الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللثام"، لمتونة ومسوفة الذين كان لهم شأن كبير فى التاريخ الدينى والسياسى لبلاد البربر والأندلس تحت اسم المرابطين. ويذكر البكرى تفصيلات عجيبة عن أسلوب معاشهم فى الصحراء ومأكلهم وحيلهم الحربية؛ والطوارق فريق من هذه الجماعة.
وتستوطن بعض جماعات أقل قوة وسلطانا السوس والوديان المجاورة لجبال أطلس المراكشية، وهى من الأرومة الصنهاجية نفسها، ونعنى بها قبائل لمطة وكزّولة الرجل وقبيلة هسكورة المستقرة. وقد اشتركت هذه القبيلة الأخيرة فى حركة الموحدين.
ثم نذكر أخيرا أرومة ثالثة من صنهاجة يقال إنها كانت تعيش متفرقة فى المغرب الأقصى حول القصر وفى سهول شاوية من إقليم نارًا وفى الريف. وظلت صنهاجة بُطّوِية وأرياغل باقية فى الريف حتى وقتنا هذا. ولا يزال اسم صنهاجة يحمله واحد من "اللفبن" اللذين انقسمت إليهما قبائل مراكشى الشمالية.
المصادر:
(1)
ابن خلدون: تاريخ البربر، النص، جـ 1، ص 194؛ الترجمة، جـ 2، ص 1 وما بعدها.
(2)
البكرى، طبعة الجزائر سنة 1911، ص 164 وما بعدها؛ الترجمة سنة 1913، ص 310 وما بعدها.
(3)
الإدريسى، وصف إفريقية والأندلس طبعة دوزى وده غوى، ص 57 - 59؛ والترجمة ص 66 - 69.
(4)
Les Berberes: Fournel باريس سنة 1875.
(5)
Les Arabes en Berberie du XIe au XIV siecle: G.Marcais باريس سنة 1913.
الشنتناوى [مارسيه G.Marcais]
صور
هى المدينة الجزرية لفينيقية؛ وقد كانت منذ عهد العمارنة من أغنى المراكز التجارية على الساحل السورى ثم ارتقت شيئًا فشيئا حتى غدت تنافس مدينة صيداء منافسة قوية فى السيطرة على المستعمرات الفينيقية فى الغرب.
وقد غزاها الإسكندر الأكبر ودمرها، ولكن ذلك لم يقض على أهمية هذه القصبة الزاهرة إلا إلى حين، وإن كان قد انتهى إلى نتيجة هامة ثابتة هى أن هذه المدينة الجزرية قد وصلها من ثم بالبر الأصلى سد الإسكندر الذى اتسع اتساعا مطردًا حتى غدا برزخا بفعل المواد الرسوبية التى حملتها التيارات الساحلية الجنوبية الغربية. وكانت مدينة بالاتيروس (أشو الأشورية) تقوم منذ عهد ضارب فى القدم على البر الأصلى تجاه هذه المدينة الجزرية. وكانت صور أيضا فى عهد الإمبراطورية الرومانية هى القصبة الدنيوية والدينية للولاية التى عرفت فى اليونانية باسم.
وقد استولى شرحبيل بن حسنة على صور وصفَّورية وغيرهما من بلدان هذا الإقليم بعد احتلاله دمشق (البلاذرى، طبعة له غوى، ص 116؛ Annali dell' islam: Caetani مجلد 2، جـ 2، الفصل 21 جـ 3، الفصل 107) وقد جاء فى الكتاب المنحول للواقدى (فتوح الشام، طبعة القاهرة 1287 هـ، جـ 3، ص 58 وما بعدها) أن الاستيلاء على صور قد تم بخيانة أمير حلب عبد اللَّه بوقنا. ويقول الواقدى وهشام ابن الليث الصورى أن معاوية قد أصلح عكا وصور أثناء حملته على قبرص (27 هـ)، وفى سنة 42 هـ أتى بمستعمرين من الفرس، من بعلبك وحمص وأنطاكية وأسكنهم مدن الأردن أى صور وعكا وغيرهما (البلاذرى: المصدر المذكور، ص 117) ويستشهد هشام بن الليث الصورى الذى ذكرناه آنفا يقول من نقل عنهم: نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وخلق من الروم ثم نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا كذلك جميع سواحل الشام، وفى سنة 49 هـ أغار الأسطول الإغريقى على مدن الشام الساحلية التى لم يكن قد أقيم فيها بعد دور للصناعة (البلاذرى: المصدر المذكور؛ محبوب المنجبى: كتاب العنوان الذى نشره فاسيلف فى Patrol. Orient جـ 8، ص 492).
