المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بهذا المنهج المتميز الذي لم يكن معهوداً في مؤلفات ذلك - موقف ابن تيمية من الأشاعرة - جـ ٢

[عبد الرحمن بن صالح المحمود]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: الماتريدية وعلاقتهم بالأشعرية

- ‌أولا: الأشعري والماتريدي

- ‌ منهج الماتريدي وعقيدته:

- ‌ثانيا: مقارنة بين الأشعرية والماتريدية:

- ‌المبحث الثالث: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌ أسباب انتشار المذهب الأشعري:

- ‌المبحث الرابع: عقيدة الأشعرية

- ‌الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة وأشهر رجالهم إلى عهد ابن تيمية

- ‌ أبو الحسن الطبري:

- ‌ الباقلاني:

- ‌ابن فورك:

- ‌عبد القاهر البغدادي:

- ‌البيهقي:

- ‌القشيري:

- ‌الجويني:

- ‌منهج الجويني وأثره في تطور المذهب الأشعري:

- ‌أبو حامد الغزالي:

- ‌أعلام الأشاعرة في الفترة بين الغزالي والرازي:

- ‌ ابن تومرت

- ‌ فخر الدين الرازي:

- ‌ منهج الرازي وأثره في تطور المذهب الأشعري

- ‌ أبو الحسن الآمدي:

- ‌ عز الدين بن عبد السلام

- ‌صفي الدين الهندي

- ‌ بدر الدين بن جماعة

- ‌ ناصر الدين البيضاوي

- ‌ عضد الدين الإيجي

- ‌ أبو علي السكوني

- ‌ خلاصة وتعقيب:

- ‌الباب الثاني: موقف ابن تيمية من الأشاعرة

- ‌الفصل الأول: عرضه لجوانبهم الإيجابية واعترافه بما عندهم من حق

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: وصفهم بأنهم من أهل السنة في مقابل المعتزلة والرافضة:

- ‌ثانياً: تفضيله أقوالهم على أقوال غيرهم من المعتزلة والجهمية والفلاسفة:

- ‌ثالثاً: ذكره لإيجابيتهم وردودهم على الباطنية والملاحدة

- ‌رابعاً: الأشاعرة يحمدون لما لهم من مساع وجهود مشكورة:

- ‌خامساً: إنصافه لأعلام الأشاعرة

- ‌أ - أبو الحسن الأشعري:

- ‌ب - الباقلاني والجويني:

- ‌جـ - الغزالي:

- ‌د - الرازي وغيره:

- ‌هـ - الأشاعرة المعاصرون لابن تيمية:

- ‌الفصل الثاني: منهجه العام في الرد على الأشاعرة

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: بيان جوانبهم الإيجابية وما عندهم من حق:

- ‌ثانياً: الكتاب والسنة فيهما ما يغني عما ابتدعه هؤلاء:

- ‌ثالثاً: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌خامساً: جهلهم بالسنة وبمذهب السلف

- ‌سادساً: إرجاع أقوالهم المخالفة لمذهب أهل السنة إلى أصول الفلاسفة والجهمية والمعتزلة

- ‌سابعاً: لا تعارض بين العقل والنقل

- ‌ المقدمات:

- ‌ثامناً: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم، وردود بعضه على بعض

- ‌تاسعا: تناقض الأشاعرة:

- ‌عاشراً: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم:

- ‌حادي عشر: تسلط الفلاسفة والباطنية على المتكلمين:

الفصل: بهذا المنهج المتميز الذي لم يكن معهوداً في مؤلفات ذلك

بهذا المنهج المتميز الذي لم يكن معهوداً في مؤلفات ذلك العصر - مع حسن العرض والترتيب والتبويب - استطاع البغدادي أن ينشر بين الناس أن المذهب الأشعري هو المذهب الصحيح، وأنه المذهب الذي يتبناه أعلام الإسلام على مختلف تخصصاتهم وميولهم، وعلى ذلك فليس الأشاعرة فرقة من فرق المسلمين، وإنما عقيدتهم هي عقيدة جمهور أهل السنة من المسلمين (1) .

