المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شىء مما هنئ به ولاة المناصب - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٥

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[القسم الثالث في المدح والهجو والمجون والفكاهات وغيرها]

- ‌[تتمة الباب السادس في الغناء والسماع]

- ‌تابع أخبار المغنين الذين نقلوا الغناء من الفارسية إلى العربية ومن أخذ عنهم ومن اشتهر بالغناء

- ‌ذكر أخبار إسحاق بن إبراهيم

- ‌ذكر أخبار علّويه

- ‌ذكر أخبار معبد اليقطينى

- ‌ذكر أخبار محمد الرف

- ‌ذكر أخبار محمد بن الأشعث

- ‌ذكر أخبار عمرو بن بانة

- ‌ذكر أخبار عبد الله بن العباس الربيعىّ

- ‌ذكر أخبار وجه القرعة

- ‌ذكر أخبار محمد بن الحارث بن بسخنّر [1]

- ‌ذكر أخبار أحمد بن صدقة

- ‌ذكر أخبار أبى حشيشة

- ‌ذكر أخبار القيان

- ‌ذكر أخبار جميلة

- ‌ذكر أخبار عزّة الميلاء

- ‌ذكر أخبار سلّامة القسّ

- ‌ذكر أخبار حبابة

- ‌ذكر أخبار خليدة المكّيّة

- ‌ذكر أخبار متيّم الهشاميّة

- ‌ذكر أخبار ساجى جارية عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

- ‌ذكر أخبار دقاق

- ‌ذكر أخبار قلم الصالحيّة

- ‌ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس

- ‌ذكر أخبار جوارى ابن رامين وهنّ سلّامة الزّرقاء، وربيحة، وسعدة

- ‌ذكر أخبار عنان جارية الناطفىّ

- ‌ذكر أخبار شارية جارية إبراهيم بن المهدىّ

- ‌ذكر أخبار بذل

- ‌ذكر أخبار ذات الخال

- ‌ذكر أخبار دنانير البرمكيّة

- ‌ذكر أخبار عريب [1] المأمونيّة

- ‌ذكر أخبار محبوبة

- ‌ذكر أخبار عبيدة الطّنبوريّة

- ‌الباب السابع من القسم الثالث من الفنّ الثانى فيما يحتاج إليه المغنّى ويضطرّ إلى معرفته، وما قيل فى الغناء، وما وصفت به القيان، ووصف آلات الطّرب

- ‌ذكر ما يحتاج إليه المغنّى ويضطرّ إلى معرفته وما قيل فى الغناء والقيان من جيّد الشعر

- ‌ذكر ما قيل فى وصف آلات الطرب

- ‌القسم الرابع من الفنّ الثانى فى التهانى والبشائر والمراثى والنوادب والزهد والتوكل والأدعية وفيه أربعة أبواب

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى التهانى والبشائر

- ‌ذكر شىء مما هنّئ به ولاة المناصب

- ‌ذكر نبذة من التهانى العامّة والبشائر التامّة

- ‌وكتب أيضا فى مثل ذلك:

- ‌ومما قيل فى التهانى بالفتوحات، وهزيمة جيوش الأعداء

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفن الثانى فى المراثى والنوادب

- ‌ذكر شىء من المراثى والنوادب

- ‌ومما قيل فى شواذّ المراثى:

- ‌الباب الثالث من القسم الرابع من الفن الثانى فى الزهد والتوكل

- ‌ذكر بيان حقيقة الزهد

- ‌ذكر فضيلة الزهد وبغض الدنيا

- ‌ذكر بيان ذمّ الدنيا وشىء من المواعظ والرقائق الداخلة فى هذا الباب

- ‌ذكر بيان الزهد وأقسامه وأحكامه

- ‌ذكر بيان تفصيل الزهد فيما هو من ضروريات الحياة

- ‌ذكر بيان علامات الزهد

- ‌ذكر ما ورد فى التوكل من فضيلته وحقيقته

- ‌ذكر بيان أعمال المتوكلين

- ‌الباب الرابع من القسم الرابع من الفن الثانى فى الأدعية

- ‌ذكر الأوقات التى ترجى فيها إجابة الدعاء

- ‌ذكر دعوات ساعات الأيام السبعة ولياليها

- ‌ذكر ما يدعى به فى المساء والصباح، والغدوّ والرواح، والصلاة والصوم، والجماع والنوم؛ والورد والصدر، والسفر والحضر؛ وغير ذلك

