الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
أبو الحسن الطبري:
توفي بحدود سنة 380هـ.
تقدم ذكر أبي الحسن (1) الطبري في تلامذة الأشعري، وأنه كان أحد تلاميذه الأربعة الذين اختصوا به، واسمه علي بن محمد بن مهدي، أبو الحسن الطبري (2)، -وأحيانا يقال: على بن مهدي -، وقد ذكر السبكي أنه تحقق أن أباه اسمه محمد، ومهدي جده.
قال عنه السبكي: " كان من المبرزين في علم الكلام، والقوامين بتحقيقه،
…
وكان مفتنا في أصناف العلوم"، وذكر الاسنوي عن أبي عبد الله الأسدي أنه قال في كتاب "مناقب الشافعي":" كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن بن مهدي حافظا للفقه والكلام والتفاسير والمعاني وأيام العرب، فصيحا مبارزا في النظر ما شوهد في أيامه مثله، مصنفا للكتب في أنواع العلم، صحب أبا الحسن الأشعري في البصرة مدة"، ولم يؤرخ ولادته ولا وفاته، إلا أن الصفدي ذكر أنه توفي في حدود سنة 380هـ.
أما أهم آثاره فهي:
1-
كتاب "الأصول".
2-
تفسير أسامي الرب عزوجل.
وهذان الكتابان ذكرهما العبادي، ولا يعرف عنهما شيء.
3-
تأويل الأحاديث المشكلة الموضحة وبيانها بالحجة والبرهان.
وقد ذكر هذا الكتاب جميع من ترجم له، وقد وصلت إلينا نسخة منه
(1) هكذا في الكتب التي ترجمت له، وفي مخطوطة كتابه تأويل الأحاديث المشكلات، أنه: أبو الحسين.
(2)
انظر في ترجمته: تبيين كذب المفتري (ص: 195) ، والوافي للصفدي (22/143) .
لا تزال مخطوطة (1) .
عقيدته:
بما أن على بن محمد الطبري يعتبر من تلامذة الأشعري فهو يمثل مرحلة متوسطة بين الأشعري والباقلاني، وعرض عقيدته وآرائه يفيد في بيان مستوى النقلة من المؤسس الأول إلى أتباعه من بعده، وكيف تلقى تلاميذ الأشعري أقواله، وهل تابعوه فيها من خلال المرحلة الأولى من رجوعه أم المرحلة الأخيرة؟
1-
كتب أبو الحسن الطبري في بداية كتابه ما يبين سبب تأليفه حين قال: " أما بعد فإنك كتبت إليّ شكوى مافشا بالناحية من معتقد الفرقة المنتسبة إلى الحديث، المنتحلة الأثر، حتى مالوا إلى قوم من ضعفه المسلمين بمعاهدتهم بالتلبيس والتمويه"(2)، ثم يصف هؤلاء الذين يوردون الأخبار فقط بأنهم: " تقصر معرفتهم عن استخراج تأويلها
…
لقلة عنايتهم بمعرفة مصادر الكلام وموارده، وظاهره وباطنه، ومجازه وحقيقته واستعارته، وما يجوز إطلاقه في القديم ومالا يجوز إطلاقه" (3) ، ثم يقول عنهم:" قد قنع الواحد منهم من العلم برسمه، ومن الحديث بجمعه واسمه، فأبعد غاية هذه الطائفة أن يكتبوا أجزاء من الحديث وأجلادا من القصص ثم يقبلوا على تفسيرها بغير ما أذن الله بها" (4) .
ثم يذكر تأثير هؤلاء بأنهم: " يتقربون إلى الرعاع والهمج من أهل الحديث بذلك، وإن من عدل عن هذا المنهج والسير فقد خالف المشايخ والقدماء والأسلاف من العلماء"(5) .
ثم يذكر نماذج من الأحاديث التي يوردونها، ويبين أنه لابد من تفسيرها ب-:" ما يوافق المعقول من الأصول، والمعمول به من اللغات"(6) .
(1) موجودة في مكتبة طلعت في القاهرة محموع رقم (491) من 108 -أ - 162 - ب، وقد رقمت المخطوطة ترقيما خاصة بها، وعليها الإحالة في بيان أرقام لوحاتها.
(2)
تأويل الأحاديث المشكلة - مخطوط - (لوحة 1- أ) .