‌البيهقي:

ت 458 هـ

إذا كان الباقلاني، وابن فورك، والبغدادي، يمثلون مرحلة زمنية معينة بالنسبة للمذهب الأشعري - وقد سبق عرض دور كل واحد منهم في تطوره - فإن البيهقي المتوفى سنة 458هـ، والقشيري المتوفى سنة 465هـ، والجويني المتوفى سنة 478هـ، يمثلون مرحلة تالية، وقد أخذ التطور في هذه المرحلة أبعاداً أخرى:

أ - فالبيهقي: مجدد المذهب الشافعي في الفقه، وأحد أعلام المحدثين، كان له دور في ربط المذهب الأشعري بالفقه الشافعي، ثم في دعم الأشاعرة من خلال حرصه على الحديث وروايته، ولبيان أن ذلك لا يخالف منهج الأشاعرة الكلامي.

ب - والقشيري أدخل التصوف في منهج وعقائد الأشاعرة.

جـ - والجويني خطا خطوات بالمذهب نحو الاعتزال.

والبيهقي هو أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، الخسروجردي، البيهقي (2)

(1) انظر: الأشاعرة - محمود صبحي - (ص: 93) .

(2)

الخسروجردي: بضم الخاء وسكون السين وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم، وهي قربة من ناحية بيهق، وبيهق عدة قرى من أعمال نيسابور، انظر: الأنساب (5/116) ، وياقوت (2/37،1/53) .

ص: 580

أبو بكر، الإمام، الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام (1) ، ولد سنة 384هـ، وتتلمذ على يد عدد كبير من الشيوخ، منهم أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابن فورك، وأبو الفتح العمري - شيخه في الفقه - وأبو محمد الجويني، وأبو ذر الهروي، وعبد القاهر البغدادي، وأبو عبد الله الحليمي، وغيرهم، وكان واسع الرحلة كثير الرواية، له التصانيف المتعددة، فكان كما قال الذهبي ممن " بورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة"(2)، وقال:" تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غريزة الفوائد، قل من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر"(3)، وقال فيه إمام الحرمين:" ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه"(4) ،

قال الذهبي معلقاً: " قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً يجتهد فيه لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيه الحديث"(5) . أما تلاميذه فمنهم ابنه إسماعيل، وحفيده عبيد الله بن محمد بن أحمد، وأبو عبد الله الفراوي، وأبو زكريا بن منده، وغيرهم (6) .

أما مؤلفاته فهي كثيرة جداً، كتب لها القبول والانتشار منذ عهده وإلى اليوم، ومن كتبه المطبوعة في الحديث والفقه والدلائل:

(1) انظر في ترجمته: الأنساب (2/381) ، وتبيين كذب المفتري (265-267) ، والمنتظم (8/242) ، ووفيات الأعيان (1/75) ، وتذكرة الحفاظ (3/1132) ، وسير أعلام النبلاء (18/163) ، والوافي (6/354) ، وطبقات السبكي (4/8) ، والأسنوي (1/198)، والرسالة المستطرفة (ص: 29) ، وقد أفرد له السخاوي ترجمة باسم: القول المرتقى في ترجمة البيهقي كما في فهرس الفهارس (2/990)، وانظر: البيهقي وموقفه من الإلهيات (ص: 31) ، وما بعدها، ومقدمة تحقيق دلائل النبوة: قلعجي (1/92-119) ، ومقدمة تحقيق بقية كتبه المطبوعة.

(2)

السير (18/165) .

(3)

نفسه (18/168) .

(4)

المصدر السابق - نفس الصفحة - وتبيين كذب المفتري (ص: 266) ، والوافي (6/354) ..

(5)

السير (18/169) .

(6)

طبقات السبكي (4/9) ، والسير (18/169) ،

ص: 581

1-

السنن الكبرى، في عشرة مجلدات، مطبوع ومشهور.

2-

معرفة السنن والآثار، طبع المجلد الأول منه بتحقيق: أحمد صقر، ثم طبع كاملاً.

3-

المدخل إلى السنن - طبع عن نسخة ناقصة الأول - بتحقيق: محمد ضياء الرحمن الأعظمي.

4-

القراءة خلف الإمام. مطبوع.

5-

مناقب الشافعي، تحقيق: أحمد صقر.

