المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أخبار جميلة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[القسم الثالث في المدح والهجو والمجون والفكاهات وغيرها]

- ‌[تتمة الباب السادس في الغناء والسماع]

- ‌تابع أخبار المغنين الذين نقلوا الغناء من الفارسية إلى العربية ومن أخذ عنهم ومن اشتهر بالغناء

- ‌ذكر أخبار إسحاق بن إبراهيم

- ‌ذكر أخبار علّويه

- ‌ذكر أخبار معبد اليقطينى

- ‌ذكر أخبار محمد الرف

- ‌ذكر أخبار محمد بن الأشعث

- ‌ذكر أخبار عمرو بن بانة

- ‌ذكر أخبار عبد الله بن العباس الربيعىّ

- ‌ذكر أخبار وجه القرعة

- ‌ذكر أخبار محمد بن الحارث بن بسخنّر [1]

- ‌ذكر أخبار أحمد بن صدقة

- ‌ذكر أخبار أبى حشيشة

- ‌ذكر أخبار القيان

- ‌ذكر أخبار جميلة

- ‌ذكر أخبار عزّة الميلاء

- ‌ذكر أخبار سلّامة القسّ

- ‌ذكر أخبار حبابة

- ‌ذكر أخبار خليدة المكّيّة

- ‌ذكر أخبار متيّم الهشاميّة

- ‌ذكر أخبار ساجى جارية عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

- ‌ذكر أخبار دقاق

- ‌ذكر أخبار قلم الصالحيّة

- ‌ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس

- ‌ذكر أخبار جوارى ابن رامين وهنّ سلّامة الزّرقاء، وربيحة، وسعدة

- ‌ذكر أخبار عنان جارية الناطفىّ

- ‌ذكر أخبار شارية جارية إبراهيم بن المهدىّ

- ‌ذكر أخبار بذل

- ‌ذكر أخبار ذات الخال

- ‌ذكر أخبار دنانير البرمكيّة

- ‌ذكر أخبار عريب [1] المأمونيّة

- ‌ذكر أخبار محبوبة

- ‌ذكر أخبار عبيدة الطّنبوريّة

- ‌الباب السابع من القسم الثالث من الفنّ الثانى فيما يحتاج إليه المغنّى ويضطرّ إلى معرفته، وما قيل فى الغناء، وما وصفت به القيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌ذكر ما يحتاج إليه المغنّى ويضطرّ إلى معرفته وما قيل فى الغناء والقيان من جيّد الشعر

- ‌ذكر ما قيل فى وصف آلات الطرب

- ‌القسم الرابع من الفنّ الثانى فى التهانى والبشائر والمراثى والنوادب والزهد والتوكل والأدعية وفيه أربعة أبواب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى التهانى والبشائر

- ‌ذكر شىء مما هنّئ به ولاة المناصب

- ‌ذكر نبذة من التهانى العامّة والبشائر التامّة

- ‌وكتب أيضا فى مثل ذلك:

- ‌ومما قيل فى التهانى بالفتوحات، وهزيمة جيوش الأعداء

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفن الثانى فى المراثى والنوادب

- ‌ذكر شىء من المراثى والنوادب

- ‌ومما قيل فى شواذّ المراثى:

- ‌الباب الثالث من القسم الرابع من الفن الثانى فى الزهد والتوكل

- ‌ذكر بيان حقيقة الزهد

- ‌ذكر فضيلة الزهد وبغض الدنيا

- ‌ذكر بيان ذمّ الدنيا وشىء من المواعظ والرقائق الداخلة فى هذا الباب

- ‌ذكر بيان الزهد وأقسامه وأحكامه

- ‌ذكر بيان تفصيل الزهد فيما هو من ضروريات الحياة

- ‌ذكر بيان علامات الزهد

- ‌ذكر ما ورد فى التوكل من فضيلته وحقيقته

- ‌ذكر بيان أعمال المتوكلين

- ‌الباب الرابع من القسم الرابع من الفن الثانى فى الأدعية

- ‌ذكر الأوقات التى ترجى فيها إجابة الدعاء

- ‌ذكر دعوات ساعات الأيام السبعة ولياليها

- ‌ذكر ما يدعى به فى المساء والصباح، والغدوّ والرواح، والصلاة والصوم، والجماع والنوم؛ والورد والصدر، والسفر والحضر؛ وغير ذلك

