الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة
(1)
هى الاسم المألوف الذى يطلقه العرب على الشعيرة الدينية المعروفة، وترجمته بكلمة Prayer فحسب ليست دقيقة. وكلمة دعاء العربية مطابقة للفكرة التى تؤديها هذه الكلمة الإنجليزية (وقد لفت سنوك هركرونى Sonuk Hurgronje النظر مرات عدة إلى هذا الفارق فى Verspri de Geschriften جـ 1، ص 213 وما بعدها؛ جـ 2 ص 90؛ مجلد 4، جـ 1، ص 56 و 63 وما بعدها الخ).
ويبدو أن كلمة صلاة لم تظهر فى الآثار الأدبية السابقة على القرآن الكريم؛ وهى تكتب "صلوة" فى كثير من النسخ الكوفية للقرآن الكريم؛ كما تكتب كذلك فى كثير من المؤلفات المتأخرة عند الحديث عن الكتاب الكريم، ويعد رسمها على هذه الصورة فى الكثرة الغالبة تمثيلا للنطق بها فى لهجة من اللهجات (Geschicte des Qorans: Noldeke ص 255؛ Arabic Grammar: Wright-de Goeje جـ 1، ص 12 أ Arabische Grammatik: Brocklemann الطبعة السادسة، ص 7).
وفى الحق أن كتابة "الواو" فى مكان الألف ماثل، كما قد نتوقع، فى كثير من الكلمات الأخرى التى تتصل بلغة القرآن الكريم، كما هو شائع فى اللغة الآرامية اللهم إلا كلمة ربا "ربوا" وحدها التى تستثنى من الكلمات المنتهية بـ (اة) أو (وة) ومن ثم يجب ألا يغرب عن بالنا أثر اللغة الآرامية حين نرى الصورة التى تكتب بها " زكوة" و"صلوة" وغيرهما (Devocabulis in antiquis Arabum carminibus et in corano peregrinis: Frankel ص 21). واشتقاق كلمة "صلوطا" الآرامية واضح كل الوضوح، فالأصل "صلأ" فى الآرامية يعنى الانحناء والانثناء والقيام. ومادة صلوطا هى اسم للأفعال المشتقة من هذه، وتعنى فعل الانحناء إلخ، وتستعمل فى كثير من اللهجات الآرامية للدلالة على الصلاة الشرعية وإن كانت تعنى أيضًا الصلاة الفردية التلقائية التى تسمى عادة فى السريانية على الأقل:"باعوطا". والفعل
(صلى) يشير إلى اشتقاقه من الاسم "صلاة" بمعنى "أداء الصلاة". ويتبين مبلغ الارتباط الوثيق بين الصلاة وتلاوة القرآن حتى فى العهد المكى من أن الآية 78 من سورة الإسراء تطلق على صلاة الصبح: قرآن الفجر، ونجد من ناحية أخرى أن تلاوة القرآن فى ذاتها تكون مصحوبة بالسجود (سورة الانشقاق، الآية 21).
والحمد والتسبيح جزء هام من الصلاة كما يتضح من الآيات القرآنية، مثل سورة طه، الآية 130؛ وسورة النور، الآية 41 حيث يذكر (التحميد) و (التسبيح) مرتبطين أوثق ارتباط بالصلاة.
ومن ذكر (الصلاة) وفعل (صلى) فى أقدم السور مثل (سورة القيامة، الآية 31؛ سورة المعارج الآية 22؛ سورة الماعون الآيتان 4، 5 سورة المدثر الآية؛ 73 سورة الكوثر الآية 2) يمكن أن يلاحظ فوق ذلك أننا نستطيع أن نؤكد أن هذه الشعيرة كانت ملازمة للإسلام منذ أقدم العصور، (انظر Annali، intoduzione الفصل 219، التعليق، وهو يتفق فى بعضها مع آراء كريمه Grimme المشابهة لذلك) وحسبما ورد فى سورة الإسراء، الآية 110، فقد أوصى اللَّه محمدًا [صلى الله عليه وسلم] بألا يجهر بصلاته أو يخافت بها ويبتغى بين ذلك سبيلا، الأمر الذى فسره الحديث -وهو لاشك تفسير صحيح- بأنه يقصد غير المؤمنين من قومه الذين تحرشوا به لجهره بصلاته. ويتفق هذا مع الحقيقة التالية، وهى أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] فى الفترة التى أوصى فيها دائمًا بأن ينهج منهج الأنبياء الأولين ويأتسى بصبرهم، كان يذكّر مرارًا وتكرارًا بأن هؤلاء كانوا يدعون قومهم إلى الاستمساك بالصلاة (مثل سورة الأنبياء، الآية 73؛ سورة مريم، الآية 31؛ سورة إبراهيم، الآية 40؛ سورة مريم الآية 55؛ سورة طه الآية 132).
وتذكر الصلاة فى القرآن فى كثير جدًا من المواضع مقرونة بالزكاة، وبيّن أنهما يعدان مظهرين من مظاهر التقوى التى يحبها اللَّه (سورة البقرة، الآيات 83، 110، 177، 277؛ سورة النساء، الآية 77، 162؛ سورة المائدة، الآيتان
12، 55) وفى سورة البقرة، الآيتين 45 و 153 ويحض اللَّه المؤمنين على أن يستعينوا بالصلاة والصبر، وقد فُسر الصبر هنا بأنه الصوم. والصلاة تعبير عن الخشوع (سورة المؤمنون، الآية 2) الذى يعد هو أنسب موقف يقفه الإنسان تجاه المعبود، والمحافظة على الصلاة أمر يوصى به مرارا وتكرارا (سورة الأنعام، الآية 92؛ سورة المؤمنون، الآية 9؛ سورة المعارج، الآية 23).
وقد أُنذر الساهون عن الصلاة (سورة الماعون، الآية 5)؛ وفى سورة النساء، الآية 103 وجه إنذار مشابه لذلك مبررًا ذلك بالقول:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . وقد نعى على المنافقين أنهم يقيمون الصلاة كسالى مراءاة للناس فحسب (سورة النساء، الآية 142) وتحديد شرب الخمر ثم تحريمها من بعد يعزى فى الأصل إلى أن إدمانها كان يبلبل أداء الصلاة على وجهها (سورة النساء، الآية 43).
ونحن نستطيع أن نذهب، كما سبق أن أشرنا، إلى أن السمات الجوهرية للصلاة فى عهدها المتأخر كانت موجودة من أول الأمر، وقد ذكر الوضوء قبل الصلاة فى سورة المائدة، الآية 6، كما ذكر النداء للصلاة فى سورة المائدة، الآية 58، كما ذكر النداء لصلاة يوم الجمعة فى سورة الجمعة، الآية 9. وهناك صلاة خاصة تقام عند الخطر الداهم وقد ذكرت فى سورة النساء، الآيات من 101 - 103 (انظر ما يلى فى الكلام عن صلاة الخوف). وتختم هذه الصلاة بالصلاة على النبى [صلى الله عليه وسلم] والتسليم؛ لما جاء فى سورة الأحزاب، الآية 56؛ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، وقد ذكرت صلاة الجمعة فى سورة الجمعة، الآية 9:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
ومن المفهوم أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] فى هذه الظروف كان يهتم اهتماما كبيرا
بأولئك الذين أظهروا استعدادا للدخول فى الإسلام، ومن ثم لم يتوان فى تدريبهم على أداء الصلاة.
