الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطرحه على المسدود الطّنبورىّ فوقع له موقعا حسنا؛ واستحسنه محمد منه فقال:
أتحبّ أن أهبه لك؟ قال: نعم؛ قال: قد فعلت. فكان المسدود يغنّيه ويدّعيه، وإنما هو لمحمد بن الحارث.
قال محمد: لمّا قدم المأمون من خراسان لم يشتق مغنّيا بمدينة السلام غيرى.
فبعث إلىّ فكنت أنادمه سرّا، ولم يظهر للندماء حتى ظفر بإبراهيم بن المهدىّ؛ فلما عفا عنه ظهر للندماء.
ولمحمد بن الحارث شعر، منه قوله:
ومن ظنّ أنّ التّيه من فضل قدره [1]
…
فإنى رأيت التيه من صغر القدر
ولو كان ذا عزّ ونفس أبيّة
…
لغضّ الغنى منه وعزّ عن الفقر
رأى نفسه لا تستقلّ بحقّها
…
فتاه لنقص النفس أو قلّة الشكر
ذكر أخبار أحمد بن صدقة
قال أبو الفرج الأصفهانىّ: هو أحمد بن صدقة بن أبى صدقة. كان أبوه حجازيّا مغنّيا، قدم على الرشيد وغنّى له. وقد ذكرنا أخباره فى النوادر من كتابنا هذا، فلا حاجة بنا إلى إعادتها. وكان أحمد طنبوريّا محسنا مقدّما حاذقا حسن الغناء محكم الصّنعة. قال: وله غناء كثير فى الأرمال والأهزاج وما يجرى مجراها من غناء الطّنبوريّين. وكان ينزل الشأم. ووصف للمتوكل فأمر بإحضاره، فقدم عليه فغنّاه، فاستحسن غناءه وأجزل صلته. واشتهاه الناس وكثر من يدعوه؛ فكسب بذلك أكثر مما كسبه مع المتوكل أضعافا.
وروى أبو الفرج عن أحمد بن صدقة قال: اجتزت بخالد بن يزيد الكاتب، فقلت له: أنشدنى بيتين من شعرك حتى أغنّى فيهما. فقال: وأىّ حظّ لى فى ذلك!
[1] فى الأصل: «من فضل قدرة» .
تأخذ أنت الجائزة وأحصل أنا على الإثم! فخلفت أنى إن أخذت بشعره فائدة جعلت له فيها حظّا، وأذكرت به الخليفة وسألته فيه. فقال: أمّا الحظّ من جهتك فأنت أنذل من ذلك، ولكن عسى أن تفلح فى مسئلة الخليفة؛ وأنشدنى:
تقول سلا، فمن المدنف
…
ومن عينه أبدا تذرف!
ومن قلبه قلق خافق
…
عليك وأحشاؤه ترجف!
فلما جلس المأمون للشرب دعانى، وكان قد غضب على حظّية له، فحضرت مع المغنّين. فلما طابت نفسه وجّهت إليه بتفّاحة من عنبر عليها مكتوب بالذهب:
«يا سيّدى سلوت» ، وما علم الله أنى عرفت شيئا من خبرهما. وانتهى الدّور إلىّ فغنيّت البيتين؛ فاحمرّ وجه المأمون وانقلبت عيناه وقال: يابن الفاعلة، لك علىّ وعلى حرمى صاحب خبر! فوثبت وقلت: يا سيّدى، ما السبب؟ قال: من أين عرفت قصّتى مع جاريتى حتى غنيّت فى معنى ما بيننا؟ فحلفت أنى لم أعرف شيئا من ذلك، وحدّثته بحديثى مع خالد، فلما انتهيت إلى قوله:«أنت أنذل من ذلك» ضحك وقال: صدق، وعجب من هذا الاتّفاق؛ وأمر لى بخمسة آلاف درهم ولخالد بمثلها.
وروى عنه أيضا قال: دخلت على المأمون فى يوم الشعانين [1] وبين يديه عشرون وصيفة جلب روميّات مزنّرات قد تزيّنّ بالديباج الرومىّ، وعلّقن فى أعناقهن صلبانا من الذهب، وفى أيديهن الخلوص والزيتون. فقال لى المأمون: ويلك يا أحمد! قد قلت فى هؤلاء أبياتا فغنّ بها، ثم أنشدنى:
[1] الشعانين: عيد من أعياد النصارى ويسمى: «الزيتونة» يعملونه فى سابع أحد من صومهم.
ومعنى الشعانين: التسبيح.