- ‌ ذكر ما ورد فى أسماء الله الحسنى والاسم الأعظم

- ‌النمط الأوّل

- ‌النمط الثانى

- ‌النمط الثالث

- ‌النمط الرابع

- ‌النمط الخامس

- ‌النمط السادس

- ‌النمط السابع

- ‌النمط الثامن

- ‌النمط التاسع

- ‌النمط العاشر

- ‌صورة ما ورد بآخر الجزء الخامس فى أحد الأصلين الفتوغرافيين:

- ‌صورة ما ورد بآخر الجزء الخامس فى الأصل الثانى الفتوغرافى:

الفصل: ‌ذكر أخبار جميلة

وجلت البلاد فما إن أرى

شبيه ابن جدعان وسط العرب

سوى ملك شامخ ملكه

له البحر يجرى وعين الذهب

وأخبار ابن جدعان كثيرة وسيادته فى الجاهليّة مشهورة، ليس هذا موضع إيرادها، وإنما أوردنا ما أوردنا منها فى هذا الموضع على سبيل الاستطراد، فالشىء بالشىء يذكر. فلنرجع إلى أخبار القيان.

‌ذكر أخبار جميلة

هى جميلة مولاة بنى سليم، ثم مولاة بطن منهم يقال لهم بنو بهز، وكان لها زوج من موالى بنى الحارث بن الخزرج، وكان ينزل فيهم، فغلب عليها ولاء زوجها فقيل لها: مولاة الأنصار. وقد قيل: إنها كانت لرجل من الأنصار ينزل بالسّنح.

وقيل: كانت مولاة الحجّاج بن علاط السّلمىّ. قال أبو الفرج الأصفهانىّ: وهى أصل من أصول الغناء، أخذ عنها معبد وابن عائشة وحبابة وسلّامة وعقيلة والعتيقة وغيرهم. وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطاة:

إنّ الدّلال وحسن الغنا

ء وسط بيوت بنى الخزرج

وتلكم جميلة زين النساء

إذا هى تزدان للمخرج

إذا جئتها بذلت ودها

بوجه منير لها أبلج

قال: وكانت جميلة أعلم خلق الله بالغناء. وكان معبد يقول: أصل الغناء جميلة وفرعه نحن، ولولا جميلة لم نكن نحن مغنّين. قال: وسئلت جميلة: أنّى لك هذا الغناء؟

قالت: والله ما هو إلهام ولا تعليم، ولكنّ أبا جعفر سائب خاثر كان جارنا، وكنت أسمعه يغنّى ويضرب بالعود فلا أفهمه، فأخذت تلك النغمات وبنيت عليها غنائى، فجاءت أجود من تأليف ذلك الغناء، فعلمت وألقيت؛ فسمعنى مولياتى يوما وأنا

ص: 41

أغنّى سرّا، ففهمننى ودخلن علىّ وقلن: قد علمنا ما تكتمين وأقسمن علىّ؛ فرفعت صوتى وغنيّتهن بشعر زهير بن أبى سلمى:

وما ذكرتك إلا هجت لى طربا

إنّ المحبّ ببعض الأمر معذور

ليس المحبّ كمن إن شطّ غيّره

هجر الحبيب، وفى الهجران تغيير

فحينئذ شاع أمرى وظهر ذكرى وقصدنى الناس وجلست للتعليم؛ فكان الجوارى يكثرن عندى، وربما انصرف أكثرهن ولم يأخذن شيئا سوى [1] ما سمعننى أطارح غيرهن، وقد كسبت لموالىّ ما لم يخطر لهم ببال، وأهل [2] ذلك كانوا وكنت.

وقد أقرّ لجميلة كلّ مكىّ ومدنىّ من المغنّين. قال: ولما قدم ابن سريح والغريض وابن مسجح وسلم بن محرز المدينة واجتمعوا هم ومعبد وابن عائشة حكّموها بينهم؛ واجتمعوا عندها، وصنع كل منهم صوتا وغناه بحضرتها- وقد ذكر الأصفهانىّ الأصوات- فلما سمعت الأصوات قالت: كلّكم محسن مجيد فى غنائه ومذهبه.

