الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
ابن عذارى: البيان المغرب، طبعة R.Dozy، ليدن 1848، جـ 2، ص 34 وما بعدها، و 44 وما بعدها و 50 وما بعدها؛ ترجمة E.Fagran، الجزائر 1904، جـ 2، ص 49 وما بعد ، 65 وما بعدها و 75 وما بعدها
(4)
ابن الأثير: الكامل، طبعة Tornberg، جـ 3، ص 257 و 353 و 374 و 381
(5)
Annales Du Maghreb et de l'Espagne ترجمة الجزائر، Fagnan، الجزائر، الفهرس.
(6)
المقرى: نفح الطيب (. . Analectes)، ليدن 1855 - 1861، جـ 2، ص 24
(7)
Histoire des Musubnans d'Espagne: R.Dozy، ليدن جـ 1، ص 273 وما بعدها.
صبحى [ليفى بروفنسال E.Levi-Provencal]
صنعاء
قصبة اليمن، وتقوم على السراة الشرقية فى واد جبلى ينفرج إلى الغرب حتى السلسلة الجبلية التى تتبع جبل عَيْبان، ويشرف عليها من الشرق مباشرة جبل نقم الذى يعلوها بمقدار 1600 قدم؛ وهى على خط عرض 15 ْ 23 َ شمالا وخط طول 44 ْ 12 َ شرقا. وجو صنعاء معتدل لأنها ترتفع عن سطح البحر بمقدار 7200 قدم، وتهب عليها فى الصيف بنوع خاص الرياح إبان النهار. وتهبط درجة الحرارة فيها شتاء إلى درجة الصفر إبان الليل فيتساقط الثلج، ولكنه يختفى مرة أخرى بطلوع النهار. وتهطل عليها الأمطار بغزارة فى الربيع ومنتصف الصيف وبخاصة فى شهر يوليه ويندر الجفاف فى الصيف، فإذا حدث جاء معه بالوبال. ويخط صنعاء جدولان عليهما جسور وهما يتجهان إلى وادى الخارد، ويمتلئان بالماء بعد المطر فحسب. أما الماء الصالح للشرب فيستمدونه بانتظام من قناة معلقة آتية من جبل نقم. وتربة الهضبة بركانية الأصل، غير أن الزلازل نادرة جدًا، مثل الزلزال الذى حدث عام 657 هـ (1259 م) وغير ذلك من الزلازل التافهة الشأن.
وحمم البراكين هى مادة البناء التى تشيّد بها المساكن الجيدة، أما البيوت المتواضعة بل وسور المدينة أيضًا فمشيدة من اللبن. والمواد الخشبية قليلة فى هذه الهضبة مثل: أشجار الطلحة والدوم، وتنحصر أهميتها فى اتخاذها وقودًا يباع فى سوق صنعاء. ولا تزال ألواح المرمر الشفافة التى كانت فى وقت من الأوقات فى حصن غمدان تستخدم نوافذ لبيوت الطبقة العليا من الناس. وقد تدهورت كثيرا الصناعات التى اشتهرت بها هذه المدينة فى العصور الوسطى، مثل صهر الفضة وصناعة الأقمشة اليمنية المشهورة. ولا يزال يصنع بها الخناجر اليمنية المقوسة التى يحملها الناس عادة، وهى خناجر لها مقابض من العظم مطعمة بالفضة. وتوجد الحدائق الكبيرة المعتنى بها داخل المدينة التى كانت مكتظة بالسكان فيما مضى.
وتزرع فيها فاكهة المنطقة المعتدلة جميعًا مثل المشمش والكمثرى والتفاح والسفرجل والأعناب والأعشاب العطرة. وقد أقلم الترك بها أيضًا جميع أنواع الخضر بما فى ذلك البطاطس. وأشجار النخيل ليست إلا أشجار زينة فى مثل هذا الارتفاع الشاهق. ويزرع البن هناك وبخاصة على منحدرات جبل نقم.