(3)
المصدر السابق (لوحة 1- ب) .
(4)
نفس المصدر.
(5)
نفس المصدر.
(6)
تأويل الأحاديث المشكلة- مخطوط - (لوحة 2- ب) .
فأبو الحسن الطبري في هذه المقدمات [يعرض بأهل الحديث و] يستخدم المنهج العقلي في تأويل النصوص الدالة على الإثبات دون أن يفرق بين الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة والأحاديث الثابتة، بل واضح من كلامه أن حذره من التشبيه أكثر من حذره من التعطيل.
2-
يحتج على إثبات الصانع بخلق الإنسان من نطفة ثم من علقة، ثم يحتج على الوحدانية بدليل التمانع (1) ، وهذه نفسها أدلة الأشعري، ويقول: إن الله ليس بجسم ويحتج لذلك بإن الله لم يسم نفسه به ولا اتفق المسلمون عليه، ويعلل منع إطلاقه بأن حقيقة منع إطلاقه بأن حقيقة الجسم أن يكون طويلا عريضا عميقا وهذا يخالف وصف الله بأنه واحد (2) .
3-
أما مذهب أبي الحسن الطبري في الصفات فقد فصله في كتابه، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
أبالنسبة للصفات الخبرية فهو يثبتها مع نفي أي دلالة فيها على التجسيم أو التبعيض - على حد زعمه - فمثلا حين يتكلم على صفة اليدين وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] يذكر الوجوه الواردة في معنى اليد، كالقوة، والنعمة، والجارحة، وبمعنى النفس والذات، ومنها يد صفة لا تحتمل معنى من المعاني السابقة، وبعد أن يبطل هذه الأقوال تفسيرا للآية يقول: "فإذا بطلت هذه الوجوه بأسرها لم يرجع تفسيرها إلى غير إطلاق اللفظ فيها كما جاء عن الله سبحانه من غير تفسيرنا ذلك بالفارسية الموهمة للخطأ، فإن قيل: كيف يستقيم لك أن تقسم اليد على أوجه ثم تخرج اليد التي تثبتها للقديم من جملتها من غير أن ترجع في العبارة عنها إلى الفارسية وغيرها من اللغات ولا تزيد على قولك من أنها يد صفية وهي غير معقولة فيما بيننا؟ قيل له: إن ذلك التقسيم الذي قسمنا إنما فعلنا فيما شاهدناه، ونحن فلم نرتب الباب بيننا
(1) تأويل الأحاديث المشكلة (لوحة 3- أ-ب) .
(2)
المصدر السابق (لوحة 4- أ) .
وبين خصومنا، لا لنثبت ما شاهدناه، وعقلناه معاينة حتى يكون قولك هذا قادحا في جملة ما أوردناه في هذا الباب؛ لأنا قد نثبت فاعلا في الغائب قديما ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر وإن كنا في الشاهد لا نعقل موجودا إلا جسما أو جوهرا أو عرضا، فإن صح ذلك كله مع خروجه عن حكم الشاهد صح لغيرك إثبات اليد القديم من غير رجوع في تفسيرها إلى أكثر من إطلاق اللفظ بها كما جاء في القرآن " (1) ، والخلاصة أنه يثبت اليدين مع التفويض الكامل لها، ولذلك لم يثبت القبضة الواردة في قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] بل أولها بقوله عن معنى الآية: "أي والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة بقدرته على إفنائها" (2) ، وكذلك يقول في قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: 67) ، إن الطي أريد به الفناء والذهاب، ويذكر أدلة ذلك من الشعر ثم يقول:" ومن الناس من يقول: مطويات بيمينه أي ذاهبات بقسمه لأنه أقسم ليفنيها " (3) .
ويقول: إن الله راء بلا عين، ويرد على أدلة من يسميهم بالمشبه الذين أثبتوا لله عينا ويتأول النصوص الواردة في ذلك من الكتبا والسنة (4) ، كما يتأول" القدم "ويذكر له عدة تأويلات ولا يثبت هذه الصفة كما يليق بالله تعالى (5) .