6-

مسألة الاحتجاج بالشافعي - ت خليل ملاخاطر-.

7-

بيان خطأ من أخطأ على الشافعي، ت خليل ملاخاطر، وأخرى بتحقيق نايف الدعيس.

8 -

اختلاف الحديث، على هامش الأم، ومستقلة بتحقيق عامر حيدر.

9-

الأربعون الصغرى - ت محمد نور المراغي- وأخرى بتحقيق محمد السعيد زغلول.

10-

الزهد الكبير - ت تقي الدين الندوي -.

11-

الآداب - ت: محمد عبد القادر عطا-.

12-

دلائل النبوة: طبع جزء في القاهرة، ثم طبع الجزء الأول والثاني في المدينة، ثم طبع كاملاً في 7 أجزاء بتحقيق: قلعجي.

ومن كتبه المطبوعة في العقيدة.

13-

الأسماء والصفات، طبع عدة مرات، وهو من أهم كتب البيهقي في الاعتقاد.

14-

الاعتقاد، طبع عدة مرات، وهو مختصر جداً من الكتاب السابق وأحال عليه مرات.

15-

البعث والنشور - ت عامر حيدر - عرض فيه للشفاعة والحوض، والنار والجنة وغير ذلك.

ص: 582

16-

إثبات عذاب القبر - ت شرف محمود القضاة -.

17-

الجامع لشعب الإيمان، طبع الجزء الأول في الهند (حيدر آباد) - ط1 في 132 صفحة - وأعيد - ط2 في 400 صفحة - ثم شرعت الدار السلفية في الهند (بومباي) نشره محققاً فظهر منه عدة مجلدات بتحقيق: عبد العلي حامد.

والكتاب كبير تقع مخطوطته في ثلاثة مجلدات كبار.

18-

حياة الأنبياء في قبورهم، هو كتيب صغير، طبع في القاهرة بالمطبعة المحمودية، ولعل البيهقي ألفه إثر الفتنة المعروفة بفتنة القشيري.

وهناك كتب أخرى للبيهقي، وبعضها لا يزال مخطوطاً (1)، ومنها في العقيدة: كتاب الرؤية، وكتاب القضاء والقدر (2) .

عقيدة البيهقي ومنهجه:

سبق أن قام أحد أساتذة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بدراسة واسعة ومركزة عن " البيهقي وموقفه من الإلهيات"، وقد تقدم بها لنيل درجة الكتوراه (3) ، واعتمد فيها على منهج السلف - رحمهم الله تعالى - ولذلك جاءت دراسته واضحة وشاملة، مع نقد واضح ومنصف لما عند البيهقي من مخالفات لمذهب السلف، ولذلك أكتفي بالإحالة عليها، مع ذكر الملاحظات التالية حول منهج البيهقي:

1-

إذا كان البيهقي من المبرزين في الحديث والفقه فلماذا اهتم بالعقيدة، والتأليف فيها، ثم تأويل النصوص الواردة في الصفات؟، وإذا كان قد ألف

(1) انظر: في ذلك مقدمة تحقيق البعث والنشور (ص: 28) ، وما بعدها، والمدخل (ص: 51) ، وما بعدها، والبيهقي وموقفه من الإلهيات (ص: 64) ، وما بعدها.

(2)

حقق كتاب القضاء والقدر في قسم العقيدة - جامعة الإمام -.

(3)

قام بها الدكتور أحمد بن عطية الغامدي - من كلية الشريعة بمكة، وقد طبعته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة - المجلس العلمي، التراث الإسلامي -.

ص: 583

في إثبات عذاب القبر، والرؤية، وما يتعلق بالبعث من الشفاعة والميزان والحوض، وهذه الأمور مما أنكرته أو أوّلته المعتزلة - والرد عليهم من سمات أهل السنة -، فلماذا حرص على التأليف في الأسماء والصفات واستقصاء جميع ما ورد في ذلك من الألفاظ والروايات وغالبها مما يؤول الأشاعرة؟ لقد ذكر البيهقي في ثنايا كتابه " الأسماء والصفات " إشارة إلى سبب تأليفه إذ قال:- في معرض تأويله الصورة- " ومعنى هذا فيما كتب إليّ الأستاذ أبو منصور محمد بن الحسن ابن ايوب الأصولي رحمه الله الذي كان يحثني على تصنيف هذا الكتاب، لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصرة السنة وقمع البدعة، ولم يقدر في أيام حياته لاشتغالي بتخريج الأحاديث في الفقهيات على مبسوط أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله الذي أخرجه على ترتيب مختصر أبي ابراهيم المزني رحمه الله ولكل أجل كتاب "(1) ،