وهكذا يذكر الحديث أنه أرسل أسعد ابن زرارة أو مصعب بن عمير إلى أهل المدينة لتحقيق هذا الغرض العاجل، وأن مصعبا كان أول من جمع الجمعة (انظر Mohammed en de Joden to Medina: A.J. Wensinck، وما بعدها؛ C.H. Becker فى Der Islam، جـ 3، ص 378 وما بعدها) وقد ذكرت الصلاة فى معظم كتب محمد صلى الله عليه وسلم إلى القبائل العربية كفريضة إسلامية (انظر Die Schreiben Muhammeds an Stamme Arabiens: J.Sperber، فى die M.S.O.S As جـ 19، فصلة، ص 16، 19، 38، 58، 77 وما بعدها). وقد جاء فى الرواية الإسلامية أن تقرير الصلوات الخمس يرجع إلى بدء الإسلام، وهى ترتبط بإسراء النبى صلى الله عليه وسلم فعندما أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء العليا فرض الَله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة كل يوم، ثم رجع محمد صلى الله عليه وسلم بذلك من حضرة اللَّه حتى مر على موسى عليه السلام فسأله موسى عما فرضه اللَّه على أمته فلما سمع منه موسى ما فرضه اللَّه على أمته قال: "فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، ومن ثم جعل اللَّه الصلوات الخمسين خمسًا وعشرين؛ ثم رجع إلى موسى. فأجابه بمثل ما أجابه من قبل، ويتكرر هذا من محمد صلى الله عليه وسلم حتى استقرت الصلوات على خمس (البخارى، كتاب الصلاة باب 1؛ مسلم: كتاب الإيمان، حديث 259، 263، الترمذى: كتاب مواقيت الصلاة، باب 45؛ النسائى: كتاب الصلاة، باب 1؛ ابن ماجة، كتاب الإقامة، باب 194؛ أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 315 فى آخرها؛ جـ 3، ص 148، وما بعدها؛ ص 161، انظر ابن سعد: القسم الأول جـ 1/ 1، ص 143 وما بعدها) على أنه قد جاء فى حديث صحيح، أن جبريل نزل خمس مرات فى يوم واحد وصلى ثم صلى محمد صلى الله عليه وسلم وتكرر ذلك فى هذه المرات الخمس (البخارى: كتاب المواقيت، الباب الأول؛ مسلم؛ كتاب المساجد، حديث 161، 167؛ أبو داود: كتاب الصلاة الباب الثانى، الترمذى: كتاب المواقيت، الباب الأول، والعاشر والسابع عشر؛ ابن ماجة: كتاب
الصلاة، الباب الأول؛ الدارمى: كتاب الصلاة الباب الثانى؛ مالك: كتاب الوقوت، حديث 1، إلخ).
وعن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع فى المدينة عدة صلوات فجعل الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، فى غير خوف ولا سفر (1) (مسلم: كتاب المسافرين، حديث 49). وقد سئل ابن عباس: لم فعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك؛ فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته (انظر مسلم: كتاب المسافرين، حديث 50؛ وانظر الحديثين 54، 55).
وقد جاء فى الحديث نفسه: "أتعّلمنا بالصلاة؟ وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (المرجع نفسه، حديث 58) وتعليق النووى على هذه العبارات من الحديث (طبعة القاهرة 1282 هـ، جـ 2، ص 196 وما بعدها).
وفى كتب الحديث الصحاح أحاديث متعددة تنص على أن عدد الصلوات خمس، وليس بين فقهاء المذاهب خلاف فى الرأى حول هذه المسألة.
ويطلق على الصلوات الخمس المفروضة الأسماء التالية وفقا للوقت الذى تؤدى فيه من أوقات النهار: صلاة الصبح وكثيرا ما تسمى صلاة الفجر؛ وصلاة الظهر؛ وصلاة العصر؛ وصلاة المغرب؛ صلاة العشاء ويطلق عليها فى كثير من الأحوال صلاة "العتمة" ولكن هذه التسمية الأخيرة تعاب كثيرا لأنها نابية (2)(مسلم: كتاب المساجد، حديث 228، 229؛ أبو داود: كتاب الحدود، باب 78؛ النسائى: كتاب المواقيت، باب 23 الخ).
(2)
وكل مسلم راشد سليم العقل، قد فرض عليه أداء الصلوات اليومية الخمس المكتوبة تمييزًا لها من الصلوات الاختيارية التى يطلق عليها "النافلة" أو صلاة "التطوع " وهذا الفرض معلق
(1) نص الحديث: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن أبى الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال صلى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، فى غير خوف ولا سفر.
(2)
نص الحديث كما جاء فى مسلم: ". . . عن عبد اللَّه بن عمر، قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، إلا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل".
بالنسبة للمريض. أما الصلوات المتروكة فيجب أن تؤدى "قضاء"؛ وآراء الشافعية فى هذه المسألة وردت فى شرح النووى على مسلم فى كتاب المسافرين، الأحاديث 309 - 316 (جـ 2، ص 178 وما بعدها). وفى الرأى النظرى الصرف (وهو لا صلة له فى كثير من الأحوال بالتطبيق أو قل إنه يتصل به صلة قليلة) أن أى شخص يترك الصلاة عامدا لأنه لا يعترف بها فرضا شرعيًا يعد "كافرا". بل إن الترك العمد إذا لم يبن على سند فقهى من هذا القبيل يجعل التارك معرضا لعقوبة القتل (انظر النووى: منهاج الطالبين، طبعة v.d. Berg، جـ 1، ص 202؛ أبو إسحاق الشيرازى: كتاب التنبيه (1) فى الفقه، طبعة Juynboll ص 15).
وهناك عدة شروط تمهيدية يجب أن تتوفر فى أداء الصلاة الصحيحة؛ والطهارة الضرورية المفروضة يجب أن تجدد إذ لزم الأمر بالوضوء والغسل أو التيمم؛ والثوب الذى يلبس يجب أن يستوفى الشروط الشرعية التى تهدف إلى "ستر العورة". وتفسير هذا أن الرجال يجب أن يستروا ما بين السرة إلى الركبتين، أما حرائر النساء فيجب عليهن ستر الجسم كله ما عدا الوجه واليدين، وهذا الشرط الأخير يلفت النظر، إذ أن رأى الأوربيين يناقض كل المناقضة هذا الحجاب المفروض على المرأة المسلمة (انظر Twee populaire dwalingen: snouck Hurgronje فى Verspide Geschriften، جـ 1، ص 295 وما بعدها) والأحاديث أحيانا لا تذكر إلا ستر العورة (البخارى: كتاب الصلاة، باب 10) وأحيانا أخرى ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم قوله: إن العاتقين أيضًا يجب أن يسترا (مسلم: كتاب الصلاة، حديث 278) وأحيانًا يذكر صراحة اشتمال الصمَّاء غير الوافية فى هذا الصدد (أحمد بن حنبل: المسند جـ 3، ص 322 وما بعدها) ويقال فى الوقت نفسه إنه يسمح بالصلاة فى ثوب واحد، أو إن هذا الأمر نفسه كثير الشيوع (أبو داود: كتاب الصلاة، باب
(1) هو كتاب التنبيه فى فروع الشافعية لأبى إسحاق إبراهيم بن على الشيرازى الشافعى المتوفى سنة 476 هـ.
77، 80 - 82) ويقال من ناحية أخرى إن من يملك ثوبين يجب أن يرتديهما فى الصلاة (أبو داود: كتاب الصلاة: باب 82؛ أحمد بن حنبل: جـ 2، ص 148).
ولا ضرورة لإقامة الصلاة بالمسجد، ولكن يمكن أن تقام شعائرها فى المسكن وأى مكان آخر، والمعتمد فى هذا ما يُعزى إلى محمد صلى الله عليه وسلم من أنه خُص بميزة هى أنه قد جعلت له الأرض مسجدًا وطهورا (البخارى: كتاب الصلاة، باب 56)، ويستثنى من ذلك المقابر (مسلم: كتاب صلاة المسافرين، حديث 208، 209) والأماكن النجسة كالمجازر وغيرها (الترمذى: كتاب مواقيت الصلاة، باب 141).
والمكان الذى تؤدى فيه الصلاة يُميز عما حوله على نحو ما بسترة، وتُستخدم "السجادة" فى ذلك بصفة عامة. ويجب الاهتمام كذلك بالاتجاه إلى مكة.
وأركان الصلاة الصحيحة هى كما يلى، ويقوم وصفنا لها على مذهب الإمام الشافعى: النية ويجهر بها أو يخافت مع التصريح بالصلاة التى ينوى المرء أداءها (Mittwoch، المصدر المذكور، ص 16؛ De intentie in recht، ethiek en Mystick der Semietische volken: A. Wensinck فى V.M.A.W، السلسلة الخامسة، المجلد 4) ثم يجهر بعبارة "اللَّه أكبر" وهى تكبيرة الإحرام التى تبدأ بها حالة الانصراف إلى العبادة.