قال ابن عائشة: ليس هذا بمقنع. قالت: أمّا أنت يا أبا يحيى فتضحك الثّكلى بحسن صوتك ومشاكلته النفوس. وأمّا أنت يا أبا عبّاد فنسيج وحده بتأليفك [3] وحسن نظمك وعذوبة غنائك. وأمّا أنت يا أبا عثمان فلك أوّليّة هذ الأمر وفضله. وأمّا أنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح. وأمّا أنت يا أبا الخطّاب فلو قدّمت أحدا على نفسى لقدّمتك. وأمّا أنت يا مولى العبلات فلو ابتدأت قدّمتك عليهم. ثم سألوها جميعا أن تغنّيهم لحنا كما غنّوا، فغنّتهم، فكلهم أقرّوا لها وفضّلوها.

وكانت جميلة قد آلت أنها لا تغنّى أحدا إلا فى منزلها. فكان عبد الله بن جعفر

[1] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «ولم يأخذن شيئا مما سمعننى» .

[2]

كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «وأصل» .

[3]

فى الأغانى: «بجودة تأليفك» .

ص: 42

يأتيها فى مجلسها فيجلس عندها وتغنّيه. فأرادت أن تكفّر عن يمينها وتأتيه فتغنّيه فى بيته؛ فقال: لا أكلّفك ذلك.

وروى الأصفهانىّ أنّ ابن أبى عتيق وابن أبى ربيعة والأحوص بن محمد الأنصارىّ أتوا منزل جميلة واستأذنوا عليها فأذنت لهم. فلما جلسوا سألت عن عمر، فقال لها: إنى قصدتك من مكة للسلام عليك؛ فقالت: أهل الفضل أنت.

قال: وقد أحببت أن تفرّغى لنا نفسك اليوم وتخلى مجلسك؛ قالت: أفعل. فقال لها الأحوص: أحبّ ألّا تغنّى إلا بما نسألك؛ فقالت: ليس المجلس لك، القوم شركاؤك؛ فقال: أجل. قال عمر: فإنى أرى أن نجعل الخيار إليها. قال ابن أبى عتيق: وفّقك الله. فدعت بعود فغنّت:

تمشى الهوينى إذا مشت فضلا

مشى النّزيف [1] المخمور فى الصّعد

تظلّ من بعد بيت جارتها

واضعة كفّها على الكبد

يا من لقلب متيّم سدم

عان رهين مكلّم كمد

أزجره وهو غير منزجر

عنها بطرف مكحّل السّهد

قال راوى هذه الحكاية: فلقد سمعت للبيت زلزلة وللدار همهمة. فقال عمر:

لله درّك يا جميلة! ماذا أعطيت! أنت أوّل الغناء وآخره! ثم سكتت ساعة وأخذت العود فغنّت، فطرب القوم وصفّقوا بأيديهم وفحصوا بأرجلهم وحرّكوا رءوسهم، وقالوا: نحن فداؤك من المكروه، ما أحسن ما غنيّت وأجمل ما قلت!. وأحضر الغداء فتغدّى القوم بأنواع من الأطعمة ومن الفواكه، ثم دعت بأنواع الأشربة؛ فقال عمر: لا أشرب، وقال ابن أبى عتيق مثل ذلك؛ فقال الأحوص: لكنّى

[1] النزيف: السكران.

ص: 43

أشرب، وما جزاء جميلة أن يمتنع من شرابها! فقال عمر: ليس ذاك كما ظننت.

فقالت جميلة: من شاء أن يحملنى بنفسه ويخلط روحه بروحى فعل، ومن أبى ذلك عذرناه، ولم يمنعه ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه والأنس بمحادثته. قال ابن أبى عتيق: ما يحسن بنا إلا مساعدتك. فقال عمر: إنى لا أكون أخسّكم، افعلوا ما شئتم تجدونى سامعا مطيعا. فشرب القوم أجمع؛ فغنّت بشعر ابن أبى ربيعة:

