المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القشيري: ت 465هـ هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك - موقف ابن تيمية من الأشاعرة - جـ ٢

[عبد الرحمن بن صالح المحمود]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: الماتريدية وعلاقتهم بالأشعرية

- ‌أولا: الأشعري والماتريدي

- ‌ منهج الماتريدي وعقيدته:

- ‌ثانيا: مقارنة بين الأشعرية والماتريدية:

- ‌المبحث الثالث: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌ أسباب انتشار المذهب الأشعري:

- ‌المبحث الرابع: عقيدة الأشعرية

- ‌الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة وأشهر رجالهم إلى عهد ابن تيمية

- ‌ أبو الحسن الطبري:

- ‌ الباقلاني:

- ‌ابن فورك:

- ‌عبد القاهر البغدادي:

- ‌البيهقي:

- ‌القشيري:

- ‌الجويني:

- ‌منهج الجويني وأثره في تطور المذهب الأشعري:

- ‌أبو حامد الغزالي:

- ‌أعلام الأشاعرة في الفترة بين الغزالي والرازي:

- ‌ ابن تومرت

- ‌ فخر الدين الرازي:

- ‌ منهج الرازي وأثره في تطور المذهب الأشعري

- ‌ أبو الحسن الآمدي:

- ‌ عز الدين بن عبد السلام

- ‌صفي الدين الهندي

- ‌ بدر الدين بن جماعة

- ‌ ناصر الدين البيضاوي

- ‌ عضد الدين الإيجي

- ‌ أبو علي السكوني

- ‌ خلاصة وتعقيب:

- ‌الباب الثاني: موقف ابن تيمية من الأشاعرة

- ‌الفصل الأول: عرضه لجوانبهم الإيجابية واعترافه بما عندهم من حق

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: وصفهم بأنهم من أهل السنة في مقابل المعتزلة والرافضة:

- ‌ثانياً: تفضيله أقوالهم على أقوال غيرهم من المعتزلة والجهمية والفلاسفة:

- ‌ثالثاً: ذكره لإيجابيتهم وردودهم على الباطنية والملاحدة

- ‌رابعاً: الأشاعرة يحمدون لما لهم من مساع وجهود مشكورة:

- ‌خامساً: إنصافه لأعلام الأشاعرة

- ‌أ - أبو الحسن الأشعري:

- ‌ب - الباقلاني والجويني:

- ‌جـ - الغزالي:

- ‌د - الرازي وغيره:

- ‌هـ - الأشاعرة المعاصرون لابن تيمية:

- ‌الفصل الثاني: منهجه العام في الرد على الأشاعرة

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: بيان جوانبهم الإيجابية وما عندهم من حق:

- ‌ثانياً: الكتاب والسنة فيهما ما يغني عما ابتدعه هؤلاء:

- ‌ثالثاً: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌خامساً: جهلهم بالسنة وبمذهب السلف

- ‌سادساً: إرجاع أقوالهم المخالفة لمذهب أهل السنة إلى أصول الفلاسفة والجهمية والمعتزلة

- ‌سابعاً: لا تعارض بين العقل والنقل

- ‌ المقدمات:

- ‌ثامناً: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم، وردود بعضه على بعض

- ‌تاسعا: تناقض الأشاعرة:

- ‌عاشراً: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم:

- ‌حادي عشر: تسلط الفلاسفة والباطنية على المتكلمين:

الفصل: ‌ ‌القشيري: ت 465هـ هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك

‌القشيري:

ت 465هـ

هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد، أبو القاسم القشيري النيسابوري، ولد سنة 375هـ، تتلمذ على يد مجموعة من العلماء منهم الحاكم، وابن فورك، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم، وتتلمذ في التصوف على شيخه أبي علي الدقاق وتزوج من ابنته.

ولما وقعت الفتنة على الأشاعرى ترك القشيري بلده واتجه إلى بغداد ثم إلى الحج بصحبة الجويني -إمام الحرمين- والبيهقي- ثم عاد بعد نهاية الفتنة إلى نيسابور حيث تولى ألب أرسلان واستوزر نظام الملك الذي كان يقدر القشيري والجويني كثيراً، فعاش القشيري بقية عمره محترماً مقدراً ذا مكانة ومنزلة عالية إلى أن توفي سنة 465هـ، ومن أبرز تلاميذه أولاده ومنهم: عبد الله، وعبد الواحد، وأبو نصر عبد الرحيم، كما تتلمذ عليه زاهر الشحامي، ومحمد بن الفضل الفراوي، وغيرهم (1) .

