الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
محمود غازان
تولى «غازان» عرشالدولة الإيلخانية المغولية عقب مقتل
«بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)، وبعد أن اعتنق الإسلام
تبعه جميع الأمراء والجنود المغول، وأسلم بإسلامه أكثر من
مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة، ولقب «غازان» نفسه
باسم السلطان «محمود غازان» ، وأعلن الإسلام دينًا رسميا
للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم التقليدية، ويلبسوا
العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر بهدم الكنائس
والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى
مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم عن غيرهم من
المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب المهانة والذلة
فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا» و «أرغون» . عرف
«غازان» بشخصيته القوية، ونشاطه الموفور، وصبره الذى لا
ينفد، وبأنه رجل دولة من الطراز الأول يقف على كل صغيرة
وكبيرة فى شئون البلاد، فضلا عن إحاطته الكاملة بتقاليد قومه
وعاداتهم، وإلمامه التام بمختلف الحرف والصناعات السائدة فى
عصره، واطِّلاعه على العلوم المعروفة لدى المسلمين، وإجادته
عدة لغات إلى جانب لغته المغولية، لكنه كان قاسيًا على
أعدائه، ولا يأبه بحياة الناس حين تتعارض مع تحقيق أهدافه
وطموحاته، وتجلى ذلك حين تخلص من الأمير «نوروز» الذى
ساعده ووقف إلى جانبه فى كثير من المواقف بسبب وشاية،
وكذلك حين أمر بقتل وزيره «صدر الدين» فى رجب سنة
(697هـ)، وعين بدلا منه المؤرخ «رشيد الدين فضل الله» الذى
توسم فيه النبوغ والعبقرية والإخلاص، وأشرك معه رجلا يدعى
«سعد الدولة» لمساعدته فى مهام الوزارة. قام «غازان» بثلاث
حملات على «بلاد الشام» ، كانت الأولى فى سنة (699هـ)،
وانتصر فيها على قواد «الناصر محمد بن قلاوون» بالقرب من
منطقة «مرج المروج» شرقى «حمص» ، وقد انتشر المغول بعد
انتصارهم فى الأماكن المجاورة، وخربوا البلاد جريًا على
عادتهم القديمة، وكأنهم لم يعتنقوا الدين الإسلامى، ثم عين
«غازان» واليًا من قبله على البلاد التى استولى عليها، وعاد
بعد ذلك إلى «إيران» . وفى سنة (700هـ) عاود المغول الكرَّة
على بلاد الشام، واستولوا على مناطق جديدة بها، إلا أنهم لم
يتمكنوا من التقدم والاستمرار؛ إذ هطلت عليهم الأمطار بغزارة،
واشتدت البرودة، وكثر الوحل، وهلك كثير منهم، ووجد
«غازان» نفسه مضطرًا إلى العودة إلى «إيران» ، ولكنه عاد بعد
ذلك بعامين فى سنة (702هـ) بحملته الثالثة على «سوريا» ،
وتحرك إلى مدينة «عانة» على شاطئ «الفرات» ، وبرفقته
وزيره المؤرخ «رشيد الدين» ثم عاد أدراجه إلى عاصمته
«تبريز» تاركًا جيشه بالشام ليواصل مهمته، ولكن النتيجة جاءت
على غير ما كان يتوقع، إذ هُزم جيشه هزيمة منكرة على يد
السلطان «الناصر محمد بن قلاوون» فى موقعة «مرج الصفر»
بالقرب من «دمشق» فى (2 من رمضان عام 702هـ)، فاعتلَّت
صحته، وغلبه المرض، وتآمر عليه الأمراء، وكثرت من حوله
الدسائس، ومات فى شوال سنة (703هـ)، وهو لايزال فى ريعان
شبابه. قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من
الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى
غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان» ، وتفصلها عن
مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه
بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون
مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات،
واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية
والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم
العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان
عرف باسم «بيت القانون» ، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر
للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ
واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ
آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن،
فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة
بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور
المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة
خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا
الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت
تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان»
هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت
التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة
الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس
مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت
قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات