المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة لقد كانت لشيخ الإسلام ابن تيمية مواقف إيجابية من الأشاعرة، - موقف ابن تيمية من الأشاعرة - جـ ٢

[عبد الرحمن بن صالح المحمود]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: الماتريدية وعلاقتهم بالأشعرية

- ‌أولا: الأشعري والماتريدي

- ‌ منهج الماتريدي وعقيدته:

- ‌ثانيا: مقارنة بين الأشعرية والماتريدية:

- ‌المبحث الثالث: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

- ‌ أسباب انتشار المذهب الأشعري:

- ‌المبحث الرابع: عقيدة الأشعرية

- ‌الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة وأشهر رجالهم إلى عهد ابن تيمية

- ‌ أبو الحسن الطبري:

- ‌ الباقلاني:

- ‌ابن فورك:

- ‌عبد القاهر البغدادي:

- ‌البيهقي:

- ‌القشيري:

- ‌الجويني:

- ‌منهج الجويني وأثره في تطور المذهب الأشعري:

- ‌أبو حامد الغزالي:

- ‌أعلام الأشاعرة في الفترة بين الغزالي والرازي:

- ‌ ابن تومرت

- ‌ فخر الدين الرازي:

- ‌ منهج الرازي وأثره في تطور المذهب الأشعري

- ‌ أبو الحسن الآمدي:

- ‌ عز الدين بن عبد السلام

- ‌صفي الدين الهندي

- ‌ بدر الدين بن جماعة

- ‌ ناصر الدين البيضاوي

- ‌ عضد الدين الإيجي

- ‌ أبو علي السكوني

- ‌ خلاصة وتعقيب:

- ‌الباب الثاني: موقف ابن تيمية من الأشاعرة

- ‌الفصل الأول: عرضه لجوانبهم الإيجابية واعترافه بما عندهم من حق

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: وصفهم بأنهم من أهل السنة في مقابل المعتزلة والرافضة:

- ‌ثانياً: تفضيله أقوالهم على أقوال غيرهم من المعتزلة والجهمية والفلاسفة:

- ‌ثالثاً: ذكره لإيجابيتهم وردودهم على الباطنية والملاحدة

- ‌رابعاً: الأشاعرة يحمدون لما لهم من مساع وجهود مشكورة:

- ‌خامساً: إنصافه لأعلام الأشاعرة

- ‌أ - أبو الحسن الأشعري:

- ‌ب - الباقلاني والجويني:

- ‌جـ - الغزالي:

- ‌د - الرازي وغيره:

- ‌هـ - الأشاعرة المعاصرون لابن تيمية:

- ‌الفصل الثاني: منهجه العام في الرد على الأشاعرة

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: بيان جوانبهم الإيجابية وما عندهم من حق:

- ‌ثانياً: الكتاب والسنة فيهما ما يغني عما ابتدعه هؤلاء:

- ‌ثالثاً: مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم

- ‌خامساً: جهلهم بالسنة وبمذهب السلف

- ‌سادساً: إرجاع أقوالهم المخالفة لمذهب أهل السنة إلى أصول الفلاسفة والجهمية والمعتزلة

- ‌سابعاً: لا تعارض بين العقل والنقل

- ‌ المقدمات:

- ‌ثامناً: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم، وردود بعضه على بعض

- ‌تاسعا: تناقض الأشاعرة:

- ‌عاشراً: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم:

- ‌حادي عشر: تسلط الفلاسفة والباطنية على المتكلمين:

الفصل: ‌ ‌مقدمة لقد كانت لشيخ الإسلام ابن تيمية مواقف إيجابية من الأشاعرة،

‌مقدمة

لقد كانت لشيخ الإسلام ابن تيمية مواقف إيجابية من الأشاعرة، أنصفهم فيها، وحمد ما قاموا به من الجهود الكبيرة في الدفاع عن الإسلام، ولكن هذه المواقف لم تمنعه من الرد على انحرافاتهم وأخطائهم ومناقشتها بالتفصيل، وقد بذل - رحمة الله - في ذلك جهوداً عظيمة، وألف فيه كتباً كثيرة، أرجع فيها الفروع إلى الأصول، والمسائل الصغيرة إلى أصولها الكبار، وبين الخلفيات والأسباب التي دعت هؤلاء إلى أن يقولوا بأقوال ويعتقدوا عقائدهم المخالفة للكتاب والسنة، وقد كان لخبرته بأصول أهل الضلال من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة ومعرفته بمداخل مذاهبهم، وكيف يرتبون المسائل بعضها على بعض أثر كبير في قوة منهجه، وغوصه في حجبه، وإحراج خصومه عند الرد والمناقشة، وكان من آثار ذلك أن نال منه خصومه، واعتبروه خصمهم اللدود، ولما لم يقووا على مناقشته ورد ما أتى به مما يبهر العقول وينير السبيل لطالب الهدى، لجأوا إلى أساليب أخرى تبتعد عن مناقشة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، من استعداء للسلطة، أو رميه بما هو بريء منه كذباً وزوراً، أو تشويه لأقواله وتصويرها بصورة تنفر منها نفوس عامة الناس كما فعل أشياخهم من قبل مع أشياخ أهل السنة حين رموهم بالحشو والتشبيه وغير ذلك مما هو مسطر مشهور في كتبهم، ولكن ذلك لم يثن عزم شيخ الإسلام - كما لم يثن شيوخ أهل السنة قبلهـ عن أن يبين للناس الحق، ويرد الباطل الذي جاء به أهل الكلام والفلسفة من الأشاعرة وغيرهم.

