الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
عبدالرحمن بن شنجول
هو عبد الرحمن بن محمد المنصور بن أبى عامر، قلده الخليفة
هشام المؤيد بالله الحجابة بعد وفاة أخيه عبد الملك المظفر
بالله، وأنعم عليه بالخلع السلطانية، وكانت أمه ابنة لملك
«نبرة» تزوجها «المنصور» وأنجب منها، وقد أسلمت وتسمت
باسم «عبدة» ولأنه أشبه جده لأمه المسمى «شانجة» لقب
بشنجول أو شانجة الصغير. ولم يكن الشعب يميل إلى
«عبدالرحمن» لما فيه من دماء نصرانية ولانحراف سلوكه، ولأنه
جرى على منهج أبيه وأخيه فى الحجر على الخليفة هشام مع
الاستبداد بالرأى وإن مال هو إلى التودد إلى الخليفة ومخالطته،
وقد منحه الخليفة لقب المأمون ناصر الدولة بعد عشرة أيام من
ولايته، ليس هذا فحسب، بل إن عبدالرحمن جرؤ على ما لم يجرؤ
عليه أحد لا المنصور ولا عبدالملك، حين نجح بعد محاولات فى
استصدار مرسوم من الخليفة بتعيينه وليا للعهد من بعده، لتنتقل
رسوم الخلافة من أسرة بنى أمية إلى أسرة بنى عامر، وأقر
فقهاء قرطبة وعلماؤها هذا التحول وزكاه الوزراء والقضاة
والقادة، وكان ذلك فى ربيع الأول سنة (399هـ= 1008م)،
ومضى «عبدالرحمن» أبعد من ذلك حين عين ابنه الطفل فى خطة
الحجابة ولقبه سيف الدولة، ثم اتخذ قرارًا جلب عليه كثيرًا من
السخط حين طلب من أكابر الموظفين ورجال الدولة خلع القلانس
الطويلة التى يتميزون بها لأنها لبس الأندلسيين، وتغطية الرأس
بالعمائم التى هى لباس البربر فأذعن هؤلاء كارهين. فكر
عبدالرحمن أن يشغل الناس بالغزو، فقرر أن يتوجه إلى جليقية
رغم تحذيره من سوء الأحوال الجوية، ومن انقلاب قد يقوم به
المروانية ضده، لكنه صمم وسار بالجيش نحو طليطلة، ومنها إلى
جليقية وسط أمطار وبرد شديدين وكان يمارس هوايته فى اللهو
والشراب، وقد اخترق مملكة ليون قبل أن يصل إلى جليقية،
فتحصن الأعداء برءوس الجبال، ولم يجد عبدالرحمن سبيلا إلى
مقاتلتهم بسبب كثرة الثلوج وفيضان الأنهار، فاضطر إلى أن
يعود دون أن يفعل شيئًا. وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء
تفيد أن انقلابًا قد حدث فى قرطبة وأن الثوار استولوا على
مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم، واضطر عبدالرحمن إلى أن
يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى نصح من طلب منه
البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به إذا رأوه يقترب
من قرطبة. وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر
وقهرهم للناس استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم
كانت ولاية عبدالرحمن للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم
هى الشرارة التى انتقلت منها نيران الثورة إلى كل العناصر
الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية، وكان المخطط للثورة والمتابع
لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة عبدالملك -التى اعتقدت أن
«شنجول» سم ابنها - ثم فتى أموى اسمه «محمد بن هشام بن
عبدالجبار بن عبدالرحمن الناصر» كان عبدالملك قد أعدم أباه. لم
يكن المروانية وحدهم يرغبون فى القضاء على العامريين، وإنما
كان معهم كل العناصر الناقمة من البيوت العربية مضرية أو
يمنية، يؤازرهم كل طبقات الشعب، وأحكم هؤلاء جميعًا خطتهم
وانتهزوا فرصة خروج عبدالرحمن للغزو ومعه معظم الجيش
ليقوموا بالتنفيذ، وفى يوم (16 من جمادى الأولى 299هـ = 15
من يناير 1009م) جاءت الأنباء بأن عبدالرحمن عبر بجيشه إلى
أرض النصارى، فقام محمد بن هشام بإنزال ضربته، وهجم على
قصر قرطبة وقتل صاحب المدينة، والتف حوله الساخطون، ثم
اقتحم سجن العامرية وأخرج من فيه، واجتمع حوله المروانية
وانضم إليه الناس من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطر ابن
عبدالجبار على القصر واستولى على كل ما فيه من سلاح
وغيره، طلب من الخليفة هشام أن يخلع نفسه فوافق، وانتهت
بذلك خلافته الصورية التى دامت (33) سنة وتولى الأمر «محمد بن
هشام بن عبدالجبار» وتلقب بالمهدى فى (17 من جمادى الآخرة
399هـ = 16 من فبراير 1009م) وجاءه الناس مهنئين، وما شعروا
أن تلك هى بداية الفتنة التى ستطيح ليس بالدولة العامرية
وحدها بل وبالخلافة بكل ما تمثله وفى اليوم التالى قام
الثائرون بهدم مدينة الزاهرة وقصورها، وأحست الحامية المنوط
بها الدفاع عنها أن المقاومة غير مجدية ففتحوا أبواب المدينة
شريطة أن يؤمنهم المهدى، وتم نهب القصور والاستيلاء على كل
ما كان فيها من متاع وجواهر، ولم يكتف المهدى بذلك وإنما قام
بهدم كل مبانى مدينة الزاهرة وأسوارها بعد أن استولى على
كل ما فيها من خزائن وأموال وتحف حرصًا منه على إزالة كل
آثار بنى عامر، وأصبحت المدينة أطلالا، وتحولت إلى أثر بعد
عين. وقد حاول «عبدالرحمن» وهو فى «طليطلة» بعد أن بلغته
أخبار الثورة أن يتنازل عن ولاية العهد مكتفيًا بالحجابة، فلم
يلتفت إليه أحد ثم سار إلى قرطبة، ولما اقترب منها تركه جند
البربر وفروا فى جنح الظلام، ثم تمكن الخليفة الجديد من
مطاردته وإلقاء القبض عليه وهو مختبئ فى أحد الأديرة، وقتله
فى (3 من رجب 399هـ = 3 من مارس 1009م).