وهذا الذي أوصى البيهقي بتأليف كتاب في الأسماء والصفات هو أحد أعلام الأشاعرة، كان من أخص تلاميذ ابن فورك حتى أنه زوجه من ابنته الكبرى ومما قيل في ترجمته أنه: " الأستاذ الإمام، حجة الدين، صاحب البيان، والحجة والبرهان، واللسان الفصيح، والنظر الصحيح، أنظر من كان في عصره، ومن تقدمه، ومن بعده على مذهب الأشعري، واتفق له أعداد من التصانيف المشهورة المقبولة عند أئمة الأصول مثل تخليص الدلائل، تتلمذ للأستاذ أبي بكر بن فورك في صباه، وتخرج به، ولزم طريقته، وجد واجتهد في فقر وقلة من ذات اليد

وكان أنفذ من الاستاذ وأشجع منه، توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة " (2) ، وعلى هذا فالبيهقي ألف كتابه استجابة لطلب أستاذه خدمة للمذهب الأشعري - الذي كان أحد أعلامه - ولذلك حشاه بالنقول من أقوالهم وتأويلاتهم إضافة إلى تأويلاته هو، وما أدري

(1) الأسماء والصفات (ص: 289) ..

(2)

تبيين كذب المفتري (ص: 249)، وانظر في ترجمته أيضاً سير: أعلام النبلاء (17/573) ، واسمه فيهما محمد بن الحسن، وانظر: طبقات السبكي (4/147) ، والوافي (3/10) ، ومعجم المؤلفين (9/235)، وهو فيها كلها: محمد بن الحسين.

ص: 584

ما قصد البيهقي بقوله السابق: " لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصرة السنة وقمع البدعة"، هل يقصد بدعة التعطيل، أو بدعة الإثبات ورفض التأويل التي يسمونها تجسيماً أو تشبيهاً؟! الذي يترجح من خلال معرفة حال شيخ الجميع ابن فورك، وتلميذه - أبي منصور الأيوبي - وحال البيهقي في تأويلاته في كتابه هذا أنه قصد قمع بدعة الإثبات التي يزعمون أن فيها تشبيهاً، والله أعلم.

والخلاصة أن البيهقي بهذا المنهج الذي سلكه تحولت معرفته في الحديث وإمامته فيه إلى خدمة أهل التأويل لا إلى خدمة مذهب أهل الحديث والسنة، وهذا من باب العقائد دون الأحكام.

2-

نقد البيهقي بعض الروايات والأحاديث نقداً لا يتفق مع منهج المحدثين في قبول الروايات أوردها ومن ذلك ما ذكره البيهقي من أن "الصوت" لم يرد في صفة كلام الله عزوجل ففد قال بعد ذكر رواية البخاري: " ثم يناديهم بصوت.."(1) : " هذا حديث تفرد به القاسم بن عبد الواحد عن ابن عقيل.. [ثم ذكر أن القاسم وابن عقيل لم يحتج بهما الشيخان، وأن ابن عقيل أيضاً متهم بسوء الحفظ ثم قال:] ولم يثبت صفة الصوت في كلام الله عزوجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه، وليس بنا ضرورة إلى إثباته، وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتاً راجعاً إلى غيره.."(2) ،

ثم شرع في ذكر الروايات الدالة على الصوت وتضعيفها، وهذا من مثل البيهقي المحدث كبير لا يحتمل، لأن فيه محاولة لتضعيف الأحاديث الثابتة لأجل أن تسلم

(1) رواه البخاري - تعليقاً - كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ} (سبأ:23) ، ووصله ابن حجر في التغليق (5/355) ، ورواه البخاري موصولاً في الأدب المفرد ورقمه (970) ، فضل الله الصمد (2/433) ، وفي خلق أفعال العباد ورقمه (463) - ت البدر - كما رواه الإمام أحمد في مسنده (3/395) ، والطبراني في مسند الشاميين كما في التغليق (5/356) ، والحاكم في المستدرك (2/437-438، 4/574-575) ، وصحيحه ووافقه الذهبي، كما رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/111)، والخطيب في الرحلة في طلب الحديث (ص: 109) ، ورقم (31، 32، 33) ، وفي الجامع لأخلاق الراوي (2/225) ، ورقم (1686) - ت الطحان-.

