الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
عبدالرحمن الداخل
هو «عبدالرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبدالملك» تمكن من
الوصول إلى الأندلس، بعد أن عبر فلسطين ومصر وكان ذلك بعد
سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين، ثم لحق به مولاه «بدر»
وهو رومى الأصل، ومولاه «سالم» ومعهما شىء من المال
والجواهر، ثم وصل «عبدالرحمن» إلى «برقة» والتجأ إلى
أخواله من «بنى نفزة» - من برابرة طرابلس - وأقام عندهم مدة،
ثم غادر إلى المغرب الأقصى، وتجول هناك، متغلبًا على ما
قابله من صعاب، وأقام حينًا عند شيوخ البدو، وحينًا عند بعض
رجال قبيلة زناتة، وكان أثناء ذلك يدرس أحوال الأندلس، ويرقب
الفرصة المناسبة للعبور إليها. وقد اتصل بمعونة مولاه «بدر» ،
الذى كان قد نزل بساحل «لبيرة» فى كورة «غرناطة» موطن
أهل «الشام» بموالى خلفاء البيت الأموى والقرشيين عامة،
وبالكلبية اليمنية، خصوم الوالى يوسف الفهرى، ثم عبر
عبدالرحمن إلى الأندلس فى ربيع سنة (137هـ = 754م)، ونزل
بثغر «المنكبّ» لموقعه الممتاز، وقد التف الناس حوله بما فى
ذلك جماعات البربر، على أمل أن ينقذهم من الأوضاع المتردية.
تقدم عبدالرحمن نحو العاصمة «قرطبة» ، وجمع «يوسف الفهرى»
و «الصميل» ما أمكنهما من قوات، والتقى الفريقان عند
«المصارة» أو «المسارة» بالطرف الغربى، وتمكن عبد الرحمن
من تحقيق انتصار حاسم، دخل على إثره قرطبة وصلى بالناس
الجمعة، وخطب الجند، وعُد ذلك اليوم ميلادًا للدولة الأموية فى
الأندلس، ولقب «عبدالرحمن بن معاوية» بعبدالرحمن الداخل، لأنه
أول من دخل الأندلس من بنى أمية حاكمًا. ولم يكن عمر
«عبدالرحمن الداخل» حين حقق هذا الإنجاز يتجاوز السادسة
والعشرين من عمره، لكنه كان رجل الموقف، شحذت همته
الخطوب والمحن، وأعدته لحياة النضال والمغامرة، فقضى بقية
عمره اثنين وثلاثين عامًا فى كفاح مستمر، لاينتهى من معركة
إلا ليخوض أخرى، ولايقمع ثورة إلا تلتها ثورة، ولم تبق بالأندلس
ناحية أو مدينة إلا ثارت عليه، ولاقبيلة إلا نازعته فى الرياسة،
فكانت الأندلس طوال عهده بركانًا يشتعل بنيران الحرب والثورة
والمؤامرة، لكنه صمد لتلك الخطوب جميعًا، واستطاع بما أوتى
من حزم وحسن سياسة وبعد الهمة والجلد والإقدام أن يغالب تلك
الأخطار والقوى وأن يقبض على زمام الأمور بالأندلس بيده
القوية. تُوفِّى عبدالرحمن فى (10من جمادى الآخرة 172هـ = 16
من أكتوبر 788م) بعد حياة طويلة قضاها فى كفاح متواصل،
ومواجهة للصعاب والأهوال، وأقام ملكًا ودولة فوق بركان
يضطرم بالثورات والمؤامرة، وأثبت أنه بطل فريد من أبطال
التاريخ، لا يجود الزمان بمثله كثيرًا، فتى شريدًا بلا أنصار
وأعوان يفر من الموت الذى تعرضت له أسرته، لكنه يستغل
ظروف الأندلس فيقودها بكثير من الدهاء والحزم والعزيمة
والذكاء، ويقيم دولة على أسس إدارية وسياسية ومالية ثابتة.