الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن سنة. وقد أثار حكم الفاطميين وما عمدوا إليه من تغيير ولاتهم باستمرار سخط قبائل البدو فاتحدت لمناهضة الفاطميين سنة 144 هـ (1024 م). وغزا صالح حلب وحمص وبعلبك وصيداء خلال السنتين التاليتين، وامتد سلطانه إلى ما بعد عانة على نهر الفرات. ولما قوى سلطان الفاطميين مرة أخرى أرسل الخليفة الظاهر إليه جيشًا جديدًا سنة 420 هـ (1029) تحت أمرة آنوشتكين الدزبرى، وامتشق صالح الحسام لقتاله، ووقع صريعًا فى وقعة أخوانة على نهر الأردن، وهرب ابنه نصر مع جزء من الجيش واحتفظ بولاية حلب. وتعود أهمية صالح إلى أنه قاد قبيلته من بلاد ما بين النهرين إلى حلب وأسكنهم فيها منازل ثابتة.
المصادر:
(1)
كمال الدين عمر بن العديم: زبدة الحلب فى تأريخ حلب، سانت بطرسبرغ، المخطوط العربى المحفوظ بالمتحف الأسيوى 522، باريس 1666، وقد نشر منه الجزء الخاص بالمرداسية مولر Historia Merdasidarum: J.J Muller بون، 1830
(2)
ابن الأثير: الكامل، طبعة Tornberg، جـ 9، ص 148، و 159 وما بعدها.
(3)
ابن خلكان، ترجمة de Slane باريس 1842، جـ 1، ص 631.
صبحى [سوبرنهايم M.Sobernheim]
الصبر
كلمة عربية؛ ويقول أصحاب المعاجم العرب إن الأصل "ص ب ر"، والمصدر منه صبَر، يدل على الإمساك أو الحبس، ومن ثم قيل القتل صبرًا بمعنى "نَصب الإنسان للقتل"، ويقال للقاتل صابر وللمقتول مصبور، وهذا التعبير ينطبق مثلا على الشهداء وأسرى الحرب الذين يصير قتلهم، كما ينطبق فى الحديث فى كثير من الأحوال على الحيوانات التى تعذب حتى الموت خلافا لما نهى عنه الإسلام (البخارى: الذبائح، باب 25؛ مسلم: الصيد، حديث 58؛ أحمد بن حنبل: المسند، جـ 3 ص 171). وتستعمل الكلمة استعمالا اصطلاحيا خاصا عند القول:"يمين صبر" بمعنى اليمين يكره
السلطان عليها إنسانا (انظر مثلا البخارى: مناقب الأنصار، باب 27؛ الأيمان، باب 17؛ مسلم: الأيمان، حديث 167).
وتتردد فى القرآن الكريم كثيرًا مشتقات من الأصل "ص ب ر" تدل أولا على المعنى العام للصبر أى عدم الجزع، فقد أوصى النبى [صلى الله عليه وسلم] بالصبر كما صبر الرسل من قبله (سورة ص، الآية 17؛ سورة الأحقاف، الآية 35؛ ثم زادت الآية 60 من سورة الروم على ذلك: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}). ووعد الصابرين بأن يؤتوا أجرهم مرتين (سورة المؤمنون، الآية 111؛ سورة القصص، الآية 54؛ انظر أيضًا سورة الفرقان، الآية 75)، بل لقد جاء فى الآية 10 من سورة الزمر أن الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب (وفسرت هذه العبارة فى هذا المقام بغير ميزان ولا حد).
وهذا المفهوم استعمل استعمالا خاصًا فى الكلام على الجهاد (مثال ذلك: سورة آل عمران، الآية 142، سورة الأنفال، الآية 66)، والصبر فى مثل هذا المقام هو الاحتمال والجلد. وتكاد الصيغة الثانية -اصطبر- تستعمل فى هذا المعنى أيضًا مثل الآية 65 من سورة مريم:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} . وترد فى القرآن أيضًا الصيغة الثالثة -صابر- من صبر (سورة آل عمران، الآية 200؛ وانظر ما يلى).