- ‌ ذكر ما ورد فى أسماء الله الحسنى والاسم الأعظم

- ‌النمط الأوّل

- ‌النمط الثانى

- ‌النمط الثالث

- ‌النمط الرابع

- ‌النمط الخامس

- ‌النمط السادس

- ‌النمط السابع

- ‌النمط الثامن

- ‌النمط التاسع

- ‌النمط العاشر

- ‌صورة ما ورد بآخر الجزء الخامس فى أحد الأصلين الفتوغرافيين:

- ‌صورة ما ورد بآخر الجزء الخامس فى الأصل الثانى الفتوغرافى:

الفصل: ‌ذكر شىء مما هنئ به ولاة المناصب

‌القسم الرابع من الفنّ الثانى فى التهانى والبشائر والمراثى والنوادب والزهد والتوكل والأدعية وفيه أربعة أبواب

‌الباب الأوّل من هذا القسم فى التهانى والبشائر

والتهانى تنقسم إلى قسمين وتنحاز فى جهتين: خصوص وعموم. فالخصوص هو ما يتعلّق بالرجل من منصب يليه، ونعمة تواليه؛ وولد رزقه، وشفاء من مرض أقلقه وأرّقه؛ وقدوم من سفر، وزواج قضى به الأرب والوطر. والعموم هو ما يتعلّق بالجمهور، ويتساوى فيه الملك والمملوك والآمر والمأمور: من انصباب غيث عمّ الرّبا والوهاد، وجريان نيل شمل بريّه البلاد وآمن العباد؛ وهزيمة عدوّ زاد فى عدوانه وتمادى فى طغيانه، وفتوح حصن أمن أهله بتشييد أركانه وإتقان بنيانه.

‌ذكر شىء مما هنّئ به ولاة المناصب

كتب بعض الفضلاء تهنئة بخلافة فقال:

أمّا بعد، فإن أولى النعم بالدوام، وأرجاها للبقاء والتمام، وأجدرها بالخلود، وأقربها إلى المزيد، وأحراها بالسلامة على نوب الأيام وتصاريف الأحداث، نعمة نشأت بفنائه، وسكنت ذراه فحمدت مثواه، وساسها أولياؤها بحسن المجاورة وكرم المصاحبة سياسة الحانى الشفيق، وكفلوها كفالة الحدب الرفيق؛ فنمت وتمّت، وخصّت وعمّت؛ ثم اعترضها من ريب الزمان ما هاج سواكنها، وأزعج كوامنها؛

ص: 127

وأصارها إلى الوحشة بعد الأنس، والنّفرة بعد الإلف، تتقلقل تقلقل العوادى، وتشرد شرود الضوالّ، لافظة لها الأقطار ونابية بها المحالّ؛ إلى أن أعادها الله تعالى بلطفه إلى مغناها المعروف، وربعها المألوف؛ واستقرّت بعد الاضطراب، وفاءت بعد الاغتراب. وتلك نعمة الله عند سيّدنا أمير المؤمنين، لما جدّد له من كرامته، واصطفاه له من خلافته، وطوّقه إياه من إمامته؛ وردّه إليه من تدبير الملك، واعتمد عليه من سياسة الأنام؛ فأحيا به السّنن القاصرة، وأزال به الرسوم الجائرة؛ ونهج به سبيل العدل، وأقام به منار الفضل.

وقال طريح بن إسماعيل الثّقفىّ فى المنصور لمّا أفضت الخلافة إليه:

لمّا أتى الناس أنّ ملكهم

إليك قد صار أمره سجدوا

واستبشروا بالرضا تباشرهم

بالخلد لو قيل إنهم خلدوا

كنت أرى أنّ ما وجدت من الفر

حة لم يلق مثله أحد

حتى رأيت العباد كلّهم

قد وجدوا فيك مثل ما أجد

قد طلب الناس ما بلغت فما

نالوا ولا قاربوا ولا جهدوا

يرفعك الله بالتّكرّم والتق

وى فتعلو وأنت تقتصد

وقال زيد السّندىّ يهنئ الوزير يعقوب بن كلّس بوزارة العزيز بمصر:

إنّ الوزارة لم تزل بك صبّة

تهواك لم يخطر سواك ببالها

خطبت فلم تعط القياد لطالب

وأبت على طلّابها بوصالها

وقال ابن بشر الصّقلّىّ الكاتب يهنّئ الحسن بن إبراهيم التّسترىّ بوزارة مصر، وقد وزر للمستنصر فى سنة أربع وخمسين وأربعمائة:

بيومك طارت فى البلاد البشائر

وطابت بمرجوع الحديث المحاضر

وأصبحت الأمصار أمنا وغبطة

أسرّتها مهتزّة والمنابر

وقام خطيب الحمد فى كل موقف

يعدّد ما تملى عليه المآثر

ص: 128

ومنها:

لقد عاشرت منك الوزارة ما جدا

له كنف لا يجتويه المعاشر

فسيح امتداد الظّلّ بين رحابه

وبين المعالى آهل الرّبع عامر

«فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر»

وما زلت ملحوظا لها ومؤهّلا

لذا الأمر مذ شدّت عليك المآزر

وقال آخر:

كلّما رمت أن أهنّيك وقتا

بمحلّ من العلا ترتقيه

شمت مقدارك الذى أعجز الوا

صف أعلى من الذى أنت فيه

وكتب الحمدونىّ أخو صاحب التّذكرة يهنّئ بالسلامة من حريق وقع فى دار الخلافة:

الدّنيا- أعزّ الله أنصار الخدمة الشريفة- دار الامتحان والاختبار، ومجاز الابتلاء والاعتبار؛ ولله فيما نزّله فيها إلى عباده من نعمه، وتخوّلهم من مواهبه وقسمه، عادات يقتضيها بالغ حكمته، وماضى إرادته ومشيئته؛ ليستيقظ الذاهل، ويعترف الجاهل؛ ويزداد العالم اللبيب اعتبارا، ويستفيد العاقل الأريب تفكّرا واستبصارا؛ فلا يغفل عن واجب الشكر إذا سيقت النعمة إليه، ولا يلهو عن استدعاء المزيد منها بالاعتراف إذا أسبغت عليه؛ وهو أن البارى سبحانه إذا تابع آلاءه إلى عبد ووالاها، [وجرّدها [1]] له من الشوائب وأخلاها؛ أماط عن مشاربها أكدار الدنيا المطبوعة على الكدر، وغمر مساربها بالأمن من طوارق الغير؛ خيف عليها الانتقاض والزوال، وتوقّع لها الانتهاء والانتقال. ومن ذلك الخبر المروىّ: أنه لما أنزل الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا) ابتهج الصحابة رضى الله تعالى عنهم إلا عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فإنه بكى. فقالوا:

[1] زيادة يقتضيها سياق الكلام. ولعل هذه الكلمة أو ما فى معناها سقطت من الناسخ.

ص: 129

ما يبكيك وقد أكمل الله لنا ديننا برحمته، وأتمّ لنا سابغ نعمته؟ فقال: يبكينى أنه ماتم أمر إلا بدا نقصه. فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريب. وإذا كانت مشوبة برائع يتخلّل صفوها، وطارق يجهم فى بعض الأوقات عفوها [1] ؛ كان ذلك صارفا عنها عين الكمال، مؤذنا بطول الآجال؛ حاكما لها بتراخى عمر البقاء، دالّا على الصعود بها إلى درج المكث الطويل والارتقاء؛ وحكمه حكم المرض الذى تصحّ به الأجساد، وتمحّص ذنوب من يسلّط عليه من العباد:

فلا يبهج الأعداء سوء ظنونهم

فلله صنع فى الذى ساء ظاهر

فكم طالب شيئا به الشرّ كامن

وكم كاره أمرا به الخير وافر

فلله الحمد الذى جعل ما جرت به الأقدار من الألم الواقع ظاهره، الوجل لوقعه ناظره؛ لعنايته جلّت عظمته عنوانا، وعلى دوام نعمته دليلا واضحا وبرهانا. وإليه الرغبة فى أن يجعل الديار وساكنيها، والناس فى أقاصى الدّنيا وأدانيها؛ لشريف الحوزة التى بها صلاح العالم فداء، وعنها للمكروه وقاء. فكل حادث مع دوام هذه الأيام الزاهرة جلل، وكل غمر [2] من نوائب الدهر ما دافع لطف الله عنها وشل.