وتؤدى الصلاة قيامًا. والنطق بالدعاء أو التعوذ بعد التكبيرة سنة (انظر منهاج الطالبين، جـ 1، ص 78) ثم يلى ذلك التلاوة التى تتضمن الفاتحة عادة. وأهمية هذه القراءة فى الحديث تتمثل فى القول المأثور: لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب (البخارى: كتاب الأذان، باب 95؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 34 - 36، 42) وجرت العادة فى صلاة الجماعة إن تُتلى الفاتحة وحدها مع الإمام إذا بدأ الإمام بالقراءة الثانية، وعلى الحاضرين أن ينصتوا (انظر المنهاج، جـ 1، ص 80) وفى الحديث كثير من الروايات عن الجهر بالقراءة أو المخافتة
بها (البخارى: كتاب الكسوف، باب 19؛ أبو داود: كتاب الطهارة، باب 89؛ النسائى: كتاب الافتتاح، باب 27 - 29، 80 و 81 إلخ؛ انظر البخارى: كتاب الأذان، باب 96، 97، 108؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 47 - 49؛ النسائى: كتاب الافتتاح، باب 27 و 28، 80 إلخ).
ثم يأتى الركوع الذى يتضمن إحناء الظهر بحيث تصبح راحتا اليدين مبسوطتين على الركبتين (كريعا عند العهود؛ انظر Mittwoch المصدر المذكور، ص 17 وما بعدها وكذلك صور الأوضاع المختلفة للصلاة فى Manners and Customs: Lane، الفصل الخاص بالدين والشرائع، وفى Handbuch: Juynboll، ص 76) فالقيام يعبر عنه "بالاعتدال" وما إن يرفع الرأس بعد الركوع حتى ترفع اليدان ويتلو المصلى "سمع اللَّه لمن حمده"(البخارى: كتاب الأذان باب 52، 74، 82؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 25 و 28، 55؛ 64 إلخ).
وهناك خلافات فى الرأى حول رفع اليدين فى الصلاة والدعاء، فيقول البعض إن محمدًا صلى الله عليه وسلم اعتاد أن يرفع يديه فى الصلاة (البخارى: كتاب الأذان باب 83 - 86؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 21 - 26؛ أبو داود كتاب الصلاة، باب 1 - 6، 85 - 87؛ أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 93، 255، 289 إلخ) وتعلق أهمية (كما يتبين من الفقرات التى استشهدنا بها وشيكا) على المدى المسموح به لارتفاع اليدين، فبالإضافة إلى رفع اليدين يحدث كذلك أن تمدّا، (البخارى: كتاب الأذان، باب 130) وواضح أيضًا متفقرات الحديث الذى استشهدنا بها أن رفع اليدين لم يكن يحدث بعد الركوع فحسب، بل كان يحدث فى بعض أجزاء الصلاة الأخرى أيضًا وهذه الحركة التى تقضى بها الشعيرة كانت تفضل خاصة فى صلاة الاستسقاء (البخارى: كتاب الجمعة، باب 34، 35؛ مسلم: كتاب الاستسقاء، حديث 5 - 7؛ أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 104، 153، 181 إلخ) ويرد فى بعض الأحيان أن رفع اليدين لا يسمح به فى كل دعاء اللهم إلا فى الاستسقاء (مثل النسائى: كتاب قيام الليل، باب 52، أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 243)
ويمكن معرفة قيمة هذه الشعيرة مثلا مما قيل إن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن يرفع يديه للدعاء (البخارى: كتاب المغازى، باب 55) ويصبح هذا واضحًا كل الوضوح حين نفكر فى أن رفع اليدين كان فى الواقع عملا واجبًا يتخذه الإنسان إزاء اللَّه كما بين جولدتسيهر فى مقاله (Noldeke.Festschrift. Zauber elemente in islamischen Gebet جـ 1، ص 320). ثم إن السنة تربط القنوت بالركوع، والقنوت يدخل من بعض نواحيه فى نفس الباب الذى يدخل فيه رفع اليدين كما أبان جولدتسيهر أيضًا فى مقاله الذى ذكرناه وشيكا.
والركن الآخر للصلاة الذى يلى هذا هو"السجود" وكان أيضًا من شعائر الصلاة عند اليهود (انظر Mittwoch: المصدر المذكور، ص 17 وما بعدها: هشتجواياه) وكذلك عند المسيحيين (Moharmneden de Joden to Medina: Wensinck، ص 104 وما بعدها) ويتخذ المصلى بعد ذلك وضعا بين الركوع والقعود وهو ما يعبر عنه فى العربية عادة بالجلوس (انظر Juynboll: المصدر المذكور، ص 76، شكل 7) ثم تلى ذلك سجده أخرى؛ وهذه الشعائر من تلاوة الفاتحة حتى السجدة الثانية هى ركعة كاملة. ويجب أن نلاحظ أنه لا يزال هناك خلاف كبير فى كتب الحديث على الأقل حول هذا الاصطلاح. ويبدو أحيانًا أن كلمة ركعة تستعمل فيما تستعمل فيه كلمة سجدة، وأحيانا تكون كلمة ركعة (وهو الاستعمال الذى استقر من بعد) اصطلاحا أشمل معنى، ينطبق على الجزء الأوسط من الصلاة كلها الذى وصفناه وشيكا ويوضح تاريخ الشعائر الإسلامية وحده، هذه النواحى توضيحًا دقيقًا. وأكثر الاصطلاحات استعمالا (فى الحديث أيضًا) يحدد عدد الركعات لكل صلاة، فصلاة الفجر ركعتان، وصلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة العصر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، وصلاة العشاء أربع ركعات، بل إن الحديث يقول أيضًا إن الصلاة كانت فى الأصل من ركعتين، وإن هذا العدد نفسه عمل به فى صلاة السفر.
ولكن عدد ركعات الصلاة العادية حدد بأربع (انظر مثلا البخارى: كتاب الصاوة، باب 1؛ مسلم: كتاب صلاة المسافرين، الحديث من 1 - 3 إلخ). ويفترض متفوح (انظر المصدر المذكور، ص 18 وما بعدها) وجود التأثير اليهودى فى الاختيار الأصلى للركعتين [وهذا لا أساس له].
والقول بأن هذه الصلاة أو تلك تشتمل على عدة ركعات، يدل على أن الشعائر الاستهلالية التى تسبق القراءة الأولى، والشعائر التى تعقب السجدة الثانية (انظر ما يلى) لا يقتضى الأمر أن تقع إلا مرة واحدة فحسب فى الصلاة التى نحن بصددها، على حين أن الشعائر الأخرى التى تجئ خلال ذلك تكرر عدة مرات، والشعائر التى تعقب السجدة الثانية هى "التشهد" الذى يتلى مع الجلوس. أما إن القاعدة التى ذكرناها وشيكا عن تكرار بعض أجزاء معينة من الصلاة فواضح من حديث للنبى [صلى الله عليه وسلم] عن وجوب تكرار التشهد فى كل ركعتين (أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 211) ثم تأتى بعد ذلك الصلاة على النبى التى تتضمن تحميد، تكثر فيه عبارة "صلى الله عليه وسلم" وهذه العبارات تكون مع الجلوس، ويظل المصلى جالسا أثناء هذه الشعيرة الختامية، وهى السلام أو تسليمة "التحليل" التى تنتهى بها حالة الانصراف إلى العبادة. والصيغة الكاملة لهذا السلام فى قول النووى (المصدر المذكور، ص 91، وما بعدها) هى "السلام عليكم ورحمة اللَّه". ولكن يمكن اختصار هذه الصيغة وينطق بها مرتين، مرة والمصلى ينظر إلى اليمين وأخرى وهو ينظر إلى الشمال وتعتبر تسليما على المؤمنين، ولكنها تشير كذلك إلى الملائكة الحافظين الحاضرين انظر متفوح (المصدر المذكور، ص 18) عن نظائر ذلك فى صلاة اليهود.
