسب رأيه، الأحكام الجافة الموجودة عند الفقهاء، لكنه بحسب إحساسنا كثيرًا ما يتعارض معها. ونحن نجد فى الحديث كثيرًا أحاديث عدة ذات صبغة خلقية، والغزالى لا يفوته أن يذكرها لتأييد رأيه.
(124) يشير الغزالى فى عصره إلى العادة التى لا تتفق مع الغرض من الصوم ونجدها فى عصرنا، وتلك هى ادخار جميع الأطعمة لرمضان بحيث يؤكل فيه ما لا يؤكل فى عدة أشهر. وهذا يزيد فى انبعاث الشهوات التى هى وسائل الشيطان.
على أن كاتب المادة يقول: إن هذا على خلاف حكم الفقه. وهذا خلط منه لأن الفقه لا يأمر الناس أن يأكلوا فى رمضان أكثر مما يأكلون فى غيرها أما الحقيقة فهى أن الغزالى يبين الفرق بين حكم الفقهاء على صحة الصوم وحكم الصوفية، فالمعانى التى يذكرها الغزالى معان ليست ضد ما يقول به الفقهاء، لكن الفقهاء لا يتكلمون فيها، والصوفية يهتمون بتصحيح العبادات وجعلها عبادات روحية، بالروح وفى الروح.
والفقيه يحكم على صحة الصوم بظاهر ما يرى وهو الإمساك عن الطعام والشراب. والصوفى يحكم على صحة الصوم بحسب ما يجب أن يكون معه من أحوال باطنة وأخلاق، ولا تعارض بين الطرفين الفقيه يحكم فى الغالب على صحة الصوم طبقًا للشريعة. والصوفى يحكم على الصوم الروحى وقبوله عند اللَّه وكم من صوفى فقيه وفقيه صوفى.
لكن هذا لا يمنع وجود قوم يتعبدون بالظاهر دون الباطن. وقد ذكر الغزالى المقصود من الصوم عند الصوفية وهو "التخلق بخلق من أخلاق اللَّه عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة فى الكف عن الشهوات، بحسب الإمكان فينهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها. فكلما انهمك فى الشهوات انحط إلى أسفل سافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة، والملائكة مقربون من اللَّه عز وجل والذى يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من اللَّه عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب وليس القرب ثم بل بالصفات. وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأى جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك فى الشهوات الأخرى طول النهار".
على أنه توجد فى كتب الحديث أحاديث كثيرة تتعلق بالصوم ويجدها القارئ مذكورة طوائف بحسب الموضوعات فى كتاب الأستاذ فنسنك (A Handboak of Early Muhammadan Tradition: Wensinck، تحت كلمة Fasting). ولا يمكن أن نذكر هنا، إلى جانب ما تقدم، سوى أحاديث قليلة تتعلق بقيمة الصوم فى العصر الأول للإسلام وكما هو الرأى الشائع اليوم يعتبر الصوم، خصوصا صوم رمضان، خير كفارة لذنوب السنة كلها -ولذلك يراعى الناس الصوم بوجه عام وإن كان ذلك ليس دائما بالدقة التى يريدها الفقهاء- وهكذا كان الحال عند المسلمين الأولين (انظر البخارى: كتاب الإيمان، باب 28؛ كتاب الصوم، باب 6؛ الترمذى: كتاب الصوم باب 1. وهكذا).
وبعض الأحاديث تتكلم عن قيمة الصوم فى بعض الأوقات بالنسبة لقيمته فى أوقات أخرى، مثلًا:"صوم يوم" من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره؛ وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام"؛ "من صام ثلاثة أيام من شهر حرام، الخميس والجمعة والسبت، كتب اللَّه له بكل يوم عبادة تسعمائة عام". ومثل هذه الأحاديث تروى فى صوم يوم عاشوراء وعشر ذى الحجة وخصوصًا صوم رمضان.
وهناك أحاديث تتكلم عن مقدار محبة اللَّه تعالى لشخص الصائم وما يتميز به، بل فى الحديث أن "خلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من رائحة المسك"(أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 232. . . الخ).
وفى الحديث "أن اللَّه تعالى يباهى ملائكته بالشاب العابد فيقول: أيها الشاب التارك شهوته لأجلى المبذل شبابه لى، أنت عندى كبعض ملائكتى" وإنه تعالى يقول: "انظروا يا ملائكتى إلى عبدى، ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلى"، ويذكر الغزالى أنه قد قيل فى قوله تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} -قيل كان عملهم