ولقد قالت لجارات لها

كالمها يلعبن فى حجرتها

خذن عنى الظلّ لا يتبعنى

ومضت تسعى إلى قبّتها

لم تعلّق رجلا فيما مضى

طفلة غيداء فى حلّتها

لم يطش قطّ لها سهم ومن

ترمه لا ينج من رميتها

فصاح عمر ثم شقّ جيب قميصه إلى أسفله، ثم ثاب اليه عقله فندم واعتذر وقال: لم أملك من نفسى شيئا. وقال القوم: قد أصابنا الذى أصابك وأغمى علينا غير أننا قد فارقناك فى تخريق الثّياب. فدعت جميلة بثياب فجعلتها على عمر فقبلها ولبسها، وانصرف القوم إلى منازلهم. وكان عمر نازلا على ابن أبى عتيق، فوجّه إلى جميلة بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب كانت معه فقبلتها جميلة، وانصرف عمر إلى مكة جذلان مسرورا.

وروى أبو الفرج بأسانيد رفعها إلى يونس الكاتب والزبير بن بكّار عن عمه مصعب قالا: حجّت جميلة فخرج معها من الرجال المغنّين والنساء والأشراف وغيرهم جماعة ذكرهم أبو الفرج، منهم من المغنّين هنب وطويس والدّلال ومعبد ومالك بن أبى السّمح وابن عائشة ونافع الخير ونافع بن طنبورة وغير هؤلاء ممن ذكرهم؛ ومن النساء المغنّيات جماعة ذكرهنّ: منهن الفرهة وعزّة الميلاء وحبابة وسلّامة وخليدة وعقيلة والشّماسيّة وفرعة ونبيلة ولذّة العيش وسعيدة والزّرقاء؛ ومن غير المغنّين من

ص: 44

الأشراف ابن أبى عتيق والأحوص وكثيّر عزّة ونصيب؛ وجماعة من الأشراف الرجال والنساء. وحج معها من القيان مشيّعات لها ومعظّمات لقدرها خمسون قينة وجّه بهنّ مواليهنّ معها وأعطوهنّ النفقات وحملوهنّ على الإبل فى الهوادج والقباب وغير ذلك؛ فأبت جميلة أن تنفق واحدة منهنّ درهما فما فوقه حتى يرجعن. قال: وتخاير من خزج معها فى اتخاذ أنواع اللّباس العجيب والهوادج والقباب. قال: ولما قاربوا مكة تلقّاهم سعيد بن مسجح وابن سريج والغريض وابن محرز والهذليّون وجماعة من المغنّين من أهل مكة وفتيان كثير [1] ؛ ومن غير المغنّين عمر بن أبى ربيعة والحارث ابن خالد المخزومىّ والعرجىّ وجماعة من الأشراف. فدخلت جميلة مكة وما بالحجاز مغنّ حاذق ولا مغنيّة إلا وهو معها وجماعة من الأشراف [ممن سمّينا وغيرهم من الرجال والنساء، وخرج أبناء أهل مكة من [2]] الرجال والنساء ينظرون إلى جمعها وحسن هيئتهم. فلما قضت حجّها سألها المكيّون أن تجعل لهم مجلسا؛ فقالت: للغناء أم للحديث؟ فقالوا: لهما جميعا. قالت: ما كنت لأخلط جدّا بهزل، وأبت أن تجلس للغناء. فقال عمر بن أبى ربيعة: أقسمت على من كان فى قلبه حبّ لسماع غنائها إلا خرج معها إلى المدينة، فإنى خارج معها. فخرجت فى جمع كثير من الأشراف وغيرهم أكثر من جمعها بالمدينة. فلما قدمت المدينة تلقّاها الناس والأشراف من الرجال والنساء، فدخلت بأحسن مما خرجت منها، وخرج الرجال والنساء فوقفوا على أبواب دورهم ينظرون إلى جمعها وإلى القادمين معها. فلما دخلت إلى منزلها وتفرّق الناس إلى منازلهم ونزل أهل مكة على أقاربهم وإخوانهم، أتاها الناس مسلّمين، وما استنكف من ذلك صغير ولا كبير. فلما مضى لمقدمها عشرة أيام جلست للغناء، وقالت لعمر بن أبى ربيعة: إنى جالسة لك ولأصحابك، فإذا شئت فعد الناس.

[1] فى الأغانى: «وقيان كثيرة لم يسمين» .

[2]

زيادة عن «الأغانى» .