ويوجد بمدينة صنعاء التى كان يقدر عدد سكانها بثمانية عشر ألف نسمة ثلاثة أحياء: الحس العربى ويمتد من الحصين عند سفح جبل نقم ناحية الغرب إلى أن يلتقى بضاحية بير الأعذب التى كانت مستقلة بذاتها فى وقت من الأوقات، وبهذا الحى حدائق جميلة ومبان حكومية ومكاتب عامة. وتقوم الثكنات خارج السور الجنوبى، كما تقوم مدينة شعوب الصغيرة فى جوار السور الشمالى. ولا يفتح عادة من أبوابها الاثنى عشر سوى أربعة أبواب. ويقوم المسجد الجامع ذو المأذنتين، ولعله هو مسجد قليس القديم فى وسط المدينة العربية تقريبا، ولا يزال بها كثير من القصور التى شيدتها الأسر الحاكمة المختلفة التى تعاقبت على الحكم هناك. وأشهر هذه القصور هو مقر الإمام ويسمى بستان المتوكل، ويقع فى الشمال الغربى من
المدينة العربية. ومن المبانى العامة بصنعاء، مستشفى كبير، وصيدلية، ونحو اثنى عشر حماما، وثلاث مدارس من بينها مدرسة صناعية، ومطبعة.
وطرق المواصلات كانت غاية فى الوعورة تمر بالمناطق الجبلية، والهبوط إلى البحر الأحمر يكون فى اتجاه الحديدة. وتسير الطرق عادة حول أعالى الوديان طلبا للأمان، مثال ذلك: وادى صُنْفر الذى ينحدر انحدارًا رفيقا. والطريق الذى عند قرن الوعل مثلًا، وهو يمتد إلى الجنوب من جبل حضور النبى شعيب عليه السلام، يرتفع إلى ما يقرب من تسعة آلاف قدم، ثم يتسلق عبر الممرات التى يزرع بها البن فى سلسلة حراز عند المناخة على ارتفاع 7200 قدم، ثم يهبط ثانية إلى تهامة خارج باجل مباشرة. وهو يحمل البريد المنتظم فى جبل السراة، مسيرة يومين ونصف يوم أو ثلاثة أيام [بالإبل] من صنعاء إلى الحُديدة، وهى مسافة تقرب من مائة ميل إذا قطعت فى خط مستقيم. ويمتد على طول هذا الطريق أيضًا خط برقى يتصل بشبكة المخطوط السورية العربية. أما الطريق الموصل إلى موقع مأرب القديمة، فطوله ميلًا شرقى الشمال الشرقى فى خط مستقيم، ولا يزال يحمل الملح من إقليمه إلى صنعاء، ويبدأ هذا الطريق بالالتفاف شمالى أو جنوبى الأنوف الخارجية للجبال التى إلى الشرق من المدينة، ثم يهبط إلى الجوف مارًا بوادى ذانة ذى المياه الوفيرة. أما الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب مارًا بيريم، وأطلال ظفار، وجَنَد، والحوطة إلى عدن، ومارًا بصعدة وبيشة وتربة إلى مكة.
أما طريق الحج والتجارة إلى مكة فهو لا يتبع الطريق الذى يمر بالجبال، بل يتجه رأسا ناحية وادى سردد ثم يسير قدما من المهجم التى تبعد نحو 25 ميلا إلى الشمال من الحُديدة، ثم يتخذ طريق تهامة الذى يتجه ناحية الشمال من عدن مارا بزبيد. وصنعاء مدينة أولية موغلة فى القدم، ومع ذلك فإننا لا نجد لها ذكرا فى النقوش المعينية والسبأية التى تمت دراستها. ومن المحتمل أن تكون هذه المدينة قد
ذكرت فى العهد الحميرى إذا كان الاسم المذكور فى نقش كليزر (Gleaner رقم 242، سطر 13) يشير إلى صنعاء. وسوف يكون تاريخ هذا النقش راجعا إلى منتصف القرن الأول الميلادى إذا استطعنا أن نثبت أن ملك سبأ وذى ريدان المذكور فى السطر الثالث، وهو إليشرح يحضب الذى أحرز انتصارا عند صنعو أو على صنعو، هو عين إليسر Elisar الوارد فى periplus maris Ervthraei، الفصل 26 (انظر Die Abessinier in Arabien und Africa: E Glaser سنة 1895 ، ص 117؛ Der islamische orient: M.Hartmann، سنة 1909، جـ 2، ص 150 وما بعدها).