وقال أبو عبادة البحترىّ يهنّئ الفتح بن خاقان بسلامته من الغرق:

بعدوّك الحدث الجليل الواقع

ولمن يكايدك الحمام الفاجع

قلنا: لعا لمّا عثرت ولا تزل

نوب الليالى وهى عنك رواجع

ولربما عثر الجواد وشأوه

متقدّم ونبا الحسام القاطع

لن [3] تظفر الأعداء منك بزلّة

والله دونك حاجز ومدافع

إحدى الحوادث شارفتك فردّها

صنع الإله ولطفه المتتابع

[1] العفو: الفضل والمعروف وخيار الشىء وأجوده.

[2]

الغمر: الماء الكثير. وفى الأصل: «وكل غم» وهو تحريف، لأنه يريد المقابلة بينه وبين «وشل» بعده.

[3]

كذا فى ديوان البحترى. وفى الأصل: «إن تظفر» .

ص: 130

حتى برزت لنا وجأشك ساكن

من نجدة وضياء وجهك ساطع

ما حال لون عند ذاك ولاهفا

عزم ولا راع الجوانح رائع

وقال المتنبّى يهنّئ بعافية:

المجد عوفى إذ عوفيت والكرم

وزال عنك إلى أعدائك الألم

وما أخصّك فى برء [1] بتهنئة

إذا سلمت فكلّ الناس قد سلموا

ومما هنّئ به من اتّصل بزوجة ذات جمال وحسب، وأصالة وأدب.

وقلما تقع التهنئة بذلك إلامين صديقين صحّ بينهما الالتئام، وسقطت بينهما مؤنة الاحتشام؛ وتساويا فى الرتبة، واتّحدا فى الصحبة.

فمن ذلك ما كتب به الوزير أبو الحسن العامرىّ إلى بعض إخوانه وقد ابتنى بأهل:

بأيمن طائر وأتمّ سعد

يكون من الكريمين اجتماع

أما إنّه المجد اليفاع، والحسن المطاع، تعارفت الطباع، فالتأمت الأنفس الشّعاع؛ كما التقى الثّريّان، واقترن النيّران؛ كما حاصر الرئم الضيغم، وهاصر النسيم الغصن المنعّم؛ كما راق فوق المعطف الصارم العضب، كما التقت الصهباء والبارد العذب؛ بل كما فازت القداح، ونظم الوشاح؛ واعتنق شنّ طبقه، واعتلق الرّوض عبقه. فحبّذا النّسب شابكه الصّهر، والحسب عاقده التّقى والبرّ؛ على حين جرت الأيامن، واكتنف الحرم الآمن. وبالبنين والرّفاء، والنعيم والصّفاء، والثروة والنماء والزمن الرّغد والعزّة القعساء الشّماء؛ على الوفاق، والوئام والاتّساق؛ والحظوظ والجدود، والفسطاط الممدود، وهصر العيش الأملود، والالتئام وتتابع البشرى بالفارس المولود. ومالى تأوّدت أعطافا، وتأنّقت أوصافا! وتهلّلت جذلا، وبسطت فى الدعاء مذلا [2] ! أهنأنى الأرب، أم صفا لى المشرب! وقد غبت عن اليوم المشهود،

[1] كذا فى ديوان المتنبى. وفى الأصل: «وما أخصك فى قون» .

[2]

كذا فى الأصل.

ص: 131

وعطّلت سدّة الإذن للوفود، ولم أقم فى السّماط، سافرا عن وجه الاغتباط؛ أتلقّى الوالج بمبرور التحيّة، وأفدّى الخارج بحكم السرور والأريحيّة؛ وأتخدّم رفع الوحى والإيماء، وأتقدّم من المصافاة والموالاة فى الغفير الجمّاء، كلا! ولا شهدت ليلة الزّفاف، وما حلت من محاسنها الأفواف؛ حيث دارت المنى سلافا؛ وصارت العلا دوحة ألفافا؛ وأبدى رونق السيف جلاء، وأبرز عقيلة الحىّ هداء؛ هنالك حلّت النعماء، ونهلت الأظماء؛ فياله منظرا، ووعدا منتظرا؛ لو ناجيته من كثب، وكرعت منه فى المنهل الأعذب! بلى! إنه [1] وقع، فشفى ونفع؛ والرّكب سنح، فنعم ما منح؛ أهداها حملا، فكأنما أسداها أملا؛ أثلج الفؤاد، وأورى الزّناد، وفى بالنفس أو كاد؛ وملت [2] عن قراه، نفس جذلت بسراه، وأرجت لذكراه. ولله ما أحظاه مقدما وأعلاه فى الإحسان قدما، لو وهبت لمقتضاه من الكرامة دما. وقد كان فى الحق أن أهاجر، وأعصى الناهى والزاجر؛ فابسط لى عذرا، وأعدّنى لك ذخرا، وطب مدى الدهر خبرا وخبرا.

