الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن هؤلاء مع إيجابهم دين الإسلام وتحريمهم ما خالفه يردون على أهل البدع المشهورين بمخالفة السنة والجماعة كالخوارج والشيعة والقدرية والجهمية، ولهم في تكفير هؤلاء نزاع وتفصيل " (1) ، ويذكر شيخ الإسلام أن ملاحدة الصوفية يتظاهرون عند أهل السنة بأنهم أشعرية (2) .
رابعاً: الأشاعرة يحمدون لما لهم من مساع وجهود مشكورة:
وقد مر في الفقرة السابقة جزء من هذه الجهود في ردودهم وفضحهم للباطنية وغيرهم، أما هنا فنزيد الأمر إيضاحاً ببيان جهودهم المختلفة في الرد على أهل البدعة والدفاع عن أهل السنة، وهذه نماذج من أقوال شيخ الإسلام فيهم:
1-
يقول بعد كلام طويل عن الأشاعرة، وتحذير العلماء منهم:" ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء من المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذك: منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخير الأمور أوسطها، وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين. والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (3) (الحشر:10) ".
(1) الصفدية (1/270-271) .
(2)
انظر: المصدر السابق (1/285-286) .
(3)
انظر: درء التعارض (2/102-103)
2-
ويقول عن مجموعة من الأشاعرة وغيرهم: " الواحد من هؤلاء لم يعظمه من يعظمه من المسلمين إلا لما قام به من دين الإسلام، الذي كان فيه موافقا لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الواحد من هؤلاء له مساع مشكورة في نصر ما نصره من الإسلام والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول. فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله، وإظهار العلم الصحيح الموافق لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمظهر لباطل من خالف الرسول، وما من أحد من هؤلاء ومن هو أفضل منه إلا وله غلط في مواضع"(1) .
3-
وفي موضع آخر يذكر ما لهؤلاء من حسنات فإنها إما موافقة لأهل السنة، أو رد على أهل البدعة، فيقول في نص طويل:" وكذلك متكلمة أهل الإثبات مثل الكلابية، والكرامية، والأشعرية، إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان الصانع وصفاته، وإثبات النبوة، والرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب، وبيان تناقض حججهم وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة".
"فحسناتهم نوعان: إما موافقة أهل السنة والحديث، وإما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم".
"ولم يتبع أحد مذهب الأشعري ونحوه إلا لأحد هذين الوصفين أو كليهما (2) ، وكل من أحبه وانتصر له من المسلمين وعلمائهم فإنه يحبه وينتصر له بذلك، فالمصنف في مناقبه، الدافع للطعن واللعن عنه - كالبيهقي والقشيري أبي القاسم، وابن عساكر الدمشقي - إنما يحتجون لذلك بما يقوله من أقوال أهل السنة والحديث، أو بما رد من أقوال مخالفيهم. لا يحتجون له عند الأمة وعلمائها وأمرائها إلا بهذين الوصفين، ولولا أنه كان من أقرب بني جنسه إلى
(1) درء التعارض: (8/275)
(2)
في مجموع الفتاوى: كلاهما.
ذلك لألحقوه بطبقته الذين لم يكونوا كذلك كشيخه الأول أبي علي، وولده أبي الهاشم، لكن كان له من موافقة مذهب السنة والحديث في الصفات، والقدر، والإمامة، والفضائل، والشفاعة، والحوض، والصراط، والميزان، وله من الردود على المعتزلة، والقدرية، والرافضة، والجهمية، وبيان تناقضهم ما أوجب أن يمتاز بذلك عن أولئك، ويعرف له حقه وقدره {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] ، وبما وافق فيه السنة والحديث صار من القبول والاتباع ما صار، لكن الموافقة التي فيها قهر المخالف وإظهار فساد قوله هي من جنس المجاهد المنتصر، فالراد على أهل البدع مجاهد
…
" (1) .
4-
وللأشاعرة جهود في كسر سورة المعتزلة والجهمية، يقول ابن تيمية عن أعلامهم كابن مجاهد والباقلاني والأسفراييني وابن فورك:"وصار هؤلاء يردون على المعتزلة ما رده عليهم ابن كلاب والقلانسي والأشعري وغيرهم من مثبتة الصفات، فيبينون فساد قولهم بأن القرآن مخلوق وغير ذلك، وكان في هذا من كسر سورة المعتزلة والجهمية ما فيه ظهور شعار السنة، وهو القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، وإثبات الصفات والقدر وغير ذلك من أصول السنة "(2) . وفي موضع آخر يذكر ما رده الأشعرية " من بدع المعتزلة والرافضة والجهمية وغيرهم، وبينوا من تناقضهم، وعظموا الحديث والسنة ومذهب الجماعة، فحصل بما قالوه من بيان تناقض أصحاب البدع الكبار وردهم ما انتفع به خلق كثير "(3) .
5-
ويرى أن لهم حسنات وفضائل وسعيا مشكورا "وخطؤهم بع الاجتهاد مغفور "(4) .
(1) مجموع الفتاوى (4/12-13) .
(2)
شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/557-558) .
(3)
الفرقان بين الحق والباطل - مجموع الفتاوى (13/99) .
(4)
النبوات (ص 220) .