ومن أبرز آثاره:

1-

لطائف الإشارات، في التفسير، مطبوع.

2-

الرسالة القشيرية، طبعت عدة مرات.

3-

شرح أسماء الله الحسنى، طبع بتحقيق: أحمد عبد المنعم الحلواني.

4-

نحو القلوب الصغير، طبع بتحقيق: أحمد علم الدين الجندي.

5-

شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة، طبعت ضمن الرسائل القشيرية كما ذكرها كامل السبكي في الطبقات (3/399-423) .

(1) انظر في ترجمته: تاريخ بغداد (11/83)، وكشف المحجوب للهجويري (ص: 382) ودمية القصر (2/993)، - ت التونجي- تبيين كذب المفتري (ص: 271) ، المنتظم (8/280) ، سير أعلام النبلاء (18/227) ، وطبقات السبكي (5/153-3/399)، والإمام القشيري سيرته وآثاره: إبراهيم بسيوني، وغيرها.

ص: 591

6-

كتاب السماع، طبع ضمن الرسائل القشيرية.

7-

ترتيب السلوك، ضمن الرسائل القشيرية.

8 -

التحبير في التذكير، مطبوع.

وهناك مؤلفات أخرى بعضها لا يزال مخطوطاً (1) .

عقيدة القشيري ودوره في تطور المذهب الأشعري:

لم يؤلف القشيري كتاباً خاصاً في العقيدة ومسائلها، حتى كتابه " شرح أسماء الله الحسنى، يدور على التصوف و " علم التذكير" و " الأتعاظ" كما أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه حين بين سبب تأليفه (2) ، وكذلك رسالته " الشكاية " هي في الدفاع عن الأشعري وما اتهم به من أمور كانت سبباً في المحنة التي جرت على القشيري وأصحابه، أما غالب كتبه - حتى كتابه في التفسير - فهي في التصوف، ولذلك اشتهر القشيري بالتصوف أكثر من شهرته كعلم من أعلم الأشاعرة.

ومع ذلك فليس من العسير استخلاص مذهبه وآرائه في العقيدة، - التي وافق فيها المشهور من مذهب الأشاعرة - من خلال ما يشير إليه في ثنايا كتبه المختلفة.

فالقشيري ممن ينكر قيام الصفات الاختيارية بالله -وهي مسألة حلول الحوادث - ولذلك فهو يقول بأزلية المحبة، والرضا والغضب (3) ، كما أنه ينكر العلو (4) ، وينقل عن غيره من الصوفية تأويلاتهم للاستواء وأنه لا يدل على

(1) انظر في مؤلفاته: سير أعلام النبلاء (18/229)، ومقدمة تحقيق نحو القلوب الصغير (ص: 30-33) ، والرسائل القشيرية (ص: 24-26) .

(2)

انظر: شرح أسماء الله الحسنى للقشيري (ص: 19-20) .

(3)

انظر: المصدر السابق (ص: 26، 43، 134، 162، 176) .

(4)

انظر: المصدر السابق (ص: 62-150) ، والرسالة القشيرية (1/19، 38، 46، 50) ، المحققة.

ص: 592

العلو (1)،ويقول: إن الله يرى بلا مقابلة (2) ، وهو يثبت الصفات السبع مع صفة البقاء (3) ، ويستدل لبعضها بالعقل (4) ، ويتأول صفة المحبة (5) ، والضحك (6) ، وفي القدر مع إثباته له ينكر التعليل (7)، ويقول: إن القدرة مع الفعل فقط (8) ، كما هو مذهب الأشارعة، وحين يتحدث عن معنى " التوحيد " يرى أنه يشمل الأقسام الثلاثة المشهورة عند أهل الكلام وهو أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له (9) ، كما أنه يرى أن الواجب الإشتغال بالتأويل الصحيح، ويرد على من يسميهم بالحشوية، ويرى أن كثيراً ممن يناظره في زمنه ليس له تحقيق ولا تحصيل (10) ، وفي مسألة النبوة والمعجزات ينقل عن الباقلاني (11) .