ص: 45

فغصّت الدار بالأشراف من الرجال والنساء، وابتدأت جميلة فغنّت بشعر لعمر بن أبى ربيعة:

هيهات من أمة الرّحمن منزلنا [1]

إذا حللنا بسيف البحر من عدن

واحتلّ أهلك أجيادا فليس لنا [2]

إلا التّذكّر أو حظّ [3] من الحزن

لو أنها أبصرت بالجزع عبرته

وقد تغرّد قمرىّ على فنن

إذا رأت غير ما ظنّت بصاحبها

وأيقنت أنّ لحجا ليس من وطنى

ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها

وموقفى وكلانا ثمّ ذو شجن

وقولها للثّريّا وهى باكية

والدمع منها على الخدّين ذو سنن

بالله قولى له من غير معتبة

ماذا أردت بطول المكث فى اليمن

إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت [4] بها

فما أصبت بترك الحج من ثمن

فكلهم استحسن الغناء، وضجّ القوم لحسن ما سمعوا، وبكى عمر حتى جرت دموعه على ثيابه ولحيته. ثم أقبلت على ابن سريج فقالت: هات، فغنّى صوته بشعر لعمر:

أليست بالّتى قالت

لمولاة لها ظهرا

أشيرى بالسّلام له

إذا ما نحونا نظرا

وقولى فى ملاطفة

لزينب نولّى عمرا

وهذا سحرك النّسوا

ن قد خبّرننى الخبرا

[1] كذا فى الأغانى وديوان عمر بن أبى ربيعة. وفى الأصل: «منزلها» .

[2]

كذا فى الأغانى والديوان. وفى الأصل: «فليس لهم» .

[3]

كذا فى الأغانى والديوان.

وفى الأصل: «همّ» .

[4]

فى الأصل:

إن كنت حاولت دينا أو نعمت به

ص: 46

ثم قالت لسعيد بن مسجح: هات يا أبا عثمان، فاندفع فغنّى. ثم قالت: يا معبد هات، فاندفع فغنّى فاستحسنته. ثم قالت: هات يابن محرز، فإنى لم أؤخّرك لخساسة بك ولا جهلا بالذى يجب فى [1] الصناعة، ولكنى رأيتك تحبّ من الأمور كلّها أوسطها وأعدلها. فجعلتك حيث تحب واسطة بين المكيّين والمدنيّين، فغنّى. ثم قالت للغريض: هات يا مولى العبلات؛ فغنّى بشعر عمرو بن شأس الأبيات، وفى آخرها:

أرادت عرارا بالهوان ومن يرد

عرارا لعمرى بالهوان فقد ظلم

فقالت: أحسن عمرو بن شأس ولم تحسن، إذ أفسدت غناءك بالتعريض، وو الله ما وضعناك إلا موضعك ولا نقصناك من حظّك، فبماذا أهنّاك! ثم أقبلت على الجماعة فقالت: يا هؤلاء اصدقوه وعرّفوه نفسه ليقنع [2] بمكانه. فأقبل القوم عليه وقالوا: يا أبا زيد، قد أخطأت إن كنت عرّضت. فقال: قد كان ذلك، ولست بعائد؛ وقام إلى جميلة فقبّل طرف ثوبها واعتذر، فقبلت عذره وقالت: لا تعد، وأقبلت على ابن عائشة فقالت: يا أبا جعفر، هات، فغنّى، فقالت: حسن ما قلت.

ثم أقبلت على نافع وبديح فقالت: أحبّ أن تغنيّا جميعا بصوت ولحن واحد، فغنيا. ثم أقبلت على الهذلّيين الثلاثة فقالت: غنّوا صوتا واحدا، فاندفعوا فغنّوا.

ثم أقبلت على نافع بن طنبورة فقالت: هات يا نقش الغضارة ويا حسن اللسان؛ فاندفع فغنّى، فقالت: حسن والله. ثم قالت: يا مالك هات، فإنى لم أؤخّرك لأنك فى طبقة آخرهم، ولكن أردت أن أختم بك، يومنا تبرّكا بك، وكى يكون أوّل مجلسنا كآخره ووسطه كطرفه؛ فإنك عندى ومعبدا فى طريقة واحدة ومذهب واحد،

[1] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «من الصناعة» .

[2]

كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «ليقع» .