ومن هنا أقام معاوية أحواضًا للسفن فى عكا لإقليم الأردن. وجدد عبد الملك بن مروان صور وقيسارية
وأرباض عكا التى كانت قد تخربت مرة أخرى (البلاذرى: المصدر المذكور، ص 117، 143). ثم حدث بعد ذلك أن أراد هشام بن عبد الملك أن يشترى من حفيد من أحفاد أبى معيط مصانع ومخازن فأبى الرجل أن يبيعها له، فما كان من هشام إلا إن نقل دار الصناعة إلى صور وبنى مخازن وأحواضا هناك (البلاذرى، ص 117).
ويقول الواقدى أيضًا: إن صور حلت فى عهد المروانيين محل عكا بوصفها محطة بحرية وظلت كذلك من بعد (البلاذرى، ص 118؛ بن جبير، طبعة رأيت، ص 305). فلما جاء المتوكل (247/ 248 هـ) وزع الأسطول وجنود البحرية على بلدان الساحل الشامى.
وقد وصف جغرافيو العرب صور قديما فيقولون: إنها من سواحل الأردن المنيعة التحصين العامرة بالسكان يحف بها أراضى خصبة. وكانت هذه المدينة الجزرية لا يبلغها أحد إلا من البر الأصلى عن طريق باب يؤدى إليه جسر، وكانت أيضًا محصنة بأسوار تنهض عمودية من البحر وتكاد تكتنفها من جميع الجوانب ويقوم جزء آخر من البر الأصلى. وقد وصف القزوينى كذلك (طبعة فستنفلد، جـ 2، ص 366، السطر الخامس من أسفل تحت اسم طليطلة) الجسر الذى ذكره المقدسى أيضًا، فقال إنه أكبر قنطرة فى العالم (لعله خلط بينه وبين جسر سنجه). وكانت القنطرة المعلقة القديمة التى كانت تخرج من بلدة (وهى الآن رأس العين أو الرشيدية) حتى صور مارة بتل المعشوق لا تزال تزود المدينة بالمياه فى القرون الوسطى (المقدسى: المكتبة الجغرافية العربية، جـ 2، ص 163؛ ناصر خسرو، طبعة شفر، ص 11). ويذكر ناصر خسرو الذى زار صور سنة 1047 م بيوتها التى تتراوح طبقاتها بين خمس طبقات وست طبقات، كما يذكر مشهد، غنيا بالزخارف قائما عند باب المدينة. وكان معظم أهلها وقتذاك من الشيعة إلا القاضى فقد كان من أهل السنة. وذكر الإدريسى فى عهد الحروب الصليبية (1154 م) ما كان بصور من صناعة زاهرة للزجاج والفخار ونسج الأقمشة النفيسة. وذكر قدامة أرصفة السفن القائمة فى المدينة.
وقد كانت الشام منذ العهد الطولونى واقعة فى جميع الأحوال تقريبا تحت سيادة مصر، واستتبت هذه السيادة (أكثر وأكثر فى عهد الفاطميين. وانتفض الصوريون على الخليفة الحاكم سنة 388 هـ (998 م) يقودهم فلاح يدعى علاقة فى الوقت نفسه الذى انتقضت فيه الرملة وحاصر قلعة فامية القائد الرومى (البوزنطى) دوكاس. وأنفذ وإلى الشام جيش بن محمد بن صمصام إلى صور حسين بن عبد اللَّه بن ناصر الدولة والخصى فاتق (وفى رواية فائق) البرَّاز. فلما هاجم الرجلان صور من البر والبحر استجار علاقة بالإمبراطور البوزنطى طالبا منه العون، فأرسل الإمبراطور إليه عدة سفن، ولكن هذه السفن حلت بها هزيمة منكرة فى معركة بحرية، وهنالك انهارت معنويات السكان فى صور ولم يعودوا يقوون على الاستماتة فى المقاومة فسقطت المدينة ونهبت وذبح سكانها وعُرِّب علاقة ثم قتل فى مصر.
على أن الفتن استمرت؛ ولم يجد الوزير بدر الجمالى بدًا سنة 1089 م من أن ينتزع صور وعكا وجبيل من السلطان السلجوقى تتش. وفى سنة 490 هـ (1097/ 1098 م) أنزل خليفته الأفضل شاهانشاه بالسكان العقاب على فتنة جديدة قاموا بها فذبحهم تذبيحا، ولم ينج من ذلك حتى والى صور إذ أخذ فقتل؛ حدث هذا فى السنة نفسها التى غادر فيها الصليبيون القسطنطينية. وضربت السكة فى صور باسم الخليفة المستعلى (1094 - 1101 م).