أما دور القشيريفي المذهب الأشعري وتطويره فتمثل في جانبين:

أحدهما: دفاعه عن الأشاعرة وقت المحنة التي مروا بها، وقد فاق في دفاعه عنهم أقطاب الأشاعرة في زمنه، وكتب رسالته " الشكاية " يبث فيها أشجانه ويدافع عن الأشعري وعن الأشاعرة ويرد على التهم الموجهة إليهم، ويصور

(1) انظر: الرسالة القشيرية (1/44-45) .

(2)

انظر: المصدر السابق (1/37-51) .

(3)

انظر: المصدر نفسه (1/49)، وشرح أسماء الله (ص:259) .

(4)

انظر: الرسالة (1/209-220) .

(5)

انظر: شرح أسماء الله (ص: 276-239) ، والرسالة (2/611) . المحققة.

(6)

انظر: الرسالة (ص:63) ، ط الأولى.

(7)

انظر: شرح أسماء الله (ص:31) .

(8)

انظر: المصدر السابق (ص: 98) .

(9)

انظر: المصدر السابق (ص: 215) ، والرسالة (2/582) - المحققة-.

(10)

انظر: شرح أسماء الله (ص: 260) .

(11)

انظر: الرسالة (2/661)، وانظر: في موقفه من بعض الصفات كاليدين والمجيء وغيرها الإمام القشيري (ص: 143-152) .

ص: 593

الأمر وكأنه ليس في الأمة الإسلامية إلا الأشاعرة، والمعتزلة، وأن قول الأشاعرة إذا بطل لا يبقى إلا قول المعتزلة فهل يكون هو المعتمد؟! يقول القشيري بعد كلام طويل: " وإذا لم يكن في مسألة لأهل القبلة غير قول المعتزلة، وقول الأشعري قول زائد، فإذا بطل قول الأشعري فهل يتعين بالصحة أقوال المعتزلة، وإذا بطل القولان فهل هذا إلا تصريح بأن الحق مع غير أهل القبلة؟! وإذا لعن المعتزلة والأشعري في مسألة لا يخرج ثول الأمة عن قوليهما، فهل هذا إلا لعن جميع أهل القبلة؟! (1) ، ثم يذكر المسائل التي نقمت على الأشعري ولعن من أجلها، ويناقشها واحدة واحدة وأهم هذه المسائل:

أ - اتهامه مع أصحابه أنهم يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بنبيٍّ في قبره ولا رسول بعد موته، ويرد هذه التهمة ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حيٌ في قبره ويذكر الأدلة على ذلك (2) ، وهذه أيضاً أوقعت الأشاعرة في مشكلة أخرى وهي كيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حياً في قبره، وما معنى هذه الحياة وما مداها، والإجابة عن هذه الأسئلة مما يثير التساؤل حقاً، خاصة في ظل التصاق التصوف بالمذهب الأشعري، ومن المعلوم أن البيهقي الف رسالة في حياة الأنبياء في قبورهم ولا شك أنه ألفها بسبب ما أثير في هذه المحنة.

ب - أن الأشعري يقول: إن الله لا يجازي المطيعين على إيمانهم وطاعتهم، ولا يعذب الكفار والعصارة على كفرهم ومعاصيهم، ويرد على ذلك موضحاً مذهب الأشاعرة في القدر (3) .

جـ - في مسألة كلام الله وأن موسى لم يسمع كلام الله، وأنه ليس القرآن في المصحف وقد أجاب القشيري عن ذلك موضحاً مذهب الأشاعرة (4) .

(1) شكاية أهل السنة (ص:9-10) ، ضمن الرسائل القشيرية - وطبقات السبكي (3/405-406) .

(2)

انظر: الشكاية- ضمن الرسائل القشيرية - (ص: 10-28) ، وطبقات السبكي (3/405-406) .

(3)

انظر: المصدر السابق (ص: 28-38، و 3/413-416) .

(4)

انظر: المصدر نفسه (ص: 38-42، و 3/416-418) .

ص: 594

د - أن الأشعري يكفر العوام الذين لا يملكون النظر والاستدلال، وقد رد القشيري على ذلك (1) .