وترد الكلمة بعدٌ بمعنى التسليم، مثال ذلك ما جاء فى قصة يوسف عليه السلام (سورة يوسف، الآية 18) حيث قال يعقوب عندما بلغه نبأ مقتل يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} .
ويقترن الصبر بالصلاة أحيانًا (سورة البقرة، الآيتان 45، 153). ويقول المفسرون إن الصبر فى هذه المواضع مرادف للصوم ويستشهدون على ذلك بإطلاق اسم شهر الصبر على شهر رمضان.
ونجد كلمة صبر فى استعمالها صفة (صبّار) واردة فى القرآن مقرونة
بشكور (سورة إبراهيم، الآية 5 وما بعدها)، ومن ثم يقول الطبرى فى تفسيره:"نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر". وجاء فى مسلم (كتاب الزهد، حديث 64): "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبَر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبَر فكان خيرًا له". وفكرتا الصبر والشكر مقترنتان أيضًا عند الغزالى (انظر ما يلى).
وكذلك انعكس التطور المتأخر لمفهوم الصبر فى تفاسير القرآن بطبيعة الحال. ومن العسير أن نقول إلى أى حد تحتمل لغة القرآن هذه التفاسير. ومهما يكن من شئ فإن مفهوم الصبر بكل ما يتضمنه من معان هو فى جوهره يرجع إلى التفكير اليونانى المتأخر، ويشمل فكرة السكون عند الرواقيين، وهى صبر النصارى، وقمع النفس والعزوف عن الدنيا المأثورين عن الزهاد (انظر ما يلى). وحسبنا أن نذكر من أقوال المفسرين الآخرين الكثيرين قول فخر الدين الرازى (مفاتيح الغيب، القاهرة 1278 هـ. تفسير الآية 200 من سورة آل عمران)؛ فهو يفرق بين ثلاثة أنواع من الصبر: (1) الصبر على مشقة النظر والاستدلال فى معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وعلى مشقة استنباط الجواب عن شبهات المخالفين. (2) الصبر على مشقة أداء الواجبات والمندوبات. (3) الصبر على مشقة الاحتراز عن المنهيات. (4) الصبر على شدائد الدنيا وآفاتها. . الخ؛ وأما المصابرة فهى عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بين المرء وبين الغير (ويدخل فى ذلك الجيران وأهل البيت)، وترك الانتقام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. . الخ.
ونتبين أيضا مبلغ الفضل الذى ينسب للصبر من إدخال صفة الصبور ضمن أسماء اللَّه الحسنى. ويقول صاحب لسان العرب (مادة صبر): "الصبور تعالى وتقدس هو الذى لا يعاجل العصاة بالانتقام. . . ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما
أن المذنب لا يأمن العقوبة فى صفة الصبور كما يأمنها فى صفة الحليم". وقد جعل الحديث صبر اللَّه تعالى فوق كل صبر إذ قال النبى [صلى الله عليه وسلم]: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من اللَّه يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم، (البخارى: كتاب التوحيد، باب 3).
ونجد الصبر فى الحديث مذكورًا فى المحل الأول عند الكلام على المسائل العامة مثل: ". . ومن يتصبّر يصبّره اللَّه وما أُعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر"(البخارى: كتاب الزكاة، باب 50: كتاب الرقاق، باب 20؛ أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 93)؛ ويطلق الصبر أيضا فى الحديث على الجلد فى الجهاد؛ فقد أتى رجل النبى [صلى الله عليه وسلم] فقال: "أرأيت إن جاهدت بنفسى ومالى فقتلت صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 325). ووردت كلمة الصبر فى مواضع أخرى من الحديث بمعنى الجلد، أى الصبر على السلطان أو الأمير: ". . . سترون بعدى أمورا تنكرونها. . . اصبروا حتى تلقونى على الحوض" (البخارى: الرقاق، باب 53؛ كتاب الفتن، باب 2؛ وانظر كتاب الأحكام، باب 4؛ مسلم، كتاب الإمارة، حديث 53، 56 الخ). والغالب أن كلمة صبر فى هذا المقام معناها التسليم كما يتردد فى الحديث المتواتر: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أو أول صدمة، أو أول الصدمات، (البخارى: الجنائز، باب 32، 43؛ مسلم؛ كتاب الجنائز، باب 15؛ أبو داود: كتاب الجنائز، باب 22 الخ).
