الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتفتازاني والإيجي وغيرهم يلاحظ هذا المنهج واضحاً، حتى إن مباحث الإلهيات - وهي المقصودة - لا تأخذ من الكتاب الواحد منها إلا جزءاً صغيراً في آخر الكتاب، والباقي كله مقدمات منطقية وطبيعية وفلسفية، وقد علل هؤلاء المتأخرون هذا الخلط بمثل قول التفتازاني المتوفى سنة 791هـ،:" لما كان من الباحث الحكمية مالا يقدح في العقائد الدينية ولم يناسب غير الكلام من العلوم الإسلامية خلطها بمسائل الكلام إفاضة للحقائق، وإفادة لما عسى أن يستعان به التقصي عن المضائق وإلا فلا نزاع في أن أصل الكلام لا يتجاوز مباحث الذات والصفات والنبوة والإمامة والمعاد وما يتعلق بذلك من أحوال الممكنات"(1) .
* * *
وقبل الانتقال إلى الأشاعرة الذين عاصروا شيخ الإسلام ابن تيمية أود الإشارة إلى اثنين من أعلام الأشاعرة المشهورين جاءا بعد الرازي وهما:
-
أبو الحسن الآمدي:
المتوفى (2) سنة 631هـ.
وقد اشتهر بكتابه الكبير الذي لا يزال مخطوطاً وهو أبكار الأفكار، وقد اختصره في كتابه الآخر غاية المرام في علم الكلام، وهو مطبوع، ومنهج الآمدي يقرب من منهج الرازي في بعض الأمور ومنها:
(1) شرح المقاصد (1/14) .
(2)
هو: أبو الحسن علي بن أبي محمد بن سالم، سيف الدين الآمدي، ولد سنة 551هـ في آمد من ديار بكر، انتقل وهو شاب إلى بغداد فدرس بها، ثم تعرض لاتهام الفقهاء له بسبب ميله إلى العلوم العقلية فانتقل سنة 592هـ إلى مصر وبقي فيها مدرساً في بعض مدارسها وقد تعرض فيها أيضاً إلى محنة أخرى حيث نسب إليه فساد العقيدة لغلوه في الفلسفة، ثم انتقل إلى حماة ودمشق حيث تولى مرتبة الأستاذية في المدرسة العزيزية ثم عزل عنها، ومات سنة 631هـ، من مؤلفاته الأحكام في أصول الأحكام، ومنتهى السول، مطبوعان، وله أيضاً الإبكار، والغاية، ودقائق الحقائق وغيرها، انظر: أخبار العلماء للقفطي (ص: 161)، وعيون الأبناء (ص: 650) ، ووفيات الأعيان (3/293) وسير أعلام النبلاء (22/364) ، وطبقات السبكي (8/306) .
1-
خلطه علم الكلام بالفلسفة، وهو يُعنى كثيراً بالمصطلحات وبيانها.
2-
نقده لأدلة الأشاعرة في المسائل المختلفة وتضعيفها، فهو مثلاً يقول عن دليل الشهرستاني على حدوث العالم بعد أن نقله بطوله:" وهو عند التحقيق سراب غير حقيقي "(1) ، كما أنه في مسألة حلول الحوادث يستعرض جميع أدلة الأشاعرة على نفيها ثم يضعفها واحداً واحداً (2) ، وإن كان رجح نفيها بدليل اختاره (3) ، وكذلك أيضاً اعترض على جواب الأشاعرة عن الاعتراض الموجه لهم حين نفوا الجهة بأن الرؤية لا تكون إلا في جهة فأجابوا عن ذلك بمثال المرآة وأن الإنسان يرى نفسه فيها لا في وجهه، فالآمدي قال عن هذا الجواب " لكن فيه نظر، وهو مما لا يكاد يقوى "(4) .