هـ - أن الاشتغال بعلم الكلام بدعة، وقد دافع القشيري عن علم الكلام، وأن القول بأنه صفة الحشوية الذين لا تحصيل لهم (2) .

وبهذا الدفاع الذي جاء بأسلوب بث الشكوى برز القشيري كعلم من أعلام الأشاعرة، وكان لذلك دوره في تبني ما كان عنده من تصوف.

الجانب الآخر: إدخال التصوف في المذهب الأشعري، وربطه به، وذلك حين ألف القشيري رسالته المشهورة في التصوف وأحواله وتراجم رجاله المشهورين، فذكر في أحد فصول الرسالة، وفي ثناياها أن عقيدة أعلام التصوف هي عقيدة الأشاعرة فنسب إليهم أنهم يقولون: " إنه أحدي الذات، ليس يشبه شيئاً من المصنوعات، ولا يشبه شيء من المخلوقات ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور في الأوهام، ولا يتقدر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان، ولا يجوز في وصفه زيادة ولا نقصان، ولا يخصه هيئة وقد، ولا يقطعه نهاية وحد، ولا يحله حادث، ولا يحمله على الفعل باعث

ولا يُقال له: أين، ولا حيث ولا كيف

يُرى لا عن مقابلة

خالق أكساب العباد" (3) ، ويركز على نفي أن الله في جهة العلو (4) ، ثم يقول في أواخر الرسالة: " فإذا كان أصول هذه الطائفة أصح الأصول، ومشايخهم أكبر الناس، وعلماؤهم أعلم الناس، فالمريد الذي له إيمان بهم: إن كان من أهل السلوك والتدرج إلى مقاصدهم فهو يساهمهم فيما خصوا به من مكاشفات الغيب، فلا يحتاج إلى التطفل على من هو خارج عن هذه الطائفة، وإن كان مريداً طريقة الأتباع وليس بمستقل بحاله، ويريد

(1) انظر: الشكلية (ص: 42-45، و 3/418-420) .

(2)

انظر: المصدر نفسه (ص: 43-49، و 3/421-423) .

(3)

الرسالة (1/50-51) .

(4)

انظر: المصدر السابق (1/21، 37-38،46) .

ص: 595

أن يعرج في أوطان التقليد إلى أن يصل إلى التحقيق فليقلد سلفه وليجر على طريقة هذه الطبقة فإنهم أولى به من غيرهم" (1) ، فهو يرى أن من أراد دخول طريقة التصوف كوشف مع شيوخه، ومن لم يرد دخول طريقة التصوف فعليه بتقليدهم في القعائد لأنهم أولى من غيرهم.

ودعوى القشير أن هذه عقائد شيوخ الصوفية ليست مسلمة، وليس هذا موضع مناقشة ذلك، ولكن الذي حدث هو تبني أعلام الأشاعرة للتصوف وتمثل ذلك بشكل واضح في الغزالي ومن جاء بعده.

على أنه يجب أن لا يغيب عن البال هنا أن هناك من الأشاعرة من سبق القشيري إلى نوع ممن الارتباط بالتصوف، فالمحاسبي الكلابي تصوفه مشهور، وكذلك كان من أخص تلاميذ أبي الحسن الأشعري بندار خادمه، وعبد الله ابن خفيف وكانا من المتصوفه المشهورين، وعبد القاهر البغدادي ذكر أنه:" قد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من الصوفية ما فيهم واحد من أهل الأهواء، بل كلهم من أهل السنة سوى ثلاثة"(2) ، والبغدادي يقصد بأهل السنة الأشاعرة، ولكن الذي تميز به القشيري أنه ذكر قواعد التصوف وأصوله، وأحوال المريدين، وآداب الصوفية، ودعا إلى سلوك طريقتهم، وفي أثناء ذلك نسب إليهم العقائد الأشعرية، وأنهم يخالفون المعتزلة والمشبهة.

وقد يظن البعض أن تصوف القشيري كان تصوفاً سنياً، بعيداً عن شطحات وبدع الصوفية، ولكن المتمعن في كتبه يجد غير ذلك، وقد كتبت دراسات عن القشيري وتصوفه (3)، ويمكن الإشارة باختصار إلى القضايا التالية في تصوفه:

(1) الرسالة (2/734) .

(2)

أصول الدين (ص: 315) .