وسعت صور أول الأمر (1100 - 1101 م) إلى استمالة قلب بلدوين بالهدايا، ولكنها سرعان ما شاركت فى الدفاع عن عكا وطرابلس (1103 م) وبناء على اتفاق تم بين الأمير عز الدين صاحب صور وبين طغتكين هاجم عز الدين سنة 500 هـ (1106 - 1107 م) معقل الملك الصليبى فى تبنين ونهب ضاحية من ضواحيها وذبح أهلها ثم عمد إلى الفرار سريعا حين سار بلدوين من صور إلى طبرية. وظهر هذا الملك فى السنة التالية أمام أسوار صور، وشيد قلعة على تل المعشوق
وحاصر المدينة شهرًا. ولم يجد واليها بدًا من أن يؤدى له نظير انسحابه من الحصار سبعين ألف دينار.
وبعد سقوط طرابلس بأسبوع، ظهر الأسطول المصرى أمام هذه المدينة بجنوده وقد تزود بمال ومؤن تكفيه سنة، فلما سمع المصريون أن القلعة قد استولى عليها الفرنجة عادوا إلى صور ووزعوا الجنود والمؤن على صور وصيداء وبيروت.
وضرب بلدوين الحصار على صور مرة أخرى فى الخامس والعشرين أو السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى (27 أو 29 من نوفمبر سنة 1111)، وشيد برجين خشبيين ارتفاعهما عشر أذرع، وأقام فى كل منهما ألف جندى، ودفع بهما إلى أسوار المدينة؛ واستنجد الصوريون بطغتكين فقدم من دمشق إلى بانياس وبعث منها بالأمداد فقطعت المؤن عن الفرنجة، على حين سار هو نفسه إلى صيداء. وكان بولديون قد اقتحم بالفعل سورين من أسوار صور عندما عقد عز الملك الأعز وإلى صور مجلس حرب انبرى فيه شيخ سبق أن اشترك فى الدفاع عن طرابلس مبديًا استعداده لتدمير برجى الحصار اللذين أقامهما الفرنجة. ونجح الشيخ نجاحًا فى إشعال النار فيهما. ولم يظفر الفرنجة بطائل يستحق الذكر حتى ربيع عام 1112 م. وفى هذه الأثناء كان طغتكين قد أقبل فى عشرين ألف مقاتل بعد أن استولى على قلعة الجيش فى الشام وقطع المؤن عن الفرنجة. فلما أخذوا يجلبون المؤن بحرًا ضرب الأراضى المحيطة بصيداء. وفى 10 من شوال (21 إبريل) رفع بلدوين الحصار وارتد إلى عكا. ورحب سكان صور بطغتكين فأجزلوا له الهدايا النفيسة، ورمموا أسوار مدينتهم وخنادقها بعد أن حل بها الأذى من جراء الحصار. ثم غادر طغتكين المدينة وسلمها للخليفة مرة أخرى. على أنه حدث فى السنة التالية عينها أن خشى أهلها وأميرهم عز الملك أنشتكين الأفضلى أن يشن عليهم الفرنجة غارة أخرى، فاستقر رأيهم على أن يسلموا المدينة ثانية إلى طغتكين واستجاب طغتكين لرجائهم وبعث إليهم بالأمير مسعود وزوده بالجنود للدفاع عنها. ومع ذلك فقد ظلت الخطبة باسم الخليفة كما ضربت السكة باسمه أيضًا.
وفى سنة 516 هـ (1122 - 1123 م) أنفذ المأمون خليفة الأفضل أسطولا من أربعين غليونًا مجهزًا تجهيزًا حسنًا إلى صور بقيادة مسعود بن سلار، ولما صعد الأمير مسعود على ظهر السفن لتحية رجال الأسطول أمر به فقيد بالأغلال وحمل إلى مصر. ومع ذلك فقد قوبل هناك بحفاوة كبيرة وأرسل إلى دمشق حيث قدمت إليه الاعتذارات الديبلوماسية بما يزيل آثار هذا الحادث. ورد طغتكين ردًا كريمًا وعد بأن يبذل العون من بعد فى رد غائلة العدو المشترك.
على أن الفرنجة استبشروا لرحيل مسعود المغوار وأعدوا العدة لحصار آخر تراودهم آمال جديدة، وتبين الوالى المصرى ضعف الحامية وقلة المؤن فى المدينة فلجأ إلى الخليفة طالبًا منه العون. ورد الأمير بأنه سوف يضع أمر الدفاع فى يد ظهير الدين (طغتكين) ومن ثم احتل ظهير الدين المدينة مرة أخرى وهيأ لها أسباب الدفاع.