وقد كان اهتمام شيخ الإسلام بالرد على الأشاعرة كبيراً، ويكفي كمثال على ذلك أن كتابين من أكبر كتبه أفردهما في الرد عليهم، وهما كتاب نقض أساس التقديس، ودرء تعارض العقل والنقل، إضافة إلى الكتب العديدة التي أفردها في ذلك - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمة -.

وردود شيخ الإسلام عليهم ركزت على الأصول التي بنوا عليها مذهبهم، كما أنها لم تغفل الجزئيات والمسائل الفرعية العقدية، وذلك في مسائل توحيد الربوبية والألوهية، والصفات، والقدر، والإيمان، والنبوة، وغيرها.

ص: 723

ومن المفيد جداً قبل الدخول في مناقشاته وردوده التفصيلية على الأشاعرة استقراء منهجه العام في الرد عليهم، لأن هذه الخطوط العريضة توضح جوانب من منهجه قد لا تتضح من خلال الردود التفصيلية المطولة، كما أها تبرز الجوانب الجوهرية والملاحظات الأساسية على مذهب الأشاعرة، والتي بسببها وقعوا في الأخطاء والانحرافات التفصيلية.

وقد كانت لشيخ الإسلام لمحات وإشارات مهمة، نظراً لطول مراسه في هذا الباب، واهتمامه الشديد به:

1-

فهو الخبير بالمذهب الأشعري - بل وكل مذهب رد عليه كما سبق في منهجه - والمتتبع لما كتبه عن الأشاعرة يرى هذا بارزاً، فاطلاعه على تاريخ المذهب الأشعري نشأة وتطوراً، وتاريخ رجاله، وما جرى لهم مع خصومهم من أحداث، وكذا كتبهم التي ألفوها خدمة لمذهبهم أو رداً على خصومهم، على مختلف البلدان والأزمان التي عاشوا فيها - اطلاعه على ذلك واسع جداً، إلى حد أن أحداً من أصحاب هذا المذهب نفسه لا يجاريه في ذلك.

وشيخ الإسلام حينما يرد على مقالة أحد الأشاعرة لا يكتفي بالرد عليها ونقضها مباشرة، وإنما يأتي بالردود من وجوه عديدة، فقائل هذه المقالة إن كانت له كتب أخرى، أو لشيوخه الذين تتلمذ عليهم، أو لشيوخ المذهب عموماً اطلع عليها واستخلص منها ما يرد على صاحب المقالة ويبين عدم ثقته هو أو ثقة شيوخه بهذا الكلام الذي يقوله في المقالة أو الكتاب المردود عليه، وقد أتى شيخ الإسلام في ذلك بأعاجيب.

2-

وقد اختار في ردوده ومناقشاته أن تكون مشتملة على نقل كلام رؤوس الطوائف، ويعلل ذلك بقوله - في معرض بيان أن المتكلمين ضعفت ردودهم على الفلاسفة لأنهم قابلوا الفاسد بالفاسد - " وإنما يحصل النور والهدى بأن يقابل الفاسد بالصالح، والباطل بالحق، والبدعة بالسنة، والضلال بالهدى، والكذب بالصدق، وبذلك يتبين أن الأدلة الصحيحة لا تعارض بحال، وأن المعقول الصريح مطابق للمنقول الصحيح " ثم يقول: " وقد رأيت من هذا عجائب فقل أن رأيت حجة عقلية هائلة لمن عارض الشريعة قد انقدح لي وجه

ص: 724

فسادها وطريق حلها، إلا أن رأيت بعد ذلك من أئمة تلك الطائفة من قد تفطن لفسادها وبيّنه، وذلك لأن الله خلق عباده على الفطرة، والعقول السليمة مفطورة على معرفة الحق لولا المعارضات، ولهذا أذكر من كلام رؤوس الطوائف في العقليات ما يبيّن ذلك، لا لأننا محتاجون في معرفتنا إلى ذلك، لكن ليعلم أن أئمة الطوائف معترفون بفساد هذه القضايا، التي يدعي إخوانهم أنها قطعية، مع مخالفتها للشريعة، لأن النفوس إذا علمت أن ذلك القول قاله من هو من أئمة المخالفين استأنست بذلك واطمأنت به، ولأن ذلك يبيّن أن تلك المسألة فيها نزاع بين تلك الطائفة فتنحل عقد الإصرار والتصميم على التقليد، فإن عامة الطوائف- وإن ادعوا العقليات - فجمهورهم مقلدون لرؤوسهم فإذا رأوا الرؤوس قد تنازعوا واعترفوا بالحق انحلت عقدة الإصرار على التقليد" (1) .