ومما هنئ به من رزقه الله ولدا وزاده به قوّة وعددا. فمن ذلك ما كتب به الأستاذ ابن العميد فى فصل يهنئ عضد الدولة بن بويه وقد ولد له ابنان توءمان:

وصل كتاب الأمير بالبشرى التى أبت النعمة بها أن تقع مفردة، وامتنعت العارفة فيها أن تسنح موحدة، حتى تيسّرت منحتان فى وطن، وانتظمت موهبتان فى قرن، وطلع من النجيبين أبى القاسم وأبى كاليجار- أدام الله عزّهما- طالعا ملك، ونجما سعد، وشهابا عزّ، وكوكبا مجد؛ فتأهلت بهما رباع المحاسن، ووطّئت لهما أكناف المكارم، واستشرفت إليهما صدور الأسرّة والمنابر. وفهمته وشكرت

[1] فى الأصل: «ان» وهو غير واضح.

[2]

وردت هذه الكلمة هكذا بالأصل؟

ص: 132

الله تعالى شكر من نادى الامال فأجابته مكتّبة، ودعا الأمانى فجاءته [1] مصحبة [2] ، وحمدته حمدا مكافئا جسيم ما أتاح وعظيم ما أفاد؛ واكتنفنى من السرور ما فسح مناهج الغبطة، وسهّل موارد البهجة؛ وأشعت ما ورد إشاعة شرحت صدور الأولياء بمسارّها، وأزعجت قلوب الأعداء عن مقارّها؛ وسألت الله إتمام ما آذن [3] به الأميران السيّدان من سعادة لا يهتدى إليها الاختيار علوّا، ولا ترتقى اليها الأفكار سموّا؛ وسلطان تضيق البحار عن اتساعه، وتنخفض الأفلاك عن ارتفاعه؛ ويبلّغهما أفضل ما تقسمه السعود، وتعلو به الجدود، حتى يستغرقا مع السابقين إخوتهما مساعى الفضل، ويشيدا قواعد الفخر، ويرجما صروف الدهر، ويضبطا أطراف الأرض، وهو تعالى قريب مجيب.

ومن كلام الوزير الفقيه أبى القاسم محمد بن الجدّ الأندلسىّ:

إنّ أحقّ ما انبسط فيه للتهنئة لسان، وتصرّف فى ميادين معانيه بيان وبنان؛ أمل رجّى فتأبّى زمانا، واستدعى فلوى عنانا؛ وطاردته الأمانىّ فأتعبها حينا، وغازلته الهمم فأشعرها حنينا؛ ثم طلع غير مرتقب، وورد من صحبة المناجح فى عسكر لجب؛ وكان كالمشير إلى ما بعده من مواكب الآمال، والدليل على ما وراءه من كواكب الإقبال؛ أو كالصّبح افترّت عن أنوار الشمس مباسمه، والبرق تتابعت إثر وميضه غمائمه. وفى هذه الجملة ما دلّ على المولود، المؤذن بترادف الحظوظ وتضاعف السعود. فياله نجم سعادة، طلع فى أفق سيادة؛ وغصن سناء، تفرّع عن دوحة علاء. لقد تهلّلت وجوه المحاسن باستهلاله، وأقبلت وفود الميامن لاستقباله؛ ونظمت له قلائد التّمائم، من جواهر المكارم؛ وخصّ بالثّدىّ الحوافل، بلبان الفضائل. وما كان منبت الشرف بإفراد

[1] فى الأصل: «فجعلته» .

[2]

مصحبة: منقادة.

[3]

فى الأصل: «ما أدنا» .

ص: 133

تلك الأرومة الكريمة إلا مقشعرّ الرّبا، مغبرّ الثرى، متهافت أغصان الرضا. فأمّا وقد اهتزّ أيكة السّيادة قضيب، ونشأ من نبتة النّجابة نجيب؛ فأخلق بذلك المنبت أن تعاوده نضرته، وترفّ عليه حبرته؛ ويراجعه رونقه وبهاؤه، وتضاحكه أرضه وسماؤه. فالحمد لله على ما أتاحه من انثناء الأمل من جماحه، واختيال الجذل فى حلبة غرره وأوضاحه. وهو المسئول أن يهبك منه صنعا يحسن فى مثله الحسد، ويتمنّى لفضله النسل والولد، بعزّته.

وقال أبو هلال العسكرىّ:

قد زاد فى عدد الكرام كريم

محض صريح فى الكرام صميم

عالى المحلّة لا يزال كأنه

للفرقدين وللسّماك نديم

فلأمره التتميم كيف تصرّفت

حالاته، ولشأنه التفخيم

فابشر فقد وافاك يوم رزقته

حظّ بتخليد السرور زعيم

فرع تكفّل دهره بتمامه

حتى يكّر الدهر وهو أروم

إنّ الهلال يصير بدرا كاملا

ويهدّ سدّ اللّيل وهو بهيم

وهو الوجيه إذا تبدّى وجهه

وغدا إذا نزل العظيم عظيم

فلأهله شرف به متوطّد

ولهم به شرف أشمّ عميم

فاقرر به عينا فإنّ خلاله

تصفو وتسلس أو يقال نسيم

ولجدّه التصميم حيث تلاحقت

أقرانه ولشأوه التّقديم

ومن كلام الصاحب بن عبّاد تهنئة ببنت:

أهلا وسهلا بعقيلة النساء، وأمّ الأبناء؛ وجالبة الأصهار، وأولاد الأطهار؛ والمبشّرة بإخوة يتنافسون، ونجباء يتلاحقون.

فلو كان النّساء كمثل هذى

لفضّلت النّساء على الرّجال

ص: 134

وما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال

فادّرع يا سيّدى اغتباطا، واستأنف نشاطا؛ فالدنيا مؤنّثة والرجال يخدمونها، والذكور يعبدونها؛ والأرض مؤنّثة ومنها خلقت البرية؛ وفيها كثرت الذّرّيّة؛ والسماء مؤنّثة وقد تزيّنت بالكواكب، وحليت بالنجم الثّاقب؛ والنّفس مؤنّثة وهى قوام الأبدان، وملاك الحيوان؛ والجنّة مؤنّثة وبها وعد المتّقون، وفيها ينعم المرسلون.

فهنيئا هنيئا ما أوليت، وأوزعك الله شكر ما أعطيت؛ وأطال بقاءك ما عرف النسل والولد، وما بقى الأبد، وكما عمّر لبد.

ومن كلام أبى المكارم بن عبد السلام من شعراء الخريدة:

هذا شعيب النبىّ بابنته صفوراء استأجر موسى كليم الله. وهذا سيّد المرسلين، أبقى الله بفاطمة ابنته نسله إلى يوم الدّين. وهذه أمّ الكتاب سمّيت الفاتحة، وهى لأبواب مناجاة الرحمن فاتحة. وهذه محكمات القرآن، بها ثبتت شرائع الإيمان.

وهذه سورة النساء وسمّيت بهنّ وهى من الطّوال، ولا سورة من القصار سمّيت بالرجال. على أنّ الدّنيا بأسرها مؤنّثة والملوك من خدّامها، والشّمس مؤنّثة والضّياء والبهاء من تمامها؛ والنفس تؤنّث وبها فضّل الناس، والحياة تؤنّث وهى أساس الحواس؛ والعين تؤنّث وبها يتوسّل الى علم الدقائق؛ واليد تؤنّث وهى المتصدّية لتحبير الأشياء، والعضد تؤنّث وبها استعانة سائر الأعضاء؛ والسماء تؤنّث وهى تزجى الأمطار، والأرض تؤنّث وهى مجمع أطايب الثّمار، والجنّة تؤنّث وبها وعد الأبرار الأخيار؛ والعين (أعنى الذهب) تؤنّث وبها يدفع الهلك، والقوس تؤنّث وبها عزّ الملك.

ومما هنّئ به فى المواسم والقدوم- قال ابن الرومى تهنئة بعيد الفطر:

قد مضى الصّوم صاحبا محمودا

وأتى الفطر صاحبا مودودا

ذهب الصّوم وهو يحكيك نسكا

وأتى الفطر وهو يحكيك جودا

ص: 135

وقال آخر:

رأى العيد وجهك عيدا له

وإن كنت زدت عليه جمالا

وكبّر حين رآك الهلال

كفعلك حين رأيت الهلالا

رأى منك ما منه أبصرته

هلالا أضاء ووجها تلالا

وقال ابن الرومىّ يهنّئ بعيد أضحى وهو يوم نوروز:

عيدان: أضحى ونوروز كأنهما

يوما فعالك من بؤس وإنعام

كذاك يوماك: يوم سيبه ديم

على العفاة، ويوم سيفه دامى

وقال أبو إسحاق الصّابى:

يا سيّدا أضحى الزما

ن بأنسه منه ربيعا

أيّام دهرك لم تزل

للنّاس أعيادا جميعا

حتى لأوشك بينها

عيد الحقيقة أن يضيعا

وقال الشّريف الرّضىّ تهنئة بقدوم:

قدم السّرور بقدمة لك بشّرت

غرر العلا وعوالى التّيجان

قلقت ظبا الأسياف منك بفرحة

فتكاد تنهضها من الأجفان

قد كان هذا الدهر يلحظ جانبى

عن طرف ليث ساغب ظمآن

فالآن حين قدمت عدن صروفه

يرمقننى بنواظر الغزلان

ومما قيل من شواذّ التهانى وهى الجمع بين التهنئة والتعزية، والبشارة والتسلية- فمن ذلك ما قاله عبد الملك بن صالح للرشيد، وكان من يحسده قد قال للرشيد عنه: إنه يعدّ كلامه. فأنكر الرشيد ذلك وقال: بل هو طبع. وجلس فى بعض الأيام ودخل عبد الملك؛ فقال الرشيد للفضل: قل له: ولد لأمير المؤمنين

ص: 136

فى هذه الليلة ابن ومات له ابن. فقال الفضل له ذلك. فدنا عبد الملك وقال:

يا أمير المؤمنين، سرّك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرّك، وجعلها واحدة بواحدة، ثواب الشاكر وأجر الصابر. فقال الرشيد: أهذا الذى زعموا أنه يتصنّع الكلام! ما رأى الناس أطبع من عبد الملك فى الفصاحة.

ومن ذلك ما حكاه ثمامة بن أشرس قال: لمّا دخل المأمون بغداد بعد قتل الأمين دخلت عليه زبيدة بنة جعفر أمّ الأمين، فجلست بين يديه وقالت: الحمد لله! إن أهنّئك بالخلافة فقد هنّأت بها نفسى قبل أن أراك، وإن كنت فقدت ابنا خليفة لقد اعتضت ابنا خليفة. وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أمّ ملأت عينها منك. وأنا أسأل الله أجرا على ما أخذ، وإمتاعا بما وهب. فقال المأمون:

ما تلد النساء مثل هذه، ما تراها أبقت فى الكلام لبلغاء الرجال! وقال عبد الله بن الحسن الجعفرىّ السمرقندىّ يهنّئ العزيز بخلافة مصر ويرثى أباه المعزّ:

قد أصبح الجوهر العلوىّ منتقلا

فى خير من كان من خير الورى بدلا

يا منحة كملت فى محنة عظمت

لو لاك فى الدّهر ما نال امرؤ أملا

صنع من الله فى خطب أتيح لنا

عمّ البلاد وعمّ السّهل والجبلا

كان الزمان بمن أبقى ومن أخذت

صروفه مدنبا طورا ومنتصلا

قام العزيز بما أفضى المعزّ به

إليه مضطلعا بالعبء محتملا

فقام أحفظ مسترعى رعى فكفى

من بعد خير إمام قوم الميلا

كالسيف منصلتا والبحر مندفقا

والبدر مؤتلقا والغيث محتفلا

ومنها:

فى طلعة البدر من شمس الضّحى عوض

وظلمة الّليل يجلو جنحها ابن جلا

ص: 137

وما الأئمّة إلا أنجم زهر

يبدو لنا كوكب إن كوكب أفلا

إنّ المعزّ الذى لا خلق يشبهه

إلّا العزيز ابنه إن قال أو فعلا

ملك وجدنا التّقى والعدل عدّته

إذا الملوك استعدّوا الكيد والحيلا

سمت الى العالم النّورىّ همّته

ففارق القمّ الأرضىّ وانتقلا

وراجعت نفسه فى القدس عنصرها

ولم يزل بحبال الله متّصلا

لم يرض خلقا من الدّنيا يجاوره

إلّا الملائك فى الفردوس والرّسلا

لولا نزار وعين الله تحرسه

كنّا بفقد معدّ أمّة هملا

فإن مضى كافل [1] الدّنيا وما ضمنت

فذا ابنه كافل عنه بما كفلا

وإن هوى الجبل الراسى فذا جبل

راس لنا بعده، أعظم به جبلا!

عمّت خلافته الدّنيا برونقها

كأنه الشّمس فيها حلّت الحملا

ملك أغرّ وأيّام محجّلة

ودولة كلّ وقت تقهر الدّولا

أضحت ملوك بنى الدّنيا له خولا

وما حوت كلّ دار منهم نفلا

يأيّها الملك المأمول نائله

ومن هو الغاية القصوى لنا أملا

كان السرير سرير الملك منخفضا

حتى ارتقيت ذراه فارتقى وعلا

ومن ذلك ما كتب به عامل الى المصروف به:

قد قلّدت العمل بناحيتك، فهنأك الله بتجدّد [2] ولايتك، فأنفذت خليفتى لخلافتك، فلا تخله من هدايتك، إلى أن يمنّ الله بزيارتك.

فأجابه: ما انتقلت عنّى نعمة صارت إليك، ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك. وإنى لأجد صرفى بك ولاية ثانية وصلة وافية؛ لما أرجو لمكانك من حسن الخاتمة ومحمود العاقبة. والسلام.

[1] فى الأصل: «كامل الدنيا» .

[2]

فى الأصل: «تجدد» من غير حرف الجر.

ص: 138

وكتب إبراهيم بن عيسى الكاتب يهنّئ إبراهيم بن المدبّر بالعزل عن عمل:

ليهنئ أبا إسحاق أسباب نعمة

مجدّدة بالعزل، والعزل أنبل

شهدت لقد منّوا عليك وأحسنوا

لأنك بعد العزل أعلى وأفضل

آخر:

إنّ الأمير هو الّذى

يضحى أميرا عند عزله

إن زال سلطان الولا

ية فهو فى سلطان فضله

وكتب أبو إسحاق الصّابى الى رجل زوّج أمّه:

قد جعلك الله- وله الحمد- من أهل التحصيل، والرأى الأصيل؛ وصحّة الدّين، وخلق ذى اليقين. فكما أنّك لا تتّبع الشهوة فى محظور تحلّه، فكذلك لا تطيع الأنفة فى مباح تحظره. وتأدّى إلىّ من اتّصال الوالدة- يسّر الله لها فى مدّتك، وأحسن بالبقيّة منها إمتاعك- بأبى فلان، أعزّه الله، ما علمت فيه أنّك بين طاعة للدّيانة توخّيتها، ومشقّة تجشّمتها؛ وأنّك جدعت أنف الغيرة بها، وأضرعت خدّ الحميّة فيها، وأسخطت نفسك بإرضائها، وعصيت هواك لرأيها.

فنحن نهنّيك بعزيمة صبرك، ونعزّيك عن فائت مرادك؛ ونسأل الله الخيرة لك فيه، وأن يجعلها أبدا معك فيما شئت وأبيت، وتجنّبت وأتيت.

وقال كاتب متقدّم فى مثل ذلك:

الرضا بما يبيحه حكم الله أولى من الامتعاض فيما تحظره أنفة الحميّة. ولا قبح فيما أحلّ الله، كما لا جمال فيما حرّم الله. فعرّفك الله الخيرة فيما اختارته من طهارة العفاف ونبل الحصانة، وعطفك من برّها على ما تؤدّى به حقّها، وما لزمك من المعروف فى مصاحبتها.

ص: 139