ومما له دلالة، من نواحى أخرى أيضا، قصة المرأة المصابة بالصرع التى سألت النبى [صلى الله عليه وسلم] أن يدعو لها بالشفاء فقال:". . . إن شئت صبرت ولك الجنة"(البخارى: المرضى، باب 6؛ مسلم: البر والصلة، حديث 54). وكثيرًا ما ترد كلمة صبر فى هذا المقام مقترنة بالكلمة الصحيحة الدالة على التسليم وهى الاحتساب (البخارى: الأيمان، باب 9: مسلم: الجنائز، حديث 11)، ويجب أن نقارن ذلك بالحديث القدسى التالى: ". . . إن اللَّه قال إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه
فصبر عوضته منهما الجنة، يريد عينيه" (البخارى المرضى، باب 7: أحمد ابن حنبل، جـ 3، ص 283).
ونلاحظ أخيرًا أن معنى ترك الدنيا فى كتب الأحاديث الصحاح قلما يرد، وهذا المعنى يكتسب شأنًا عظيمًا فى تصرف الزهاد الخلقى. (انظر ما ذكرناه آنفًا عن الآيتين 45، 153 من سورة البقرة). وقد جاء فى الباب العشرين من كتاب الرقاق للبخارى (وهو ككتاب الزهد فى غير ذلك من مجموعات الحديث، يمثل أقدم مرحلة لهذه النزعة فى الإسلام) أن عمر قال: "وجدنا خير عيشنا بالصبر". وإنا لنستطيع فى هذا المقام أن نتتبع أثر التفكير اليونانى المتأخر الذى كان يرى أن ترك الدنيا هو الحياة التى تناسب الرجل الحق، والرجل الحكيم والشهيد. .
وما ذكره القرآن الكريم والحديث عن الصبر يتردد بعضه فى الكتب الأخلاقية الصوفية، ولكن كلمة الصبر قد غدت فى هذا المقام ما نستطيع أن نسميه مصطلحًا بمعنى الكلمة، ذلك أن الصبر هو الفضيلة المثلى فى هذا المذهب من مذاهب الفكر. ونحن نجد تعريفات عديدة للصبر شأنه شأن غيره من المفاهيم الأخرى الجوهرية، وهى تعريفات تدل فى كثير من الأحيان على خصب الخيال أكثر من دلالتها على الشرح المستقصى للفكرة، ولكن هذه التعريفات عظيمة الفائدة لما تلقيه على الموضوع من ضوء أشبه بلمحات البرق. ويسوق القشيرى فى رسالته (طبعة بولاق، ص 99 وما بعدها) هذه المجموعة من التعريفات للصبر: "تجرع المرارة من غير تعبيس"(الجنيد)؛ "التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة"(ذو النون)؛ "الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب"(ابن عطاء)؛ "الفناء فى البلوى بلا ظهور شكوى"؛ "الصبار الذى عود نفسه الهجوم على المكاره"(أبو عثمان)؛ "الصبر المقام مع البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية"؛ "الصبر هو الثبات مع اللَّه تعالى وتلقى
بلائه بالرحب والدعة" (عمرو بن عثمان)، "الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة" (الخواص)، "صبر المحبين (أى الصوفية) أشد من صبر الزاهدين" (يحيى بن معاذ)؛ "الصبر ترك الشكوى" (رويم)؛ "الصبر هو الاستعانة باللَّه تعالى" (ذو النون)؛ "الصبر كاسمه" (أبو على الدقاق) "الصبر على ثلاثة أقسام: متصبر، وصابر، وصبَّار" (أبو عبد اللَّه بن خفيف)، "الصبر مطية لا تكبو" (على ابن أبى طالب)؛ "الصبر أن لا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتصبر هو السكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة، (أبو محمد الجريرى.