ص: 47

لا يدفع ذلك إلا ظالم ولا ينكره إلا عاضل للحق، والحقّ أقول، فمن شاء أن ينكر؛ فسكت القوم كلهم إقرارا بما قالت. فاندفع فغنّى:

عدوّ لمن عادت وسلم لسلمها

ومن قرّبت سلمى أحبّ وقرّبا

هبينى امرأ إمّا بريئا ظلمته

وإمّا مسيئا تاب بعد وأعتبا

أقول التماس العذر لمّا ظلمتنى

وحمّلتنى ذنبا وما كنت مذنبا

ليهنك إشمات العدوّ بهجرنا

وقطعك حبل الودّ حتى تقضّبا

فقالت جميلة: يا مالك، ليت صوتك قد دام لنا ودمنا له! وقطعت المجلس، وانصرف عامّة الناس وبقى خواصّهم. قال: ولما كان فى اليوم الثانى حضر القوم جميعا. فقالت لطويس: هات يا أبا عبد النّعيم، فغنّى:

قد طال ليلى وعادنى طربى

من حبّ خود كريمة الحسب

غرّاء مثل الهلال آنسة

أو مثل تمثال صورة الذّهب

صادت فؤادى بجيد مغزلة

ترعى رياضا ملتفّة العشب

فقالت جميلة: حسن والله يا أبا عبد النعيم. ثم قالت للدّلال: هات يا أبا يزيد، فغنّى، فاستحسنت غناءه. ثم قالت لهنب: إنا نجلّك اليوم لكبر سنّك ورقّة عظمك؛ فقال: أجل. ثم قالت لبرد الفؤاد ونومة الضّحى: هاتيا جميعا لحنا واحدا، فغنيّا، فقالت: أحسنتما. ثم قالت لفند وزجة [1] وهبة الله: هاتوا جميعا صوتا واحدا، إنكم متفقون فى الأصوات؛ فاندفعوا فغنّوا. ثم غنّت جميلة بشعر الأعشى:

بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا

واحتلّت الغور فالجدّين فالفرعا

واستنكرتنى وما كان الذى نكرت

من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا

[1] فى الأغانى: «رحمة» .

ص: 48

تقول بنتى وقد قرّبت مرتحلا

يا ربّ جنّب أبى الأوصاب والوجعا

وكان شىء إلى شىء فغيّره

دهر ملحّ على تفريق ما جمعا

قال: فلم يسمع شىء أحسن من ابتدائها بالأمس وختمها فى اليوم؛ وقطعت المجلس وانصرف قوم وأقام آخرون. فلما كان فى اليوم الثالث اجتمع الناس فضربت ستارة وأجلست الجوارى، فضربن كلّهنّ، وضربت هى فضربت على خمسين وترا فزلزلت الدار. ثم غنّت على عودها وهنّ يضربن على ضربها:

فإن خفيت كانت لعينك قرّة

وإن تبد يوما لم يعمّمك عارها

من الخفرات البيض لم تر غلظة

وفى الحسب الضّخم الرفيع نجارها

فما روضة بالحزن طيّبة الثّرى

يمجّ النّدى جثجاثها وعرارها

بأطيب من فيها إذا جئت موهنا

وقد أوقدت بالمندل الرّطيب نارها

فدمعت أعين كثير منهم حتى بلّوا ثيابهم وتنفّسوا الصّعداء، وقالوا: بأنفسنا أنت يا جميلة! ثم قالت للجوارى: اكففن فكففن؛ وقالت: يا عزّ غنّى، فغنّت بشعر لعمر:

تذكّرت هندا وأعصارها

ولم تقض نفسك أوطارها

تذكّرت النفس ما قد مضى

وهاجت على العين عوّارها

لتمنح رامة منّا الهوى

وترعى لرامة أسرارها

إذا لم نزرها حذار العدا

حسدنا على الزّور زوّارها

فقالت جميلة: يا عزّ، إنك لباقية على الدهر، فهنيئا لك حسن هذا الصوت مع جودة هذا الغناء. ثم قالت لحبابة وسلّامة: هاتيا لحنا واحدا، فغنّتا فاستحسن غناؤهما. ثم أقبلت على خليدة فقالت: بنفسى أنت! غنّى فغنّت، فاستحسن منها

ص: 49