ولا يزال لدى الأساطير والأشعار ما تقوله مستوحية أطاول حصن غمدان. لقد كان سام هو الذى شيد المدينة والحصن وكان اسمهما القديم هو أزال. ولما كان من المحتمل أن يكون هذا الاسم الأخير إنما أخذه اليهود والمسلمون من سفو التكوين (الإصحاح العاشر، الآية 27) فى تاريخ متأخر، فإن القول بأن صنعاء هى أوزال الواردة فى التوراة أمر غير محقق شأنه شأن قول شبرنكر Sprenger (Die alte Geographie Arabiens سنة 1875، فقرة رقم 294) بأن صنعاء هى Menambis basileion التى ذكرها بطلميوس (Geogr، الكتاب السادس، الفصل السابع، الفقرة رقم 38) أو ما أكده كليزر Glaser (المصدر المذكور، ص 122 و Skizze d. Gesch. u Geogr. Arabiens، جـ 2 سنة 1890. ص 310، 427) من أن الاسم القديم كان تفيد وأن الاسم الحالى قد استقى من إقليم مأرب.
ولم تستقر شهرة صنعاء بتلك المكانة الممتازة التى احتلتها وذلك الشأن الهام، الذى بلغته حتى الوقت الحاضر فى اليمن العليا وفى اليمن بأسرها مع استثناء بعض فترات متقطعة، إلا منذ الفتح الحبشى وتورط اليمن فى النزاع الذى نشب بين رومة وفارس على سيادة العالم. ولا سبيل لنا إلا إيجاز القول عن بعض أحداث هذه القرون الأربعة التى تمثل فيها تاريخ اليمن فى قصة هذه المدينة الفريدة.
ظهر أبرهة حوالى سنة 530 م بعد سقوط الملك اليهودى ذى نواس الذى اضطهد النصارى فى صنعاء أيضًا على ما يقال، ظهر أبرهة وجعل من هذه المدينة مقرا للوالى الحبشى بعد أن أطاح بمنافسه الحبشى أرياط. وقد زين المدينة بالكاتدرائية المسيحية التى تعرف بقَليس أو قُلَيس (ekklesia). ويقال إنه جلَب مواد البناء من أطلال مأرب، أما العمال فقد بعث بهم إمبراطور الروم (البوزنطى) وكذلك الفسيفساء.
وقد استدعت أسرة ذى يزن، وهى الأسرة اليمنية الحاكمة القديمة، وهرز قائد كسرى الأول أنوشروان فأخرج من المدينة حوالى عام 570 م مسروق ابن أبرهة الثانى وخليفته ثم أقام فيها بادئ الأمر حكما مشتركا مع ذى يزن، ثم انفرد الفرس بالحكم وتولاه، كما جاء فى الأسانيد المكتوبة، ابن وهرز فحفيده ثم ابن حفيده. وفى عام 10 هـ (631 م) دخل باذام خامس هؤلاء الولاة فى الإسلام، وجاء فى روايات أخرى أن إسلامه كان قبل ذلك بعامين. وفى عام 10 هـ أوفد مهاجر بن أبى أمية بن المغيرة إلى صنعاء لجمع خراج اليمن. ووقعت صنعاء فى العام التالى فى قبضة خصم النبى [صلى الله عليه وسلم] عبهلة بن كعب الأسود الذى تحصن فى غمدان، وظل يقبض على أزمة الأمور فيها ثلاثة أشهر. ولما توفى النبى [صلى الله عليه وسلم] دخلت فتنة عبهلة فى غمار الكفاح العام فى سبيل استقلال اليمن، وكان على رأس هذا الكفاح فرد من أسرة ذى يزن هو عمرو بن معدى كرب. ووجدت حكومة المدينة سندا قويا لها فى أشخاص الأبناء، وهم أشراف الفرس المستعربين. وفى عام 11 هـ (632 م) تمكن فيروز الديلمى بمساعدة المهاجر من رد السيادة الإسلامية إلى صنعاء واليمن العليا. والراجح أن حصن غمدان قد تهدم فى ذلك القتال المرير. وتذهب الأسطورة إلى أن هذا الحصين كان قد أعيد بناؤه قبل ذلك فى العهد الحميرى على يد عمرو بن أبى شرح بن يحصب الذى ورد ذكره فى النقوش. وقد ساد السلام بعض الشئ بعد الفتح، ويرجع بخاصة إلى أن أولى الأمر فى المدينة عاملوا الأشراف فى صنعاء وما
جاورها برفق وحكمة. وكان يعلى بن منية الذى أقامه عمر بن الخطاب خليفة للمهاجر لا يزال واليا على صنعاء عندما استخلف على بن أبى طالب. ولكن عليا عزله وولى مكانه عبيد اللَّه ابن عباس. ذلك أن طلحة فى رواية اليعقوبى على الأقل (جـ 2، ص 218 وما بعدها) رفض أن ينقل إلى هذا المنصب المحلى ألا وهو الولاية على صنعاء، ولكنه استولى هو والزبير على جميع خراج اليمن، وكان يعلى قد حمله من صنعاء إلى مكة. وطرد عبيد اللَّه أو خليفته من صنعاء على يد بسر بن أبى أرطاة بأمر من الخليفة معاوية، حدث ذلك كما جاء فى بعض الروايات عام 40 هـ (660 م) أى قبل مقتل على.