ب - يثبت أبو الحسن الطبري صفة الاستواء والعلو لله تعالى، يقول:" اعلم عصمنا الله وإياك من الزيغ برحمته أن الله سبحانه في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه، وبمعنى الاستواء الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح يعني علوته، واستوت الشمس على رأسي واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي،
(1) تأويل الأحاديث المشكلة (ل 21 - ب)
(2)
المصدر السابق (ل 22 - أ)
(3)
نفسه (ل 22 - ب) ، كما أنه تأويل (عن يمين الرحمن) و (كلتا يديه يمين)، انظر:(ل51 -أ -ب) .
(4)
انظر: نفس المصدر (ل5 - أ، ل6 - أ - ب، ل54 - أ) .
(5)
نفسه (ل38 - ب- 39 -أ) .
والقديم جل جلاله عال على عرشه لا قاعد ولا قايم ولا مماس له ولا مباين، والعرش ما تعقله العرب وهو السرير، يريد بذلك أيضا على أنه في السماء عال على عرشه قوله سبحانه:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (الملك: 16)، وقوله تعالى:{يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (آل عمران: 55)، وقوله:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل: 50)، وقوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (فاطر: 10)، وقوله:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} (السجدة: 5)(1)، ثم رد على البلخي وغيره من المعتزلة في تأويلهم الاستواء بالاستيلاء واحتجاجهم بقولهم: استوى بشر على العراق - وغيره - فقال:" فيقال لهم: ما أنكرتم أن يكون عرش الله جسما مجسما، خلقه وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه كما خلق في الأرض بيتا وامتحن بني آدم بالطواف - حوله وبقصده من الآفاق، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} (الزمر: 75) ، وقال في موضع آخر: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: 17) ، ففي كل هذا دلالة أن العرش ليس بالملك وأنه سرير "(2) ،
ثم قال:" ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون ساير خلقه، وليس للعرش مزية على ما [وصفت](3) ، فبان بذلك فساد قوله، ثم يقال له أيضا: إن الاستواء ليس هو بالاستيلاء في قول العرب: استوى فلان على كذا أي استولى عليه، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكنا، فلما كان الباري سبحانه لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنا لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وحدثنا الشيخ أبو عبد الله الأزدي الملقب بنفطويه قال: حدثنا أبو سليمان، قال كنا عن ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما معنى قوله سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5)، قال: إنه مستو على
(1) تأويل الأحاديث المشكلة (ل24= أ- ب) .
(2)
نفسه (ل 24 - ب) ..
(3)
في المخطوطة: وضعت، والتصويب من نقض التأسيس المطبوع (2/336) ، حيث نقل هذا النص عنه.
عرشه كما أخبر، فقال له الرجل: إنما معنى استوى استولى فقال له ابن الأعرابي: ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول استوى (1) على العرش حتى يكون فيه مضاد له، فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، والله سبحانه لا مضاد له، وهو مستو على عرشه كما أخبر، والاستيلاء يكون بعد المغالبة" ثم يقول: " فإن قيل فما تقول في قوله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (الملك:16) ، قيل له معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} (التوبة:2) ، أي على الأرض
…
" (2) .
وكلامه في ذلك طويل حيث رد على الذين يقولون: إن الله في كل مكان، كما رد على من تأول رفع المسلمين أيديهم إلى السماء عند الدعاء بأن ذلك لأن أرزاقهم في السماء أو لأن الملائكة الحفظة في السماء، فقال: بأن ذلك لو جاز لجاز " أن تخفض أيدينا في الأرض نحو الأرض من أجل أن الله تعالى يحدث فيها النبات والأقوات والمعايش وأنها قرار، ومنها خلقوا وإليها يرجعون، ولأنه يحدث فيها آيات كالزلازل والرجف والخسف، ولأن الملائكة معهم في الأرض، الذين يكتبون أعمالهم، فإذا لم يجب خفض الأيدي نحو الأرض لما وصفنا لم تكن العلة في رفعها نحو السماء ما وصفه البلخي، وإنما أمرنا الله تعالى برفع أيدينا قاصدين إليه برفعهما نحو العرش الذي هو مستو عليه كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)(3) .
هذا رأي الطبري في مسألة العلو والاستواء، وهذه النصوص تدل على استقرار هذه المسألة وفق مذهب السلف عند تلامذة الأشعري، وهذا ما سنجده أيضام عند الباقلاني - كما سيأتي -.