وهذه الكتب، علاوة على تلاعبها بالكلمات والتعريفات، قد أغرمت أيضًا بتخريج ألوان من المعنى باستخدام حروف الجر. وشاهد ذلك أن رجلا سأل الشبلى: "أى صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر فى اللَّه عز وجل؛ فقال لا، قال الصبر للَّه تعالى، قال لا؛ قال فأى شئ، قال الصبر عن اللَّه عز وجل، قال فصرخ الشبلى صرخة كادت روحه أن تنلف (القشيرى: الرسالة ص 10، س 9).
ويتناول الغزالى الصبر فى الجزء الرابع من إحياء علوم الدين الذى يصف الفضائل المحمودة الواردة فى الكتاب الثانى؛ وقد رأينا فيما سبق كيف ارتبط الصبر والشكر فى القرآن. . ويناقش الغزالى مفهومى الكلمتين فى الكتاب الثانى كلا على حدة، ولكنهما فى الحق مرتبطان أوثق ارتباط؛ وهو لا يدعم هذا الارتباط بالاستناد على عبارة القرآن، بل على الحكمة القائلة "الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر" وهذا أيضًا يرجع إلى الحديث: "الصبر نصف الإيمان"(انظر أيضًا الأحاديث التى ذكرناها آنفا، وهى أيضًا تربط بين الصبر والشكر).
وقد عالج الغزالى الصبر مندرجا تحت العناوين الآتية: (1) فضل الصبر (2) حقيقة الصبر ومعناه (3) الصبر نصف الإيمان (4) الأسامى التى تتجدد
للصبر (5) أقسام الصبر بحسب اختلاف القوة والضعف (6) نطاق الحاجة إلى الصبر وأن العبد لا يستغنى عنه فى حال من الأحوال (7) دواء الصبر وما يستعان به عليه. وهذا التقسيم يكاد يكون هو التقسيم الذى اتبعه ابن العبرى فى: الأخلاق لماسايبرانوطا (Bar Hebraeeus' Book of the Dove: A.J.Wensiuck، ليدن 1919 م، ص 117 - 119).
وحسبنا أن نذكر من هذه الأقسام ما يلى:
الصبر مقام كسائر مقامات الدين ينتظم من ثلاثة أمور، معارف وأحوال وأعمال؛ فالمعارف كالأشجار، والأحوال كالأغصان، والأعمال كالثمار.
والصبر خاصية الإنسان من دون الملائكة والبهائم، وذلك أن البهائم قد سلطت عليها الشهوات وصارت مسخرة لها؛ وأما الملائكة فقد جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية، ولم تسلط عليهم شهوة صارفة عنها، ولذلك فهم ليسوا فى حاجة إلى الصبر للتغلب على الشهوة. أما الإنسان فعلى خلاف ذلك، لأنه يتصارع فى قلبه باعثان: باعث الهوى وباعث الدين، ويثير الأول الشيطان، ويثير الثانى الملائكة. ومعنى الصبر الاستمساك بباعث الدين ومقاومة باعث الهوى.
والصبر ضربان، أحدهما ضرب بدنى كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليها، وهو إما بالفعل كتعاطى الأعمال الشاقة، وإما بالاحتمال كالصبر على الضرب الشديد والمرض العظيم، وذلك محمود؛ والآخر وهو الصبر النفسى عن مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، ثم هذا الضرب يختلف باختلاف الصبر على الشهوات ومقتضيات الهوى، فيسمى العفة، وضبط النفس، والشجاعة، والحلم وسعة الصدر، وكتمان السر، والزهد، والقناعة. ونستطيع أن نتبين من هذه السلسلة الواسعة من المعانى السبب فى أن النبى [صلى الله عليه وسلم] عندما سئل فى ذلك قال:"الإيمان صبر". وهذا الضرب الثانى من الصبر محمود تام.