الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
بيبرس البندقدارى (658 - 679ه
ـ)
هو أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، انتقل إليه
عرش السلطنة بعد مقتل «قطز» سنة 658 ويُعدُّ المؤسس الفعلى
لدولة المماليك وأعظم سلاطينها؛ إذ اجتمعت فيه صفات العدل
والفروسية والإقدام. عقد «بيبرس» العزم على أن تكون «مصر»
والشام من أعظم البلاد آنذاك، ووهب حياته للجهاد، وجعل هدفه
رفع شأن الأمة الإسلامية، وإليه يرجع الفضل فى انتقال الخلافة
العباسية إلى «القاهرة» بعد سقوطها فى «بغداد» ، وأصبحت
مصر دار الخلافة الإسلامية؛ إذ استقدم «بيبرس» «أحمد بن
الخليفة الظاهر العباسى»، وبايعه بالخلافة فى حضرة الأمراء
والعلماء ورجال الدولة. وفى (4 من شعبان سنة 659هـ)، عقد
الخليفة اجتماعًا منح فيه «بيبرس» تفويضًا منه لتسيير أمور
البلاد، فكان ذلك تقوية له ضد خصومه ومنافسيه، كما كان
إقرارًا بمشروعية النظام المملوكى، وبحقه فى تولى شئون
البلاد. عادت إلى العالم الإسلامى هيبته بإحياء الخلافة
الإسلامية، وأضحت «القاهرة» مقر الخلافة، ومركز السلطة
الإسلامية المركزية، ومقصد المسلمين من كل حدب وصوب، وظلت
على ذلك حتى انتقلت منها الخلافة إلى «استانبول» بعد قرابة
ثلاثة قرون. سَنَّ «بيبرس» نظام ولاية العهد لأول مرة فى تاريخ
دولة المماليك البحرية، وحصر وراثة العرش فى أسرته بتعيين
ابنه «محمد بركة خان» وليا للعهد، ليحد من تدبير الدسائس
والمؤامرات حول عرش السلطنة، وما يجره ذلك من اضطراب
وضعف للدولة. قام «بيبرس» بإصلاحات جوهرية فى البلاد،
وأعاد إلى الأسطول البحرى قوته، وعين قضاة من المذاهب
الأربعة للفصل فى الخصومات، بعد أن كان القضاء مقصورًا على
المذهب الشافعى، فعادت إلى العالم الإسلامى قوته على أسس
تنظيمية دقيقة، إذ كان «بيبرس» إداريا حازمًا، وقائدًا شجاعًا،
فدأب على رعاية شئون البلاد، وتنمية مواردها، وحفر الترع،
وأصلح الحصون، وأسس المعاهد، وبنى المساجد التى من
أشهرها مسجده المعروف باسمه فى ميدان «الظاهر» بالقاهرة.
وكانت لبيبرس هيبة كبيرة فى قلوب أمراء البلاد، فخشوا بأسه
لدرجة أن أحدهم لم يجرؤ على الدخول عليه فى مجلسه إلا بطلب
وإذن منه. وقام «بيبرس» بدوره على خير وجه فى محاربة
المغول والصليبيين تقليدًا للقائد البطل «صلاح الدين» ، وأصدر
عدة قوانين لتطبيق الشريعة الإسلامية، وإصلاح الأوضاع
الاجتماعية فى «مصر» ، وأمر فى سنة (664هـ) بمنع بيع
الخمور، وإغلاق الحانات، ونفى المفسدين. وكان «بيبرس» قائدًا
شجاعًا، ضُربَت ببطولته وشهامته الأمثال، فقد خاض معارك
ومواقع عديدة، سجل فيها بطولات رائعة، وأبلى بلاءً حسنًا
فى مطاردة الصليبيين وتشتيتهم وإجلائهم عن الشرق الأدنى،
واستعاد فى سنة (666هـ)«قيسارية» ، و «أرسوف» ، و «صفد» ،
و «شقيف» ، و «يافا» ، و «طرابلس» ، و «أنطاكية» ، فأضعف ذلك
الصليبيين، وأنهكهم، وزاد من قوة المسلمين، وحرص على أن
يؤكد صورة الحاكم العادل الذى يجلس بنفسه للمظالم، ويعطف
على الفقراء. وفى (27 من المحرم سنة 676هـ = 1277م) تُوفِّى
«الظاهر بيبرس» إثر عودته من واقعة «قيسارية» بالقرب من
«دمشق» ، وقد دُفن بها بعد حياة حافلة بالبطولة والشجاعة،
سطر خلالها صفحات مجيدة مازال التاريخ يحفظها له وسيظل.