الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما قيل فى شواذّ المراثى:
من ذلك ما قالته جليلة بنت مرّة أخت جسّاس زوج كليب لما قتل أخوها جسّاس زوجها كليبا؛ وكان نساء الحىّ لما اجتمعن للمأتم قلن لأخت كليب:
رحّلى جليلة عنك فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب، فقالت لها: أخرجى عن مأتمنا، فأنت أخت واترنا وشقيقة قاتلنا، فخرجت وهى تجرّ أعطافها؛ فلقيها أبوها مرّة فقال لها: ما وراءك يا جليلة؟ فقالت: ثكل العدد، وحزن الأبد؛ وفقد حليل، وقتل أخ عن قليل؛ وبين ذلك [1] غرس الأحقاد، وتفّتت الأكباد. فقال لها: أو يكفّ ذلك كرم الصّفح وإغلاء الدّيات؟ فقالت جليلة: أمنيّة مخدوع وربّ الكعبة، ابا لبدن تدع لك وائل [2] دم ربّها! قال: ولما رحلت جليلة قالت أخت كليب: رحلة المعتدى وفراق الشامت! ويل [غدا [3]] لآل مرّة، من الكرّة بعد الكرّة! وبلغ قولها جليلة فقالت: وكيف تشمت الحرّة بهتك سترها وترقّب وترها! [أسعد الله أختى، ألا قالت: نفرة الحياء وخوف الأعداء [3]] ثم أنشأت تقول:
يابنة الأقوام إن لمت فلا
…
تعجلى باللوم حتى تسألى
فإذا أنت تبينت الذى
…
يوجب اللوم فلومى واعذلى
إن تكن أخت امرئ ليمت على
…
جزع منها عليه فافعلى
جلّ عندى فعل جسّاس فيا
…
حسرتا عما انجلت أو تنجلى
فعل جسّاس على ضنّى به
…
قاطع ظهرى ومدن أجلى
[1] كذا فى الكامل لابن الأثير (ج 1 ص 216 طبعة بلاق) . وفى الأصل: «وبين رزأين:
غرس الأحقاد
…
» .
[2]
فى الكامل لابن الأثير: «تدع لك تغلب
…
» .
[3]
زيادة من الكامل لابن الأثير.
لو بعين فقئت [1] عين سوى
…
أختها وانفقأت لم أحفل
تحمل العين قذى العين كما
…
تحمل الأمّ أذى ما تفتلى [2]
إنّنى قاتلة مقتولة
…
فلعلّ الله أن يرتاح لى
يا قتيلا قوّض الدهر به
…
سقف بيتىّ جميعا من عل
ورمانى فقده [3] من كثب
…
رمية المصمى به المستأصل
هدم البيت الذى استحدثته
…
وبدا [4] فى هدم بيتى الأوّل
يا نسائى دونكنّ اليوم قد
…
خصّنى الدهر برزء معضل
مسّنى فقد كليب بلظى
…
من ورائى ولظى مستقبلى
ليس من يبكى ليومين كمن
…
إنما يبكى ليوم ينجلى
درك الثائر شافيه وفى [5]
…
دركى ثارى ثكل المثكل
ليته كان دمى فاحتلبوا
…
دررا منه دما من أكحلى
ولما مات معاوية بن أبى سفيان اجتمع الناس بباب يزيد فلم يقدروا على الجمع بين التهنئة والتعزية، حتى أتى عبد الله بن همّام فقال: يا أمير المؤمنين، أجزل الله أجرك على الرزيّة. وبارك لك فى العطيّة، وأعانك على الرعية؛ فقد رزئت عظيما، وأعطيت جسيما؛ فآشكر الله على ما أعطيت، واصبر على ما رزيت؛ فقد فقدت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله؛ ففارقت جليلا، وأعطيت جزيلا؛ إذ قضى معاوية نحبه؛ ووليت الرياسة، وأعطيت السياسة؛ فأورده الله موارد السرور، ووفّقك فى جميع الأمور:
[1] فى رواية أخرى أشار اليها هامش الأصل: «فديت عين سوى» .
[2]
افتلى الصغير: رباه.
[3]
فى رواية أشير اليها فى هامش الأصل: «ورمانى قتله
…
» .
[4]
فى الكامل لابن الأثير (ج 1 ص 389 طبع أوربا) : «وانثنى فى هدم
…
» .
