الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالضرورة " (1) ، ويقول عن إحدى مناقشاته للفلاسفة: " فتبين أن الذي ألزمهم إياه أبو عبد الله الرازي إلزام لا محيد عنه " (2) ، كما يمتدح ما ذكره من إبطال الحلول وإلزام النصارى (3) ، وكثيراً ما يذكر أن ما ذكره الرازي صحيح أو حق (4) .
كما يفعل ذلك مع الآمدي (5)، ويقول عنه:" مع أنه من أفضل من تكلم من أبناء جنسه في هذه الأمور وأعرفهم بالكلام والفلسفة "(6) ، كما يعترف لأثير الدين الأبهري (7) ، ويقول عن - الرازي، والآمدي، والأرموي (8) - إنهم من أفضل بني جنسهم من المتأخرين (9)، بل قال عن الآمدي:" كان من أحسنهم إسلاماً وأمثلهم اعتقاداً "(10) .
هـ - الأشاعرة المعاصرون لابن تيمية:
من يطلع على حياة شيخ الإسلام ابن تيمية وما جرى له من محن على يد الأشاعرة المعاصرين له وكيف أنه انتقل بسببهم من محنة إلى محنة ومن سجن إلى سجن، وما صاحب ذلك من مؤامرات وافتراءات عليه، من يطلع على تفاصيل ذلك قد يتصور أن موقف شيخ الإسلام منهم سيكون على غرار موقفهم
(1) انظر: درء التعارض (3/293) .
(2)
المصدر السابق (1/345)، وانظر أيضاً:(1/343) .
(3)
انظر، المصدر السابق (6/151) .
(4)
انظر: نقض التأسيس المخطوط (1/26) ، ودرء التعارض (10/106) .
(5)
انظر: درء التعارض (4/62-65) .
(6)
انظر: المصدر السابق (4/234) .
(7)
انظر: المصدر نفسه (1/377-379)، وأثير الدين الأبهري هو: المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري السمرقندي، له عدة كتب منها هداية الحكمة، والإيساغوجي، والزيج الاختياري وغيرها، توفي سنة 663هـ، انظر: تاريخ آداب اللغة العربية (3/114) ، الأعلام (7/279) .
(8)
الرازي والآمدي تقدمت ترجمتهما، أما الأرموي فهو سراج الدين، أبو الثناء محمود بن أبي بكر أحمد الأرموي، ولد سنة 594هـ، من كتبه لباب الأربعين، توفي سنة 682هـ، انظر: طبقات السبكي (8/371) ، وابن قاضي شهبة (2/261) .
(9)
انظر: درء التعارض (3/31) .
(10)
انظر: مجموع الفتاوي (18/52) .
منه من السعي فيهم والانتقام منهم، ولكن الأمر لم يكن كذلك، بل صار له معهم موقفان، دالان على أدب وخلق رفيع:
أحدهما: عملي، حيث كان يدعو لهم، ويأتي الانتصار لنفسه - في حالة تمكنه من ذلك - وقد سبق تفصيل ذلك عند الحديث عن محن ابن تيمية في ترجمته، وهي مواقف تدل على نفس كريمة وتسامح عجيب.
والثاني: موقف نظري، عند مناقشته لهم، حيث كان يعتذر لهم، ويبين أنهم كانوا يقصدون الحق وأنهم مجتهدون، انظر إلى مثل قوله فيهم:" وأكثر الطالبين للعم والدين ليس لهم قصد من غير الحق المبين، لكن كثر في هذا الباب الشبه والمقالات، واستولت على القلوب أنواع الضلالات، حتى صار القول الذي لا يشك من أولي العلم والإيمان أنه مخالف للقرآن والبرهان، بل لا يشك في أنه كفر بما جاء به الرسول من رب العالمين، قد جعله كثير من أعيان الفضلاء أنه من محض العلم والإيمان، بل لا يشك في أنه مقتضى صريح العقل والعيان، ويظنون أنه مخالف لقواطع البرهان ".
" ولهذا كنت أقول لأكابرهم لو وافقتكم على ما تقولونه لكنت كافراً مريداً (1) ، لعلمي بأن هذا كفر بيّن، وأنتم لا تكفرون لأنكم من أهل الجهل بحقائق الدين، ولهذا كان السلف والأئمة يكفرون الجهمية في الإطلاق والتعميم وأما المعين منهم فقد يدعون له ويستغفرون له، لكونه غير عالم بالصراط المستقيم، وقد يكون العلم والإيمان ظاهراً لقوم دون آخرين، وفي بعض الأمكنة ولأزمنة دون بعض، بحسب ظهور دين المرسلين "(2) .
وقد مدح شيخ الإسلام القاضي بدر الدين ابن جماعة وأيده (3) ، ونقل السبكي في طبقاته أن تقي الدين ابن تيمية كان كثيراً ما يثني على والده تقي الدين السبكي، وأنه:" كان لا يعظم أحداً من أهل العصر كتعظيمه له"(4) ،
(1) كذا ولعله: مرتداً.
(2)
نقض التأسيس المخطوط (1/5-6) .
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (3/243) ، وما بعدها.
(4)
طبقات الشافعية للسبكي (10/194) .
كما ذكر في ترجمة علاء الدين الباجي -واسمه علي بن محمد بن عبد الرحمن - أنه: " لما رآه ابن تيمية عظمه، ولم يجر بين يديه بلفظة، فأخذ الشيخ علاء الدين يقول: " تكلم نبحث معك، وابن تيمية يقول: مثلي لا يتكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك " (1) .
هذه موقف شيخ الإسلام الإيجابية من الأشاعرة وفيها من بيان الحق والإنصاف ما يشهد له بالأمانة، ومع ذلك فهذه الجوانب لا ينبغي أن تؤخذ مجردة - وحدها - بل لابد أن يضاف إليها الجانب الثاني من منهجه في موقفه منهم، ألا وهو ردوده عليهم، وبيان ما في أقوالهم من مخالفة لعقيدة ومنهج أهل السنة، وهذا ما سنفصله في الفصلين التاليين بمباحثهما المختلفة - إن شاء الله -.
* * *
(1) طبقات الشافعية للسبكي (10/342) .