(2)

الأسماء والصفات (ص: 273-274) ..

ص: 585

الأصول الكلامية والعقلية التي يؤمن بها، وهذا منهج المتكلمين وليس منهج المحدثين، ولهذا كان تعليق الحافظ ابن حجر على كلام البيهقي بعد نقله له أقرب إلى منهج أهل الحديث من منهج البيهقي فقد قال - وهو الذي يميل إلى مذهب الأشاعرة -:" هذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج، ولا يخفي ما فيه، إذ الصوت قد يكون من غير مخارج، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة

(1) ، لكن تمنه القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة (2) وجب الإيمان به، ثم إما التفويض وإما التأويل (3) ،

وهذا بناءً على منهج ابن حجر المخالف لمنهج أهل السنة، لأن منهجهم ليس التفويض أو التأويل، بل الإثبات للنصوص على ما دلت عليه مع نفي التشبيه والتكييف لها، والشاهد من كلام ابن حجر قوله:" وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به" فأين هو من كلام البيهقي الذي حاول تضعيف الروايات الواردة فيه؟.

وقد وقع للبيهقي ما هو شبيه بهذا في مواضع أخرى، مثل حديث " لا شخص أغير من الله "(4) ، فقد نقل عن الخطابي ترجيحه أن هذه اللفظة

(1) بناءً على مذهب الأشاعرة.

(2)

هذا الكلام لابن حجر يرد على ما ذكره هو سابقاً في كتاب العلم، الفتح (1/174) في معرض تعليله لتفريق البخاري بين الموضعين، حيث جزم في تعليقه هنا، ولم يجزم في تعليقه لحديث جابر في كتاب التوحيد، وذلك حين قال:" ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا، فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن، وقد اتعضد، وحيث ذكر طرفاً من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو أتعضده"، وهو هنا ذكر أن الصوت ثبت بالأحاديث الصحيحة ويجب الإيمان به، ومنهج البخاري في الصفات لا يتوافق مع تعليل ابن حجر لعدم جزمه هنا.

(3)

فتح الباري (13/458) ..

(4)

رواه مسلم، كتاب اللعان، ورقمه (1499) ، والبخاري تعليقاً في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا شخص أغير من الله، الفتح (13/399) ، ووصله ابن حجر في التعليق (5/344) ، بإسناده إلى الدرامى وهو في سنن الدرامى (2/73) ، ورقمه (2233) .

ص: 586

مصحفة، ثم قال البيهقي معلقاً:" ولو ثبتت هذه اللفظة لم يكن فيها ما يوجب أن يكون الله سبحانه شخصاً.."(1) ، ثم فصل القول في تأويلها، وهذه اللفظية رواها مسلم، والبخاري تعليقاً بصيغة الجزم، كما رواها غيرهما، والحري بالبيهقي المحدث أن يرد على الخطابي دعواه أنها مصحفة ويبين ثبوتها، ثم يشرحها، ويبين مذهبه فيها.

ومثله ما ذكره في باب في الأصابع، فإنه نقل كلاماً للخطابي حول حجية السنة إذا عارضها المعقول، كما نقل ورود الأصابع لا في كتاب ولا سنة، ولم يرد البيهقي على الخطابي في أقواله تلك، بل أورد تأويلاته وتأويلات أبي الحسن الطبري وغيره للأحاديث الواردة في ذلك (2)، وعبارة الخطابي: إنها لم ترد في كتاب ولا سنة ولا يجوز السكوت عنها.