ج-- يتأول أبو الحسن الطبري النصوص الواردة في الضحك والعجب، والفرح، ففي صفة الضحك الواردة في الأحاديث يذكر المعاني المجازية للضحك
(1) في شرح السنة للالكائي رقم 666 "استولى" ولعلها أصوب.
(2)
تأويل الأحاديث المشكلة (ل25 - أ -ب) .
(3)
تأويل الأحاديث المشكلة (ل27 - أ- ب) ، وقد نقل ابن تيمية أغلب النصوص الواردة في العلو والاستواء في نقض التأسيس المطبوع (2/335-337) .
مثل قول العرب ضحكت الأرض إذا تبدي نباتها، وضحك طلع النخل إذا بدا كافوره، ويقال هذا طريق ضاحط أي ظاهر واضح، ثم يقول: " فمرجع الضحك في هذا كله إلى البيان، ومعنى الخبر (1) والله أعلم بالمراد: يضحك الله أي يبين الله ثواب هذين الرجلين المقتولين
…
فإذا وجدنا للضحك معنى صحيحا تعرفه العرب في لغتها غير الكشر عن الأسنان عند حلول التعجب منه كانت إضافة ذلك إلى ربنا سبحانه أولى مما أضافت إليه المشبهة، نعوذ بالله من الحيرة في الدين وهو ولي المعونة" (2) ، وهذا تأويل واضح لهذه الصفة، وفي صفة العجب يذكر عدة تأويلات منها: أن معنى عجب ربك أي عظم عنده، وقيل معناه رضي وأثاب، وقيل: جازاه على عجبه (3) ، ولا يذكر إثبات هذه الصفة كما يليق بجلال الله وعظمته، كما يؤول الفرح بالرضا (4) .
د- أما الصفات الاختيارية التي تقوم بالله تعالى كالنزول والمجيء والإتيان فيتأولها ولا يثبتها كما يليق الله وعظمته، وهذا بناء على نفي حلول الحوادث، يقول عن النزول: " ولا يجوز حمل ذلك على النزول والنقلة
…
لما فيه من تفريغ مكان وشغل آخر، والقديم قد جل أن يكون موصوفا بشيء من ذلك، كذلك وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال:{لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (الأنعام:76) ، واحتجاجه بهذه الآية هنا هو احتجاج جمهور الأشاعرة الذين يزعمون إن إبراهيم عليه السلام استدل بتغير وتحرك النجم على أنه لا يصلح أن يكون إلها، وبنوا على ذلك نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى. ويقول أبو الحسن الطبري عن الإتيان والمجيء، " فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ
(1) يشير إلى ما سبق أن ذكر من حديث " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة
…
" وهو حديث متفق عليه، البخاري كتاب الجهاد، باب الكافر يقتل المسلم ورقمه (2826) فتح الباري (6/39) ، ومسلم كتاب الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الحنة ورقمه (1890) .
(2)
تأويل الأحاديث (1 35 - أ - ب) .
(3)
انظر: المصدر (ل35 - أ - ب) .
(4)
نفسه (ل 42- أ) .
فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل:26)، وفي قوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22) وفي قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} (البقرة:210)، تقول في قوله تعالى:{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل:26)، وفي قوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22)، وفي قوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} (البقرة:210)، قيل له: إن الله سبحانه قد صح أنه لا يجوز وصفه بالإتيان والمجيء الذي بمعنى الإنتقال والزوال، إذ كان ذلك من صفات الأجسام تعالى الله أن يكون جسما أعرضا، وكلام العرب واسع له ظهر وبطن لاتباع العرب في المجازات وطرق الكلام.
ومعنى البيان في قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ} (النحل:26) ، الاستئصال في الهلاك والدمار بإرساك العذاب
…
وأما قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ،فمعناه جاء حكم ربك وأمر ربك، ألا ترى أن الخاص والعام يقول: ضرب الأمير زيدا، وإن كان الأمير لم يباشر زيدا بالضرب، بل كان ذلك بأمره وحكمه عليه، وقد قال الله تعالى في قصة لوط) {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} (القمر:37) ، وإن كان الطمس للأعين للملائكة بأمر الله، وأما قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} ، فمعناه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالحساب في ظلل من الغمام، يراد به بظلل من الغمام، وأن الفاء بمعنى الباء
…
" (1) ، هذا هو مذهبه في تأويل هذه الصفات.