[5]
فى الكامل لابن الأثير: «يشتفى المدرك بالثأر وفى
…
» .
فاشكر يزيد فقد فارقت ذا مقة
…
واشكر حباء الذى بالملك حاباكا [1]
[أصبحت تملك هذا الخلق كلّهم
…
فأنت ترعاهم والله يرعاكا [2]]
لارزء أعظم فى الأقوام قد علموا
…
مما رزئت، ولا عقبى كعقباكا
وفى معاوية الباقى لنا خلف
…
إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا
ففتح للناس باب الرثاء وجروا على منواله.
وقال أبو نواس الحسن بن هانىء يعزّى الفضل بن الربيع عن الرشيد ويهنّئه بالأمين:
تعزّ أبا العبّاس عن خير هالك
…
بأكرم حىّ كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها
…
لهنّ مساو مرّة ومحاسن
وفى الحىّ بالميت الذى غيّب الثرى
…
فلا أنت مغبون ولا الموت غابن
وقال أبو تمام يرثى المعتصم ويهنىء الواثق:
ما للدموع تروم كلّ مرام
…
والجفن ثاكل هجعة ومنام
يا حفرة المعصوم تربك مودع
…
ماء الحياة وقاتل الإعدام
إن الصفاتح منك قد نضدت على
…
ملقى عظام لو علمت عظام
فتق المدامع أن لحدك حلّه
…
سكن الزمان وممسك الأيام
ومصرّف الملك الجموح كأنه
…
قد زمّ مصعبه له بزمام
هدمت صروف الدهر أرفع حائط
…
ضربت دعائمه على الإسلام
دخلت على ملك الملوك رواقه
…
وتسرّبت لمقوّم القوّام
[1] رواية الكامل للبرد: (ص 785 طبع ليبزج سنة 1864) :
اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة
…
واشكر بلاء الذى بالملك أصفاكا
[2]
زيادة من الكامل.
مفتاح كلّ مدينة قد أبهمت
…
غلقا ومخلى كلّ دار مقام
ومعرّف الخلفاء أنّ حظوظها
…
فى حيّز الإسراج والإلجام
أخذ الخلافة عن أسنّته التى
…
منعت حمى الآباء والأعمام
فلسورة الأنفال فى ميراثه
…
آثارها ولسورة الأنعام
ما دام هارون الخليفة فالهدى
…
فى غبطة موصولة بدوام
إنّا رحلنا واثقين بواثق
…
بالله شمس ضحى وبدر تمام
لله أىّ حياة انبعثت لنا
…
يوم الخميس وبعد أىّ حمام
أودى بخير إمام اضطربت به
…
شعب الرجال وقام خير إمام
تلك الرزيّة لا رزيّة مثلها
…
والقسم ليس كسائر الأقسام
جاء منها:
نقض كرجع الطّرف قد أبرمته
…
يابن الخلائف أيّما إبرام
ما إن رأى الأقوام شمسا قبلها
…
أفلت فلم تعقبهم بظلام
أكرم بيومهم الذى ملّكتهم
…
فى صدره وبعامهم من عام
ثم أخذ فى مدح الواثق.
وفى هذه الواقعة يقول ابن الزيّات:
قد قلت إذ غيّبوك واصطفقت
…
عليك أيد بالتّرب والطين
اذهب فنعم المعين كنت على الد
…
نيا ونعم الظهير للدين
لن يجبر الله أمّة فقدت
…
مثلك إلا بمثل هارون
ومن أشدّ الرثاء صعوبة على الشاعر وأضيقه مجالا أن يرثى امرأة أو طفلا.
وقد أخذ على المتنبىّ فى قوله يرثى أمّ سيف الدولة بن حمدان:
سلام الله خالقنا حنوط
…
على الوجه المكفّن بالجمال
وقالوا: ما له ولهذه العجوز يصف جمالها! ووبّخه الصاحب بن عبّاد فى قوله فيها:
رواق العز فوقك مسبطّر
…
وملك علىّ ابنك فى كمال
قال أبو الحسن علىّ بن رشيق الأزدى فى كتابه المترجم بالعمدة وبالأغانى [1] أيضا: أشدّ ما هجّن هذه اللفظة وجعلها مقام قصيدة من الهجاء أنه قرنها «بفوقك» فجاء عملا تامّا لم يبق فيه إلا الإفضاء. وإن يكن المتنبى أخطأ فى هذا فلقد أجاد فى غيره؛ والفاضل من عدّت سقطاته، وحفظت هفواته وفلتاته؛ وانظر إلى قوله فى أخت سيف الدولة:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب
…
كناية بهما عن أشرف النسب
أجلّ قدرك أن تدعى مؤنّثة
…
ومن يصفك فقد سمّاك للعرب
وقوله أيضا:
ولو كان النساء كمن فقدنا
…
لفضّلت النساء على الرجال
مشى الأمراء حوليها حفاة
…
كأن المرو من زفّ [2] الرئال
ومن جيّد ما رثى النساء به وأشدّه تأثيرا فى القلب وإثارة للحزن قول ابن عبد الملك ابن الزيّات فى أمّ ولده:
ألا من رأى الطفل المفارق أمّه
…
بعيد الكرى عيناه تبتدران
رأى كلّ أمّ وابنها غير أمّه
…
يبيتان تحت الليل ينتجيان
وبات وحيدا فى الفراش تحثّه
…
بلابل قلب دائم الخفقان
[1] لم يذكر أبو الفرج فى النسخ التى تحت أيدينا من كتابه الأغانى شيئا عن المتنبى مع أنه كان من معاصريه.
[2]
الزف: ريش النعام. والرئال: جمع رأل، وهو ولد النعام.
ومنها بعد أبيات:
ألا إنّ سجلا واحدا قد أرقته
…
من الدمع أو سجلين قد شفيانى
فلا تلحيانى إن بكيت فإنما
…
أداوى بهذا الدمع ما تريان
وإنّ مكانا فى الثّرى خطّ لحده
…
لمن كان من قلبى بكلّ مكان
أحقّ مكان بالزيارة والهوى،
…
فهل أنتما إن عجت منتظران؟
فهبنى عزمت الصبر عنها لأنّنى
…
جليد فمن بالصبر لابن ثمان
ضعيف القوى لا يعرف الأجر حسبة
…
ولا يأنسى بالناس فى الحدثان
ألا من أمنّيه المنى وأعدّه
…
لعثرة أيّام وصرف زمان
ألا من إذا ما جئت أكرم مجلسى
…
وإن غبت عنه حاطنى ورعانى
فلم أر كالأقدار كيف تصيبنى
…
ولا مثل هذا الدهر كيف رمانى
وقال أبو تمّام يرثى جارية له:
ألم ترنى خلّيت عينى وشانها
…
ولم أحفل الدنيا ولا حدثانها
لقد خوّفتنى النائبات صروفها
…
ولو أمّنتنى ما قبلت أمانها
وكيف على نار الليالى معرّسى
…
إذا كان شيب العارضين دخانها
أصبت بخود سوف أغبر بعدها
…
حليف أسى أبكى زمانى زمانها
عنان من اللذّات قد كان فى يدى
…
فلما مضى الإلف استردّت عنانها
منحت الدّمى هجرى فلا محسناتها
…
أودّ ولا يهوى فؤادى حسانها
يقولون: هل يبكى الفتى لخريدة
…
متى ما أراد اعتاض عشرا مكانها!
وهل يستعيض المرء من خمس كفّه
…
ولو صاغ من حرّ الّلجين بنانها!
وقال أبو الفتح كشاجم يعزّى بابنة:
تأسّ يا أبا بكر
…
لموت الحرّة البكر
فقد زوّجتها القبر
…
وما كالقبر من صهر
وعوّضت بها الأجر
…
وما كالأجر من مهر
زفاف أهديت فيه
…
من الخدر إلى القبر
فتاة أسبغ الله
…
عليها أفضل السّتر
ورزء أشبه النعم
…
ة فى الموقع والقدر
وقد يختار فى المكرو
…
هـ للمرء وما يدرى
فقابل نعمة الله
…
وما أولاك من شكر
وعزّ النفس عمّا فا
…
ت بالتسليم والصبر
وقال أبو مروان بن أبى الخصال الأندلسىّ فى مثل ذلك:
ألا يا موت كنت بنا رءوفا
…
فجدّدت الحياة لنا بزوره
حمدت لفعلك المأثور لمّا
…
كفيت مؤونة وسترت عوره
فأنكحنا الضريح بغير مهر
…
وجهّزنا الفتاة بغير شوره
وقال أبو تمّام حبيب بن أوس الطائىّ فى ابنين لعبد الله بن طاهر ماتا صغيرين فى يوم واحد من قصيدة:
نجمان شاء الله ألّا يطلعا
…
إلا ارتداد الطّرف حتى يأفلا
إنّ الفجيعة بالرياض نواضرا
…
لأجلّ منها بالرياض ذوابلا
لو ينسآن لكان هذا غاربا
…
للمكرمات وكان هذا كاهلا
لهفى على تلك الشواهد فيهما
…
لو أمهلت حتى تكون شمائلا
لغدا سكونهما حجا وصباهما
…
حلما وتلك الأريحيّة نائلا
إنّ الهلال إذا رأيت نموّه
…
أيقنت أن سيكون بدرا كاملا
وقال أبو الحسن الأنبارى فى محمد بن بقيّة وزير عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة ابن بويه لما صلبه عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه عند خلع بختيار، وهى من نوادر المراثى:
علوّ فى الحياة وفى الممات
…
لحقّ أنت إحدى المعجزات
كأنّ الناس حولك حين قاموا
…
وفود نداك أيّام الصّلات
كأنّك قائم فيهم خطيبا
…
وكلّهم قيام للصّلاة
مددت يديك نحوهم جميعا [1]
…
كمدّهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن
…
يضمّ علاك من بعد الممات
أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا
…
عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك فى النفوس بقيت ترعى
…
بحرّاس وحفّاظ ثقات
وتشعل عندك النيران ليلا
…
كذلك كنت أيّام الحياة
ولم أر قبل جذعك قطّ جذعا
…
تمكّن من عناق المكرمات
ركبت مطيّة من قبل زيد
…
علاها فى السنين الذاهبات
أشار فى هذا البيت إلى زيد بن الحسن بن علىّ بن أبى طالب لمّا قتل وصلب فى أيّام هشام بن عبد الملك.
ومما يدخل فى هذا الباب ويلتحق به ما يطرأ من الحوادث التى تعمّ بها البليّة، وتشمل بسببها الرزيّة، كاستيلاء أهل الكفر على بلد من بلاد الإسلام، وهزيمتهم لجيشه اللهام؛ فمن ذلك ما كتب به القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى إلى الأمير عزّ الدين سامة لما استعاد الفرنج- خذلهم الله تعالى- مدينة بيروت:
ابتدأ كتابه بأن قال بعد البسملة: قال الله سبحانه فى كتابه العزيز مسلّيا لنبيّه الكريم
[1] كذا بالأصل. وفى احدى النسخ: «اقتفاء» وهو محرف عن «احتفاء» .
صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ
، فإذا كان من الناس من خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكيف لا يخون الناس الناس! وأين الموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرون فى البأساء والضرّاء وحين الباس:
وقد كانوا إذا عدّوا قليلا
…
فقد صاروا أقلّ من القليل
والمولى- أعزّه الله بنصره، وعوّضه أحسن العوض من أجره، وكتب له ثواب تسليمه إليه وصبره- ليس بأوّل من وثق بمن خان، وقضيّة بيروت بأوّل مقدور قال الله له: كن فكان؛ والقدر السابق لا يدفعه الهمّ اللاحق، ومن الخجلات المستعارة خجلة الواثق، والموثوق به لائق به الخجل الصادق؛ ومعاذ الله أن ينكس المجلس رأسه حياء، أو أن يسخط لله قضاء؛ أو أن يأسف على مال نقله من مودعه الذى لا يؤمن من الآفات عليه، إلى مودع الله الذى يحفظه إلى أن يأتيه به أحوج ما كان إليه؛ والحمد لله الذى جعل مصائبنا فى الدنيا فوائدنا فى الأخرى، ثم الحمد لله الذى جعل البادرة للعدوان والعاقبة للتقوى. وقد علم الله أنى مقاسمه ومساهمه، ومضمر من الهمّ بما اتفق من هذا المقدور ما مقدّره عالمه؛ غير أنه لا حيلة لمن لا حيلة له إلا الصبر، وإن صبر جرى عليه القدر وجرى له الأجر، وإن لم يصبر جرى عليه القدر وكتب عليه الوزر؛ وكل ما ذهب من صاحبه قبل أن يذهب صاحبه فقد أنعم الله عليه، حيث أخرج ما فى يديه وأبقى يديه؛ والمال غاد ورائح، والمال بالحقيقة هو العمل الصالح؛ وإن اجتمع موصلها بحضرته فهو ينهى ما عندى، ويؤدّى حقيقة ودّى؛ ورأية الموفّق.
وقال أبو المظفّر الأبيوردىّ [1] لما استولى الفرنج على البيت المقدّس فى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة قصيدة منها:
[1] وتنسب هذه الأبيات أيضا فى النجوم الزاهرة (ج 5 ص 151 طبع دار الكتب المصرية) القاضى زين الدين أبى سعد الهروىّ.
مزجنا دماء بالدموع السواجم
…
فلم يبق منا عرضة للمراجم
وشرّ سلاح المرء دمع يفيضه
…
إذا الحرب شبّت نارها بالصوارم
فإيّها بنى الإسلام! إن وراءكم
…
وقائع يلحقن الذّرى بالمناسم
أتهويمة فى ظلّ أمن وغبطة
…
وعيش كنوّار الخميله ناعم!
وكيف تنام العين ملء جفونها
…
على هبوات أيقظت كلّ نائم
وإخوانكم بالشأم يضحى مقيلهم
…
ظهور المذاكى أو بطون القشاعم
يسومهم الروم الهوان وأنتم
…
تجرّون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماء قد أبيحت، ومن دمّى
…
توارى حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمّرة الظّبى
…
وسمر العوالى داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة
…
تظلّى لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها
…
ليسلم يقرع بعدها سنّ نادم
سللن بأيدى المسلمين قواضيا
…
ستغمد منهم فى الطّلى والجماجم
يكاد بهنّ المستجنّ بطيبة
…
ينادى بأعلى الصوت: يا آل هاشم
أرى أمّتى لا يشرعون إلى العدا
…
رماحهم والدّين واهى الدعائم
ويجتنبون النار خوفا من العدا
…
ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى
…
وتغضى على ذلّ كماة الأعاجم!
فليتهم إذ لم يذودوا حميّة
…
عن الدين ضنّوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا فى الأجر إذ حمى [1] الوغى
…
فهلّا أتوه رغبة فى المغانم!
[1] فى الأصل: «جمش» ولعلها محرفة عن «حمس» بالحاء والسين المهملتين وهو (بالتخفيف والتشديد) بمعنى اشتداد الأمر واضطرام النار، وهى رواية ابن الأثير. وما أثبتناه رواية النجوم الزاهرة لابن ثغرى بردى.
لئن أذعنت تلك الخياشيم للثرى
…
فلا عطسوا إلا بأجدع راغم
دعوناكم والحرب ترنو ملحّة
…
إلينا بألحاظ النسور القشاعم
تراقب فينا غارة عربيّة
…
تطيل عليها الروم عضّ الأباهم
فإن أنتم لم تغضبوا عند هذه
…
رمتنا إلى أعدائنا بالجرائم
وقال علاء الدين علىّ الأوتارىّ الدمشقىّ فى مثل ذلك لما استولى التتار على دمشق فى سنة تسع وتسعين وستمائة:
لك علم بما جرى يا سهادى
…
من جفونى على افتقاد رقادى
لم أجد عند شدّتى مؤنسا لى
…
غير سهدى ملازما لسوادى
وحبيب العين الرقاد جفاها
…
مذ رآها خليفة الأنكاد
أحسن الله يا دمشق عزاك
…
فى مغانيك يا عماد البلاد
وبرستقا نير بيك مع الم
…
زّة مع رونق بذاك الوادى
وبأنس بقاسيون وناس
…
أصبحوا مغنما لأهل الفساد
طرقتهم حوادث الدهر بالقت
…
ل ونهب الأموال والأولاد
وبنات محجّبات عن الشم
…
س تناءت بهنّ أيدى الأعادى
وقصور مشيّدات تقضّت
…
فى ذراها الأيام كالأعياد
وبيوت فيها التّلاوة والذك
…
ر وعالى الحديث بالإسناد
حرّقوها وخرّبوها وبادت
…
بقضاء الإله ربّ العباد