3-

اعتمد البيهقي في شرح نصوص الصفات أو تأويلها، بعد سياقه لأسانيدها اعتمد على أقوال مجموعة من علماء الأشاعرة ومنهم:

أ - الحليمي، وهو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم، المعروف بالحليمي الجرجاني، المتوفى سنة 403هـ، وهو أحد أعلام الأشاعرة في الحديث والفقه والكلام (3) ، نقل عنه البيهقي كثيراً في الجامع لشعب الإيمان (4) ، وفي الأسماء والصفات (5) .

(1) الأسماء والصفات (ص: 287-288) .

(2)

انظر: الأسماء والصفات (333-341) ، ومن الأمور الغريبة ما نقله البيهقي هنا عن الخطابي في رواية الأصابع لما جاء الحبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن اليهود مشبهة وإن الرسول أنكر عليه ذلك، وقدناقش هذه المسألة بالتفصيل أحمد بن عطية الغامدي في كتابه البيهقي وموقفه من الإلهيات. (ص: 260-269) .

(3)

قال عنه الذهبي: " القاضي العلامة، رئيس المحدثين والمتكلمين بما وراء النهر" السير (17/231)، وانظر: أيضاً تاريخ جرجان (ص: 198) ، والأنساب (4/198) ، وطبقات السبكي (4/333) ، ومقدمة تحقيق المنهاج في شعب الإيمان (1/13) وما بعدها.

(4)

بل إنه اعتمد على كتاب المنهاج في شعب الإيمان، وذكر أنه لم يؤلف كتابه إلا لأن الحليمي لم يسق أسانيده للأحاديث التي يوردها، انظر: المنهاج (1/94-95) ، أما نقوله منه فهي كثيرة جداً.

(5)

انظر: (ص: 8-97) ، من الأسماء والصفات حيث نقل فيها نصوصاً من المنهاج للحليمي (1/183) ، وما بعدها.

ص: 587

ب- أبو سليمان الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم، المتوفى سنة 388هـ (1) ، وقد نقل البيهقي عنه كثيراً جداً في الأسماء والصفات (2) ، واعتمد على أقواله وتأولاته.

جـ - أبو الحسن الطبري - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في ترجمته -.

د - وغيرهم من الأشاعرة، كالأشعري (3) ، وأبي إسحاق الإسفراييني (4) ، وأبي بكر الصبغي (5) ، والمحاسبي (6) ، وابن فورك (7) ، وغيرهم.

وكان اعتماد البيهقي على هؤلاء يتم غالباً النقل الحرفي من كلامهم، بذلك امتزجت كتبه الحديثة - في العقيدة - بمقولات هؤلاء، فمثلاً في كتابه الجامع لشعب الإيمان لما تحدث عن الشعبة الأولى وهي الإيمان بالله عزوجل، ذكر أن دليل معرفة الله تعالى هو دليل معرفة الله تعالى هو دليل حدوث الأجسام، ثم شرحه وأطال فيه، ونقل عن الحيلمي أقواله فيه (8)، وفي مناسبة أخرى لما ذكر البيهقي حديث الجارية: أين الله؟ قالت في السماء، تكلم في تأويله بكلام عجيب وأوّله بما يدل على أنه لا يقول بإثبات العلو لله تعالى (9) .

(1) من مؤلفاته المطبوعة: معالم السنن (شرح سنن أبي داود) ، والعزلة، وإصلاح المحدثين، وبيان إعجاز القرآن، وغريب الحديث وشأن الدعاء والغنية عن الكلام وأهله (نقله السيوطي في صون المنطق)(1/137-147) ، ومن كتبه المخطوطة شعار الدين وغيره، انظر: في ترجمته يتيمة الدهر (4/334)، وفهرست بن خير (ص: 201) ، ومعجم الأدباء (4/246) ، - باسم أحمد وهو خطأ -، (10/268) ، باسم (حمد) ، وسير أعلام النبلاء (17/23) ، ومقدمة تحقيق غريب الحديث (1/8) .

(2)

انظر: (ص: 12) ، وما بعدها.

(3)

انظر: الأسماء والصفات (ص: 187) .

(4)

انظر: الأسماء والصفات (ص: 115-310) ، والجامع (1/281-337) .

(5)

انظر: الأسماء والصفات (ص: 431) .

(6)

انظر: الجامع (1/337-338) .

(7)

انظر: الجامع (1/462) .

