الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها: بأبى أنت! والله إنى لأرجو أن تكونى عند الله أفضل من الشّهداء لما توليناه من السرور، وجعل يصيح: واغوثاه! يا لله ما يلقى العاشقون!.
وقال عثمان بن محمد الليثىّ: كنت يوما فى منزل ابن نفيس، فخرجت إلينا جاريته بصبص، وكان فى القوم فتى يحبها، فسألته حاجة فقام ليأتيها بها، فنسى أن يلبس نعله ومضى حافيا. فقالت له: يا فلان، نسيت نعلك؛ فرجع فلبسها وقال: أنا والله كما قال الأوّل:
وحبّك ينسينى عن الشىء فى يدى
…
ويشغلنى عن كلّ شىء أحاوله
فأجابته فقالت:
وبى مثل ما تشكوه منّى وإنّنى
…
لأشفق من حبّ لذاك تزايله
ذكر أخبار جوارى ابن رامين وهنّ سلّامة الزّرقاء، وربيحة، وسعدة
قال أبو الفرج: وابن رامين هو عبد الملك بن رامين مولى عبد الملك بن بشر ابن مروان. وكان له جوار مغنّيات مجيدات، وهنّ سلّامة الزرقاء، وربيحة، وسعدة. وفيهنّ يقول إسماعيل بن عمّار قصيدته التى أوّلها:
هل من شفاء لقلب لجّ محزون
…
صبا وصبّ إلى رئم ابن رامين
إلى ربيحة إن الله فضّلها
…
بحسنها وسماع ذى أفانين
نعم شفاؤك منها أن تقول لها
…
قتلتنى يوم دير اللّجّ [1] فآحيينى
أنت الطبيب لداء قد تلبّس بى
…
من الجوى فانفثى فى فىّ وارقينى
نفسى تأبى لكم إلّا طواعية
…
وأنت تحمين أنفا أن تطيعينى
[1] دير اللج: هو بالحيرة مما بناه النعمان بن المنذر.
ومنها:
لم أنس سعدة والزّرقاء يومهما
…
باللّجّ شرقيّه فوق الدكاكين
يغنّيان ابن رامين ضحاءهما
…
بالمسجحىّ وتشبيب المحبّين
فما دعوت به فى عيش مملكة
…
ولم نعش يومنا عيش المساكين
وهى أبيات طويلة، وله فيهنّ غيرها.
قال: واشترى جعفر بن سليمان بن علىّ سلّامة الزرقاء بثمانين ألف درهم؛ وقيل: إنه اشترى ربيحة بمائة ألف درهم، والأوّل أصح. وقيل: إنّ الذى اشترى ربيحة محمد بن سليمان، واشترى صالح بن علىّ سعدة بتسعين ألف درهم. وقيل:
اشترى معن بن زائدة إحداهنّ. قال: وكانت سلّامة الزرقاء عاقلة شكلة. قال:
ولمّا اشتراها جعفر ومضت لها مدّة عنده، سألها يوما: هل ظفر منك أحد قطّ ممن كان يهواك بخلوة أو قبلة؟ فخشيت أن يبلغه شىء كانت فعلته بحضرة جماعة أو يكون قد بلغه شىء، فقالت: لا والله إلا يزيد بن عون العبادىّ الصيرفى، فإنه قبّلنى قبلة وقذف فى فىّ لؤلؤة بعتها بثلاثين ألف درهم. فلم يزل جعفر بن سليمان يحتال له حتى وقع به فضربه بالسّياط حتى مات.
وقد روى أبو الفرج الأصفهانىّ فى خبر يزيد بن عون هذا بسند رفعه إلى عبد الرحمن بن مقرون أنه اجتمع هو وروح بن حاتم عند ابن رامين، وأن الزرقاء خرجت عليهم فى إزار ورداء [قهويّين [1]] مورّدين، كأنّ الشمس طالعة بين رأسها وكعبها. قال: فغنّتنا ساعة؛ ثم جاء الخادم الذى كان يأذن لها- وكان الإذن عليها دون مولاها- فقام على الباب وهى تغنّى، حتى إذا قطعت الغناء نظرت إليه فقالت:
مه! قال: يزيد بن عون العبادىّ الصيرفىّ الملقّب بالماجن على الباب. قالت:
[1] زيادة عن الأغانى.
ائذن له. فلما استقبلها طفر ثم أقعى بين يديها، فوجدت والله له، ورأيت أثر ذلك، وتنوّقت تنوّقا [1] خلاف ما كانت تفعل بنا. فأدخل يده فى ثوبه فأخرج لؤلؤتين فقال:
انظرى يا زرقاء، جعلت فداك! ثم حلف أنه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم.
قالت: فما أصنع بك؟ قال: أردت أن تعلمى. فغنّت صوتا ثم قالت: يا ماجن هبهما لى! قال: إن شئت والله فعلت. قالت: قد شئت. قال: فاليمين التى حلفت بها لازمة [لى [2]] إن أخذتهما إلا بشفتيك من شفتىّ. فقال ابن رامين للغلام:
ضع لى ماء ثم خرج عنا؛ فقالت: هاتهما. فمشى على ركبتيه وكفّيه وهما بين شفتيه وقال: هاك؛ فلما ذهبت تتناولهما جعل يصدّ عنها يمينا وشمالا ليستكثر منها؛ فغمزت جارية على رأسها، فخرجت كأنها تريد حاجة ثم عطفت عليه؛ فلما دنا وذهب ليروغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتى أخذت الزرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه ورشح جبينها عرقا حياء منا. ثم تجلّدت علينا فأقبلت عليه [3] وقالت: المغبون فى استه عود.
فقال: فأمّا أنا فلا أبالى، والله لا يزال طيب هذه الرائحة فى أنفى وفى ما حييت.
قال: واجتمع عند ابن رامين معن بن زائدة وروح بن حاتم وابن المقفّع. فلما تغنّت الزّرقاء وسعدة بعث معن فجىء ببدرة فصبّها بين يديها، وبعث روح فجىء ببدرة فصبّها بين يديها، ولم تكن عند ابن المقفّع دراهم، فبعث فجاء بصكّ ضيعة، وقال: هذه عهدة ضيعتى خذيها، فأمّا الدراهم فما عندى منها شىء. وشربت زرقاء دواء فأهدى لها ابن المقفّع ألف درّاجة [4] .
وعن إسحاق بن إبراهيم قال: كان روح بن حاتم بن المهلّب كثير الغشيان لمنزل ابن رامين، وكان يختلف إلى الزّرقاء، وكان محمد بن جميل يهواها وتهواه؛ فقال لها:
[1] تنوق فى الأمر: تأنق فيه.
[2]
زيادة عن الأغانى.
[3]
كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «علينا» .
[4]
نوع من الطيور.