وتصنف الشعائر المختلفة للصلاة بحسب أهميتها وبحسب كونها فرضا أو سنة. ويعدد النووى (المصدر المذكور، ص 74 وما بعدها) من أركان الصلاة ما يلى: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام، والقراءة، والركوع، والاعتدال،
والسجود، والجلوس، والتشهد، والقعود، والصلاة على النبى، والسلام، ثم يذكر الركن الثالث عشر وهو "الترتيب". أما الشعائر الأخرى التى ذكرنا بعضها آنفا فهى عنده سنة (انظر أبا إسحاق الشيرازى: التنبيه، ص 25).
وإن كثرة شعائر السنة، وهو أمر يتوقف على اختصارها أو القيام بها فى تفصيل كبير، هو الذى يحدد لكل صلاة صفتها ويؤثر بصفة خاصة فى طولها، ويصدق هذا خاصة على الأذكار التى تتخللها (انظر مولوى محمد على: The Holy Quran، الطبعة الثانية، لاهور 1920، ص 2) وعلى القراءة؛ لأن تلاوة الفاتحة يمكن أن يعقبها تلاوة آيات أخرى من القرآن الكريم. وفى الحديث كثير مما يقال فى هذا الموضوع.
ويبدو أن الحماسة الشديدة التى أظهرها كثير من الأئمة فى هذا الصدد كانت فى كثير من الأحيان عبئًا على المؤمن. ويقال إن كثيرًا من المؤمنين شكوا إلى النبى من ذلك، وروى أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] استمع إلى شكاتهم فحذر النبى [صلى الله عليه وسلم] الأئمة بقوله:". . فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض"(البخارى: كتاب العلم، باب 28؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 179 - 190؛ أبو داود: كتاب الصلاة، باب 122، 123 إلخ) بل إننا نجده فيما روى عنه يقول فى وصف الإمام المقصود إنه "فتّان"(البخارى: كتاب الأذان، كما أثنى المؤمنون على محمد [صلى الله عليه وسلم] أيضًا فقالوا: كان رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] من أخف الناس صلاة فى تمام (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 279، 282 وفى كثير من المواضع الأخرى).
ويحدد الفقه أيضًا تحديدا دقيقا الأعمال والأوضاع الجسدية التى تبطل الصلاة (النووى: المصدر المذكور، ص 103 وما بعدها؛ أبو إسحاق الشيرازى، ص 28 وما بعدها؛ ويسجل الحديث أن بعض المؤمنين فى بادئ الأمر اعتادوا أن يتحدث الواحد منهم إلى الآخر دون حرج أثناء الصلاة، ويحيون محمدا [صلى الله عليه وسلم] كما يحيى بعضهم بعضا، ولكن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وضع حدًا لهذه الرخصة (البخارى:
كتاب العمل فى الصلاة، باب 2 - 4) ومجريات الأحوال القديمة تتجلى بأجلى بيان فى هذا الخبر المتواتر الذى يروى كيف كان النبى [صلى الله عليه وسلم] يصلى وقد تعلقت ابنته زينب الصغيرة بعنقه، وقيل إنه لما سجد وضع الطفلة على الأرض ثم رفعها مرة أخرى حين قام (البخارى: كتاب الصلاة، باب 106؛ مسلم: كتاب المساجد 41 - 44؛ النسائى: كتاب المساجد، باب 19). وفى حديث آخر يروى كيف وثب الحسن والحسين على ظهر محمد [صلى الله عليه وسلم] أثناء سجوده (أحمد بن حنبل، جـ 2: ص 513).
(3)
وثمة صلوات غير مفروضة علاوة على الصلوات اليومية الخمس، يقسمها الغزالى إلى ثلاثة أنواع: السنة، والمستحب، والتطوع (الإحياء، القاهرة 1302 هـ، جـ 1، ص 174) ويصدق هذا النوع الأخير على صلاة الليل، وهو الاسم الذى يغلب استعماله فى الحديث، على حين يستعمل القرآن "التهجد" (سورة الإسراء: الآية 79).
ويفضل فى وصف هذه التعبدات الليلية، فى "ليلة القدر"، خاصة وفى ليالى رمضان عامة، استعمال كلمة "قيام" التى تدل على ما كان للقيام والسهر فى ذاتيهما من شأن عظيم.
ويتضح من الحديث أن مثل هذه العبادات الليلية كان يمارسها المجتمع الإسلامى الأول فى شغف وغيرة. وحسبنا أن نقول هنا إنه حتى فى حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] كانت هذه التعبدات ليست لها صفة الفرض (أبو داود: كتاب التطوع، باب 17، 26؛ والنسائى: كتاب قيام الليل باب 2؛ الدارمى: كتاب الصلاة، باب 165).
وتتصل صلاة الليل صلة وثيقة بالوتر، ومعناها "الفرد" وتتضمن هذه الشعيرة فى الواقع إضافة ركعة واحدة إلى الركعات الزوجية فى صلاة الليل، وبالإضافة إلى ذلك صلاة الضحى وهى الصلاة الوحيدة قبل الظهر، فعند أحمد بن حنبل (جـ 1، ص 147) يحدد الوقت على الوجه التالى: "صلى رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] الضحى حين كانت الشمس من المشرق حتى مكانها من المغرب فى
صلاة العصر"؛ ويروى أن النبى [صلى الله عليه وسلم] كان يمتدح صلاة الضحى (النسائى: كتاب قيام الليل باب 28؛ كتاب الصيام باب، 81، الدارمى: كتاب الصلاة باب 151، أحمد بن حنبل جـ 2، ص 175، 265، 271. . الخ) ويؤديها بانتظام، وثمة آراء قالت بأن الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان يؤديها مرة واحدة فحسب، أو كان يؤديها عند رجوعه من سفر، وآراء أخرى ترى أن من أئمة الرواة؛ من لم يؤدها (البخارى كتاب التهجد باب 31 الدارمى: كتاب الصلاة باب 152).
أما الصلوات السابقة واللاحقة للصلوات المفروضة، والتى تشتمل على ركعتين عادة فإنها كثيرة جدًا تقام قبل صلاة الفجر (البخارى: كتاب الأذان، باب 15؛ أبو داود: كتاب التطوع، باب 6)؛ وتقام قبل صلاة الظهر وبعدها (البخارى: كتاب التهجد، باب 25؛ مسلم كتاب صلاة المسافرين، حديث 105، 106) وتقام قبل صلاة العصر (أبو داود: كتاب التطوع، باب 8؛ البخارى: كتاب المواقيت، باب 53؛ وانظر كتاب المغازى، باب 69)؛ وتقام قبل صلاة المغرب وبعدها (البخارى: كتاب التهجد، باب 35، 24، ست ركعات بعد صلاة المغرب: الترمذى: كتاب المواقيت، باب 204)؛ وتقام قبل وبعد صلاة العشاء (البخارى: كتاب التهجد، باب 25)؛ ولكن روى أيضًا عن النبى [صلى الله عليه وسلم] أنه لم يتقيد بكل هذه الصلوات الاختيارية كل يوم. ويحدد عددها فى الغالب بست عشرة ركعة واثنتى عشرة ركعة أحمد بن حنبل: جـ 1 ص 11، 142، 143، 146، 147 وما بعدها)، هذا بالإضافة إلى أن ثمة "رواتب" تقام فى أيام مختلفة من الأسبوع والشهر (انظر الغزالى: الإحياء، جـ 1، ص 174 وما بعدها، فى باب 7 من كتاب الصلاة) وفى مناسبات مختلفة مثل دخول المسجد والرجوع من سفر (البخارى: كتاب الصلاة، باب 60؛ مسلم: كتاب المسافرين، حديث 74).