(3)

منها: الإمام القشيري: سيرته، آثاره، مذهبه في التصوف، لإبراهيم بسيوني، ومقدمة تحقيق نحو القلوب لأحمد الجندي - وله ميل إلى التصوف -.

ص: 596

أ - صلته بطائفة الملامتية (1) ، التي انتشرت في بلده نيسابور، وقد ترجم لبعض أعلامها (2) ، ويربط بعض الدراسين بين ما عند هذه الطائفة من كتمان لأحوالهم وما عند الرافضة من التقية، ويشير إلى أمر مستغرب وهو أن القشيري لم يرد على طائفة الذين عظم شأنهم في زمنه (3) .

ب - إيمانه بوجود القطب (4) ، والأوتاد (5) ، والأبدال (6) ،والغوث (7) ، وتفسير القرآن بما يوافق ذلك، فمثلاً يقول في قوله تعالى:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} (الكهف:47) ، " كما تقتلع الأرض يوم القيامة بأوتادها، تسير اليوم بموت الأبدال الذين هم والقطب كجبال الأرض، إذ هم في الحقيقة أوتاد

(1) سبق في (ص: 167) ، التعريف بطائفة من الطوائف المنتسبة إليهم وهم اليونسية، وهنا نعرف بهم تعريفاً عاماً بأنهم الذين لم يظهر على ظواهرهم فما في بطونهم أثر، لأنهم يجتهدون في الإخلاص، والملامتي لا يظهر حيراً ولا يضمر شراً، ولذلك فهم يسترون صلاحهم بأمور تتداولها العوام ليست بمخالفات ولا معاص مبالغة في الخفاء، وينسب انتشار هذا المذهب في نيسابور إلى أبي صالح حمدون بن أحمد القصار المتوفى سنة 271هـ، انظر: الرسالة القشيرية (1/114)، وعوارف العوارف (ص: 71) ، ومعجم مصطلحات الصوفية (ص: 249) ، وانظر: عن نشأتهم: القشيري لإبراهيم بسيوني (ص:17) ، وما بعدها.

(2)

انظر: الرسالة القشيرية (1/114) .

(3)

انظر: القشيري لإبراهيم بسيوني (ص: 25) .

(4)

القطب عند الصوفية: عبارة عن رجل واحد هو موضوع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان وهو على قلب إسرافيل عليه السلام، وحين يلتجأ إليه يسمى الغوث، انظر: اصطلاحات الصوفية للكاشاني (ص: 45)، ومعجم اصطلاحات الصوفية (ص: 217) .

(5)

الأوتاد عند الصوفية: الرجال الأربعة على منازل الجهات الأربع من العالم، بهم يحفظ الله تلك الجهات لكونهم محال نظره تعالى، اصطلاحات الصوفية (ص: 33) ، ومعجم مصطلحات الصوفية (ص: 264) .

(6)

ويقال البدلاء: وهم مجموعة - اختلف الصوفية في عددهم - على قلب إبراهيم عليه السلام، إذا سافر أحد منهم عن موضع ترك فيه جسداًعلى صورته بحيث لا يعرف أحد أنه فقد، انظر: اصطلاحات الصوفية (ص: 36)، والتعريفات للجرجاني (ص: 24) ، والصلة بين التصوف والتشيع (ص: 458) .

(7)

الغوث - عن الصوفية - هو القطب حين يلتجأ إليه، ولا يسمى في غير ذلك الوقت غوثاً، اصطلاحات الصوفية (ص: 167) ، والتعريفات (ص:87) .

ص: 597

العالم" (1) ، ويقول في قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} (النحل:15) ، " في الظاهر الجبال، وفي الإشارة الأولياء الذين هم غياث الخلق، وبهم يرحم ربهم عباده، ومنهم إبدال ومنهم أوتاد، ومنهم القطب" (2) .

جـ - إقراره لما يقع للمتصوفة في حال فنائهم بربهم إلى حد أن يقول أحدهم: أنا الحق أو سبحاني، يبرر ذلك (3) .