4-
يثبت أبو الحسن الطبري الرؤية ويرد على المعتزلة المنكرين لها، لكن الملاحظ أنه أورد سؤالا حولها يتعلق بأنه يلزم من إثباتها المقابلة، فأجاب بما يدل على أنه يقول بأنه لا يلزم من الرؤية المقابلة، ومما قاله - وهو يرد على المعتزلة - " وقد زعمتم أن معنى ترون ربكم: تعلمون ربكم، ولم تلزموا أنفسكم أنكم تعلمونه مقابلا لكم" (2) .
(1) تأويل الأحاديث (ل 50 - أ - ب) .
(2)
المصدر السابق (ل 44 - ب) .
5-
هذه أقوال أحد تلامذة الأشعري، ممن جاء قبل الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري، وهذه النصوص التي نقلت من كلام أبي الحسن الطبري تمثل مرحلة جاءت بين علمين مهمين من أعلام الأشاعرة، ومما سبق يتبين مايلي:
1-
إن منهج الأشاعرة الكلامي جعلهم يحرصون على رد تهمة التشبيه عنهم حين يثبتون الصفات كحرصهم على رد تهمة التعطيل وذلك في ردودهم المتوالية على المعتزلة، ولذلك تجد عبارات نفي التجسيم عن الله، أو تأويل أي صفة تدل عليه بزعمهم، وكان من أثر ذلك هجومهم على أهل السنة والحديث الذين يوردون أحاديث الصفات ويروونها مثبتين لها.
2-
إثبات الصفات الخبرية لله تعالى، وهذا موجود أيضا عند الباقلاني، لكن نلمح من عبارات أبي الحسن الطبري شرحا واضحا لقولهم وقول الباقلاني: ونثبت أن الله يدين بلا كيف، فما معنى بلا كيف، عبارات الطبري تدل على أنه يقصد التفويض.
3-
إن صفة العلو والاستواء لم تكن محل شك أو نقاش عندهم، لأن نفيه أو تأويله هو منهج المعتزلة والجهمية، وهم مخالفون لهم في ذلك، وهذا ما ستجده عند الباقلاني أيضا.
4-
تأويل الصفات الأخرى: كالفرح والضحك والمجيء والإتين والنزول، وهذا ما سنجده عند من جاء بعده كالباقلاني الذي يؤول صفات الضحك والفرح أو المجيء والإتيان فيذكر عدة أقوال منه التأويل، كما نجد هذا واضحا عند البيهقي في كتابه الأسماء والصفات، فقد نقل عنه كثيرا خاصة في هذه الصفات (1) .
(1) نظرا لأن البيهقي نقل من كتابه تأويل الأحاديث المشكلة نصوصا، فنشير إلى بعض مواضع النقل في كتابه " الأسماء والصفات"، انظر:(ص/ 310 " النور "، و (ص: 352 " القدم "، و (ص: 397) ، حول اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، و (ص: 410 " إثبات الاستواء") و (ص: 415) حول الاستواء، و (ص: 466، 473، 477، 481، 483، 484، 487، 488، 490، 509) ، في صفات متعددة كالضحك، والفرح، والغيرة، والحياء، وغيرها..
5-
ونلمح في منهج أبي الحسن الطبري في مسألة الرؤية إشارة لبداية المشكلة بين المعتزلة النفاة والأشاعرة المثبتين، وذلك حول لزوم المقابلة من إثبات الرؤية.
6-
وعلى العموم فيدل كلام الطبري في كتابه هذا على حرص الأشاعرة على أن يسيروا على منهج متوسط بين المعتزلة وأهل الحديث؛ ولذلك ردوا على المعتزلة وخالفوهم، كما أولوا بعض الصفات وخالفوا أهل السنة المثبتين، وهذا ما يفسر تلك المواقف القوية لعلماء السنة من الأشاعرة في ذلك الوقت، ومن يطلع على عبارات أبي الحسن الطبري في تاويله لبعض الصفات يتضح لديه أن تلامذة الأشعري لم يسيروا على ما في الإبانة وإنما تتلمذوا على كتبه الأخرى ذات الصبغة الكلامية والمناهج التأويلية.