(4)
ويجوز للمرء أن يؤدى الصلاة اليومية وحده، ولكن المستحب أن يؤديها جماعة (وعن اختلاف الرأى فى
هذه المسألة، انظر النووى، ص 116 وما بعدها) ومهما يكن من أمر فإن ذلك فى رأى النووى غير مفروض على النساء، بل هو غير مستحب بالنسبة لهن. ويؤكد الحديث تأكيدا قويا فضائل صلاة الجماعة (البخارى: كتاب الأذان، باب 29 - 31 - 34؛ كتاب المساجد، الأحاديث 245 - 259، 271 - 282؛ النسائى: كتاب الأئمة باب 42، 45، 48 - 50، 52). والمسجد فى الوقت نفسه مستحب بوصفه مكانًا للاجتماع وإن لم تكن الصلاة فيه فرضا، ولا تتوقف شرعيتها على توافر عدد معين من المصلين الحاضرين. وقد جاء فى أبى إسحاق الشيرازى (التنبيه، ص 31؛ انظر ابن ماجه، كتاب الإقامة باب 5) أن الجماعة تنعقد بشخصين. وكثيرا ما تذكر صلوات أداها ثلاثة أشخاص (مثل مسلم: كتاب المساجد، حديث 269).
ومن المستحب أن يذهب الشخص إلى الصلاة فى هدوء (البخارى: كتاب الأذان، باب 20، 21، 23؛ مسلم: كتاب المساجد، حديث 151 - 155). ويعد أيضًا من الثواب خاصة أن يتخذ المرء مكانه فى المسجد قبل بدء الصلاة بوقت وأن ينتظر وقتا بعد الفراغ منها (أحمد ابن حنبل، جـ 2، ص 266، 277، 289 وما بعدها 301). وإذا حضر شخص متأخرا بحيث شارك فى ركعة واحدة فإنه يعد مع ذلك قد أدرك صلاة الجماعة (البخارى: كتاب المواقيت، باب 29؛ مسلم: كتاب المساجد، حديث 161، 165 إلخ) والرأى المعارض لذلك يقول به مالك (كتاب الوقت، حديث 16) بل إنه إذا دخل أحد المسجد بعد أدائه الصلاة وحده مباشرة، فعليه أن يشارك فى صلاة الجماعة (أبو داود: كتاب الصلاة باب 56؛ الترمذى: كتاب المواقيت باب 49). والقاعدة الشائعة هى أن الشخص يجب أن يؤدى وحده ما فاته من صلاة الجماعة (أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 237، 238، 239، 270 الخ).
ويرتب المصلون أنفسهم صفوفا متلاصقين فى حسن ترتيب، ويؤكد ذلك تأكيدا خاصا (البخارى كتاب الأذان باب 71، 72، 74 - 76، 114؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 122 -
128؛ أبو داود: باب 93 - 100؛ أحمد ابن حنبل، مجلد 3 جـ 3، ص 122 وما بعدها، 114 و 122 الخ) والأماكن فى الصف الأول لها مميزات خاصة (البخارى: كتاب الأذان، باب 9 - 73؛ مسلم: كتاب الصلاة، حديث 129 - 132) كما أنها تكون فى هذا الصف مفضلة بخاصة إذا كانت على يمين الإمام (ابن ماجه: كتاب الإقامة، باب 34) ومع ذلك فإن هذا يصدق على الرجال فحسب، أما النساء فيحسن أن يأخذن أماكنهن فى الصف الأخير أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 47، 336، 354، 370). ويؤم صلاة الجماعة إمام يتخذ مكانه أمام الصف الأول، أما إذا كان عدد الحاضرين اثنين غيره فإنه يقف بينهما أو يجعل أحدهما إلى يمينه والآخر خلفه (أبو داود: كتاب الصلاة باب 98؛ النسائى: كتاب التطبيق باب 1؛ أحمد بن حنبل جـ 1 ص 451).
وقد استقر الرأى على أن المصلى يجب أن يتبع الإمام فى كل ما يأتيه (البخارى: كتاب الأذان، باب 51 - 53، 74، 82 الخ)
وقد بين متفوح Mittwoch (المصدر المذكور، ص 22 - وقد حذا حذوه بكر Becker فى Deer Islam، جـ 3، ص 386 وما بعدها أن الإمام يماثل الـ "شلياح هاصبور" فى الصلاة عند اليهود) وإمامة فرائض الصلاة يمكن أن يؤديها فى الإسلام أى عضو من الجماعة كفء لأدائها. وقد جرت الحال فى المدينة على حياة النبى [صلى الله عليه وسلم] أنه كان يؤم الناس فى الصلاة، ولم يشذ الأمر عن ذلك إلا فى حالات استثنائية، ويقال إنه فى مرضه الأخير وفى مناسبات أخرى أثناء غيابه، كان أبو بكر ينوب عنه فى ذلك عادة. ويميل الحديث إلى الإفاضة فى هذه المسألة، ولعل الأمر يقتضينا فى هذه المسألة أن نعد كثيرًا من الأمور انعكاسا للحوادث التى وقعت بعد موت رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]، فإن إمامة الصلاة كان لها حينذاك شأن خطير كما يتبين من الدلائل المتعددة التى تدل عليها كلمة إمام، فقد كان إمام "الجماعة" فى مسجد النبى بطبيعة الحال هو أيضًا إمام الجماعة فى الشئون السياسية. ثم حدث الفصل شيئًا فشيئا بين الوظائف، ولكن الخليفة
وزعيم الجماعة قد احتفظ كلاهما على السواء بلقب الإمام.
وعلى حين أن الإمام كان على الأقل فى الأيام الأولى للخلفاء يعين لمسجد النبى، فإن التغيير فى أداء هذه الواجبات كان أكثر توقعا.
فإذا اجتمع عدد من الأشخاص لصلاة الجماعة فإنه يقال أحيانا إنه يجب أن يؤمهم فى الصلاة أكبرهم سنا (البخارى: كتاب الأذان، باب 17، 18، 35، 49، 140؛ كتاب الجهاد، باب 42، النسائى: كتاب الأذان باب 7 الخ) ويقال أحيانا أن ذلك الواجب يقع على أفقههم بالقرآن الكريم (مسلم: كتاب المساجد، حديث 289 - 291؛ النسائى: كتاب الأذان، باب 8؛ أحمد بن حنبل جـ 3، ص 24، 34، 36 الخ). ويستطيع أن يقوم بواجب الإمامة العبيد والأحرار على السواء (البخارى: كتاب الأذان، باب 54). بل لقد جاء فى حديث زيدى ذكر لنساء قمن بإمامة الصلاة (" Juris Corpus ") di Zaid ibn'Ali، طبعة Griffini، رقم 189).
أما مسألة من يمكن أن يؤدى المرء خلفه الصلاة، فقد بحثت فى كتب الفقه وفى مجموعات الحديث (النووى: المصدر المذكور، ص 131؛ البخارى: كتاب الأذان، باب 56؛ أبو داود: كتاب الصلاة، باب 63).
وأما مسئولية الإمام (أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 232، 284، 377 وما بعدها الخ) وما يلقاه عند اللَّه من ثواب فقد أشيد بهما (أبو داود: كتاب الصلاة، باب 58، ابن ماجه: كتاب الإقامة، باب 47). ويجب أن يتنحى المرء عن الإمامة إذا حضر من هو أعظم منه مقاما فى الأمور الدينية. (النسائى: كتاب الأئمة، باب 3، 6) ويجب ألا يفرض أحد نفسه على الناس (أبو داود: كتاب الصلاة، باب 62؛ الترمذى: كتاب المواقيت، باب 149). وينبغى ألا يكون الإمام غريبا بل رجلًا من أهل البيئة (أبو داود: كتاب الصلاة باب 65؛ الترمذى: كتاب المواقيت، باب 147؛ مالك: كتاب صلاة الجماعة، باب 15).
وتطورت إمامة الجماعة شيئًا فشيئًا إلى وظيفة تتفاوت حدودها، ففى مصر
كان الإمام فى بعض الأحيان تاجرا من صغار التجار أو ناظر مدرسة (Manners and Customs: Lane، ص 96 وما بعدها) ويقام فى المساجد الكبرى إمامان يؤجران من مخصصات المسجد، ونجد فى مكة أن الذين يقومون بالإمامة هم ابرز العلماء أو أشخاص عاديون على السواء (Mekka: Snouck Hurgronje جـ 2، ص 234، الحاشية) وفى جزائر الهند الشرقية الهولندية يقوم بالإمامة البنغولو الذى يلى أيضًا القضاء.