فشيخ الإسلام يذكر ثلاثة أسباب دعته إلى النقل عن رؤساء الطوائف هي:

أ - بيان أن أئمة الطوائف معترفون بفساد هذه القضايا التي يدعي هؤلاء المردود عليهم أنها قطعية.

ب - ناحية نفسية تتمثل في أن هؤلاء إذا علموا أن ذلك القول قد قال به أئمتهم من قبل أنسوا واستأنسوا.

جـ - إزالة عقدة الإصرار والتصميم على هذه المقالة الباطلة حين يتبيّن لهم أن فيها نزاعاً بين رؤسائهم.

3-

وكثيراً ما يرد الأقوال الفاسدة بعضها ببعض، لبيان أن صاحب هذا القول الفاسد- الذي يدور حوله الرد - ينكر على منازعه ما هو أقرب إلى الصحة من قوله، فإذا كان قول منازعه فاسداً فقوله هو أحق بالفساد منه، يقول شيخ الإسلام في رده على الآمدي حين ذكر دليله الثالث على نفي التجسيم عن الله تعالى، وخلاصته: أنه لو كان جسماً لكان له بعد وامتداد، ووجوب تناهي الأبعاد (2) فرد عليه شيخ الإسلام، وكان مما قاله في معرض رده:

(1) درء التعارض (1/376-377) .

(2)

أبكار الأفكار للآمدي (1/142-أ-ب) .

ص: 725

" مع أن ما ذكره من وجوب تناهي الأبعاد قد أبطل فيه مسالك الناس كلها، وأنشأ مسلكاً آخر ذكر أنه لم يسبقه إليه أحد، وإذا حرر الأمر عليه وعليهم في تلك المسالك كان القدح فيها أقوى من مسالكهم في النفي، فلو قدر أن اثنين أثبت أحدهما موجوداُ قائماً بنفسه لا يتناهى، وأثبت الآخر موجوداً لا يكون متناهياً ولا غير متناهٍ، كان قول الثاني أفسد، والأول أقرب إلى الصواب، وما من مقدمة يدعون بها إفساد قول الأول إلا وفي أقوالهم ما هو أفسد منها "(1)، ثم يعقب شيخ الإسلام بقاعدة معينة يضرب لها المثال فيقول:" والمناظرة تارة تكون بين الحق والباطل، وتارة بين القولين الباطلين لتبيين بطلانهما، أو بطلان أحدهما، أو كون أحدهما أشد بطلاناً من الآخر، فإن هذا ينتفع به كثيراً في أقوال أهل الكلام والفلسفة وأمثالهم ممن يقول أحدهم القول الفاسد وينكر على منازعه ما هو أقرب منه إلى الصواب، فيبين أن قول منازعه أحق بالصحة إن كان قوله صحيحاً، وإن قوله أحق بالفساد إن كان قول منازعه فاسداً، لتنقطع بذلك حجة الباطل "(2) ،

ويضرب المثال بالمسألة المطروحة وهي وجود الله وبينونته عن خلقه التي قال عنها الآمدي: إنه لو كان جسماً لكان له بعد وامتداد، والأبعاد لا بد أن تتناهى، ولم قيل: إن الله تعالى لا يتناهى للزم منه أن لا يوجد جسم غيره من المخلوقات، أو أن يخالط القاذورات وهو محال، والآمدي يحل المشكلة بأن يقول إن الله موجود وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، فشيخ الإسلام يأتي بالقول الآخر وهو قول الحلولية أو ما يلزم منه الحلول فيقول:" حكى الأشعري وغيره عن طوائف أنهم يقولون: إنه لا يتناهى، وهؤلاء نوعان، نوع يقول: هو جسم، ونوع يقول: ليس بجسم، فإذا أراد النفاة أن يبطلوا قول هؤلاء لم يمكنهم ذلك، فإنهم إذا قالوا، يلزم منه أن يخالط القاذورات والأجسام، قالوا: كما أثبتم موجوداً لا يشار إليه، ولا هو داخل ولا خارج، فنحن نثبت موجوداً هو داخل، ولا يخالط غيره. فإذا قالوا: هذا لا يعقل، قالوا: وذلك لا يعقل " -ثم يقول شيخ الإسلام- " ومذهب

(1) درء التعارض (4/205-206) .

(2)

درء التعارض (4/206) وقد سبق نقل هذا النص (ص: 302) ..

ص: 726