3-
ميله إلى التصوف الفلسفي، حتى أنه قال في الأبكار في معرض بيانه أن المعرفة قد تحصل بعدة أمور فذكر منها " طريق السلوك والرياضة، وتصفية النفس وتكميل جوهرها حتى تصير متصلة بالعوالم العلوية، عالمة بها مطلعة على ما ظهر وبطن من غير احتياج إلى دليل ولا تعلم ولا تعليم "(5) .
4-
الحيرة وإيراد الإشكالات، ومن الأمثلة ذلك قوله في دليل إثبات الصانع الذي أتى به المتكلمون:" وإن أمكن بيان ذلك فهو مما يطول ويصعب تحقيقه جداً على أرباب العقول "(6)، وقال عن مسألة خلق الأعمال وقول المعتزلة فيها:" وهو موضع غمرة ومحز إشكال "(7) ، وفي مسألة من أهم المسائل
(1) غاية المرام في علم الكلام (ص: 260) .
(2)
غاية المرام في علم الكلام (ص: 187-191) .
(3)
انظر: المصدر السابق (ص: 191) .
(4)
المصدر نفسه (ص: 168)، والرازي يميل إلى هذا التضعيف كما تدل عليه عبارته في إيراد أدلة المعترضين على ثبوت الرؤية (انظر: الأربعين ص: 213، والمحصل ص: 192) .
(5)
أبكار الأفكار -مخطوط - (1/27- أ) .
(6)
غاية المرام (ص: 249) .
(7)
المصدر السابق (ص: 214) .
في مذهب الأشاعرة وهي القول بأن كلام الله واحد، أورد الاعتراض الذي يقول: لم لا يقال: إن الصفات كالسمع والبصر والكلام والحياة لا ترجع إلى الذات، مثل القول بأن الكلام واحد مع أنه متنوع، فأجاب الآمدي بقوله:" وما أوردوه من الإشكال على القول باتحاد الكلام وعود الاختلاف إلى التعلقات والمتعلقات فَمُشْكِل، وعسى أن يكون عند غيري حله، ولعسر جوابه فر بعض أصحابنا إلى القول بأن كلام الله تعالى القائم بذاته خمس وصفات مختلفة وهي الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء "(1) .
5-
ومما يلاحظ على الآمدي - مثل الرازي - التقرب إلى سلاطين زمانه - ومن حولهم - بإهداء كتبه إليهم (2) ، ولعل مرد ذلك إلى نوع من طلب الحماية من اعتراض عموم علماء المسلمين وفقهائهم عليه.
- أما ما خالف فيه الآمدي الرازي فأمور:
1 -
منها: أنه مع غلبة الحيرة عليه حتى في الأصول الكبار إلا أن تناقضه أقل من تناقض الرازي، والآمدي يورد أدلة من سبقه بخلاف الرازي الذي يوردها ويستنبط من عنده أدلة أخرى جديدة، مما يوقعه في التناقض.
2-
والآمدي كثيراً ما يرد على الرازي، بل له كتاب لا يزال مخطوطاً اسمه المآخذ على الإمام الرازي أو تلخيص المطالب العالية ونقده (3)، كما رد عليه في مسألة حلول الحوادث وقول الرازي: إنها لازمة لجميع الطوائف (4) .
3-
والآمدي لا يتزعزع يقينه في أن أدلة السمع ظنية لا تفيد اليقين، بخلاف الرازي الذي يشكك أحياناً في أدلة العقل فيحيل على أدلة السمع، وقد
(1) أبكار الأفكار (1/95-ب-96-أ) .
(2)
انظر مثلاً: مقدمة الأحكام (1/4)، والمبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتعلمين (ص:61-62) ، ت حسن محمود، أو (ص: 37-38) ، ت عبد الأمير الأعسم.
(3)
غاية المرام (ص: 456) ، في قائمة المراجع، وذكر المحقق أن لكتابه المآخذ نسخة مصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة - رقم 3 توحيد -.
(4)
انظر: غاية المرام (ص: 187) .