الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتشاجرون فيما بينهم؛ وفى شعبان سنة 381 هـ (أكتوبر - نوفمبر سنة 991 م) كان بهاء الدولة يعانى ضائقة مالية، ولم يستطع دفع رواتب جنده، فأقنعه مستشاره القوى النفوذ أبو الحسن بن المعلم، بأن يخلع الخليفة ويستولى على كنوزه، ومثل بهاء الدولة البويهى بين يدى الخليفه وفى ركابه حاشية كبيرة؛ وانتزع الخليفة من عرشه بأمر من بهاء الدولة وحمل إلى داره حيث سجن، وخلفه على عرش الخلافة ابن عمه أبو العباس أحمد واتخذ لنفسه لقب القادر؛ وفى رجب سنة 382 هـ (سبتمبر سنة 992 م) سمح للخليفة السابق بأن يحضر إلى قصر القادر، حيث أكرموا وفادته، وتوفى فى غرة شوال سنة 393 هـ (3 أغسطس سنة 1003 م).
المصادر:
(1)
محمد بن شاكر الكتبى: فوات الوفيات، جـ 2، ص 3.
(2)
ابن الأثير: الكامل، طبعة تورنبرغ، جـ 8 - 9؛ انظر الفهرس.
(3)
ابن خلدون: العبر، جـ 3، ص 428 و 436.
(4)
ابن الطقطقى: الفخرى، طبعة درنبورغ، ص 391.
(5)
Geschichte der Chalifen: Weil، جـ 3، ص 21 - 44.
(6)
The Caliphate its rise، cline and Fall: Muir، ص 582.
(7)
Le Strange Baghdad during the Ab basid Caliphate، ص 162 و 270 و 271.
صبحى [تسترشتين K.V.Zettersteen]
الطائف
بلدة فى جزيرة العرب على مسيرة 75 ميلا تقريبًا جنوبى مكة بشرق، وهى فى جبال السراة وترتفع حوالى 5000 قدم عن سطح البحر، وتكتنفها مزارع بها بساتين مسورة مما حمل بوركارت Burckhardt على القول بأنها "أروع ما رأى منذ غادر لبنان فى الشام". ويصفها البدو أيضا بأنها قطعة من الشام نقلت ثم حلت تحت سماء
الحجاز، وينسبون هذه العجيبة إلى شفاعة إبراهيم حبيب اللَّه الذى لا ترد له شفاعة. وهذا الموقع الذى تصح فيه الأبدان وتشتد فيه الريح حتى تتجمد مياهه أحيانا، كان فيه ما يجذب أنظار تجار مكة الأثرياء، فتصبو نفوسهم إلى امتلاك ضيعة فيه أو قل مقاما يخفف عنهم ما يعانون من [القيظ فيما سواها] الذى يصيب المرء بالخمول، وقد درج أحفادهم على ذلك فيما بعد.
وكانت الطائف حاضرة قبيلة ثقيف؛ وتقرن عبارة القرآن الكريم (سورة الزخرف، الآية 31) مكة بالطائف (القريتين)، ويوحى هذا بوجود صلة ذات شأن بينهما، ولم تذكر الطائف فى غير ذلك من آيات القرآن الكريم. على أنه يجوز لنا أن نقول إنها كانت عشية الهجرة تعد ثانى مدائن بلاد العرب الغربية وتلى مكة، بل تفوقها من ناحية ما فيها من أراض خصيبة. ذلك أن الوديان التى تلتف بها كانت تزود تجارة الصادرات التى تخرج منها بسلع وافرة ميسورة التسويق بخاصة فى إقليم كالحجاز حرمته الطبيعة أسباب الزاد، وهذه السلع الحنطة والأخشاب. وكانت الصناعة التى تشتهر بها الطائف هى الجلود تعالج فى مدابغها الكثيرة العدد مما جعل جوها فيما روى كريها. وكان يحيط بها حزام من الأسوار أقيمت لتلقى عدة الحرب. وكانت الجمال، سفائن الصحراء عند مدخل ذلك البحر من الرمال ومخرجه، تمد فى الطائف بالمؤن من غلات أرضها المختلفات وبالأحمال من زاد صناعتها. والظاهر أن الطائف كانت تربطها باليمن خاصة علاقات وثيقة، إذ كانت توفر ثلاث مراحل أو أربعا للمسافر إلى اليمن يسلكها إذا هو اتخذ طريق مكة. وكان أهل الطائف ينقسمون فريقين كبيرين.