وفى شهر ربيع الأول (أبريل 1124 م) بدأ الحصار الثانى يضرب حول صور. فقد أقامت السفن البندقية نطاقا حول الميناء فى حين هاجمت الجنود المسلحة من البر أسوار المدينة ببرج من أبراج الحصار. وقد أبلى الجنود الدمشقيون بلاءً حسنًا فى الدفاع. وأنفذ المحاصرون جزءا من جيشهم لقتال طغتكين على حين كلف البنادقة بإبعاد الأسطول المصرى. ومضى القتال متقلبًا ينتصر فيه هذا الجانب مرة وينتصر الآخر مرة، ثم استقر رأى الصوريين بعد أن تفشت المجاعة فى المدينة على أن يسلموا إذا كانت شروط الفرنجة مرضية. وتولى طغتكين أمر المفاوضات مع قواد الفرنجة، وخير الأهالى المحاصرون بين ترك المدينة بزادهم أو أن يظلوا مقيمين فيها بشرط أن يدفعوا الفدية.
وفى الثالث والعشرين (أو الثامن والعشرين) من جمادى الأولى (9 أو 14 يولية سنة 1124) خرج الأهالى من المدينة بين جنود طغتكين وجيش الفرنجة، وسكن بعضهم دمشق وبعضهم غزة.
وظلت صور، بعد هذا التسليم الذى هو أقصى ما بلغه الصليبيون من سلطان فى الشام، فى أيدى الفرنجة حتى سنة 1291 م.
ويتحسر ابن الأثير على سقوط صور ويعده من النكبات الفادحة التى أصيب بها العالم الإسلامى، ذلك أن صورا كانت من أجمل الثغور وأمنعها ثم يزيد:"فاللَّه يعيده إلى الإسلام".
وفى سنة 528 هـ (1133/ 1134 م) خرب شمس الملوك (بورى) صاحب دمشق، بعد غارة شنها الفرنجة على إقليم طبرية، صور وسائر البلاد الساحلية ثم عاد عن طريق الشعراء حاملًا غنائم عظيمة. وظهر أسطول مصرى سنة 550 هـ (1155/ 1156 م) فى ميناء صور وأغرق السفن التابعة للحجاج المسيحيين وغيرها، وعاد بكثير من الأسرى والغنائم النفيسة. وفى سنة 552 هـ (1157 م) ألم زلزال بصور وصيداء وبيروت وطرابلس وغيرها من البلدان فأصابها بخسائر.
وبين أيدينا أوصاف لصور منذ عهد الصليبيين كتبها الإدريسى وابن جبير. ويبدى الإدريسى إعجابه بمصنوعاتها الزجاجية والفخارية وبقماش نفيس بالغ الرقة واللطف كان ينسج فيها. وقضى ابن جبير بها أحد عشر يومًا، فزودنا بوصف مفصل للمدينة ولاحتفال رائع أقيم بها أثناء زيارته. وكان لصور من ناحية البر ما بين ثلاثة أبواب وأربعة أبواب متعاقبات. وكان الداخل إلى المدينة من البحر بين برجين مرتفعين فيبلغ ميناء (ميناء صيداء القديمة) من أجمل موانى مدن الساحل جميعًا. وكانت الأسوار تكتنف هذا الميناء من ثلاثة جوانب، أما الجانب الرابع فكان يكتنفه سور فى أسفله مدخل معقود ترسو تحته السفن. وهذا المرفأ الداخلى كان يمكن إغلاقه بسلسلة ضخمة تمد بين البرجين.
ولما استولى صلاح الدين على بيت المقدس وعلى معظم المدن الساحلية مضى يحاصر صور وأقام معسكره أمامها (وكان ذلك فى الخامس من رمضان سنة 583، أو فى 9 منه فى رواية آخرين = 8 أو 12 نوفمبر سنة 1187 م) واضطر أول الأمر إلى
الانتظار حتى يتم إعداد جيشه، فاستدعى ابنه الملك الظاهر من حلب وأخاه الملك العادل من بيت المقدس للانضمام إليه، وكان معه ابنه الثانى الأفضل وابن أخيه تقى الدين. وما إن قدم جنود الحصار بمنجنيقاتهم حتى بدءوا يقذفون المدينة بالقذائف من أبراج متحركة. وأخذت عشر سفن من عكا تضرب حصارًا على الميناء. ولكن أسطول الفرنجة باغتها ودمر بعضها أو أغرقه، وردت هجمة على أسوارها. وعقد صلاح الدين مجلس حرب فقرر تأجيل الحصار إلى العام التالى بالنظر إلى قرب حلول الشتاء. وبدأ صلاح الدين وجيشه الانسحاب فى اليوم الثانى من ذى القعدة سنة 584 (= 3 يناير سنة 1188 فى رواية بهاء الدين، ويقول ابن الأثير إن ذلك كان فى آخر شوال أى فى أول يناير سنة 1188 م. ولم يكد محاصروها يرتدون عنها حتى دب النزاع بين الملك كى ده لوزينيان، الذى كان قد عاد وشيكا من الأسر، والمدافع المغوار عن المدينة كونراد ده مونتفرا.