د - قوله أن " هو " اسم موضوع للإشارة، وأنه عند الصوفية إخبار عن نهاية التحقيق، وينقل عن ابن فورك أنه قال:" هو: حرفان، هاء وواو، فالهاء تخرج من أقصى الحلق، وهو آخر المخارج، والواو تخرج من الفم، وهو أول المخارج، فكأنه يشير إلى ابتداء كل حادث منه وانتهاء كل حادث إليه"(4)، ويقول: إن أهل الإشارة يقولون: " إن الله كاشف الأسرار يقول هو وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء "(5) .

هـ - دعوته إلى أدب المريد مع الشيخ، وأنه يجب عليه أن يكون يره بشيخه أكثر من بره بوالديه، ويروي عن أبي عبد الرحمن السلمي يقول:" سمعت الأستاذ أبا سهل الصعلوكي يقول: " من قال لأستاذ: لم، لا يفلح أبداً " (6) ، ويقول بعد ذكر قصص الصوفية الغريبة: " واعلم أن هذه الألفاظ توهم ظواهرها، وإنما يقف على معانيها ومرمى القول فيها من جمع بين حقائق الأصول وبين شيء من علوم هذه الطائفة، وتحقق ولو بشظية من معانيه، وإلا وقع في الاعتراض على السادة، ونعوذ بالله من تلك العقوبة" (7) ، ويقول بعد ذكر قصة لهم: " وهكذا سنة الله في أوليائه أن يسترهم عمن لا يبلغ مرتبتهم " (8) .

(1) لطائف الإشارات - عن القشيري - (ص: 27) .

(2)

المصدر السابق، نفس الصفحة.

(3)

رسالة ترتيب السلوك، ضمن الرسائل القشيرية (ص:72-73) .

(4)

شرح أسماء الله الحسنى (ص: 71-72) .

(5)

المصدر السابق (ص: 72) .

(6)

نفسه (ص:230)، وانظر: الرسالة (2/735) .

(7)

نفسه (ص: 136) .

(8)

نفسه (ص: 46) .

ص: 598

و - يذكر القشيري الخلاف في الولي: هل يجوز أن يعلم أنه ولى أم لا فيقول: " كان الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله يقول: لا يجوز ذلك، لأنه يسلبه الخوف ويوجب له الأمن، وكان الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله يقول بجوازه"، قال القشيري:" وهو الذي نؤثره ونقول به، وليس ذلك بواجب في جميع الأولياء "(1) .ز - ينصح المريدين بسلوك طريق الصوفية، ويفضلهم على أهل النقل والأثر وأرباب العقل والفكر، ويرى أن الصوفية أهل الوصال، والناس أهل الاستدلال، ويرى ليس هناك عصر من العصور إلا وفيه شيخ من شيوخ هذه الطائفة، وأن علماء الوقت يخضعون له ويتبركون به، ويذكر قصة لأحمد بن حنبل والشافعي مع شيبان أحد الصوفية (2) ، ويرى على المريد إذا لم يجد من يتأدب معه في بلده أن يهاجر إلى من هو منصوب في وقته لإرشاد المريدين، ثم يقيم عليه ولا يبرح عن سدته - أي داره - إلى وقت أن يأذن له الشيخ، ثم يعقب القشيري بكلام خطير حين يقول:" إن تقديم معرفة رب البيت - سبحانه - على زيارة البيت واجب، فلولا معرفة رب البيت ما وجبت زيارة البيت"(3) ، وينعى على الشبان الذين يحجون من غير إشارة الشيوخ (4) .

ح - إباحته للسماع، وذكره للأدلة في ذلك، ومناقشته للمخالفين (5) .

*

*

*

هذه مقتطفات من منهج وأصول القشيري أحد أعلام الأشاعرة، وهي تبين مدى صلته بالصوفية وتمكنه فيها حتى صار شيخاً فيها، ومدى ثقته بعقيدة الأشاعرة حتى نسب إلى شيوخ الصوفية أنهم لا يخالفونها، ولا شك أن القشيري يمثل مدرسة كان لها الأثر الكبير في عقائد ومنهج الأشاعرة.

(1) الرسالة (2/662) .

(2)

انظر: المصدر السابق (2/731-733) .

(3)

المصدر السابق (2/743) .

(4)

انظر: المصدر نفسه (2/742-743) .

(5)

انظر: الرسالة (2/673)، ورسالة: كتاب السماع ضمن الرسائل القشيرية (ص: 50) وما بعدها.

ص: 599