(8)

انظر: الجامع لشعب الإيمان (1/341-344) .

(9)

انظر: مناقب الشافعي (1/397)، وانظر أيضاً الاعتقاد (ص: 117) ، والأسماء والصفات (ص: 400، 424، 426) .

ص: 588

4-

دافع البيهقي عن علم الكلام، ولما ذكر أقوال الشافعي المشهورة في ذم الكلام وأهله، علق البيهقي على ذلك مبرراً ما فعله العلماء من الأخذ بالعقل أو علم الكلام (1) ، وفي مناقب الإمام أحمد له نقل عن الإمام أحمد أنه قال بتأويل بعض نصوص الصفات (2) ، ولما ذم الشافعي الصوفية دافع البيهقي عنهم، بل ونقل إباحة أنواع من السماع (3) .

ومما ينبغي ملاحظته أن البيهقي مع أقواله الموافقة لمذهب الأشاعرة في مسائل حدوث الأجسام، وحلول الحوادث، وتأويل الاستواء والنزول والمجيء، والضحك والعجب، ونفيه العلو (الجهة) ، وتأويله للقدم والأصابع، وغيرها - إلا أن قال بإثبات الوجه واليدين والعين بلا تأويل (4) -،- فهو بذلك قد خالف شيخه البغدادي.

5-

قام البيهقي بدور عملي في الفتنة التي وقعت على الأشاعرة، المعروفة بفتنة القشيري، والتي وقعت سنة 445هـ، واستمرت سنوات، وفيها لعنت المبتدعة وفيهم الأشعرية، حتى اضطر كثير من الأشاعرة إلى الهجرة من خراسان، وكان منهم القشيري والجويني وغيرهما، وفي سنة 450هـ، حج هؤلاء ومعهم البيهقي، وفي سنة 456هـ قتل الوزير الكندري - صاحب الفتنة (5) - وكان قد تولى ألب أرسلان واستوزر نظام الملك الذي قام بنصرة الأشاعرة وبنى لهم المدارس المعروفة.

(1) انظر: مناقب البيهقي (11/461-464) .

(2)

كتاب البيهقي في مناقب الإمام أحمد غير موجود - على حد قول مترجمي البيهقي - لكن نقل منه ابن كثير نصوصاً في ترجمته للإمام أحمد، انظر: فيما نقله عن البيهقي: إن الإمام أحمد قال بالتأويل، البداية والنهاية (10/327) .

(3)

انظر: مناقب الشافعي (2/207-209) .

(4)

انظر: الاعتقاد (ص: 88-90)، والأسماء والصفات (ص: 301-319) .

(5)

انظر: تفاصيل هذه الفتنة في المنتظم (8/157) ، والكامل (10/33) ، وطبقات السبكي (3/389-395)، ومقدمة تحقيق الرسائل القشيرية (ص: 12-17) .

ص: 589

وكان البيهقي من القلائل الذين دافعوا عن الأشعري والأشاعرة، وكتب من بلدته بيهق رسالة إلى العميد يشرح له الحال ويمدح الأشعري وأسرته، بل ويجعله أحد المجددين، وبعد ذكر فضل أبي موسى الأشعري وقومه الأشعريين الذين انفردوا من بين الوفود بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن علم الأصول وحدوث العالم - كما يقول البيهقي - يقول:" فمن تأمل هذه الأحاديث وعرف مذهب شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه في علم الأصول، وعلم تبحره فيه ابصره صنع الله عزت قدرته في تقديم هذا الأصل الشريف لما ذخر لعباده من هذا الفرع المنيف الذي أحيا به السنة وأمات به البدعة وجعله خلف حق لسلف صدق "(1) ، ثم يأمره في آخر الرسالة بالسعي لإطفاء الفتنة، وأن يستدرك ما وقع من هذه المحنة (2) .

*

*

*

فهذه الجهود العظيمة التي قام بها البيهقي في خدمة ودعم المذهب الأشعري - وهو الإمام الفقيه المحدث - توضح دوره في إعادة الثقة بهذا المذهب.

(1) تبيين كذب المفتري (ص: 105) .

(2)

انظر: المصدر السابق (ص: 107) ، وطبقات السبكي (3/395) .

ص: 590