الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه خلاصة منهجه في ذلك، يوضح فساد الأقوال، وأحياناً بعض مواقف أصحابها، ويبين تناقضهم، وحين يصل الأمر إلى الحكم على أشخاصهم يلتفت إلى أمور أخرى ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وهذه نماذج لمواقفه من بعض أعلام الأشاعرة.
أ - أبو الحسن الأشعري:
دافع ابن تيمية عن شيوخ الأشاعرة - وعلى رأسهم ابن كلاب (1) - وكثيراً ما يقرن الأشعري بابن كلاب والكلابية، فيقول مثلاً:" لهذا كان المتكلمة الصفاتية كابن كلاب والأشعري وابن كرام خيراً وأصح طريقاً في العقليات والسمعيات من المعتزلة، والمعتزلة خيراً وأصح طريقاً في العقليات والسمعيات من المتفلسفة، وإن كان في قول كل من هؤلاء ما ينكر عليه وما خالف فيه العقل والسمع، ولكن من كان أكثر صواباً وأقوم قيلا كان أحق بأن يقدم على من هو دونه تنزيلاً وتفصيلاً "(2)، ويقول عنهما:" لا ريب أن قول ابن كلاب والأشعري ونحوهما من المثبتة للصفات ليس هو قول الجهمية، بل ولا المعتزلة، بل هؤلاء لهم مصنفات في الرد على الجهمية والمعتزلة وبيان تضليل من نفاها، بل هم تارة يكفرون الجهمية والمعتزلة، وتارة يضللونهم "(3) .
أما الأشعري نفسه فكلامه حوله كثير:
1-
ففي معرض دفاعه عنه ذكر أنه: " ابتلى بطائفتين، طائفة تبغضه وطائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه، ويقول: إنما صنف هذه الكتب تقية وإظهاراً لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم، وهذا كذب على الرجل، فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته، فدعوى المدعي
(1) سبقت الإشارة - عند الحديث عن ابن كلاب في نشأة الأشاعرة - كيف دافع ابن تيمية عن ابن كلاب فيما اتهم به من تأييد دين النصارى، وممن ذكر هذه الفرية مؤيداً لها: السكسكي الحنبلي المتوفى سنة 682هـ، في كتابه " البرهان في معرفة عائد أهل الأديان " (ص: 19) .
(2)
شرح الأصفهانية (ص: 55) .
(3)
المسألة المصرية في القرآن، مجموع الفتاوي (12/202) .
أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردوده شرعاً وعقلاً، بل من تدبر كلامه في هذا الباب - في مواضع - تبين له قطعاً أنه كان ينصر ما أظهره. ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه لئلا يقال: إنهم خالفوه، مع كون ما ذهبوا إليه من السنة قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعولون، وعليها يعتمدون ".
" والفريق الآخر: دافعوا عنه لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يظهرون إلا خلاف هذا القول، ولكونهم اتهموه بالتقية، وليس كذلك، بل هو انتصر للمسائل المشهورة عند أهل السنة التي خالفهم فيها المعتزلة كمسألة الرؤية، والكلام، وإثبات الصفات، ونحو ذلك، لكن كانت خبرته بالكلام مفصلة، وخبرته بالسنة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة
…
" (1) .
2-
كما يمتدح شيخ الإسلام ما عمله من بيان تناقض المعتزلة، خاصة وأنه الخبير بأقوالهم، يقول: -في بيان تناقض أهل الكلام -: " وهذا مما مدح به الأشعري فإنه بين من فضائح المعتزلة وتناقض أقوالهم وفسادهم ما لم يبينه غيره، لأنه كان منهم، وكان قد درس الكلام على أبي علي الجبائي أربعين سنة، وكان ذكياً، ثم إنه رجع عنهم وصنف في الرد عليهم، ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم، ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيراً بالسنة والحديث وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم "(2) . ويقول أيضاً عن المعتزلة: " والأشعري وغيره من متكلمة الإثبات انتدبوا لبيان تناقضهم في أصلهم، وأوعبوا في بيان تناقض الأقوال، وحكاية الأشعري مع الجبائي في الإخوة الثلاثة (3) مشهورة (4) .
(1) المسألة المصرية في القرآن، مجموع الفتاوي (12/204) .
(2)
منهاج السنة (3/71) ، وفي شرح حديث النزول - مجموع الفتاوي (5/556) ذكر أنه بين من تناقض المعتزلة ما لم يبينه غيره حتى جعلهم في قمع السمسة.
(3)
سبق ذكرها (ص: 373) .
(4)
المصدر السابق (2/47-48) ، مكتبة الرياض الحديثة.
3-
كما ذكر أن الأشعري كان ينتسب إلى الإمام أحمد، وأنه أقرب إليه من بعض الحنابلة، يقول:" وكان الأشعري أقرب إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأهل السنة من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة كابن عقيل، وصدقة بن الحسين، وابن الجوزي، وغيرهم (1) ، ويقول: " والأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد رحمه الله ونحوه، المنتصرين لطريقه، كما يذكر الأشعري ذلك في كتبه.. [ثم يقول] وأما الأشعري فهو أقرب إلى أصول أحمد من ابن عقيل وأتبع لها، فإنه كلما كان عهد الإنسان بالسلف أقرب كان أعلم بالمعقول والمنقول.. [ويقول] ولما أظهرت كلام الأشعري - ورآه الحنابلة - قالوا: هذا خير من كلام الشيخ الموفق.. " (2) .
ويذكر أيضاً أن الأشعري أخذ مذهب أهل الحديث والسنة من شيخه المشهور زكريا بن يحيى الساجي (3) .
4-
كما يذكر ما تميز به الأشعري من حرص على نصرة مذهب أهل الحديث، يقول عنه:" وهو دائماً ينصر في المسائل التي فيها النزاع بين أهل الحديث وغيرهم قول أهل الحديث، لكنه لم يكن خبيراً بمأخذهم، فينصره على ما يراه من الأصول التي تلقاها عن غيرها، فيقع في ذلك من التناقض ما ينكره هؤلاء هؤلاء، كما فعل في مسألة الإيمان ونصر فيها قول جهم مع نصره للاستثناء "(4)، وذكر أنه بين طريقة السلف في أصول الدين فقال:" حتى إن الأشعري نفسه وأمثاله قد بينوا طريقة السلف في أصول الدين، واستغنائها عن الطريقة الكلامية، كطريقة الإعراض ونحوها وإن القرآن نبه على الأدلة، من أهل الكلام الذين يقولون: إن الكتاب والسنة لا يدلان على أصول الدين بحال، وإن أصول الدين تستفاد بقياس العقل المعلوم من غيرهما "(5) .
(1) درء التعارض (1/270)، وانظر: كلاماً مشابهاً في شرح الأصفهانية (ص: 78) .
(2)
مجموع الفتاوي (3/227-229) .
(3)
شرح حديث النزول، مجموع الفتاوي (5/386) .
(4)
الإيمان (ص: 115) ط المكتب الإسلامي.
(5)
الاستقامة (1/6) .