وكان الأحلاف، أحدث الفريقين عهدًا وأقلهما أخذا بأسباب الارستقراطية، وقد أحس هؤلاء بأنهم دون منافسيهم بنى مالك فى الثراء وامتلاك الأرض فسعوا إلى تعويض نقصهم بالبراعة الفائقة فى سياسة الأمور والتنظيم الحربى الجاد. وقد خرج أعظم شعراء الطائف وأكثر شيوخها هيبة من الأحلاف.
وقد نسب البدو ما عرف عن أهل الطائف من دهاء وكياسة إلى اعتيادهم العيش على الحنطة حتى غدا ذلك مضرب الأمثال. وكان بين أهل الطائف وأهل مكة نوع من الاتفاق الودى، وهو اتفاق وثقت عراه روابط المصاهرة بين قريش والأحلاف. وقد رأينا أن كثيرًا من أهل مكة كانوا يعيشون فى الطائف وكانت لهم ضياع فيها. وكان من يقيمون من أهل الطائف فى مكة لا يكادون يقلون عن أولئك، يعيشون فيها أحلافا لأسرها الكبيرة وخاصة الأمويين الذين كان لهم أصحاب ضياع فى إقليم الطائف. وهذا يفسر الشأن الكبير الذى كان لبنى ثقيف فى خلافة الأمويين.
ومن ثم كان مركز الطائف، عشية الهجرة، فريدا بين بلدان الحجاز، وذلك أن جوها المنعش، وفاكهتها وأعنابها، وزبيبها المشهور وغير ذلك من المحاصيل التى تغلها أرضها، كل أولئك كان يجعلها أقرب إلى الشام من أراضى غربى بلاد العرب القاحلة الجرداء. أما من ناحية التقدم العقلى، فإن أهل الطائف فيما يظهر كانوا يعتزون بأنهم يبزون البدو والقبائل المقيمة. وهذا هو الذى خلص إليه الموسوعى الفطن: الجاحظ بالثناء على أهل الطائف فى ختام حديثه عن الحجاج الثقفى. وقد فكر محمد عليه الصلاة والسلام بعد ما لقيته رسالته فى مكة فى أن يجتذب لدعوته أهل الطائف الذين عرفوا بالذكاء. ولكنه لم يوفق فى ذلك فلم يجد بدًا من أن ينصرف إلى الأنصار. وقد استعانت قريش فى حروبها مع النبى [صلى الله عليه وسلم] بأحلاف الطائف. فلما فتحت مكة سنة ثمان للهجرة بعيد هزيمة هوازن فى حنين حاصر النبى [صلى الله عليه وسلم] الطائف. ولم يحدث إلا فى سنة من السنين التالية أن أقبل على النبى [صلى الله عليه وسلم] وفد من أهل الطائف ليبحث فى المدينة بالتفصيل أمر دخول أهل هذا البلد فى الدين [الإسلامى] الذى اعتنقوه.