وكذا شارع العقيبة والقص
…
ر وشاغورها وذاك النادى
أصبحوا اليوم مثل أمس تقضّى
…
وبكتهم سماؤهم والغوادى
ولكم سورها حوى من معنى
…
مقرح القلب والحشى والفؤاد
إن بكى لا يفيده أو تشكّى
…
وجد المشتكى حليف سهاد
يشتكى فوق ما اشتكاه بأضعا
…
ف فيغدو وهمه فى ازدياد
فالغلا والجلا مع الجوع والعر
…
ى ونهب الأفوات والأزواد
والحصار الشديد والحبس والخو
…
ف مع السادة العراة المكادى [1]
وبوزن الأموال من غير وجد
…
بآعتساف الغتم [2] الغلاظ الشداد
كاتر آقچاكبر خوار أنت ياغيه
…
لمحمود غازان قاآن البلاد [3]
يا ترى هل لكربنا من مجير
…
أم لتشديد أسرنا من مفادى
لهف نفسى على جيوش تولّت
…
ثم ولّت جريحة الأكباد
كلّ ندب عضب حمىّ كمىّ
…
أمجد أصيد شجاع جواد
إن سطا فى هباته كان بحرا
…
أو سطا خلته من الآساد
أو بدا حاملا تخل عنتريّا
…
أو غدا سابق الجواد فغادى
إن أتانى مبشّر بلقاهم
…
حاز روحى ومهجتى وقيادى
ولثمت التراب شكرا وعفّر
…
ت خدودى على بلوغ مرادى
لست أرجو غير البشير شفيعا
…
عند ربّى فى المنّ بالإنجاد
فهو الصادق الذى وعد الدي
…
ن بنصر جار على الاباد
غير أنّ الفساد يكسب ذلّا
…
ويعمّى الفساد طرق السّداد
وارتكاب الفساد يورث فقرا
…
وخراب البيوت عقبى الفساد
يا حبيب الإله لا تتخلّى
…
عن عضاة غمرتهم بالأيادى
[1] المكادى: جمع «مكدى» اسم مفعول من كداه بمعنى حبسه.
[2]
الغتم: جمع أغتم وهو من لا يفصح.
[3]
عرضنا هذا البيت على العالم الجليل موسى افندى جار الله نزيل القاهرة الآن لشرحه بما يأتى: كاتر: هات. آقچا: النقود. كبرخوار: كافر حقير غير كتابىّ. ياغيه:
العدوّ الباغى. قا آن: كبير الملوك. ومعنى البيت: هات أيها الكافر الحقير الخراج أنت عدوّ لقاآن (خاقان) البلاد محمود غازان. وهذا البيت لا تتفق أوزانه مع التفاعيل الشعرية.
يا حبيب الإله قد مسّنا الض
…
رّ فجد بالإسعاف والإسعاد
يا حبيب الإله تبنا إلى الل
…
هـ وأنت العماد حتّى المعاد
من لأسرى كسرى حيارى دهتهم
…
دهمتهم جياد أهل العناد
واضع اللقط فى الحساب عناه
…
- لو يعش- حصر كثرة الأعداد
منهم الطفل والصبيّة والشا
…
بّ ينادى، فمن يجيب المنادى!
وينادى عليهم برغيف
…
وبنزر بخس بسوق الكساد
عوّضوا عن سرورهم بغرور
…
وقصور البلاد سكنى البوادى
وبأهل الوداد شرّ أناس
…
وبلين المهاد شوك القتاد
أىّ عين عليهم ليس تبكى
…
أىّ قلب عليهم غير صادى!
فلأنت الرحيم قلبا ولبّا
…
ولأنت الهادى لسبل الرّشاد
ولأنت البديع خلقا وخلقا
…
ولأنت السميع للإنشاد
ولأنت الظّراز فى كلّ معنى
…
ولسيف المقال شبه النّجاد
ولأنت الحاوى فنون صفات
…
دون حصر لها فناء المداد
ولأنت الممدوح من فوق عرش
…
بعد ماذا يقول قسّ الإيادى
جلّ قصد الفصيح بالنظم معنى
…
نشر فضل الممدوح بين العباد
فإذا كان منشئ المدح ربّى
…
عاد مدح الفصيح جمع سواد
فعليك الصلاة يرجو بها الأم
…
ن علىّ من سائر الأنكاد
وحيث انتهينا من المرائى والنوادب إلى هذه الغاية، فلنذكر نبذة من الزهد والتوكّل.