وثمة أمثال من قبيل "أبعد من صنعاء" أو "واللَّه لئن بقيت ليأتين الراعى بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه"(الطبرى، جـ 1، ص 2752؛ جـ 3، ص 2482)؛ فلما انتقل مركز الإسلام إلى الشام ثم إلى العراق ظهرت اليمن العليا للناظر أكثر من ذلك بعدا، وغدا تاريخها متمشيا مع هذه النظرة.
لقد كانت قوى ثلاث تعمل على مناهضة الخلافة وتتقاتل فيما بينها أو يساند بعضها بعضا أحيانا: الأمراء المحليون، والولاة الطامحون، وزعماء الفرق الذين أخذوا يدعون إلى مذاهبهم بعيدا عن قصبة الخلافة، واجتهدوا فى تطبيقها بتأسيس الولايات، بل إن إمام الزنادقة عبد اللَّه بن سبأ يوصف بأنه من رجالات اليمن. والظاهر أن الأمويين كانوا قابضين على أزمة الأمور فى صنعاء، دنان كان عدم الإشارة إلى هذه المدينة القاصية لا ينهض دليلًا على استتباب السلام فيها، فإن القائد ابن عطية قد استطاع فى عام 130 هـ (747 - 748 م)، عندما أخذت الخاوفة الأموية فى الاضمحلال، أن يبعث من صنعاء إلى مروان الثانى برأس عبد اللَّه ابن حمزة الذى نصب نفسه هناك خليفة من قبل الخوارج. ولم تلبث الأمور أن تفاقمت فى عهد العباسيين، فقد خرجت هذه المدينة عن ولائها للهادى. وفى عهد هارون الرشيد لم
يتمكن حماد البربرى وإليه الخامس على صنعاء من الظفر بالمتمرد: هيصم ابن عبد المجيد الهمدانى والإتيان به أسيرا من السراة إلى صنعاء إلا بعد كفاح دام تسمع سنوات. وكانت المدينة فى ذلك الوقت، أى حوالى عام 188 هـ (803 م)، تكاد تكون خرابا.
ولم تتحسن الأمور فى بداية القرن الثالث حين حكم إبراهيم بن موسى بن جعفر الجزار العلوى البلاد من صنعاء إلى مكة، وكان يجمع بين صفة الغامر والوالى الذى يشغل منصبا رسميا. وكانت خطبة خصمه الوالى حمدوية بن ماهان لا تقل عن خطته غموضا. ولم تجد الحكومة آخر الأمر بدا من أن تلجأ إلى القواد الترك من الحرس. وقد غدا يعافره قبيلة حوالى فيما قبل عام 257 هـ (870 م) أصحاب الأمر فى صنعاء، وكان ذلك فى الحق بفضل حل وسط قضى بأن يذكر محمد بن يعفر، اسم الخليفة المعتمد فى الخطبة ويدفع الجزية للزيادية فى زبيد، بل إن حكم اليعافرة كثيرا ما كانت تشوبه القلاقل فى صنعاء نفسها، وشاهد ذلك أنه عندما ولى إبراهيم بن محمد الأمر فيها عام 27 هـ (872 م) أشعل المواطنون النار فى قصره وكانوا من قبيلة شهاب المنافسة له ومن الأبناء الذين كانوا يكنون له العداوة غالبا.