ولم يستفد أهل الطائف بعد من انتشار الإسلام خارج حدود جزيرة العرب أكثر مما استفاد أهل مكة، فقد اضمحلت مكة على حين ازدهرت
المدينة، ذلك أن المدينة كانت فى أول الأمر مقر الخليفة، ثم أصبحت من بعد أيام الأمويين مقر والى الحجاز، وفى ظله جرت الحال بأن تصبح بلدًا من البلاد التابعة لولاية من الولايات. وقد وقف أهل الطائف أول الأمر دون اضمحلال بلدهم بفضل إقدامهم وشجاعتهم، فنجحوا فى أن يبقوا على مكانة جبالهم ذات الجو المنعش منتجعا لا لأهل مكة فحسب بل لطبقة الأشراف المسلمين الجديدة فى المدينة. ثم هم قد قدموا فى عهد الأمويين شاهدا آخر على قدرتهم على التكيف بالظروف الجديدة. وقد اقترن التدهور الاقتصادى للطائف وفقدانها لاستقلالها الذاتى ببلوغ الثقفيين أوج سلطانهم السياسى، فقد استطاعوا أن يزجوا بأنفسهم فى المناصب الكبرى وأظهروا ما فطروا عليه من مواهب مختلفة أشد الاختلاف. ذلك أننا ألفنا منذ عهد معاوية أن نجد عمالا من الثقفيين يحيطون بالخليفة، بل لقد كدنا وزياد ابن أبيه فى أوج سلطانه أن نتوقع إلى حين أن يتولى هؤلاء الثقفيون عرش الخلافة. ولما بلغت الإمبراطورية العربية فى أيام الوليد بن عبد الملك غاية ازدهارها، لم يكن أكبر رجل فى هذا العهد هو الخليفة القرشى بل كان هو الحجاج الثقفى. وكان الثقفيون جميعًا قادرين على استغلال علاقاتهم التاريخية، والصداقة التى كانت تربط الطائف بمكة، وصلاتهم بأكبر الأسر القرشية وخاصة الأمويين. وقد تبينوا فى الماضى دليلا يهديهم إلى الاتجاه الصحيح الذى يسلكونه فى نشاطهم السياسى.
وقد عنى العباسيون والعلويون بهذا الأمر ووضعوه نصب عيونهم لا ينسونه. وتسجل الروايات كراهيتهم للثقفيين وكيف ربطوا بينهم وبين المآخذ التى كان يلام عليها الأمويون، ثم هم قد صوروهم باللعنة، استنادًا إلى ما وقع فى كربلاء وما مُنَى به العلويون من فشل فى استرجاع عرش الخلافة، وقد مثلت فى أذهان العباسيين كراهيتهم للاضطرابات السياسية التى وقعت فى العراق فتأثروا بذلك تأثرًا وجد له متنفسا فيما أحسوا به من
مرارة خاصة حين كانوا يتذكرون أكابر العمال الثقفيين فى عهد الأمويين.
وجاهر الحكام العباسيون بعدائهم للحجاز حيث ظلت فتن العلويين تضطرم فيه. (كتاب الأغانى، جـ 3، ص 94). وقد ضمت الطائف قبر جد الخلفاء العباسيين عبد اللَّه بن العباس الذى أصبح بمثابة الشفيع لهذه البلدة، ولكن قيام هذا القبر فى الطائف، وهو القبر الذى يزوره الناس كثيرًا، لم تسل العداوة قط من قلوب العباسيين الذين لم يغفروا لأهل الطافف قط ما كان من تشيعهم للأمويين، وتركوا البلدة تضمحل رويدًا رويدًا (*). ومن الشواهد النادرة التى تخالف ذلك ما نصادفه من أن أميرة عباسية قد أبدت بعض العناية بالطائف، ذلك أن أم الخليفة المقتدر اشترت ضياعا فيها، ومن قبلها فعلت ذلك السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد الطائرة الصيت، ومن ثنم وجدت قنوات المياه التى أنشئت فى مكة. وقد ظلت الطائف هى ونواحى السراة المجاورة لها سوقا لمكة بفاكهتها وقمحها.
ومنذ القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) جرى جغرافيو العرب الذين ذكروا الطائف على وصفها بقولهم إنها "بليدة" بل هم يزيدون على ذلك أنها صغيرة. وأصبحت أرباضها مقفرة حتى إن الموسوعيين أمثال ياقوت والبكرى لم يعثروا فيها على مواقع الضياع والقرى التى ذكرت أيام الأمويين. وظلت الطائف منذ قيام إمارة الحسنيين فى مكة خاضعة فى معظم الأحوال الحكم الأشراف الأعظمين، وقد أقيمت الأسوار حول الطائف وشيدت قلعتها المتواضعة بقصد حماية مكة من غارات المغيرين القادمين من نجد؛ ولم تستطع أن تفى بهذا الغرض إلا بقدر محدود وخاصة فى الحروب التى نشبت بين الأشراف الأعظمين والوهابيين فى عهد ابن سعود، فقد استولى عليها هؤلاء الوهابيون سنة 1802، وانتزعتها من قبضتهم الجيوش
(*) كان ذلك آنئذ، وهو ما تغير فى التاريخ المعاصر أثر النهضة الكبيرة التى حدثت ككل فى المملكة العربية السعودية.