وعلاوة على الصلوات الخمس اليومية، تقوم الجماعة بصلوات أخرى خاصة فى مناسبات معلومة، وأهمها صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف.
وثمة صلاة مختلفة عن ذلك تماما، وهى صورة خاصة أو مختصرة من الصلاة الإسلامية الصحيحة، ونعنى بها صلاة السفر التى تقام من ركعتين. ويوجه الفقهاء بطبيعة الحال عناية كبيرة إلى المقصود بالسفر. وهناك تيسير آخر للسفر هو الجمع بين صلاتين أو أكثر فى صلاة واحدة. وفى الحديث بيانات كثيرة فى هذا الشأن (مثل البخارى: كتاب تقصير الصلاة، باب 6، 13 - 19؛ مسلم: كتاب صلاة المسافرين، حديث 42 - 58 الخ) ويقال، كما ذكرنا فى القسم الأول من هذه المادة، إن النبى [صلى الله عليه وسلم] جمع بين عدة صلوات فى المدينة؛ وانظر عن مدلول مثل هذه الأقوال ما ذكر فى هذا القسم وما أورده النووى (المصدر المذكور، ص 59 أو ما بعدها).
وهناك صلاة وصفها القرآن الكريم وهى صلاة الخوف التى تقام حين يكون المؤمنون مهددين بالخطر من عدو (سورة النساء آية 101 - 103) وتختلف هذه فى جوهرها عن الصلاة المألوفة فى أن المؤمنين يصطفون فى صفين أحدهما يقوم بالمراقبة شاكى السلاح أثناء سجود الصف الآخر، ويكرر كل صف ذلك حتى يؤدوا جميعًا السجود، وعندئذ يشترك الجميع فى تلاوة التشهد. وإذا كانوا يتوقعون هجوم العدو من جهة أخرى غير القبلة فإن الصلاة تعدّل وفقا لما تقتضيه
الظروف (ومن يريد زيادة فى البيان فلينظر النووى، ص 381 وما بعدها) ويمكن تقصير الصلاة فى هذه الحالة أيضًا (مسلم: كتاب صلاة المسافرين، حديث 4، 5؛ النسائى: كتاب صلاة الخوف، باب 4، 7، 23، 24، 26، 27). بل إن ثمة ذكرا لصلاة الخوف تقام من ركعة واحدة فحسب (أحمد بن حنبل جـ 2 ص 237 - 234). وفى الختام يجب أن نتناول باختصار فى هذا المقام الصلاة على الميت، أو صلاة الجنازة وهى فرض كفاية، وإنما يمكن أن تترك فى بعض الأحوال الاستثنائية (Verspr Geschr: Snouck Hurgronje، جـ 1، ص 138، تعليق 3).
وفى بعض الأحاديث أن الصلاة تجب على كل ميت من المسلمين (ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب 31، النسائى: كتاب الجنائز، باب 57) وفى الحديث (البخارى: كتاب الجنائز: باب 23، 85؛ كتاب التفسير، سورة الأعراف باب 12، 13؛ مسلم: كتاب فضائل الصحابة، حديث 25 الخ) روى كيف أن النبى [صلى الله عليه وسلم] أقام الصلاة على المتوفى عبد اللَّه ابن أبىّ شيخ المنافقين، وكيف راجعه عمر على ذلك، من ثم نزلت الآية 84 من سورة التوبة:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (انظر التعريف الشرعى للفاسق فى Vesrpr.Geschr: Snouck Hurgronje ص 97) وزيادة على ذلك روى الحديث أن النبى [صلى الله عليه وسلم] أبطل الصلاة فى حالات المتوفين منتحرين (مسلم: كتاب الجنائز، حديث 107؛ أبو داود: كتاب الخراج، باب 46). على أن النووى يقول (ص 225) إنه لم يحدث استثناء لهذه الحالة. ويقول الحديث أيضًا إن النبى [صلى الله عليه وسلم] رفض إقامة صلاة الجنازة بنفسه إلا إذا كانت ديون المتوفى قد وُفيت بالفعل (البخارى: كتاب: الحوالات باب 3؛ أبو داود: كتاب البيوع، باب 9؛ أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 290، 399) ولذلك يوصى الشرع أهل الميت بأن يسرعوا بتسوية هذا الأمر (النووى، جـ 1، ص 221). على أننا نجد فى الحديث روايات مختلفة عن مسألة: هل أقام النبى [صلى الله عليه وسلم] صلاة الجنازة على من قتلوا بحكم الشرع؟
(أبو دواد: كتاب الجنائز، باب 47؛ النسائى: كتاب الجنائز، باب 63، 64).
ويقول أبو إسحاق الشيرازى (طبعة Juynboll، ص 47 وما بعدها) إن الصلاة على الميت تقام على المنهج الآتى: يقف الإمام على رأس النعش إذا كان المتوفى رجلًا، وعلى مؤخرته إذا كان المتوفى امرأة (وهذه هى السنة؛ انظر البخارى: كتاب الجنائز، باب 63؛ مسلم؛ كتاب الجنائز، حديث 87، 88 الخ) ثم ينوى الصلاة ويكبر أربعًا ويداه مرفوعتان ثم يتلو الفاتحة فى الأولى، ثم يصلى على محمد [صلى الله عليه وسلم] فى الثانية، ثم يدعو للميت فى الثالثة، ويدعو للذين اشتركوا فى الصلاة فى الرابعة، ثم يختم الصلاة بالتسليمتين.
ويشيع الخلاف فى الرأى حول المكان الذى ينبغى أن تقام فيه صلاة الجنائز، وهناك إشارات إلى وجود مصلى خاص فى المدينة على أيامها القديمة، كما حدث عند وفاة النجاشى بالحبشة (البخارى: كتاب الجنائز باب 4، مسلم: كتاب الجنائز، حديث 63، 64) وجاء فى ابن سعد (مجلد 1، جـ 2، ص 14) إن النبى [صلى الله عليه وسلم] فيما يقال كان يقيم الصلاة فى بيت الميت، ولذلك ظن الناس أنها بدعة حين حمل جثمان سعد بن أبى وقاص إلى المسجد نزولا على رغبة عائشة فيما يقال، أو رغبة زوجات النبى. وقيل إن عائشة أجابت على الاعتراضات التى أثيرت بقولها:"ما أسرع ما نسى الناس ما صلى رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] على سهيل بن بيضاء إلا فى المسجد. . . "(مسلم: كتاب الجنائز، حديث 99 - 101)، ويعلق النووى شارح مسلم على ذلك (كما فعل الزرقانى فى شرح مالك: كتاب الجنائز، حديث 22) فيذكر آراء المذاهب المختلفة مشيرًا إلى الباب من أبواب الشرع الذى يدرج الفقهاء تحته إقامة هذه الصلاة فى المسجد (انظر فى هذه المسألة أيضًا Semitic Rites of Mourning and Religion، ص 2 - 4).
ومهما يكن من شئ فإن سنة المسلمين اليوم فى مختلف أنحاء العالم الإسلامى قد جرت على أداء هذه الصلاة فى المسجد (Manners&Customs: Lane ص 526؛ Snouck Hurgronje:
Mekka، جـ 3، ص 189) على أن القوم فى آشى يقيمون صلاة الجنازة فى الجزء الأمامى من الحى القائم أمام بيت الميت، وقد جرى على ذلك أيضًا أهل جاوة (The Achehnesse: Snouck Hurgronje، جـ 1، ص 423؛ المؤلف نفسه: Verspr. Geschr، جـ 4، ص 242) وهذا مباح شرعًا على الأقل وإن لم يكن ممدوحا (ويتوقف الأمر على المذهب المعتنق).
ولا يستوجب الأمر أن يكون الجثمان حاضرًا أثناء الصلاة، وقد جرت العادة فى مكة على إقامة صلاة الجنازة لمن يموتون بعيد، عن ديارهم (Mekka: Snouck Hurgronje، جـ 2، ص 189). وتبرير هذه السنة يلتمس فى الحديث المتواتر الذى يروى أن النبى [صلى الله عليه وسلم] أقام صلاة الجنازة على النجاشى فى المدينة (انظر ما أشرنا إليه آنفًا).