وفى ذلك الوقت هاجم صنعاء جماعتان من الشيعة فأغار عليها من الشمال، أى من صعدة، يحيى بن الحسين الزيدى الذى احتل المدينة لأول مرة أربعة أشهر أو خمسة سنة 288 هـ (901 م) كما أغار عليها من الجنوب على بن الفضل القرمطى واتخذ قلعة المذيخرة قاعدة له، وسيطر على صنعاء من قلعتها فى مستهل عام 293 هـ (905 م) مدة شهرين أو ثلاثة فى بادئ الأمر. وفى النزاع المتصل بين اليعافرة والزيدية والقرامطة والموالى المشاغبين من يعافرة أسرة طريف والولاة العباسيين والقواد غزيت صنعاء ما لا يقل عن عشرين مرة فى السنوات الاثنتى عشرة منذ دخول يحيى لأول مرة حتى نهاية القرن (913 م). فقد سلمت المدينة ثلاث مرات بعد مفاوضات، وحوصرت بلا طائل
خمس مرات أخرى. ويذكر المسعودى (جـ 2، ص 55) أنها مرت بفترة ازدهار وسلام بعد وفاة على القرمطى فى ولاية أسعد ابن إبراهيم اليعفرى من عام 303 حتى عام 332 هـ (915 - 943 م). فلما توفى أسعد أدت المنازعات العائلية إلى عودة المدينة إلى ما كانت عليه من اضطراب. فقد استولى مختار الزيدى حفيد يحيى عليها عام 345 هـ (956 م) ولكنه قتل فى السنة نفسها. وغدت شوارع المدينة وأحياؤها ميدان معركة بين بنى خولان وبنى همدان. واستعاد زيادية زبيد فى ذلك الوقت سلطانهم تحت قيادة الضحاك زعيم همدان. غير أنه حدث فى عام 377 هـ (987 هـ) أو عام 379 هـ (989 م) أن استطاع عبد اللَّه بن قحطان آخر يعافرة صنعاء من ذوى الشأن أن ينزل العقاب مرة أخرى بخصومه ويدمر زبيد. وتمكن عبد اللَّه من كسب تأييد القرامطة الذين كانوا لا يزالون كثيرى العدد كما اعترف رسميا بخلافة الفاطميين. وسار الصليحيون على هذه السياسة نفسها فجعل أولهم على بن محمد، صنعاء مقرًا له حوالى عام 453 هـ. (1061 م) بوصفه داعيا للفاطميين، ووضع بعد نصف قرن من الزمان حدًا للقلاقل التى ازدادت بسبب النزاع بين الأئمة الزيدية الذين كانوا يتوغلون من حين إلى حين بين القبائل المعادية من صعدة. فلما نقلت الملكة سيدة الحرة مقر الحكومة إلى جبة فى اليمن السفلى احتفظ أقرباؤها اليامية بالمدينة عشر سنوات أو نحو ذلك حتى استقل بها حاتم بن الغشيم عام 492 هـ (1098 م). وظلت أسرته الهمدانية تحكم هناك إلى أن أغار على اليمن توارنشاه أخو صلاح الدين عام 569 هـ (1174 م). وكان يقطع حكمهم، كما هو المألوف، المنازعات العائلية فيتولى الأمر فترة من الوقت فرد آخر من أسرة قيام، وبخاصة أحمد بن سليمان المتوكل الإمام الزيدى لصعدة ونجران.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فإن الحكم الأيوبى الذى دام خمسًا وخمسين سنة أثبت أنه لا يمكن أن تسيطر على صنعاء تمام السيطرة سلطة بعيدة عنها. وفى عام 583 هـ (1187 م). دمر على الوحيد بن حاتم
الهمدانى الذى استقر فى قلعة براش الجبلية التى تبعد إلى الشرق من صنعاء مسيرة ساعتين، أسوار المدينة والقلعة والجزء الأكبر من مدينة صنعاء. واستولى الإمام عبد اللَّه المنصور سنة 595 هـ (1199 م) ثم سنة 611 هـ (1214 م) على المدينة فترة قصيرة من الزمن. وبدأت سيادة رسولى تعز على صنعاء فى عام 626 هـ (1229 م) وكانت سيادتهم عليها قوية فى بادئ الأمر. وزار الولاة، وكانوا فى الغالب أمراء أو ضباطا من الأكراد، المدينة، كما زارها كثيرًا السلاطين أيضًا. وكان من النادر أول الأمر أن يستولى الأئمة على المدينة، وإذا حدث