الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
محمد بن قلاوون
هو «الناصر محمد بن المنصور سيف الدين قلاوون» أحد سلاطين
دولة المماليك فى مصر والشام والابن الثانى للسلطان
«قلاوون» ، انتقل إليه عرش السلطنة سنة 693هـ =1294م بعد
وفاة أخيه «الأشرف خليل» نشأ الناصر محمد فى بيت الملك
محاطًا بالأمراء والنواب والحراس، غير أنه لم يتمتع طويلا بعطف
ورعاية أبيه «قلاوون» ، الذى مات ولما يبلغ «الناصر محمد»
الخامسة من عمره، غير أنه لحسن حظه لم يحرم من عطف أخيه
«الأشرف خليل» ورعايته، فاهتم بتربيته وأحسن معاملته، فنشأ
«محمد» ولديه من صفات أبيه وأخيه الكثير، فأصبح كأسلافه
مهتما بالمشروعات الحيوية، ومحبا للغزو والجهاد. اعتلى
«الناصر محمد» عرش «مصر» ثلاث مرات، استمرت الأولى عامًا
واحدًا فى الفترة: (من سنة 693 إلى سنة 694هـ)، ثم اغتصبها
منه «زين الدين كتبغا» الذى لقب نفسه بالعادل، و «حسام الدين
لاُين» الذى تلقب بالمنصور، واستمرت فترة الاغتصاب هذه أربع
سنوات عاشت البلاد خلالها عهدًا من الفتن والاضطرابات،
وانتابتها مظاهر الضعف والانحلال، مما هيأ السبيل إلى عودة
«الناصر محمد» إلى السلطنة ثانية ليتدارك تفاقم هذه الأوضاع.
ولعل أبرز ما يميز الفترة الثانية لتولى «الناصر محمد» عرش
السلطنة (692هـ - 708 هـ) الفتن والاضطرابات التى أحدثها
وأشعلها أمراء المماليك سعيًا وراء الوصول إلى العرش، الأمر
الذى اضطر «الناصر محمد» إلى الرحيل فى عام (708هـ) إلى
«قلعة الكرك» للاحتماء بها بعيدًا عن مؤامرات الأمراء
ودسائسهم، فمكن ذلك «بيبرس الجاشنكير» -أحد القادة
العسكريين- من السيطرة على مقاليد الأمور، على الرغم من
رسائل أمراء المماليك التى بعثوا بها إلى «الناصر محمد»
يرجونه فيها العودة إلى «مصر» ، إلا أنه تمهل حتى يقف على
حقيقة الأمور، فلما رأى حاجة البلاد إليه قرر العودة إلى «مصر»
ثانية، وتمكن من طرد «الجاشنكير» ، وبدأ مرحلة ثالثة على
عرش البلاد، كانت من أهم فترات تاريخ «مصر» والشام. استمرت
فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة على «مصر» و «الشام» وما
يتبعهما اثنين وثلاثين عامًا متصلة، انفرد فيها بحكم البلاد،
وتمكن من القضاء على الفتن والدسائس، ونعمت البلاد فى عهده
بأطول فترة استقرار شهدتها فى العهد المملوكى، وتعلق
الشعب به وأحبه لما قدمه من أعمال جليلة وعظيمة رفعت من
شأنه. تُعد فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة (709 - 741 هـ) من
أزهى عهود دولة المماليك البحرية على الإطلاق، ففيها توطدت
دعائم البلاد، واستقرت أساليب الحكم والإدارة فيها، وازدهرت
الفنون والعلوم، وباتت «القاهرة» حاضرة لإمبراطورية شاسعة
تشمل «مصر» والشام والجزيرة العربية، وكذلك بلاد «اليمن»
التى بسط «الناصر محمد» نفوذه عليها، فخطب وده ملوك
«أوربا» و «آسيا» ، وأبرموا معه المعاهدات وصاهروه، وأرسلوا
إليه بالهدايا الثمينة والتحف النادرة؛ أملا فى رضاه. لم يقتصر
نشاط «الناصر محمد» على الحروب والغزوات على الرغم من أنه
نجح فى طرد فلول الصليبيين، وصد ثلاث غزوات مغولية، بل
اتجه إلى الأخذ بكل مقومات الحضارة فى عصره، وصبغها -
لتدينه الشديد- بصبغة دينية ظهرت واضحة على العمائر التى
شيدها، والتى مازال بعضها قائمًا - حتى الآن - شاهد صدق
على بره وتقواه، وذوقه الراقى فى الفنون والعمارة، ولعل
أشهرها: «المدرسة الناصرية» التى شيدها بشارع «المعز لدين
الله الفاطمى»، وكذا المسجد الذى بناه بالقلعة سنة (718هـ)، ثم
هدمه وأعاد بناءه سنة (735هـ) لتوسعته وزخرفة جوانبه، كما
شرع فى سنة (703هـ) أثناء سلطنته الثانية فى تجديد
«المارستان» الكبير الذى أسسه والده السلطان «قلاوون» سنة
(688هـ)، وكذلك بنى سبيلا، وقبة، ومكتبة عظيمة، وأنشأ
«خانقاه» فى «سرياقوس» لإقامة فقراء الصوفية خاصة
القادمين منهم من البلاد الشرقية. وقد أرخ «ابن إياس» لحكم
«الناصر محمد» ، وعبر عنه بقوله: «ولا يُعلَم لأحد من الملوك آثار
مثله ولا مثل مماليكه، حتى قيل لقد تزايدت فى أيامه الديار
المصرية والبلاد الشامية من العمائر مقدار النصف من جوامع
وخوانق وقناطر، وغير ذلك من العمائر». ولاشك أن هذه
المنشآت كانت تعتمد على اقتصاد قوى، ورؤية حضارية من
«الناصر محمد» ، الذى وضع أسس السياسة العامة لدولة
المماليك، وعُدَّ المنفذ الأكبر لها، فكان شديد البأس، سديد
الرأى، يتولى أمور دولته بنفسه، مطَّلعًا على أحوال مملكته،
محبوبًا من رعيته، مهيبًا فى أمراء دولته، فكان المثل الأعلى
لرجل السياسة فى دولة المماليك، كما كان «بيبرس» المثل
الأعلى للقائد الحربى، وانطلقت بوفاته فى سنة (741هـ)، ألسنة
الشعراء والأدباء لتأبينه والثناء عليه، والإشادة بذكره، وقد
أطراه المؤرخ «أبو المحاسن بن تغرى بردى» بقوله: «إنه أطول
الملوك فى الحكم زمانًا، وأعظمهم مهابة، وأحسنهم سياسة،
وأكثرهم دهاء، وأجودهم تدبيرًا، وأقواهم بطشًا وشجاعة،
مرت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلب مع
الدهر ألوانًا، ونشأ فى الملك والرياسة، وله فى ذلك الفخر
والسعادة، خليقًا بالملك والسلطنة؛ فهو سلطان ابن سلطان،
ووالد ثمانية سلاطين؛ فهو أجل ملوك المماليك وأعظمهم بلا
مدافع». وكانت وفاة «الناصر محمد» فى (20 من ذى الحجة سنة
741هـ).