وقد كان عجز صلاح الدين عن الاستيلاء على هذا الثغر المنيع نكسة فى سجل انتصاراته الحربية. وكانت صور هى وشقيف أرنون هما المعقلان الوحيدان اللذان بقيا فى يد الفرنجة. وقد اجتمعت فى صور الجيوش القوية فى الحرب الصليبية الثالثة. ذلك أنه قد تدفقت عليها حاميات المدن التى استولى عليها صلاح الدين وتمكن من تحريرها باذلا الكثير من آيات البطولة. ومنها قام صلاح الدين بضرب الحصار على عكا فصرف ذلك انتباهه كله عن صور.
وفى اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الثانى سنة 588 (29 أبريل سنة 1192) اغتال الإسماعيلية المركيز كونراد الذى كان آنئذ يعيش فى صور بصفته ملك بيت المقدس. وقد عقد خليفته هنرى له شامبانى صلح الرملة مع صلاح الدين (سبتمبر سنة 1192) وقضى هذا الصلح بأن يظل الساحل من يافا إلى صور فى يد الفرنجة.
ولما قامت حامية تبنين بحملة على صور وخربت أرباضها، بدأ الصليبيون فى أول صفر سنة 594 (13 ديسمبر
1197) يحاصرون تبنين. على أنهم حين سمعوا باقتراب الملك العادل ارتدوا عنها دون أن يفوزوا بطائل. وفى شهر شعبان سنة 597 (مايو - يونية سنة 1201) نزل بصور زلزال وفى سنة 600 هـ (1203 - 1204 م) أصابها زلزال آخر انهارت على أثره أسوارها القديمة؛ وقضى الصلح الذى عقد بين فردريك الثانى والملك الكامل صاحب مصر (1299 م) بأن تظل صور هى وعدد من مدن الساحل الشآمى فى يد النصارى علاوة على بيت المقدس. وفى السنوات التالية ازدادت قوة الفرنجة ضعفًا من جراء الصراع المتصل الذى نشب بين مدن الساحل والأسطولين البندقى والجنوى.
وفى مايو سنة 1266 م، وفى سنة 1269، شن الملك القوى بيبرس حملتين على صور، ويقال إن السبب فى قيامه بالحملة الثانية هو الثأر لمقتل تاجر اغتيل فى صور وقدمت إليه أم التاجر ظلامتها فى بلدة خربة اللصوص.
على أن بيبرس عقد مع أمير صور سنة 669 هـ (1270 - 1271 م) اتفاقًا قضى بأن يعطى هذا الأمير عشر نواح من أرض صور، وأن يختار الخليفة خمس نواح، وأن تخضع النواحى الباقية الحاكم مشترك. وقد دفعت مرغريت صاحبة صور ثمن صلح عقدته مع قلاوون تعهدت بمقتضاه فى أغسطس سنة 1285 بأن تؤدى له نصف خراج المدينة وألا ترمم حصونها أبدًا، فلما سقطت عكا سنة 1291 لم تستطع صور وغيرها من المدن القليلة الباقية فى أيدى الفرنجة أن تصمد. ذلك أن خليلا بعد أن استولى على صور أخذ يذبح سكانها أو يبيعهم فى سوق العبيد كما دمر المدينة نفسها.
وقد كانت المدينة لا تزال خرابا يبابا فى عهد أبى الفدا (1321 م) والقلقشندى (حوالى سنة 1400 م) وخليل الظاهرى (حوالى 1450 م). ولم يجد فيه ابن بطوطة (1355 م) إلا آثارا قليلة من أسوار مرفئها القديم، ومن ثم ظلت المدينة موضعًا تافه الشأن. ولم يستطع فخر الدين أمير الدروز (1595 - 1634 م) أن يصلح من شأنها، وكذلك عجز الشيخ ظاهر العمر صاحب عكا