(5)
لقد جرى النقاد الأوربيون على تناول مسألة مكانة الصلاة من زاوية واحدة، ولا مناص لنا من التسليم بأنهم يجنحون إلى اتباع ما قاله به رانكه Ranke من تعليق أهمية كبرى على الصلاة من حيث هى شعيرة تأخذ المرء بالنظام.
ولا شك فى أن جانبا كبيرًا من حياة الجماعة قد تركز فى الصلاة وحولها فى المدينة على حياة النبى [صلى الله عليه وسلم]، ولا شك أيضًا فى أن عقلية العربى الجاهلى قد تحولت عن طريق الصلاة إلى عقلية المسلم. وتكررت هذه الظاهرة نفسها من بعد فى أقاليم الخلافة، ولا جدال فى أن الصلاة ظلت من أعظم العناصر تأثيرا فى تكوين الجماعات.
على أن الأوربى قد جرى على أن يقيم حكمه على الصلاة من وجهة نظره الخاصة، فالبروتستانتى يفتقد فيها الحياة الباطنة والكاثوليكى من أتباع الكنيسة الرومانية يفتقد فيها فخامة الطقوس وروعتها.
وكلتا النظرتين مخطئة من الناحية العلمية، ومن يريد أن يكون فكرة واضحة عن مكانة الصلاة يجب عليه أن يسأل هذا السؤال:"ماذا تعنى الصلاة للمسلم؟ ".
ويمكن الإجابة عن بعض هذا السؤال بملاحظة غيرة المسلمين على الصلاة فى مختلف الأقطار.
وملاحظات لين على الصلاة فى مصر على سبيل المثال (Manners and Customs، ص 98) لها شأنها، إذ يقول:"إن المسلمين يراعون فى صلاة الجماعة منتهى الوقار والجلال، ومظهرهم وسلوكهم فى المسجد لا ينمان عن الإقبال على العبادة فى غيرة وحماسة وإنما ينمان عن التقوى الرزينة الخاشعة، ولا يصدر عنهم فى صلاتهم أبدا كلمة نابية أو فعل جارح عن قصد؛ والظاهر أنهم يتخلون، عند دخولهم المسجد، عما يبدونه من عزة وتعصب فى حياتهم العامة وفى صلتهم بغيرهم من أهل ملتهم أو من أهل الملل الأخرى، ويتجلى عليهم الاستغراق الكامل فى عبادتهم خاشعين مستكينين، من غير تصنع للخضوع، أو تكلف لما يظهر على محياهم من أمارات".
والمصدر الغزير المادة فى دراسة مكانة الصلاة نجده فى الآثار المكتوبة، ولا مناص من الرجوع فى القرنين الأولين للهجرة إلى الحديث. وحين تعد أركان الإسلام الخمسة نجد الصلاة دائما تأتى فى المحل الثانى (البخارى: كتاب الإيمان، باب 52، مسلم: كتاب الإيمان، حديث 19 - 22، ويمكن أن نلاحظ هنا ملاحظة عابرة، هى أن الركن الأول قد ورد بصور شتى) ففى القصة الكثيرة التواتر عن البدوى الذى سأل النبى [صلى الله عليه وسلم] عن الإسلام فأجابه النبى [صلى الله عليه وسلم] بذكر عدد من الفرائض أوجبها الإسلام على المؤمنين أى: أداء الصلوات الخمس كل يوم، وصيام رمضان والزكاة (البخارى: كتاب الإيمان، باب 34؛ مسلم: كتاب الإيمان، حديث 8). وفى الأحاديث الأخيرة أيضًا التى تحصى الفرائض الواجبة على المسلم مثل حديث الرسالة التى بعث بها النبى معاذ بن جبلى حين أوفده محمد [صلى الله عليه وسلم] إلى اليمن نجد أنه قد ذكر فيها علاوة على التوحيد، الصلوات الخمس والزكاة (انظر مثلا البخارى: كتاب الزكاة، باب 1؛ مسلم: كتاب الإيمان، حديث 29 - 31). ونجد الصلاة فى تعداد أكثر الأعمال ثوابًا عند اللَّه تأتى
فى كثير من الأحيان فى المحل الأول (البخارى: كتاب المواقيت، باب 5؛ وانظر ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب 4؛ الدارمى: كتاب الوضوء، باب 2). والاستمساك بأداء الصلوات الخمس اليومية تضمن دخول الجنة (النسائى: كتاب الإقامة. باب 6؛ مالك: كتاب صلاة الليل، حديث 14 إلخ). وترك الصلاة سبيل إلى الشرك والكفر: (مسلم: كتاب الإيمان، حديث 134، وانظر النسائى: كتاب الصلاة، باب 8): "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
ويصف الحديث وصفا مجازيا أثر الصلاة فى التطهير: "إنما مثل هذه الصلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات فماذا يبقين من درنه؟ "(مالك: كتاب قصر الصلاة فى السفر، باب 91؛ وانظر أحمد بن حنبل جـ 1، ص 71 وما بعدها؛ جـ 2، ص 375، 426 و 441؛ جـ 3، ص 305 و 317 إلخ). وقد وصف هذا الأثر وصفا غير مجازى فى الحديث المشهور أيضا وهو: "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التى بعدها كفارة لما بينهما"(أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 29؛ ومن المعروف حق المعرفة أن الكبائر تستثنى عادة من ذلك، انظر أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 359).
ولقد استشهدنا وشيكا بالحديث الذى يروى أن أداء الصلوات الخمس يضمن دخول الجنة، ويذهب الحديث التالى إلى أبعد من ذلك:"من علم أن الصلاة حق واجب دخل الجنة"(أحمد ابن حنبل، جـ 1، ص 6). وفى الحساب الأخير يوم القيامة يكون لمبلغ الصدق فى إقامة الصلاة أكبر وزن: "إن أول ما يحاسب به العبد بصلاته فإن صلحت فقد أفلح ونجح وإن فسدت فقد خاب وخسر"(انظر النسائى: كتاب الصلاة باب 9؛ الترمذى، كتاب المواقيت، باب 188، أحمد بن حنبل، جـ 1، ص 161 وما بعدها، 171 جـ 2، ص 290 الخ).
ويجب أن تؤدى الصلاة بورع واستغراق، وقد روى كيف أن النبى [صلى الله عليه وسلم] كان يخلع أحد أثوابه لأن الأعلام المنقوشة عليه كانت تلهيه عن الصلاة
(البخارى: كتاب الصلاة، باب 14؛ النسائى: كتاب القبلة، باب 20، وانظر باب 12).
أما أن الصلاة، كما يقال أحيانًا، لا تشتمل فحسب على أداء فرض، بل يجب أن تكون أيضًا بالقلب فظاهر من الحديث التالى؛ قال النبى [صلى الله عليه وسلم]:"حُبب إلى من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عينى فى الصلاة"، (أحمد بن حنبل، جـ 3: ص 128 مكرر، 285).
وكذلك يذكر البكاء فى الصلاة أحيانا (أبو داود: كتاب الصلاة، باب 156؛ النسائى: كتاب السهو، باب 18؛ أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 18؛ جـ 4، ص 25 مكرر، وانظر ص 26).
وأهم خصائص الصلاة عند الكثيرين هى ما نجده على وجهين، ونعنى بذلك أن الصلاة مناجاة العبد للخالق: الوجه الأول، ورد فى الحديث الذى نهى عن البزق تجاه القبلة أثناء الصلاة، والسبب الذى يقدمه الحديث هو أن المصلى يناجى ربه (البخارى كتاب الصلاة، باب 39؛ كتاب المواقيت باب 8، مسلم: كتاب المساجد، حديث 54؛ أحمد بن حنبل: جـ 2، ص 4 وما بعدها، 144؛ جـ 3، ص 176، 188، 199، وما بعدها 234، 273، 278، 291 إلخ)؛ والوجه الثانى ما ورد فى الحديث على النحو التالى: "أما إن أحدكم إذا قام فى الصلاة فإنه يناجى ربه، فليعلم أحدكم ما يناجى ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فى الصلاة" أحمد ابن حنبل جـ 2 ص 36، 67، 129) وقد ضرب المثل على هذا فى الحديث القدسى التالى: يقول تعالى:
"قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين، فنصفها لى ونصفها لعبدى، ولعبدى، ما سأل، قال رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] اقرأوا، يقول العبدة "الحمد للَّه رب العالمين" يقول اللَّه عز وجل: "حمدنى عبدى"، يقول العبد "الرحمن الرحيم" يقول اللَّه عز وجل: "أثنى علىّ عبدى" يقول العبد "مالك يوم الدين" يقول اللَّه عز وجل: "مجدنى عبدى"، يقول العبد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول اللَّه عز وجل: هذه الآية بينى وبين عبدى، ولعبدى ما سأل"، يقول العبد: "اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهؤلاء لعبدى، ولعبدى ما سأل" (أحمد بن حنبل جـ 2، ص 460).