ذلك فإنما يكون لفترة قصيرة كما حدث عام 648 هـ (1250 هـ) أو عام 671 هـ (1271 م). ولم يستعد الزيدية سلطانهم إلا بعد ذلك بقرن من الزمان. ولم ينجح الإمام صلاح بن على فى توطيد مركزه فى صنعاء فحسب، بل لقد كرر غاراته منها أيضًا على زبيد وعدن وتعز فى السنوات من 777 إلى 793 هـ (1375 - 1391 م). ونجح خلفاؤه فى صد غارات الملوك الطاهريين الجدد فى اليمن السفلى. وإنما استطاع عامر بن طاهر بن مُعَوَدة أول هؤلاء الملوك دخول المدينة إلى حين عام 461 هـ (1456 م). وفى سنة 913 هـ (1507 م) استولى الحسين الكردى، أمير بحر السلطان قانصوه الغورى آخر سلاطين المماليك، على هذه المدينة وولى عليها الغورى هذا سنة 922 هـ (1516 م) الشريف المكى بركات الثانى بن محمد بن بركات الأول. وفى العام التالى مباشرة كان يحكمها الإمام يحيى شرف الدين. ولما قضى العثمانيون على دولة المماليك اقتضاهم الأمر أن يقاتلوا فى سبيل الاستيلاء على أملاك هؤلاء. ففى عام 953 هـ (1546 م) خل أوزدمر باشا مدينة صنعاء. وفى عام 1038 هـ (1628 م) سلم حيدر باشا هذه المدينة بمقتضى شروط خاصة للإمام محمد القاسمى فظل محتفظا بها حتى عام 1087 هـ (1676 م). وأعقب ذلك فترة نزاع بين الأئمة المتنافسين، والقبائل البدوية، والقرامطة الذين لم تستأصل شأفتهم تمامًا، ومن ثم أتيح لهم قدر كبير من حرية العمل، كما أن
الدول الأجنبية استغلت الفرص للتدخل فى الأمر.
وتكررت غزوات البدو المخربة التى حدثت عام 1233 هـ (1818 م) فى عام 1251 م (1835 م) فدفع ذلك الإمام الناصر عام 1253 هـ (1836 - 1837 م) إلى مفاوضة الباشا المصرى محمد على فى أن يبيع له صنعاء.
وسمح الإمام للقائد التركى قبر صلى توفيق باشا بدخول المدينة عام 1265 هـ (1849 م). وقد ذُبح جنوده فى بحر يومين؛ وفى العام التالى خلع الوالى على يد الشريف المكى محمد بن عون الذى تدخل فى الأمر، ثم أقام مقامه إمامًا منافسا له، غير أن هذا الإمام لم يستطع حماية المدينة. وأغير على صنعاء مرة أخرى فى عامى 1267 هـ (1851 م و 1269 هـ (1853 م). ولما أعاد العثمانيون فتح هذه البلاد على يد مختار باشا، سقطت صنعاء عنوة عام 1269 هـ (1871 م) وجعلت عاصمة ولاية اليمن ومقر الفرقة السابعة من الجيش العثمانى. غير أنه لم يكن قد تم التخلص من الزيدية، فقد حدث فى ربيع عام 1905 أن اضطر العثمانيون إلى إخلاء المدينة والجهات المحيطة بها إزاء تقدم الإمام محمود يحيى بن حميد الدين. واستعاد العثمانيون صنعاء فى الخريف، على أن الأمر اقتضاهم أن ينفقوا خمس سنوات كاملة فى استعادة مركزهم المحفوف بالمخاطر. وبعد الحرب العالمية الأولى اعترف بسيادة الإمام محمود يحيى على صنعاء واليمن بمقتضى معاهدة سيفر التى أبرمت فى العاشر من شهر أغسطس عام 1920.
وقد استطاعت صنعاء على الرغم من بعدها وتاريخها الحافل بالفتن والقلاقل أن تسهم فى الحركة العلمية الإسلامية، ففيها وضع عبيد بن شريه بقصصه التاريخية أساس شهرته التى دفعت معاوية بن أبى سفيان إلى استدعائه إلى بلاطه، كما أن زميله الأصغر وهب بن منبه الذى توفى فى صنعاء أشاد به مواطنوه باعتباره حجتهم الأولى فى القرآن الكريم. وقد زار صنعاء كثير من جامعى الأحاديث منهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين اللذان درسا على عبد الرزاق بن همام ابن نافع المتوفى فى صنعاء عام