ويجدر بنا أن نذكر فى الوقت نفسه "صلاة الحاجة" التى تقام لتحقيق حاجة تشتد رغبة المرء إليها (الترمذى: كتاب الوتر، باب 17)؛ وصلاة الاستخارة قبل اتخاذ قرار يتفاوت فى أهميته (البخارى: كتاب التهجد، باب 26؛ أبو داود: كتاب الوتر، باب 31؛ الترمذى: كتاب الوتر، باب 18؛ أحمد ابن حنبل جـ 3، ص 344 الخ).
ووصف الصلاة بأنها مناجاة سمة لنزعة التفكر التى نجدها حتى فى أول عهود الإسلام (انظر فى هذا الشأن خاصة Essai sur les origines du lexique techmique de la mystique musulmane: La Massignon، باريس 1922)؛ ومن المؤكد أنها كانت من أكبر السبل التى دخل بها التصوف فى الإسلام.
ومن أقدم المتصوفة المسلمين: المحاسبى (توفى سنة 243 هـ = 857 م) فقد كتب رسالة فى مدلول الصلاة (انظر Massignon: المصدر المذكور، ص 259، تعليق 1) وقد شرح الفيلسوف الترمذى (توفى سنة 285 هـ = 898 م) الجانب الصوفى للصلاة فى 42 مثلا استشهد بها ماسينيون (المصدر المذكور، ص 259). وعند المتصوفة المحدثين طغت أهمية الذكر والورد حتى إن القشيرى فى رسالته لم يفرد للصلاة فصل خاصا بها. أما عند الهجويرى فتظهر الصلاة كأنما هى تناسب خاصة المريدين، إذ عليهم أن يجدوا فيها إلى حد ما صورة لطريق السالكين كلها. وعندهم أن الطهارة تمثل التخلى، والقبلة الافتقار إلى المرشد الروحى، والتلاوة الذكر، والركوع الخشوع، والسجود معرفة النفس، والتشهد الإنس، والتسليم ترك الدنيا. أما المتصوفة حقًا فإن كلا منهم يرى فى الصلاة غير ما يراه الآخر، فهى عند واحد وسيلة للحضور، وعند آخر وسيلة للغيبة (انظر الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون، سلسلة كب التذكارية، جـ 17، ص 91 وما بعدها)، ومع ذلك فإن الهجويرى يؤكد أيضًا حب المتصوفة على اختلافهم للصلاة.
وابن سينا هو الوحيد الذى نذكره هنا من بين الفلاسفة، وقد كتب ابن سينا رسالة موجزة فى الصلاة، ("فى الكشف عن ماهية الصلاة وحكمة تشريعها" فى جامع البدائع، القاهرة 1235 هـ = 1917 م، ص 2 - 14) وجوهر الصلاة عنده معرفة وجود اللَّه فى ذاته ووجوب هذا الوجود، وهى تكون فى الباطن أو الظاهر بحسب طبيعة المؤمن الذى يؤديها. وعند ابن سينا أن ارتقاء معارج الروح لا يقدر عليه الناس جميعًا، ومثل هؤلاء الناس بحاجة إذن إلى رياضة جسمانية وترويض النفس لكبح جماح الشهوة الغريزية، وهذا هو الجانب الظاهر للصلاة؛ وأما باطنها فهو مشاهدة الحق بقلب نقى ونفس خلصت وتطهرت من الأمانى؛ فابن سينا إذن يشرع فى معالجة القول بأن الإنسان فى حالة الصلاة يكون فى مناجاة مع ربه، فهو يقول إن هذا يمكن أن يحدث خارج العالم المادى فحسب، وأولئك الذين يحصل لهم هذا الحال إنما يكونون فى حضرة اللَّه، ويشهدون اللَّه شهودًا عينيًا، فالصلاة إذن "مشاهدة" حقة وعبادة خالصة، أى أنها الحب الإلهى الحق والرؤية بعين القلب.
والصلاة فى الفصل الذى عقده الغزالى فى "الإحياء" عن "ربع العبادات" منزلة بين الطهارة والزكاة (كما هى الحال فى الفقه) ويجب أن نلاحظ أن الغزالى فى كلامه عن هذه العبادة قد فعل ما فعله فى العبادات الأخرى، فقد جهد كل الجهد فى وصف القواعد الشرعية وصفا دقيقا (طبعة القاهرة سنة 1302 هـ، جـ 1، ص 19، وما بعدها) كما ارتفع بالصلاة من ناحية أخرى إلى مستوى أخلاقى صوفى يفى كل الوفاء بجميع مقتضيات الاستغراق فى الصلاة. وحسبنا بعد الذى كتبناه فى القسمين الثانى والثالث من هذه المادة أن نلم هنا فى إيجاز بالجانب الآخر من بحث الغزالى، فالمعانى الباطنية التى تبعث الحياة فى الصلاة فتبلغ بها مبلغ الكمال هى المعانى الستة التالية: حضور القلب، والتفهم، والتعظيم، والهيبة، والرجاء والحياء.
ولملاحظاته عن حضور القلب (ص 145) أهمية خاصة، فالفقهاء
يتطلبون حضور القلب فى التكبير فحسب؛ على أن الفقهاء المتورعين وعلماء الآخرة يشترطون حضور القلب فى الصلاة كلها، وما أقل من يبلغ هذا المقام من الناس.
والصلاة المثلى هى صلاة "حاتم الأصم" الذى قال: إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذى أريد فيه الصلاة، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحى، ثم أقوم إلى صلاتى وأجعل الكعبة بين حاجبَّى، والصراط تحت قدمى، والجنة عن يمينى، والنار عن شمالى، وملك الموت ورائى، أظنها آخر صلاتى، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشع، وأقعد على الورك اليسرى، وأفرش ظهر قدمها، وانصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص؛ ثم لا أدرى أقُبِلتْ منى أم لا (ص 179، س 7 وما بعده).
ويبسط الغزالى رأيه الأخلاقى فى العبارة التالية: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللَّه إلا بعدًا".
وفى الفصل الذى كتبه عن "بيان الدواء النافع فى حضور القلب" جعل الخواطر الواردة الشاغلة هى العقبات الكبرى التى تصرف الانتباه عن الصلاة، فهذه الآفات يمكن التغلب عليها بمحاربة أسبابها، وهى على نوعين، ظاهرة وباطنة، فالأسباب الظاهرة لتشتيت الانتباه (الغفلة وهى "فهيا" عند متصوفة السريان) مصدرها أعضاء الحواس، وعلى المرء أن يمنعها عن التوزع، ولذلك فإن "المتعبدين" يؤدون الصلاة فى صومعة مظلمة تتسع للسجود فحسب. وقيل إن ابن عمر لم يسمح بوجود شئ ما فى صومعته. أما الأسباب الباطنة للتوزع فتحدث أثرًا أقوى إذ تمتد جذورها إلى الهموم والأفكار والشواغل. ولكن الرغبات لها أقوى الأثر، فهذه يجب أن تحارب بالتفكر فى عالم الآخرة. وعند نداء الأذان يجب أن يستحضر المرء بقلبه قوله النداء يوم القيامة، وستر العورة معناه الاستقصاء عن العورات الباطنة.
والغرض الأسمى من الصلاة هو الفناء الكلى فى اللَّه بإذلال النفس. وقد